منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75517
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Empty
مُساهمةموضوع: يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد     يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Emptyالخميس 17 أغسطس 2017, 8:32 pm

 يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  A1



يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد
. عبداللطيف بن عبدالمحسن


ما المناسبات الإسلامية إلا اصطفاء من الله تعالى لبعض الأزمان وتخصيص لها بعبادات ووظائف.
تأتي تلك المناسبات الكريمة فتحرك الشعور الإسلامي في أهله ليُقبلوا على الله عز وجل فيزدادوا طهراً وصفاءاً ونقاءاً.
يُقبل شهر الله المحرم فيدعو المسلمين للصيام؛ حيث يقول النبي صل الله عليه وسلم:  (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم )[1] .
وفي الوقت الذي يذكِّرنا فيه هذا الشهر بهجرة المصطفى صل الله عليه وسلم بداية ظهور الدعوة وقيام دولة الإسلام نجد فيه يوماً يذكِّرنا بانتصار نبي آخر هو موسى عليه الصلاة والسلام. ذلكم هو يوم عاشوراءالعاشر من المحرم.
ولقد حبا الله هذا اليوم فضلاً ، فضاعف فيه أجر الصيام. ثم كان للناس فيه طرائق فأدخلوا فيه وأحدثوا وزادوا.. إما رغبة في الخير، أو مجاراة للناس، وإما اتباعاً للهوى وزهداً في السنة.
من هنا نشأت الحاجة لبيان فضل هذا اليوم، وما يشرع فيه، وبيان أحوال الناس في تعظيمه، مع وقفات تبرز من خلال المطالعة والبحث في هذا الموضوع، أسأل الله تعالى الهدى والسداد، وأن ينفع بهذه السطور.
أولاً: خصوصية عاشوراء وفضل صومه:
جاء في فضل عاشوراء أنه يوم نجَّى الله فيه نبيه موسى عليه الصلاة والسلام والمؤمنين معه، وأغرق فيه فرعون وحزبه؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟) فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فنحن أحق وأوْلى بموسى منكم) فصامه رسول الله صل الله عليه وسلم، وأمر بصيامه[2]، وهذا يحتمل أن الله تعالى: (أوحى إليه بصدقهم، أو تواتر عنده الخبر بذلك)[3].
وقد جاء بيان فضل صيام يوم عاشوراء في حديث أبي قتادة أن النبي صل الله عليه وسلم سئل عن صومعاشوراء، فقال: (يكفِّر السنة الماضية)، وفي رواية: (صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)[4]، وفي حديث آخر:  (ومن صام عاشوراء غفر الله له سنة)[5] .
قال البيهقي: (وهذا فيمن صادف صومه وله سيئات يحتاج إلى ما يكفِّرها؛ فإن صادف صومه وقد كُفِّرت سيئاته بغيره انقلبت زيادة في درجاته، وبالله التوفيق)[6] .
بل إن صيامه يعدل صيام سنة، كما في رواية: (ذاك صوم سنة)[7].
ويصور ابن عباس حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صيامه فيقول: (ما رأيت النبي صل الله عليه وسلم يتحرَّى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني: شهر رمضان)[8].
ولِمَا عُرف من فضله فقد كان للسلف حرص كبير على إدراكه، حتى كان بعضهم يصومه في السفر؛ خشية فواته، كما نقله ابن رجب عن طائفة منهم ابن عباس، وأبو إسحاق السبيعي، والزهري، وقال: (رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر)[9] .
ثانياً: حالات صوم عاشوراء:
مرّ صوم يوم عاشوراء بأحوال عدة[10] :
الأولى: أن النبي صل الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء بمكة، ولا يأمر الناس بصومه.
الثانية: لما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه، فصامه وأمر الناس بصيامه، حتى أمر من أكل في ذلك اليوم أن يمسك بقية ذلك اليوم. وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة؛ لأنه قدم المدينة في ربيع الأول.
الثالثة: لما فرض رمضان في السنة الثانية نُسِخَ وجوب صوم عاشوراء، وصار مستحباً، فلم يقع الأمر بصيامه إلا سنة واحدة[11].
ويشهد لهذه الحالات أحاديث، منها: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صل الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر إلى المدينة، صامه وأمر بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال: (من شاء صامه، ومن شاء تركه)[12] .
وعن الرُّبَيِّع بنت معوِّذ قالت: أرسل رسول الله صل الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: (من كان منكم صائماً فليتمَّ صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه)، فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوِّم صبياننا الصغار منهم، إن شاء الله، ونذهب بهم إلى المسجد، ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم)[13] .
ومن العلماء من قال: إنه لم يكن واجباً أصلاً [14]؛ احتجاجاً بقول معاوية رضي الله عنه لما خطب يومعاشوراء فقال: (ولم يكتب الله عليكم صيامه)[15]، قال الحافظ ابن حجر: (ولا دلالة فيه؛ لاحتمال أن يريد: ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان، وغايته: أنه عامٌّ خُصَّ بالأدلة الدالة على تقدُّم وجوبه، أو المراد: أنه لم يدخل في قوله تعالى: ] كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ [[البقرة : 183]، ثم فسره بأنه شهر رمضان، ولا يناقض هذا الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخاً، ويؤيد ذلك: أن معاوية إنما صحب النبي صل الله عليه وسلم من سنة الفتح، والذين شهدوا أمره بصيامعاشوراء والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى أوائل العام الثاني.
ويؤخذ من مجموع الروايات أنه كان واجباً؛ لثبوت الأمر بصيامه، ثم تأكد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالنداء العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك، ثم زيادته بأمر الأمهات ألاَّ يرضعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم:  (لما فُرِضَ رمضان ترك عاشوراء)، مع العلم بأنه ما ترك استحبابه، بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه)[16] .
فكما كان واجباً أولاً فهو الآن مستحب غير واجب، كما نقل ابن عبد البر الإجماع على هذا[17] .
واستحبابه متأكد يدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنهما: (ما رأيت النبي صل الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني: شهر رمضان)[18].
قال ابن حجر: (وأما قول بعضهم: المتروك تأكد استحبابه، والباقي مطلق استحبابه.. فلا يخفى ضعفه، بل تأكُّد استحبابه باقٍ، ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته صل الله عليه وسلم؛ حيث يقول:  (لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر)، ولترغيبه في صومه وأنه يكفِّر سنة، وأي تأكيد أبلغ من هذا؟! )[19].
ولا يشوِّش على هذا ما روي من أن ابن عمر كان لا يصومه إلا أن يوافق صيامه[20]، وأنه كان يكره إفراده بالصوم، فهو اجتهاد منه لا تُعارَض به الأحاديث الصحيحة، وقد انقرض القول بذلك[21] .
الحالة الرابعة: الأمر بمخالفة اليهود في صيام عاشوراء(كان النبي صل الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء)[22]، حتى أُمر بمخالفتهم، ونُهي عن موافقتهم، فعزم على أن لا يصوم عاشوراء مفرداً، فكانت مخالفته لهم في ترك إفراد عاشوراء بالصوم.
ويشهد لذلك أحاديث منها: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع). قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم[23]، والمراد: أنه عزم على صوم التاسع مع العاشر. يشهد لذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر)[24]، وقوله: (خالفوا اليهود، وصوموا التاسع والعاشر)[25]، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صل الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء يوم العاشر[26] .
أما جواب ابن عباس لمن سأله عن صيام عاشوراء، فقال: (إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبِحْ يوم التاسع صائماً  )[27]، فلا إشكال فيه، قال ابن القيم: (فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس تبين له زوال الإشكال، وسعة علم ابن عباس؛ فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع، بل قال للسائل: صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه)[28] .
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً)[29] . وعلى صحة هذا الحديث فإن من لم يصم التاسع فإنه يصوم الحادي عشر؛ لتتحقق له مخالفة اليهود في عدم إفراد عاشوراء بالصوم.
أما رواية: (صوموا يوماً قبله ، ويوماً بعده) فهي ضعيفة[30] .
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود، وتتخذه عيداً، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: (فصوموه أنتم)[31] .
قال ابن رجب: (وهذا يدل على النهي عن اتخاذه عيداً، وعلى استحباب صيام أعياد المشركين؛ فإن الصوم ينافي اتخاذه عيداً، فيوافقون في صيامه مع صيام يوم آخر معه... فإن في ذلك مخالفة لهم في كيفية صيامه أيضاً، فلا يبقى فيه موافقة لهم في شيء بالكلية)[32] .
ثالثاً: كيفية مخالفة اليهود في صوم يوم عاشوراء:
يظهر مما تقدم من الأحاديث والله أعلم أن الأكمل هو صوم التاسع والعاشر؛ لأنه هو الذي عزم على فعله النبي صل الله عليه وسلم.
ومن صحح حديث: (وصوموا قبله يومًا، أو بعده يومًا) فإنه قال بمشروعية صيام الحادي عشر لمن لم يصم التاسع ، لتحصل له مخالفة اليهود التي قصد إليها النبي صل الله عليه وسلم؛ خاصة أن من أهل العلم من يرى كراهية إفراد العاشر بالصوم؛ لما فيه من موافقة اليهود ومخالفة الأمر بمخالفتهم، وأيضًا خشية فوات العاشر[33] .
ومن أهل العلم من قال بأفضلية صوم الثلاثة أيام: التاسع والحادي عشر مع العاشر، وحجتهم الرواية المتقدمة Sad صوموا يومًا قبله، ويومًا بعده)، وأيضًا: الاحتياط لإدراك العاشر، ولأنه أبلغ في مخالفة اليهود[34].
رابعاً: أعمال الناس في عاشوراء في ميزان الشرع:
الناظر في حال الناس اليوم يرى أنهم يخصصون عاشوراء بأمور عديدة. ومن خلال سؤال عدد من الناس من بلدان عدة تبين أن من الأعمال المنتشرة التي يحرص عليها الناس في عاشوراء: الصيام وقد عرفنا مشروعيته.
ومنها: إحياء ليلة عاشوراء، والحرص على التكلف في الطعام، والذبح عموماً لأجل اللحم، وإظهار البهجة والسرور، ومنها: ما يقع في بلدان كثيرة من المآتم المشتملة على طقوس معينة مما يفعله الروافض وغيرهم.
وحتى نعرف مدى شرعية تلك الأعمال فتكون مقربة إلى الله، أو عدم مشروعيتها لتصير بدعاً ومحدثات تُبعِد العبد عن الله؛ فإنه لا بد أن نعلم جيداً أن للعمل المقبول عند الله تعالى شروطاً منها: أن يكون العامل متابعاً في عمله رسول الله صل الله عليه وسلم[35] .
وإذا نظرنا في أفعال الناس في عاشوراء سواء ما كان منها في الحاضر أو الماضي أو الماضي القريب[36]رأينا أنها على صور عدة:
أ - ما كان منها في باب العبادات؛ حيث خصوا هذا اليوم ببعض العبادات كقيام ليلة عاشوراء، وزيارة القبور فيه، والصدقة، وتقديم الزكاة أو تأخيرها عن وقتها لتقع في يوم عاشوراء، وقراءة سورة فيها ذكر موسى فجر يوم عاشوراء... فهذه ونحوها وقعت المخالفة فيها في سبب العمل وهو تخصيصه بوقت لم يخصه الشارع بهذه الأعمال، ولو أراده لحثَّ عليه، كما حث على الصيام فيه، فيُمنع من فعلها بهذا التقييد الزمني، وإن كانت مشروعة في أصلها.
ولأن باب البدع لا يقف عند حدّ فإن البدع في العبادات قد تنال كيفية العبادة ، كما اختلقوا حديثاً موضوعاً مكذوباً في صلاة أربع ركعات ليلة عاشوراء ويومها، يقرأ فيها ] قل هو الله أحد [ [الإخلاص : 1] إحدى وخمسين مرة[37]، وخرافة رقية عاشوراء، ونعي الحسين رضي الله عنه على المنابر يوم الجمعة[38]، وكالمنكرات المصاحبة لزيارة القبور .
ب - ما كان من باب العادات التي تمارس في عاشوراء تشبيهاً له بالعيد، ومن ذلك: الاغتسال، والاكتحال، واستعمال البخور، والتوسع في المآكل والمشارب، وطحن الحبوب، وطبخ الطعام المخصوص، والذبح لأجل اللحم، وإظهار البهجة والسرور. ومنها عادات لا تخلو من منكرات قبيحة.
وهذه في أصلها نشأت وظهرت رد فعل لمآتم الرافضة التي يقيمونها حزناً على مقتل الحسين رضي الله عنه فكان من الناصبة[39] أن أظهروا الشماتة والفرح، وابتدعوا فيه أشياء ليست من الدين، فوقعوا في التشبه باليهود الذين يتخذونه عيداً كما تقدم[40] .
وأما ما روي من الأحاديث في فضل التوسعة على العيال في عاشوراء فإن طرقها ضعيفة، وهي وإن رأى بعض العلماء أنها قوية فإن ضعفها لا ينجبر، ولا ينهض لدرجة الحسن.
أما الاغتسال والاكتحال والاختضاب فلم يثبت فيه شيء البتة[41]، ولمَّا أشار ابن تيمية إلى ما روي من الأحاديث في فضل عاشوراء قال: (وكل هذا كذب على رسول الله صل الله عليه وسلم، لم يصح فيعاشوراء إلا فضل صيامه)[42] .
وبذلك تعرف أن الشرع لم يخص عاشوراء بعمل غير الصيام ، وهذا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم ،] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [ [الأحزاب : 12] . وكم فات على أولئك المنشغلين بتلك البدع من اتِّباع النبي صل الله عليه وسلم والعمل بسنته !
ج - مآتم الشيعة (الرافضة والباطنية): أما بالنسبة لمآتم الشيعة فإنه لا نزاع في فضل الحسين رضي الله عنه ومناقبه؛ فهو من علماء الصحابة، ومن سادات المسلمين في الدنيا والآخرة الذين عرفوا بالعبادة والشجاعة والسخاء...، وابن بنت أشرف الخلق صل الله عليه وسلم، والتي هي أفضل بناته، وما وقع من قتله فأمر منكر شنيع محزن لكل مسلم، وقد انتقم الله عز وجل من قتلته فأهانهم في الدنيا وجعلهم عبرة، أصابتهم العاهات والفتن، وقلَّ من نجا منهم.
والذي ينبغي عند ذكر مصيبة الحسين وأمثالها هو الصبر والرضى بقضاء الله وقدره، وأنه تعالى يختار لعبده ما هو خير، ثم احتساب أجرها عند الله تعالى.
ولكن لا يحسن أبداً ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي يُلحَظُ التصنع والتكلف في أكثره، وقد كان أبوه عليٌّ أفضل منه وقُتل، ولم يتخذوا موته مأتماً، وقتل عثمان وعمر ومات أبو بكر رضي الله عنهم، وكلهم أفضل منه.. ومات سيد الخلق صل الله عليه وسلم، ولم يقع في يوم موته ما هو حاصل في مقتل الحسين. وليس اتخاذ المآتم من دين المسلمين أصلاً، بل هو أشبه بفعل أهل الجاهلية[43] .
قال ابن رجب عن يوم عاشوراء(وأما اتخاذه مأتماً كما تفعله الرافضة؛ لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه.. فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً، فكيف بمن دونهم؟)[44].
ولقد كانت بعض تصرفات الرافضة في مآتمهم موضع انتقاد من بعض علمائهم، مع إصرار الجميع على المآتم والحزن.
ففي مقابلة مع أحد مراجعهم[45]  سئل: (هناك أيضاً قضية عاشوراء التي لا تحبذها؟) فأجاب: ( عاشوراءلا بد أن تتحرك مع الخط العاطفي، ولكن لا أوافق على الاحتفال بعاشوراء بطريقة ضرب الرؤوس بالسيوف، وجلد الأجساد بالسلاسل الحديدية، وأنا قد حرمت هذا). ثم طالب بأساليب للتعبير عن العاطفة أكثر (عصرية)، وذكر منها استخدام المسرح، حتى يكون لعاشوراء امتداد في العالم![46] .
والملاحظ أن مآتم الرافضة في عاشوراء لم ترتبط بأصل إسلامي من قريب أو بعيد؛ إذ لا علاقة لها بنجاة موسى، ولا بصيام النبي صل الله عليه وسلم، بل الواقع أنهم حولوا المناسبة إلى اتجاه آخر، وهذا من جنس تبديل دين الله عز وجل.
خامسًا: وقفات وفوائد:
- حين يعظم الكفار بعض الشعائر: تقدم في حديث عائشة الصحيح أن قريشاً كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية، وعنها قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوماً تُسْتَرُ فيه الكعبة...)[47]، وقد قيل في سبب صيامهم أنهم أذنبوا ذنباً فعظم في صدورهم، فقيل لهم: صوموا عاشوراء[48] ، وقيل: أصابهم قحط، ثم رفع عنهم، فصاموه شكراً[49]، و (لعلهم تلقوه من الشرع السالف، ولهذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة، وغير ذلك)[50] .
وأياً كان الحامل لهم على ذلك فإنه ليس غريباً بقاء أثارة من تدين عند الكفرة والمشركين، وهذا غالباً هو حال المبدلين شرع الله. ولكن وجود شيء من ذلك لا يعني استحسان حالهم العامة بإطلاق مع بقائهم على الشرك والكفر؛ لأن ميزان التفضيل هو التزام الدين قلباً وقالباً عن رضىً وقبول كما أراده الله، لا تجزئة الدين والإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض، ولا التعلق بمجرد شعائر خالية من اليقين والإيمان الخالص الذي هو دليل الشكر الصادق، وسبب التكفير والمغفرة لمن سعى لذلك.
يقول الله عز وج : ] مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وأَقَامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكَاةَ ولَمْ يَخْشَ إلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئَكَ أَن يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ [ [التوبة : 17 ، 18].
وهكذا الحال بالنسبة لبعض المنتسبين لهذه الأمة في التزامهم بعض شعائر الإسلام وتركهم كثيراً منها؛ فذلك شبه باليهود الذين أنكر الله عليهم بقوله: ]أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلَى أَشَدِّ العَذَابِ ومَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ[ [البقرة : 85]. كحال من يكتفي من الإسلام بصيام رمضان، أو الإحسان إلى الناس مثلاً، مع فساد المعتقد، أو إهمال الصلوات، أو الركون إلى الكفرة وتوليهم.
2 - مخالفة أهل الكتاب من أعظم مقاصد الشريعة[51] :
مخالفة الكفار من أبرز مظاهر تحقيق البراء من الكافرين الذي لا يتم الإيمان إلا به، وقد شدد الشارع على المتشبهين بهم، حتى قال النبي صل الله عليه وسلم:  (من تشبه بقوم فهو منهم)[52]، وقد ذكر ابن تيمية أن هذا أقل أحواله التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم[53] .
وفي ترك إفراد عاشوراء بالصوم درس عظيم، فإنه مع فضل صوم ذلك اليوم، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على صومه، وكونه كفارة سنة ماضية.. إلا أن النبي صل الله عليه وسلم أمر بمخالفة اليهود فيه، وعزم على ضم التاسع إليه، فوقعت المخالفة في صفة ذلك العمل، مع أن صوم عاشوراء مشروع في الشريعتين، أو أنه مشروع لنا وهم يفعلونه، فكيف بما كان دون ذلك من المباح أو المحرم وما كان من شعائر دينهم؟! لا شك أن في ذلك من المفاسد ما لا يظهر أكثره لأكثر الخلق[54] .
أما اقتصار النبي صل الله عليه وسلم على صوم عاشوراء أولاً فقد كان قبل أن يؤمر بمخالفة أهل الكتاب، وقد كان قبل ذلك يحب موافقتهم فيما لم يؤمر فيه بشيء[55] ، واحتمل أن يكون صومه (استئلافاً لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم، وعلى كل حال فلم يصمه اقتداءاً بهم؛ فإنه كان يصومه قبل ذلك)[56].
والإسلام منهج وسط في الاتباع، حاديه دائماً الحق المجرد؛ ففعل المشركين لِحَقٍّ لا يسوِّغ ترك هذا الحق بدعوى مخالفتهم، كما أن فعلهم لباطل لا يسوِّغ متابعتهم فيه بدعوى موافقتهم لتأليف قلوبهم، وعليه: تنتفي الدوافع المتوهمة للإعجاب بحال أي مبطل أو متابعته في باطله أو ترك حق لأنه فعله؛ إذ مقياس قبول الأحوال توافقها مع الشرع، وميزان المخالفة ما كان من خصائص مِلَّتهم وشعائر دينهم، وبين هذا وهذا درجات لا مجال لتفصيلها.
3 - حقيقة الانتماء:
علَّل اليهود صيامهم عاشوراء بمتابعتهم موسى حين صامه شكراً لله على إنجائه له من فرعون. وهاهنا أمران :
أولهما: هل يكفي صيامهم عاشوراء برهاناً للمتابعة وسبباً للأولوية بموسى؟
وثانيهما: هل وقع لهم ما أرادوا من موافقة عاشر المحرم (عاشوراء) فعلاً؟
أما الأول: فلا يكفي صومهم عاشوراء أن يقوم دليلاً لكونهم أوْلى بموسى؟ أبداً؛ إذ الحكم في ذلك بحسب تمام المتابعة والتزام المنهج، قال الله عز وجل: ] إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهَذَا النَّبِيُّ والَّذِينَ آمَنُوا واللَّهُ ولِيُّ المُؤْمِنِينَ [ [آل عمران : 68].
ولذا كان نبي هذه الأمة صل الله عليه وسلم وأتباعه أوْلى بنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام من الأمة الغضبية، فقال: (نحن أحق وأوْلى بموسى منكم)[57] .
وهكذا تتوحد المشاعر، وترتبط القلوب مع طول العهد الزماني، والتباعد المكاني، فيكون المؤمنون حزباً واحداً هو حزب الله عز وجل؛ فهم أمة واحدة، من وراء الأجيال والقرون، ومن وراء المكان والأوطان.. لا يحول دون الانتماء إليها أصل الإنسان أو لونه أو لغته أو طبقته.. إنما هو شرط واحد لا يتبدل، وهو تحقيق الإيمان، فإذا ما وجد كان صاحبه هو الأوْلى والأحق بالولاية دون القريب ممن افتقد الشرط؛ ولذا استحقت هذه الأمة ولاية موسى دون اليهود المغضوب عليهم. ] إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [ [الأنبياء : 29].
وأما الثاني: وهو: هل وافقوا صيام عاشوراء فعلاً؟ فقد ذكر بعض أهل العلم[58]  أن حساب اليهود كان بالسنة الشمسية، والمحرم شهر هلالي لا شمسي، وهذا يوقع الشك في إصابة اليهود يوم عاشوراء، أما المسلمون فحسابهم بالأشهر الهلالية فأصابوا تعيين عاشوراء، وإذا ظهر خطأ اليهود تبينت أولوية المسلمين من هذا الوجه أيضاً.
ويشبه هذا ضلال أهل الكتاب عن يوم الجمعة، فاختار اليهود السبت، واختار النصارى الأحد، وهُدي المسلمون ليوم الجمعة.
4 - عبادة الله أبلغ الشكر :
كانت نجاة موسى عليه الصلاة والسلام وقومه من فرعون.. منَّة كبرى أعقبها موسى بصيام ذلك اليوم، فكان بذلك وغيره من العبادات شاكرًا لله تعالى؛ إذ العمل الصالح شكر لله كبير، قال ربنا عز وجل: ] اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [ [سبأ : 31]، وأساس الشكر مبني على خمس قواعد: الخضوع للمنعم، وحبه، والاعتراف بنعمته، والثناء عليه بها، وألا تصرف النعمة فيما يكرهه المنعم[59] . (والبشر مهما بالغوا في الشكر قاصرون عن الوفاء، فكيف إذا قصّروا وغفلوا عن الشكر من الأساس)؟![60] .
ويجب التنبه إلى أن أمر العبادة قائم على الاتباع، فلا يجوز إحداث عبادات لم تشرع، كما لا يجوز تخصيصعاشوراء ولا غيره من الأزمان الفاضلة بعبادات لم ينص عليها الشارع في ذلك الزمن. أما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فعباداتهم شرع معصوم مبني على وحي الله عز وجل إليهم.
ثم اقتفاء آثار الأنبياء وتحقيق الاهتداء بهديهم والاجتهاد في تطبيق سنتهم هو الشكر بعينه.
5 - في التعويد على الخير تثبيت عليه :
بلغ بالصحابة الحرص على تعويد صغارهم الصيام أن احتالوا عليهم في تمرينهم عليه حتى يُتِمُّوه، فصنعوا لهم اللعب يتلهون بها عن طلب الطعام، كما تقدم في حديث الربيِّع؛ وذلك لكون تعويد الصغير على فعل الخير مكمن قوة في استقامته عليه في الكبر؛ لأنه يصير هيئة راسخة في نفسه تعسر زعزعتها.. واليوم لدينا من وسائل التلهية المباحة بقدر ما لدينا من أصناف الطعام وأشكاله، وإذا اقتنع المربي بواجبه التربوي لم تُعْيِه الحيلة؛ فإن الحاجة تفتق الحيلة[61].



 

 




 (1) رواه مسلم، ح/ 1163 .
(2) البخاري، ح/2004، ومسلم، ح/11330 ، واللفظ له .
(3) فتح الباري: 4/291 .
(4) رواه مسلم، ح : 1162 .
(5) رواه البزار، انظر: مختصر زوائد البزار 1/407 ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1/422 .
(6) فضائل الأوقات، للبيهقي: 439 .
(7) رواه ابن حبان: 8/394، ح/3631 قال شعيب الأرناؤوط: إسناده على شرط مسلم .
(Cool رواه البخاري، ح/2006، ولا يعني هذا تفضيله على يوم عرفة، فإنه يكفر سنتين، ويتميز بمزيد فضل لما يقع فيه من العبادات والمغفرة والعتق، ثم إنه محفوف بالأشهر الحرم قبله وبعده، وصومه من خصائص شرعنا، بخلاف عاشوراء، فضوعف ببركات المصطفى صل الله عليه وسلم (انظر : بدائع الفوائد: 4/211 ، والفتح : 4/292 ، ومواهب الجليل 2/403).
(9) لطائف المعارف، لابن رجب : 110 ، وأخرج أثر الزهري البيهقي في الشعب: 3/367 .
(10) انظر: اللطائف: 102 109 .
(11) انظر: الفتح: 4/289 .
(12) رواه مسلم، ح : 1125 ، واللفظ له، والبخاري، ح : 2002 .
(13) رواه مسلم: ح 1136، 2/798 .
(14) كالبيهقي، في فضائل الأوقات: 444 ، 445 .
(15) رواه البخاري: ح/2003، الفتح: 4/287 .
(16) الفتح: 4/290 وانظر: زاد المعاد : 2/71 ، 72 .
(17) انظر: التمهيد: 7/203 ، 22/148 .
(18) رواه البخاري: ح : 2006، الفتح: 4/287 .
(19) الفتح: 4/290 .
(20) البخاري: ح/1892، الفتح4/123، ومسلم: ح/1126 .
(21) انظر: الفتح : 4/289 .
(22) كما صح عن ابن عباس في البخاري: ح 5917 وانظر مبحثاً مفيداً في المسألة في اقتضاء الصراط المستقيم: 1/466 472 .
(23) رواه مسلم، ح/1134 .
(24) أخرجه الترمذي3/128، ح/755 ، وقال : حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ح/603، وانظر : صحيح الجامع ، ح/ 3968 .
(25) أخرجه عبد الرزاق (7839)، والبيهقي (4/287)، من طريق ابن جريج عن عطاء وهذا إسناد صحيح .
(26) أخرجه البزار، انظر : مختصر زوائد البزار، لابن حجر : 1/ 406 ، ح 672 ، وقال الحافظ : إسناده صحيح .
(27) رواه مسلم : 1133 .
(28) زاد المعاد : 2/ 75 76 .
(29) المسند : 1/241 وقال شاكر : إسناده صحيح واحتج به من أهل العلم : الحافظ في الفتح (4/289) ، وابن القيم في الزاد (2/76) ، وغيرهما وضعف إسناده محققا المسند، وقالا : ( إسناده ضعيف ابن أبي ليلى واسمه محمد بن عبد الرحمن: سيئ الحفظ ، وداود ابن علي وهو ابن عبد الله بن عباس الهاشمي روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ، وقال الإمام الذهبي: وليس حديثه بحجة )، ثم خرجاه من مصادره، وبينا أن الثابت عن ابن عباس موقوفًا هو بلفظ: (صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود) انظر المسند ح/ 2154 ، 3213 (4/52 ، 5/280) .
(30) ذكر هذا اللفظ: الهيثمي في مجمع الزوائد: 3/188 ، وقال: ( رواه أحمد والبزار، وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام) وذكره المجد ابن تيمية في المنتقى، وعزاه لأحمد، قال الشوكاني في نيل الأوطار: 4/330 : (رواية أحمد هذه ضعيفة منكرة، من طريق داود بن علي، عن أبيه، عن جده، رواها عنه: ابن أبي ليلى) وذكره ابن رجب في لطائف المعارف: 108 والذي وقفت عليه في المسند هو اللفظ المتقدم، وهو بـ (أو) وليس بالواو، وقد ضعف الرواية التي بالواو الألباني في ضعيف الجامع، ح/ 3506 ، وذكرها محتجًا بها الشيخ ابن باز ، انظر: فتاوى إسلامية: 2/169.
(31) رواه مسلم، ح : 1131 ، 1/796 .
(32) لطائف المعارف: 112 .
(33) وهو المشهور عن ابن عباس ومقتضى كلام أحمد، ومذهب الحنفية انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 1/470 471، ورد المحتار، لابن عابدين 3/ 336 337 .
(34) بل إن الحافظ ابن حجر (الفتح4/289) وابن القيم (الزاد2/72) جعلا المراتب ثلاثة، أفضلها صيام الثلاثة الأيام، يليها صوم التاسع والعاشر، والثالثة صوم العاشر وحده وانظر: المغني، لابن قدامة 4/441، ولطائف المعارف، ص 109 .(35) ويتحقق الاتباع بموافقة العمل هدي النبي صل الله عليه وسلم في ستة أمور : أ - كون سبب العمل مشروعاً، فالتهجد في ليالي معينة كليلة عاشوراءدون غيرها سببه غير مشروع؛ لأنه لم يرد في تخصيصها به نص شرعي ب - الجنس؛ فالتضحية بفرس غير مقبولة؛ لأنها لم تشرع ج - القدر أو العدد، فإذا صلى المغرب أربعاً لم تصح؛ لمخالفة الشرع في العدد د - الكيفية، فإذا توضأ وضوءاً منكساً لم يُقبل هـ - الزمان ، فلو ضحى في شعبان لما صحت منه و -المكان، فلو اعتكف في بيته لما صح منه ذلك؛ لمخالفة الشرع في المكان (انظر : الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع، لابن عثيمين : 21- 22) .
(36) انظر في بدع عاشوراء: المدخل، لابن الحاج : 1/208، 209 ، وتنبيه الغافلين، لابن النحاس: 303، والإبداع في مضار الابتداع، لعلي محفوظ: 268-272، والسنن والمبتدعات، للشقيري : 118-121، وردع الأنام من محدثات عاشر المحرم الحرام ، لأبي الطيب عطاء الله ضيف وانظر: معجم البدع، لرائد بن أبي علفة: 391 395.
(37) انظر: الإبداع، لعلي محفوظ: 270 .
(38) انظر: السنن والمبتدعات ، للشقيري: 120 .
(39) هم الذين يناصبون آل البيت العداء، في مقابل الرافضة الذين غلوا فيهم.
(40) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم: 2/129 134 ، وانظر: اللطائف: 112، وشعب الإيمان: 3/367، وضعيف الجامع، ح/5873.
(41) انظر: السابق.
(42) منهاج السنة النبوية 7/39، وانظر: مواهب الجليل 2/403 444 .
(43) انظر: البداية والنهاية، لابن كثير: 8/201 203 ، والفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية : 25/307 314 ، واقتضاء الصراط المستقيم : 2/129- 131.
(44) لطائف المعارف: 113.
(45) وهو محمد حسين فضل الله.
(46) صحيفة: الخليج، العدد 7224 ، الأحد 12/11/1419هـ .
(47) رواه البخاري، ح : 1592 ، الفتح : 3/531 .
(48) انظر: الفتح : 4/289 .
(49) انظر: الفتح : 7/184 .
(50) الفتح: 4/289 .
(51) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم : 1/199 وما بعدها .
(52) رواه أبو داود: ح/ 4031 ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ، ح : 341 .
(53) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم: 1/270 .
(54) انظر: السابق: 1/284 ، 474 ، 92 94 .
(55) صحيح البخاري، ح/ 5917 ، موقوفًا على ابن عباس وتقدم .
(56) الفتح: 4/291 ، وانظر: 288 .
(57) هذا لفظ مسلم : ح/1130 .
(58) انظر: اللطائف : 109 ، والزاد: 2/69 ، 70 ، والفتح : 4/291 .
(59) انظر مدارج السالكين: 2/254 .
(60) في ظلال القرآن، لسيد قطب : 5/2899 .
(61) كما تقول العرب ومعنى المثل: أن شعور الإنسان بحاجته لشيء يولد له الحيلة والطريقة التي توصله إلى حاجته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75517
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Empty
مُساهمةموضوع: رد: يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد     يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Emptyالخميس 17 أغسطس 2017, 8:34 pm

تعظيم الله (تعالى) وشعائره
د. عبد العزيز بن محمد آل عبداللطيف


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:
فإن تعظيم الله (تعالى) وتعظيم ما يستلزم ذلك من شعائر الله (تعالى) وحدوده من أجلّ العبادات القلبية وأهم أعمال القلوب، التي يتعين تحقيقها والقيام بها، وتربية الناس عليها، وبالذات في هذا الزمان الذي ظهر فيه ما يخالف تعظيم الله (تعالى): من الاستخفاف والاستهزاء بشعائر الله (تعالى)، والتسفيه والازدراء لدين الله (تعالى) وأهله.
إنّ الإيمان بالله (تعالى) مبني على التعظيم والإجلال له (عزّ وجل)[1]، قال الله (تعالى): { تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ }[مريم : 90].
قال الضحاك بن مزاحم في تفسير هذه الآية: (يتشققن من عظمة الله (عز وجل)[2] .
ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية أهمية تعظيم الله (سبحانه) وإجلاله فيقول: ( فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله (سبحانه وتعالى)، والرسالة لعبده ورسوله، ثم لم يُتبع هذا الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام، الذي هو حال في القلب يظهر أثره على الجوارح، بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول أو بالفعل، كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه، وكان ذلك موجباً لفساد ذلك الاعتقاد ومزيلاً لما فيه من المنفعة والصلاح).[3]
ومما قاله ابن القيّم عن منزلة التعظيم: (هذه المنزلة تابعة للمعرفة، فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الربّ (تعالى) في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيمّاً وإجلالاً، وقد ذم الله (تعالى) من لم يعظمه حق عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته، قال (تعالى): { مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [نوح : 13]، قال ابن عباس ومجاهد: لا ترجون لله عظمة، وقال سعيد بن جبير: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته، وروح العبادة هو الإجلال والمحبة، فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت.. )[4] .
وتعظيم الله وإجلاله لا يتحقق إلا بإثبات الصفات لله (تعالى)، كما يليق به (سبحانه)، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، والذين ينكرون بعض صفاته (تعالى)، ما قدروا الله (عز وجل)حق قدره، وما عرفوه حق معرفته[5]، ولما كان من أسماء الله (تعالى) الحسنى: (المجيد) و (الكبير) و ( العظيم) فإن (معنى هذه الأسماء: أن الله (عز وجل) هو الموصوف بصفات المجد والكبرياء والعظمة والجلال، الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجلّ وأعلى، وله التعظيم والإجلال، في قلوب أوليائه وأصفيائه، قد ملئت قلوبهم من تعظيمه، وإجلاله، والخضوع له، والتذلل لكبريائه)[6].
ويقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي في هذا المقام: (إن الإنسان إذا سمع وصفاً وصف به خالق السموات والأرض نفسه، أو وصفه به رسوله، فليملأ صدره من التعظيم، ويجزم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والجلال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون القلب منزهاً معظماً له (جلّ وعلا)، غير متنجّس بأقذار التشبيه... )[7].
ومما يوجب تعظيم الله (تعالى) وإجلاله: أن نتعّرف على نعم الله (تعالى)، ونتذكرّ آلاء الله (عزّ وجلّ)، ومما قاله أبو الوفاء ابن عقيل في ذلك: (لقد عظم الله (سبحانه) الحيوان، لا سيما ابن آدم، حيث أباحه الشرك عند الإكراه وخوف الضرر على نفسه، فقال: { إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ } [النحل : 106]: من قدّم حرمة نفسك على حرمته، حتى أباحك أن تتوقى وتحامى عن نفسك بذكره، ما لا ينبغي له (سبحانه)، لحقيق أن تعظم شعائره، وتوقر أوامره وزواجره، وعصم عرضك بإيجاب الحدّ بقذفك، وعَصَم مالك بقطع مسلم في سرقته، وأسقط شطر الصلاة لأجل مشقتك، وأباحك الميتة سدّاً لرمقك، وحفظاً لصحتك، وزجرك عن مضارك بحد عاجل، ووعيد آجل، وخَرقَ العوائد لأجلك، وأنزل الكتب إليك، أيحسن بك مع هذا الإكرام أن تُرى على ما نهاك منهمكاً، وعما أمرك متنكبّاً، وعن داعيه معرضاً، ولسنته هاجراً، ولداعي عدوك فيه مطيعاً؟.
يعظمك وهُوَ هُوَ ، وتهمل أمره وأنت أنت، هو حطّ رتب عباده لأجلك، وأهبط إلى الأرض من امتنع من سجدة يسجُدها لك.
ما أوحش ما تلاعب الشيطان بالإنسان بينا يكون بحضرة الحق، وملائكة السماء سجود له، تترامى به الأحوال والجهالات بالمبدأ والمآل، إلى أن يوجد ساجداً لصورة في حجر، أو لشمس أو لقمر، أو لشجرة من الشجر، ما أوحش زوال النعم، وتغيّر الأحوال، والحور بعد الكور).[8]
ولقد كان نبينا محمد يربي أمته على وجوب تعظيم الله (تعالى)، ففي حديث ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، إنّا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي-صل الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ... } [الزمر : 67].
وما في الآية يدل على أن عظمة الله (تعالى) أعظم مما وصف ذلك الحبر، ففي الآية الكريمة تقرير لعظمة الله (تعالى) نفسه، وما يستحقه من الصفات، وأن لله (عز وجل) قدراً عظيماً، فيجب على كل مؤمن أن يقدر الله حق قدره[9].
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عند هذه الآية الكريمة: ما ذكر الله(تبارك وتعالى) من عظمته وجلاله أنه يوم القيامة يفعل هذا، وهذا قَدْر ما تحتمله العقول، وإلا فعظمة الله وجلاله أجل من أن يحيط بها عقل... فَمَن هذا بعض عظمته وجلاله كيف يُجعل في رتبته مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرًّا؟)[10].
ولما قال الأعرابي لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (فإنا نستشفع بالله عليك، فقال النبي-صل الله عليه وسلم- : سبحان الله، سبحان الله! فما زال يسبّح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك، أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه)[11].
وقد اقتفى الصحابة (رضي الله عنهم) ومن تبعهم بإحسان هذا المسلك، فعظّموا الله حق تعظيمه، وعُمرت قلوبهم بإجلال الله (تعالى) وتوقيره: فهذا ابن عباس (رضي الله عنهما) يقول لبعض أصحاب المراء والجدل: (أما علمتم أن لله عباداً أصمتهم خشية الله (تعالى) من غير عيّ ولا بكم، وإنهم لَهُمُ العلماء العصماء النبلاء الطلقاء، غير أنهم إذا تذكروا عظمة الله (تعالى) انكسرت قلوبهم، وانقطعت ألسنتهم، حتى إذا استفاقوا من ذلك، تسارعوا إلى الله بالأعمال الزاكية، فأين أنتم منهم؟ ).[12]
وكان أهل العلم يعظمون ربهم، ويقدرونه (عزّ وجل) حق قدره، حتى قال عون بن عبد الله: (ليعظم أحدكم ربه، أن يذكر اسمه في كل شيء حتى يقول: أخزى الله الكلب، وفعل الله به كذا)[13].
ويقول الخطابي: (وكان بعض من أدركنا من مشايخنا قلّ ما يذكر اسم الله (تعالى إلا فيما يتصل بطاعة)[14].
 (وكان أبو بكر الشاشي يعيب على أهل الكلام كثرة خوضهم في الله (تعالى)، إجلالاً لاسمه (تعالى)، ويقول: (هؤلاء يتمندلون[15]  بالله (عزّ وجلّ)[16] .
ومن أروع الأمثلة التي دوّنها التاريخ عن سلفنا الصالح، وتعظيمهم لله (عزّ وجلّ)، ما وقع لإمام دار الهجرة مالك بن أنس (رحمه الله تعالى)، لما سأله أحدهم عن قوله (تعالى): { الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] كيف استوى؟.
فما كان موقف الإمام مالك إزاء هذا السؤال؟ يقول الرواي: (فما رأيته وجد (غضب) من شيء كوجده من مقالته، وعلاه الرحضاء (العرق)، وأطرق القوم، فجعلوا ينتظرون الأمر به فيه، ثم سُرّي عن مالك، فقال: الكيف غير معلوم، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإنى لأخاف أن تكون ضالاًّ، ثم أُمر به فأُخرج).[17]
فتأمّل (رحمك الله) ما أصاب الإمام مالك (رحمه الله) من شدة الغضب وتصبب العرق إجلالاً وتعظيماً لله (تعالى) وإنكاراً لهذا السؤال عن كيفية استواء الربّ (تعالى).
ومن الأمثلة في هذا الباب ما جرى للإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله تعالى)، لما مر مع ابنه (عبدالله) على قاص يقص حديث النزول فيقول: إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله (عزّ وجلّ) إلى سماء الدنيا بلا زوال ولا انتقال ولا تغير حال، يقول عبدالله: فارتعد أبي ، واصفر لونه، ولزم يدي، وأمسكته حتى سكن، ثم قال: قف بنا على هذا المتخرص، فلما حاذاه قال: يا هذا رسول الله أغير على ربه (عزّ وجلّ) منك، قل كما قال رسول الله)[18].
ومن تعظيم الله (تعالى): تعظيم كلامه، وتحقيق النصيحة لكتابه تلاوة وتدبراً وعملاً، وقد حقق سلفنا الصالح الواجب نحو كتاب الله (تعالى) من التعظيم والإجلال، حتى إن بعض السلف كانوا يكرهون أن يصغروا المصحف .[19]
وقال بعضهم: والله ما نمت في بيت فيه كتاب الله، أو حديث رسول الله احتراماً لهما[20].
ومما يجب تعظيمه وتوقيره: تعظيم رسول الله وتوقيره، وتعظيم سنته وحديثه، يقول (ابن تيمية) في تقرير وجوب توقيره وإجلاله: (إن الله أمر بتعزيره وتوقيره، فقال: { وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } [الفتح : 9] والتعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار .
ومن ذلك: أنه خصّه في المخاطبة بما يليق به، فقال : { لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً } [النور : 63]، فنهى أن يقولوا: يا محمد ، أو يا أحمد ، أو يا أبا القاسم، ولكن يقولوا: يا رسول الله، يانبي الله، وكيف لا يخاطبونه بذلك والله (سبحانه وتعالى) أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحداً من الأنبياء، فلم يَدْعُه باسمه في القرآن قط ...
ومن ذلك: أنه حرّم التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذَن، وحرم رفع الصوت فوق صوته، وأن يُجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل ...
ومن ذلك: أن الله رفع له ذكره، فلا يُذكر الله (سبحانه) إلا ذكر معه، وأوجب ذكره في الشهادتين اللتين هما أساس الإسلام، وفي الأذان الذي هو شعار الإسلام، وفي الصلاة التي هي عماد الدين... ).[21]
ومما يجدر التنبيه عليه: أن التعظيم المشروع لرسول الله هو تعظيمه بما يحبه المعظّم ويرضاه ويأمر به ويثني على فاعله، وأما تعظيمه بما يكرهه ويبغضه ويذم فاعله، فهذا ليس بتعظيم، بل هو غلو منافٍ للتعظيم.[22]
وعقد الدرامي في سننه باباً بعنوان : باب تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي حديث فلم يعظمه، ولم يوقره[23] ، وأورد الدرامي جملة من الآثار التي تضمنت عقوبات ومثلات في حق من لم يعظّم حديث رسول الله.
وقد عني السلف الصالح بتعظيم السنة النبوية وإجلال رسول الله، ومن ذلك: ما قاله عبد الله بن المبارك عن الإمام مالك بن أنس: (كنت عند مالك وهو يحدثنا حديث رسول الله فلدغته عقرب ست عشرة مرة، ومالك يتغير لونه ويصفر، ولا يقطع حديث رسول الله، فلما فرغ من المجلس وتفرق الناس، قلت: يا أبا عبدالله، لقد رأيت منك عجباً! فقال: (نعم إنما صبرت إجلالاً لحديث رسول الله-صل الله عليه وسلم-)[24].
وقال الشافعي (رحمه الله تعالى): (يكره للرجل أن يقول: قال رسول الله، ولكن يقول: رسول الله؛ تعظيماً لرسول الله).[25]
وممن يجب تعظيمهم وإجلالهم: صحابة رسول الله، فيتعين احترامهم وتوقيرهم، وتقديرهم حق قدرهم، والقيام بحقوقهم (رضي الله عنهم).
وقد خرج جرير بن عبد الله البجلي، وعدي بن حاتم، وحنظلة الكاتب (رضي الله عنهم) من الكوفة حتى نزلوا قرقيساء وقالوا لا نقيم ببلدة يشتم فيها عثمان بن عفان.[26]
وباعد محمد عبد العزيز التيمي داره وقال: لا أقيم ببلدة يشتم فيها أصحاب رسول الله.[27]
ولما أظهر ابن الصاحُب الرفضَ ببغداد (سنة 583 هـ) جاء الطالقاني إلى صديق فودّعه، وذكر أنه متوجه إلى بلاد قزوين.
فقال صديقه: إنك ههنا طيّب، وتنفع الناس.
فقال الطالقاني: معاذ الله أن أقيم ببلدة يجهر فيها بسبّ أصحاب رسول الله، ثم خرج من بغداد إلى قزوين، وأقام بها إلى أن توفي بها.[28]
وبالجملة يجب تعظيم شعائر الله (تعالى) جميعها، كما قال (تعالى): { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ } [الحج : 32] .
ويلحظ الناظر في حال المسلمين أن ثمة مخالفات تنافي تعظيم الله (تعالى) وشعائره كالاستهزاء، أو الاستخفاف، أو الازدراء، أو الانتقاص لدين الله (تعالى) وشعائره.
وتظهر هذه المخالفات عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومن خلال منابر ثقافية ومؤسسات علمية مشبوهة وغيرها.
ويمكن أن نشير في خاتمة هذه المقالة إلى أهم أسباب وقوع تلك المخالفات المنافية للتعظيم، ومنها: الجهل بدين الله (تعالى)، وقلة العلم الشرعي، وضعف التفقه في هذا الأصل الكبير، ومنها: غلبة نزعة الإرجاء في هذا الزمان، فمرجئة هذا الزمان الذين يقررون أن الإيمان تصديق فقط، ويهملون العبادات القلبية، كانوا سبباً رئيساً في ظهور وجود هذه المخالفات... فيمكن أن يكون الرجل عندهم مؤمناً ما دام مصدقاً، وإن استخف بالله (تعالى)، أو استهزأ برسوله أو دينه!! ومن أسباب هذه الظاهرة: وجود علم الكلام قديماً، الذي لا يزال أثره باقياً إلى هذا العصر، فأهل الكلام
يخوضون في الله (تعالى) وصفاته، مما أورثهم سوء أدب مع الله.
وأخيراً: فإن من أسباب ذلك: كثرة الترخص والمداهنات والتنازلات من علماء السوء الذين أُشربوا حب الدنيا والرياسة، فجعلوا الدين ألعوبة يأخذون منه ويدعون.
ورحم الله ابن القيّم حيث يقول: (كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها، فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه ؛ لأن أحكام الرب (سبحانه) كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس... ).[29]
 





(1) انظر تفسير السعدي : 3/259 .
(2) العظمة لأبي الشيخ : 1/341 .
(3) الصارم المسلوم .
(4) مدارج السالكين : 2/495 .
(5) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية : 13/60 .
(6) تفسير السعدي : 5/622 .
(7) منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات : ص36 .
(Cool الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب : 1/153 .
(9) انظر : فتاوى ابن تيمية ، مجلد 13/160162 .
(10) مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب : 4/346 .
(11) سنن أبي داود : كتاب السنة ، ح/4726 .
(12) أخرجه الهروي في ذم الكلام ص184 .
(13) شأن الدعاء للخطابي ص18 ، ووردت هذه المقالة عن مطرف بن عبدالله بن الشخير ، كما في الحلية لأبي نعيم 2/209 ، وذم الكلام للهروي ص190 .
(14) شأن الدعاء ص 18 ، 19 .
(15) من المنديل ، يريد الامتهان والابتذال .
(16) الشفا للقاضي عياض 2/1096 .
(17) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص17 ، 18 .
(18) (أورد هذه القصة عبدالغني المقدسي في كتابه (الاقتصاد في الاعتقاد) ص 110 .
(19) انظر الحلية لأبي نعيم 4/230 .
(20) انظر طبقات السبكي 6/82 .
(21) الصارم المسلول في الرد على شاتم الرسول ص422- 424 باختصار .
(22) انظر تفصيل ذلك في الصارم المنكي في الرد على السبكي لابن عبدالهادي ص385 .
(23) انظر سنن الدارمي 1/116 فما بعدها .
(24) الديباج المذهب لابن فرحون 1/104 .
(25) أخرجه الهروي في ذم الكلام ص225 .
(26) انظر الإبانة الصغرى لابن بطة ص164 .
(27) انظر الإبانة الصغرى لابن بطة ص164 .
(28) طبقات السبكي 6/11 .
(29) الفوائد ص93 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75517
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Empty
مُساهمةموضوع: رد: يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد     يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Emptyالجمعة 18 أغسطس 2017, 5:51 am

ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من السيرة
. د. محمد بن صامل السلمي


أهداف الدراسة لها وأعظم فوائدها؛ لكن هذا الأمر لا يستطيعه كل باحث أو قارئ للسيرة؛ لأنه يحتاج إلى مرجعية شرعية، وإلى ضوابط تضبط طريقة الاستنتاج، وبالنظر إلى مناهج الاستدلال والاستنباط عند علماء المسلمين؛ فإنه يمكن معرفة ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من خلال طريقهم في البحث والاستدلال وفقاً للخطوات الآتية:
1 - التأكد من صحة الحدث أو الواقعة التاريخية حتى يصح الاستدلال بها :
وذلك أن السيرة النبوية جزء من السنة النبوية التي هي أحد مصادر الأحكام الشرعية؛ فلا بد من التثبت من صحة الحادثة. ونجد أن العلماء يسلكون في منهج التوثيق لأحداث السيرة منهج علماء الحديث النبوي، لكنهم يفرِّقون في النتيجة بين الأحداث والوقائع التي تبنى عليها أحكام شرعية واعتقادية، وبين الأحداث التي لا تؤخذ منها الأحكام مثل الفضائل، وأخبار الحضارة والعمران، فيتشددون في الأولى ويتساهلون في النوع الثاني من الأخبار، كما رُوي ذلك عن الإمام أحمد، و ابن مهدي، و ابن المبارك[1]، وأمثالهم.
2 - بذل الجهد في جمع الأخبار الواردة في الموضوع الواحد :
وهذه هي الطريقة العلمية الصحيحة حيث يحيط الباحث بجميع الأخبار الواردة في الموضوع، بل يجمع الطرق والألفاظ لكل نص حتى يستطيع أن يخرج بحكم صحيح وتصور واضح، ويَعْرف المتقدم من المتأخر، والعام من الخاص، والألفاظ يفسر بعضها بعضاًَ، وبهذا يتمكن من الجمع بين النصوص والأخبار المتعارضة، أو ترجيح أحدهما على الآخر على وجه صحيح.
مثال ذلك : لو احتج بعض الباحثين أنه لا يجوز الدعاء على الكفار؛ لأن الرسول صل الله عليه وسلم لما قال له بعض الصحابة رضي الله عنهم: ادع الله على ثقيف؛ قال: «اللهم اهدِ ثقيفاً»[2] .
واحتج آخر بأنه لا يجوز الدعاء للكفار بل يدعى عليهم؛ لأن الرسول صل الله عليه وسلم قال:« اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف»[3]، فكيف العمل؟ نقول: إن الحديث الأول ضَعّف بعض أهل العلم إسناده، لكن لمعناه شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قدم الطفيل وأصحابه، فقالوا: يا رسول الله! إن دوساً قد كفرت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس. فقال: «اللهم اهد دوساً وائت بهم »[4] . وبهذا نلجأ إلى الجمع بين الخبرين، فيقال: إنه يجوز في بعض الأحوال الدعاء للكفار الذين ترجى هدايتهم، ومن لا ترجى هدايته مع كثرة أذاه للمسلمين فيدعى عليه.
3 - معرفة حدود العقل في نقد الأخبار :
المنهج النقدي الذي اتبعه العلماء المسلمون في نقد الأحاديث والأخبار النبوية يتناول نقد السند ونقد المتن، فلم يكتفوا بالنقد الخارجي للنص (نقد السند) وإنما نظروا إلى داخل النص، وقرروا ضوابط في نقد المتون منها: سلامة النص من التناقض، وعدم مخالفته للوقائع والمعلومات التاريخية الثابتة، وانتفاء مخالفته للأصول الشرعية، وعدم اشتماله على أمر منكر أو مستحيل... إلخ[5] .
ورغم تطبيقهم لمثل هذه المقاييس الدقيقة إلا أنهم يحترمون النصوص الثابتة سنداً، ويعرفون حدود العقل في نقد الأخبار، ويبتعدون عن المجازفات العقلية؛ فإن في أمور الشرع ما لا يستقل العقل بإدراكه؛ بل هو فوق طاقته؛ وذلك مثل البحث في كيفية الصفات الإلهية، وأمور الغيب، ودلائل النبوة ومعجزاتها؛ ولهذا يجب الوقوف عند النصوص الثابتة وعدم معارضتها بالمقولات العقلية، أو متابعة الفكر المادي والفلسفات الوضعية التي أشاعها المستشرقون ومن تأثر بهم؛ فقد أنكر بعضهم حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم وهو شاب في بادية بني سعد، بينما الخبر ثابت في صحيح مسلم[6] ، وقد أفادنا راوي الحديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، ودخول الرسول صلى الله عليه وسلم العقد السادس من عمره أنه رأى أثر المِخْيَطِ في صدره صل الله عليه وسلم. وهذا نص واضح يلغي أي محاولة لتأويل النص والقول بأنه تطهير معنوي.
4 - أحكام الدعوة خاضعة للنصوص الشرعية في الكتاب والسنة وليست خاضعة للتجارب :
وهذا أمر له أهميته؛ إذ إن الوسائل وإن كانت غير محدودة لها أحكام المقاصد؛ فكل وسيلة أفضت إلى محرم أو خالفت نصاً شرعياً فإنها محرمة.
مثال ذلك: لو استدل بعضهم بجواز زيارة كنائس النصارى ومشاركتهم في أعيادهم واحتفالاتهم وذلك من باب التأليف والدعوة لهم، أو إعطاء صورة حسنة عن تسامح المسلمين ونفي التشدد عنهم، وقال: هذه وسيلة مجربة ووجدت ناجحة؛ فهل هذا يكفي للاستدلال؟ وهل استدلاله صحيح؟ نقول: هذا لا يكفي في الاستدلال؛ وذلك أن تلك الوسيلة التي يقول إنها مجربة وناجحة وسيلة غير شرعية؛ لأنها أفضت إلى مخالفة نصوص شرعية تنهى عن الدخول على الكفار في أماكن عبادتهم التي يشركون فيها بالله، كما تنهى عن تهنئتهم بأعيادهم فضلاً عن مشاركتهم فيها[7] .
5 - ملاحظة المراحل التي مرت بها السيرة النبوية ونزول التشريع: فمن المعروف أن الأحكام والتشريعات قد نزلت على مراحل وبالتدريج حتى استقرت واكتمل التشريع، وبوفاته صل الله عليه وسلم انقطع الوحي وثبتت الأحكام؛ فمثلاً تحريم الخمر جاء على مراحل، أولاً: بيان أن فيها إثماً كبيراً كما قال تعال : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } ( البقرة : 219 )، ثم في مرحلة ثانية جاء النهي عن شربها قرب أوقات الصلوات، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } ( النساء : 43 )، وثالثاً: جاء الأمر بتحريمها نهائياً وفي كل وقت، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ( المائدة : 90 ). وهذا هو الحكم الثابت والمستقر، وهو تحريم الخمر وأنها من الكبائر وأمُّ الخبائث.
ومن الأمثلة التي قد يطرحها بعض الناس ويجادل فيها: مسألة تغيير المنكر باليد، وأن النبي صل الله عليه وسلم في العهد المكي لم يغير المنكر باليد، ولم يكسر شيئاً من أصنام المشركين في مكة؛ وحيث إن الدعوة قد يأتي عليها زمان وحالة من الضعف تشبه الحالة المكية؛ ولهذا فإنه يترك تغيير المنكر بحجة مشابهة الحال للحال.
نقول: إن هذا الاستدلال غير صحيح، ومعارض لنصوص شرعية مثل قوله صل الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»[8] .
فتغيير المنكر كما نص عليه الحديث هو بحسب القدرة والتمكن من التغيير، ونص أهل العلم على ضابط في ذلك وهو ألاّ يترتب على تغيير المنكر المحدد منكراً أعظم منه[9] ؛ فليست العلة في ترك تغيير المنكر لأجل النظر إلى المرحلية ودعوى مشابهة الحال بالعهد المكي، ولكنها عدم التمكن، ومن تمكن من تغيير المنكر بضابطه الذي ذكره أهل العلم فالواجب عليه القيام بذلك .
وكذلك الجهاد في سبيل الله قد جاء تشريعه على مراحل، واستقر الحكم على المرحلة الأخيرة وهي وجوب قتال الكفار كافة ابتداءاً وطلباً، ولكن هذا منوط بالقدرة عليه والتمكن منه، فلا يجوز إيقاف الجهاد وتعطيله بدعوى مشابهة الحال للعهد المكي الذي كان الجهاد فيه ممنوعاً كما قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ } ( النساء : 77 ). بل يجب على المسلمين الاستعداد وتكوين القدرة على الجهاد التي يحصل بها النكاية في العدو وحماية المسلمين من شره، وتتحقق بها أهداف الجهاد وغاياته.
وبهذا يتضح الفرق بين المرحلية في التشريع وسير الدعوة في عهد النبي صل الله عليه وسلم، وبين المرحلية في اكتساب القدرة والاستعداد للجهاد بما يستطاع من عُدته، ومن ثمّ البدء بالمواجهة وتغيير المنكر .
6 - ملاحظة أن الرسول صل الله عليه وسلم قد اتخذ بعض المواقف، وعقد بعض المعاهدات بموجب ما أوحى الله إليه:
الدارس للسيرة النبوية يجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أُمِرَ من الله باتخاذ موقف محدد في بعض الحالات، وقد أُعْلِم صلى الله عليه وسلم بأن مآل هذا سيكون خيراً على المسلمين في حين أن ظاهره غير ذلك، مثل قبوله صلى الله عليه وسلم بعض الشروط في صلح الحديبية التي ظاهرها الحيف على المسلمين[10] ؛ ولذلك أنكر بعض الصحابة القبول بها وجاؤوا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم مستغربين ومستفسرين، فلما علموا أنه قد أُلْهِم فيها وحياً من الله رضوا، ثم تحقق بعد الصلح والانصراف من الحديبية أن هذا الأمر كان فتحاً عظيماً بتقدير الله سبحانه وتعالى حيث نزلت سورة الفتح وسمَّت صلح الحديبية فتحاً مبيناً، ثم صار الأمر أن تنازل المشركون عن شرطهم الظالم؛ حيث انقلب ضد مصلحتهم وجاؤوا إلى رسول الله يطلبون موافقته على ذلك[11] .
وبهذا يتضح أن قبول الرسول صلى الله عليه وسلم لشرط قريش الجائر وغير المكافئ كان بوحي من الله، وأن الله قدر أن مآله إلى خير للمسلمين. ولكن هذا خاص برسول الله صل الله عليه وسلم الذي يوحى إليه، أما والي أمر المسلمين وخليفتهم فيجب عليه الاجتهاد في مصلحة المسلمين وعدم مهادنة العدو أو عقد الصلح معهم على شروط فيها ذلّ للمسلمين أو تفريط بحقوقهم وقضاياهم، أو قبول شروط فيها ضياع دينهم وعقيدتهم كما يحدث الآن في فلسطين؛ حيث إن من أسس المصالحة المقترحة نبذ الدين والاحتكام إلى القوانين الوضعية، وقيام نظام علماني يحكم المسلمين في فلسطين.
7 - هناك أمور في السيرة النبوية وقع تحديدها قدراً واتفاقاً فلا يقاس عليها:
مثال ذلك: كون الفترة المكية ثلاث عشرة سنة، وهي فترة الإعداد والتربية والصبر على الأذى وعدم المواجهة، فلا يُلتزم بالمدة في الإعداد والتربية؛ لأنها ليست شرطاً ولا مقصودة وإنما هذا يختلف بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال المحيطة.
ومثل الاستدلال بإنزال النبي صل الله عليه وسلم طائفة من أصحابه الغرباء والفقراء في صُفَّة المسجد على مشروعية بناء الزوايا الصوفية.
وهذا استدلال غير صحيح، والغرباء الذين نزلوا الصُّفَّةَ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من العزَّاب والفقراء الذين لا يستطيعون تدبير سكن لهم، ولم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر دار ضيافة ولا نُزُل، ولذا كان إنزالهم في المسجد حلاً لمشكلة، وتوظيفاً لمكان موجود، وبياناً لبعض وظائف المسجد، وهم ليسوا منقطعين عن العمل بل يعملون إذا تيسر لهم ذلك، ويبادرون إلى الخروج في السرايا والغزوات، ويتعلمون القرآن والأحكام طيلة مكثهم في المسجد، ومجرد نزولهم الصفة لا يعطيهم فضيلة أو منزلة يتميزون بها عن بقية الصحابة؛ فليس منقبة لأحدهم أنه نزل في الصُّفَّة كما يقال في مناقب الصحابة: مهاجري، بدري، عَقَبي بايع تحت الشجرة... إلخ من المناقب والمشاهد العظيمة مع رسول الله صل الله عليه وسلم.
وبهذا يتضح الفرق بين الصُّفَّة النبوية ومن نزلها، وبين الزوايا الصوفية البدعية؛ في الأصل والهدف والغاية[12]، وأنه لا يمكن الاستدلال بالصُّفَّة النبوية على جواز بناء الزوايا الصوفية التي تُمثِّل انحرافاً عن المنهج النبوي في التعبد والسلوك والجهاد والدعوة.





(1) الكفاية في علم الرواية، الخطيب البغدادي، ص 212 .
(2) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب، ح/ 3942 ، وقال: «حسن صحيح غريب»، قال الشيخ الألباني في دفاع عن السيرة، ص 7 ، رواية الترمذي ضعيفة لعنعنة أبي الزبير، وأخرجه أحمد في المسند، 3/343 ، وانظر احتجاج البوطي به في فقه السيرة له، ص 395 .
(3) متفق عليه من حديث أبي هريرة .
(4) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، حديث رقم 2524 .
(5) انظر: مقاييس نقد متون السنة، مسفر الدميني، ومنهج نقد الروايات التاريخية، محمد السلمي، ص 64 70 .
(6) كتاب الإيمان، حديث رقم 261 .
(7) راجع أحكام أهل الذمة، ابن القيم، (1/205 وما بعدها) .
(Cool رواه مسلم، ح/ 49 .
(9) انظر : ابن تيمية ، مجموع الفتاوى (28/129) .
(10) ابن هشام، السيرة النبوية (2/316 320) .
(11) المصدر السابق (2/324) .
(12) انظر: مجموع الفتاوى (11/40 41 ، 44 ، 56)، وانظر بحثاً لطيفاً للأستاذ صالح الشامي بعنوان : (أهل الصُّفَّة بعيداً عن الوهم والخيال) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75517
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Empty
مُساهمةموضوع: رد: يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد     يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Emptyالجمعة 18 أغسطس 2017, 5:53 am

من إلهامات الهجرة*
. محب الدين الخطيب (رحمه الله)


[مدخل : فرق بين الإسلام وغيره من الأديان]
في الإسلام ظاهرة يمتاز بها على غيره من الأديان التي تموج أقطار الأرض بأتباعها، فأهل الديانات الأخرى ينحصر معنى (الدين) عندهم في العقيدة والعبادة، فإذا ضُمنتا لهم في أي نظام من أنظمة الحكم اكتفوا بهما، وأذعنوا لذلك النظام مهما كان، ولا يعرفون دينهم إلا ساعة الاجتماع في المعابد. أما الإسلام فكما أنه دين عقيدة وعبادة -فإنه يشمل أيضاً الآداب في المنازل والمجتمعات، والتعاون بين الأفراد والجماعات، ويتناول العقود والمصالح والالتزامات، وتتسع دائرته فتحيط بنظام الحكم كله.
***
حكمة الهجرة الأساسية:
والمسلمون لا يعتبرون أنفسهم عائشين في بلد إسلامي، إلا إذا ساد نظام الإسلام بلدهم، وقامت فيه أحكامه وآدابه، كما تقوم فيه شعائره وتسود عقائده، وإذا تعذر على المسلمين إقامة أحكام دينهم، وتأييد أنظمته الاجتماعية، وآدابه الخلقية والبيتية -وجب عليهم الانتقال إلى البلد الذي يعمل فيه بأحكام الإسلام وآدابه ، تكثيراً لسواد المسلمين، وإعزازاً لأمر الدين، واستعداداً لنصره وتأييده في العالمين. وإذا لم يكن للمسلمين بلد تتوافر فيه هذه الشروط، وجب عليهم أن يتجمعوا في بقعة صالحة يقيمون فيها نظام الإسلام تاماً كاملاً، ويتعاونون على حماية دعوته، واتخاذ الأسباب والوسائل لتحقيق رسالة الإسلام كما جاء بها صاحبها -صلوات الله عليه- وكما فهمها منه أصحابه والتابعون لهم بإحسان.
هذه هي حكمة (الهجرة)، وهذا هو الباعث عليها والداعي لها، فالإسلام يجب أن يكون له وطن تُقام فيه معاني الإسلام كلها، ويعمل فيه بأحكامه وأنظمته في دواوين الدولة، ومرافق الأمة، ومعاملات الأفراد ، وآداب البيوت، بقدر ما يعمل فيه بشعائر العبادات، وبقدر ما تحمي فيه حقائق العقيدة التي لا يكون الإسلام إسلاماً إلا بها . .
  ***
دليل قرآني تاريخي
وقد غفل عن هذه الظاهرة من أمر الإسلام بعض الذين دخلوا فيه على عهد رسول الله -صل الله عليه وسلم-، فلبثوا في وطنهم (مكة) مستضعفين فيها لا يستطيعون إعلاء كلمة الله، لغلبة الباطل يومئذ على الحق ، ولا يهاجرون منها إلى المدينة فيقوى بهم الإسلام. فنزل فيهم قول الله -عز وجل- : {إنَّ الَذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ } (أي بعد إقامة دينهم في بلدهم، وتخلُّفهم عن نصره وتأييده في دار هجرته) { قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وسَاءَتْ مَصِيراً } هذه الآية نزلت في قوم أسلموا، وكانوا يؤدون صلواتهم على النهج الشرعي في منازلهم أو في الحرم إن استطاعوا، وكانوا صحيحي العقيدة، وغير مقصرين في العبادة، إلا أنهم كانوا سبب ضعف الإسلام؛ بإذعانهم لنظام غير نظامه، وإحجامهم عن تقوية الإسلام في وطنه ودار هجرته. ولما كان الإسلام دين يسر، ومن مبادئه أن تقدر الضرورات بقدرها، وأن يعذر أهلها، كان تمام الآيات السالفة قول الله -عز وجل- { إلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ والْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً . فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وكَانَ اللَّهُ عَفُواً غَفُوراً . ومَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً } (أي مذهباً وتحولاً) { كَثِيراً وسَعَةً ومَن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء : 97- 100] .  .
  ***
قلب الموضوع (الهدف الذي من أجله كتب الكاتب)
إن النفس الإسلامية يريدها الإسلام أن تعيش في جو من النظام والحكم يسهل لها فهم هداية الإسلام، ويحبب إليها العمل بهذه الهداية في كل ضرب من ضروب الحياة، وتتوفر فيه حرية الدعوة إلى كل ما ينشده الإسلام من حقيقة وخير، فيتيسر القيام بهما جهاراً في جميع أحوال الفرد المسلم والجماعة الإسلامية، ويكون فيه للحق قوة تقمع كل من يصد عن ذلك، أو يحُول بين المسلمين وبين الدعوة إلى هدايتهم والعمل بها في بيوتهم وأسواقهم وأنديتهم ومجتمعاتهم. فإذا نشأت النفس الإسلامية ونمت تحت جناح نظام يقيم أحكام الإسلام ويحمي دعوته ويحمل الأمة على آدابه، كانت هذه النفس قوة للإسلام، تعمل على رفعته وتوسيع دائرته، وكانت غصناً في دوحة الإسلام تزهر وتورق وتثمر في جناته. أما إذا نشأت ونمت تحت جناح نظام يخالف الإسلام، ويخذل دعوته، ولا يربي الأمة على آدابه، فإن قوتها تكون معطلة عن تأييد الإسلام وتعميم هدايته.
إن (الهجرة المحمدية) من ديار الشرك إلى دار النصرة قد مضت بأهلها، ولكن (الهداية المحمدية) لا تزال في أمانة المسلمين، وهي في عصرنا والعصور الآتية أحوج ما كانت إلى تفكير المسلمين في صيانتها، والتماسهم الأسباب لازدهارها وتعميم العمل بها.
لما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه من ديار الشرك إلى دار النصرة، وكان للإسلام -على قلة أهله يومئذ- قوة بتلك القلة من أهله لا نكون صادقين لو زعمنا أن عندنا للإسلام مثلها اليوم مع كثرتنا واتساع آفاق أوطاننا، فإن كانت الهجرة قد مضت بأهلها فإن القوة التي توخاها النبي -صل الله عليه وسلم- للإسلام بالهجرة، لا تزال أنظمة الإسلام وآدابه وأهدافه مفتقرة اليوم وبعد اليوم إلى مثلها، بل هي اليوم وبعد اليوم أشد افتقاراً إلى مثل تلك القوة مما كانت في زمن الهجرة . .
  ***
نحن محتاجون اليوم -من معاني الهجرة وأهدافها وحكمتها- إلى أن ننخلع في بيوتنا عن الآداب التي تخالف الإسلام ، وأن نعيد إلى هذه البيوت الصدق والصراحة والنبل والاستقامة والاعتدال والمحبة والتعاون على الخير؛ فالبيت الإسلامي وطن إسلامي، بل هو دولة إسلامية. وقبل أن أتبجح فأنتقد ما خرج عن دائرتي من بيئات -لا يفيدها انتقادي شيئاً- يجب عليَّ أن أبدأ بمملكتي التي هي بيتي فأهاجر أنا ومن فيه من زوجة وبنات وبنين إلى ما يحبه الله من الصدق، هاربين من الكذب الذي يكرهه الله ويلعن أهله في صريح كتابه.
ويجب أن أنخلع أنا وأهل بيتي عن رذيلتَيْ الإفراط والتفريط؛ فنكون معتدلين في كل شيء، لأن الاعتدال ميزان الإسلام، ويجب أن نحب أنظمة الإسلام محبة تُمازج دماءنا، فنتحرى هذه الأنظمة في أخلاقنا وأحوالنا وتصرفاتنا ومعاملة بعضنا  لبعض، (هاجرين) كل ما خالفها مما اقتبسناه عن الأغيار وخذلنا به مقاصد الإسلام فضيعنا أغراضه الجوهرية.
إذا تربينا في بيوتنا على محبة الأنظمة الإسلامية، وتأصل ذلك في أذواقنا وميولنا، وتعودنا العمل به في مختلف ضروب الحياة؛ فشا العمل به حينئذ من البيوت إلى الأسواق والأندية والمجتمعات ودواوين الحكم، ولا يلبث الوطن كله بعد عشرات قليلة من السنين أن يتحول من وطن عاصٍ لله، إلى وطن مطيع لله، ومن وطن تسود فيه الأنظمة التي يسخطها الله إلى وطن تسود فيه الأنظمة التي أمر بها الله . .
***
نقد لواقع وتصحيح لما هو شائع
نحتفل بذكرى الهجرة في كل سنة ونتكلم فيها عن الماضي فلا ننتفع بها في الحاضر. ولو أنَّا فهمنا الحكمة التي انطوت عليها حادثة الهجرة، وعلمنا أن كتاب الله الذي نتلوه قد أنحى باللائمة على جماعة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا في مكة يصلون ويصومون، ولكنهم ارتضوا البقاء تحت أنظمة تخالف الإسلام -فلا قوة لهم على تغييرها، ولم يهاجروا إلى قلعة الإسلام ليكونوا من جنودها المتحفزين لتغيير تلك الأنظمة- لعلمنا أن الإسلام لا يكتفي من أهله بالصلاة والصوم، بل يريد منهم مع ذلك أن يقيموا أنظمته وآدابه في بيوتهم وأسواقهم وأنديتهم ومجامعهم ودواوين حكمهم، وأن عليهم أن يتوسلوا بجميع الوسائل لتحقيق هذا الغرض الإسلامي، بادئين به من البيت، وملاحظين ذلك في تربية من تحت أمانتهم من بنات وبنين، ومتعاونين عليه مع كل من ينشد للإسلام الرفعة والازدهار من إخوانهم، حتى إذا عم هذا الإسلام أرجاء واسعة تلاشت تحت أشعته ظلمات الباطل، فكانت لهذا الأسلوب من أساليب الهجرة مثل الآثار التي كانت لهجرة النبي -صل الله عليه وسلم- وأصحابه الأولين.
عود إلى الأدلة: الأدلة من السنة:
روى مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه عن أبي عثمان النهدي أن مجاشع بن مسعود السُّلمي قال: جئت بأخي (أبي سعد) إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الفتح فقلت: يا رسول الله! بايعه على الهجرة، فقال -صل الله عليه وسلم-: قد مضت الهجرة بأهلها. قال مجاشع: فبأي شيء تبايعه؟ قال: (على الإسلام، والجهاد ، والخير). قال أبو عثمان النهدي: فلقيت أبا معبد فأخبرته بقول مجاشع، فقال: صدق.
وفى كتب السنن -وبعضه في الصحيحين- عن عبد الله بن عمرو بن العاص وفضالة بن عبيد بن ناقد الأنصاري أن النبي -صل الله عليه وسلم- قال: (المهاجر من هجر السيئات).
وفي حديث عبيد بن عمير عن عمرو بن عبسة، وفى حديث عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عن جده، أنه قيل لرسول الله -صل الله عليه وسلم-: (..ما أفضل الهجرة؟ قال: من هجر ما حرم الله).
وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل (6/21) من حديث فضالة بن عبيد بن ناقد أن النبي -صل الله عليه وسلم- قال في حجة الوداع: (ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم. والمسلم؟ من سلم الناس من لسانه ويده. والمجاهد؟ من جاهد نفسه في طاعة الله. والمهاجر؟ من هجر الخطايا والذنوب). .
  ***
خاتمة تحض على صرف الأنظار إلى الغرض الأساسي:
فإلى الهجرة أيها المسلمون... إلى هجر الخطايا والذنوب في أعمالنا، وأخلاقنا وتصرفاتنا.
إلى هجر ما يخالف أنظمة الإسلام في بيوتنا، وما نقوم به من أعمالنا.
إلى هجر الضعف والعطالة والإهمال والسرف والكذب والرياء ووضع الأشياء في غير مواضعها.
إلى هجر الأنانية والصغائر والسفاسف مما أراد نبي الرحمة أن يطهر منه نفوس أمته حتى تكون خير أمة أخرجت للناس كما أراد الله لها.
بهذا، وبهذا وحده نحيي ذكرى الهجرة الشريفة، ونحقق مقاصدها، ونستمطر رحمة الله على بيوتنا، وأوطاننا وممالكنا، وهذا هو (الفلاح) الذي يدعونا إليه المؤذن خمس مرات في كل يوم عندما يدعونا إلى الوقوف بين يدي الله الكريم.
وبهذا تكون صلاتنا صلاة إسلامية تصقل نفوس المسلمين والمسلمات، وتصفيها، وترتفع بها عن السفاسف، وتجعل هذه الشعيرة من شعائر الله -سبحانه- .
{ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والْمُنكَرِ } [العنكبوت : 45] .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75517
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Empty
مُساهمةموضوع: رد: يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد     يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Emptyالجمعة 18 أغسطس 2017, 5:54 am

العلم بمقاصد الهجرة وأهدافها
أ.د. محمد أمحزون


تعد الهجرة من أهم متطلبات الدعوة إلى الله (تعالى)، وهي سنة الله في رسله وأنبيائه وعباده المؤمنين، الذين هاجروا فراراً بدينهم وخوفاً من بطش الظالمين، وهو الأمر الذي عرفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أول يوم جاءه الوحي، إذ لما ذهبت خديجة (رضي الله عنها) إلى ورقة بن نوفل، فأخبره رسول الله - صل الله عليه وسلم- بما قد رآه، قال له ورقة : (ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومك)[1].
ولهذا أدرك النبي -صل الله عليه وسلم- منذ أول يوم أوحي إليه فيه أنه سيُخرج من بلده، وهو أشرف الخلق وأكرمهم عند الله (عز وجل)، فنصْرُ الله في الدنيا وثوابه في الآخرة إنما ينالهما المرء بالعمل، والنصيحة، والمصابرة على الشدائد، واللجوء إلى الله (عز وجل) بالدعاء والاستعانة.
ويُستَنبط من هذا الحديث العظيم: أن الهجرة لا تختص بفئة معينة من المؤمنين في زمن معلوم يأتي عليه زمن آخر فتنسخ، بل إنها دائمة ما دام الحق والباطل وما دام الكفر والإسلام، ولهذا قال النبي -صل الله عليه وسلم- : (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)[2]، وفي رواية: (لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار)[3].
ولم يكن وعد الله (سبحانه) بتعظيم أمر الهجرة وثواب المهاجر في سبيله إلا بسبب ما يحتمل المهاجر من عناء ومشقة وشدائد ومكابدة الأخطار ، لذلك قال (تعالى) :{ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } [الحج : 58 ، 59] .
وقد أوجب الله (عز وجل) الهجرة على كل مؤمن؛ لتكثير سواد المسلمين، ولنصرة النبي -صل الله عليه وسلم- ومواساته بالنفس والنفيس، إذ كانت الدولة الإسلامية الناشئة في المدينة بحاجة إلى المهاجرين من المؤمنين؛ ليتوطد سلطان الإسلام فيها، حيث يتربص به اليهود والمنافقون، وتحيط به قوى الأعراب المشركين من حول المدينة، ويترصده كفار قريش الذين أقضت الهجرة مضاجعهم، فمضوا يخططون ويعملون للإجهاز على كيان الإسلام الفتي؛ لذلك تتابعت الآيات في الأمر بالهجرة وبيان فضلها وعظيم أجرها، حتى وعد الله (جل ذكره) المهاجرين في سبيله بتمكينهم من مراغمة أعدائهم، والتوسعة عليهم في أرزاقهم، بقوله (سبحانه): { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء : 100].
ثم جاء الوعيد شديداً فيمن تباطأ وتثاقل عن الهجرة والجهاد في سبيل الله، وآثر متاع الدنيا على التضحية في سبيل الله، في قوله (تعالى): {قُلْ إن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَاًتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [التوبة : 24].
قال الشيخ ابن عتيق (رحمه الله): (وما من أحد يترك الهجرة، إلا وهو يتعذر بشيء من هذه الثمانية ، وقد سدّ الله على الناس باب الاعتذار بها، وجعل مَن ترك الهجرة لأجلها أو لأجل واحد منها فاسقاً، وإذا كانت مكة هي أشرف بقاع الأرض، وقد أوجب الله الهجرة منها ولم يجعل محبتها عذراً، فكيف بغيرها من البلدان ؟ ! ) [4].
وحسماً لأمر الهجرة وجعله فرض عين: قطع الله (عز وجل) الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر، وذلك في قوله (تعالى) : { فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [النساء : 89].
فالذين دخلوا في هذا الدين عقيدة، لكن لم ينضموا إلى المجتمع الذي يقوم على هذه العقيدة، ولم يلتحقوا به فعلاً، لا يعدّون أعضاءً في المجتمع المسلم، ولذا: لم يجعل الله (عز وجل) بينهم وبينه ولاية وتناصراً بمعناه الأعم : {إنَّ الَذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [الأنفال : 72].
ولما كانت الهجرة بهذه المنزلة، وجب على كل من أسلم أن ينتقل إلى مهاجر رسول الله -صل الله عليه وسلم- بالمدينة، إلا من استثني من أهل الأعذار من الأطفال والنساء والشيوخ.
قال القاضي عياض: (واتفق الجميع على أن الهجرة قبل الفتح كانت واجبة عليهم، وأن سكنى المدينة كان واجباً؛ لنصرة النبي ومواساته بالنفس)[5].
بل إن الإقامة بعد ذلك في مكة كانت حراماً على من هاجر منها قبل الفتح؛ ولهذا: رثى النبي -صل الله عليه وسلم- لسعد بن خولة أن مات بمكة[6] . الحكمة من الهجرة :
إن العلم بمقاصد الهجرة وأهدافها أمر ضروري لكل مسلم يهمه أمر إقامة صرح هذا الدين؛ فالنصوص القرآنية التي وردت بصدد الهجرة ما كانت تعالج أمر الهجرة في تلك المرحلة من الزمن فحسب، ولكنها تعالج حالة قائمة في أمر الدعوة، ولذلك: وردت بعض نصوص السنة توضح هذا الأمر.
فعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنه)، قال: سمعت رسول الله -صل الله عليه وسلم- يقول : (إنما ستكون هجرة بعد هجرة)[7]، وفي حديث آخر : (لا تنقطع الهجرة ما كان الجهاد)[8].
والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، كما جاء في حديث أبي داود: (والجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال)[9].
وهذا الحكم استنبطه البخاري (رحمه الله) من حديث النبي -صل الله عليه وسلم- : (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر، والمغنم) بقوله: باب الجهاد ماضٍ مع البر والفاجر[10].
ولذلك: فالهجرة ليست مرحلة تاريخية انتهت بمضي وقتها وأهلها، وأصبحت مَعْلَماً وصفحة من صفحات التاريخ فحسب، وإنما هي صفحة من صفحات السيرة المضيئة التي خلّدها القرآن والسنة، وستظل جزءاً من حركة الدعوة إلى الله (تعالى)[11].
يقول صاحب الظلال: (ولقد ظل شرط الهجرة قائماً حتى فتح مكة، حين دانت أرض العرب للإسلام وقيادته، وانتظم للناس في مجتمعه، فلا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد وعمل، كما قال رسول الله -صل الله عليه وسلم- ... )[12] .
على أن الحكمة الأساس من الهجرة هي أن رسالة الإسلام جاءت لتنظم شؤون الناس في شتى مجالات الحياة، فهي دستور ومنهج شامل لا بد لتطبيقه من أمة وأرض تقام فيها أحكام الله (تعالى)، والمسلمون لا يمكن أن يكون لهم وجود فِعلي إلا إذا صبغ الإسلام جميع مرافق حياتهم، وساد نظامه أرضهم، وقامت فيها أحكامه وآدابه، كما تقوم فيها شعائره، وتسود فيها عقائده.
لكن إذا تعذر على المسلمين تطبيق أحكام دينهم، وإقامة نظامه السياسي والاجتماعي والاقتصادي وآدابه الخلقية في بلدهم، وجب عليهم الانتقال إلى البلد الذي يعمل فيه بأحكام الإسلام وآدابه، تكثيراً لسواد المسلمين، وإعزازاً لأمر الدين، واستعداداً لنصره وتأييده بالنفس والنفيس، وإذا لم يكن للمسلمين بلد تتوافر فيه هذه الشروط، وجب عليهم أن يجتمعوا في بقعة صالحة يقيمون فيها نظام الإسلام تامّاً كاملاً، ويتعاونون على حماية دعوته، واتخاذ الأسباب والوسائل لتحقيق رسالة الإسلام كما جاء بها صاحبها (صلوات الله عليه) وكما فهمها منه أصحابه والتابعون لهم بإحسان[13] .
وقد غفل عن هذه الظاهرة من أمر الإسلام بعض الذين دخلوا فيه على عهد رسول الله -صل الله عليه وسلم-، فلبثوا في وطنهم (مكة) مستضعفين فيها، لا يستطيعون إعلاء كلمة الله لغلبة الباطل يومئذ على الحق، ولا يهاجرون منها إلى المدينة فيقوى بهم الإسلام، فنزل فيهم قول الله (عز وجل): { إنَّ الَذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَاًوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً }[النساء :97].
وعن شأن هؤلاء روى البخاري (في جامعه الصحيح) عن ابن عباس (رضي الله عنه) في قصة أصحاب بدر : (أن أناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله -صل الله عليه وسلم-، يأتي السهم فيُرمى به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يُضرب فيقتل، فأنزل الله (عز وجل) :{إنَّ الَذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ } )[14] .
وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح إلى ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستَخْفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم، قال المسلمون : كان أصحابنا مسلمين وأُكرهوا، فاستغفروا لهم، فنزلت: { إنَّ الَذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ }(الآية)، قال: فكُتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية: لا عذر لهم، قال: فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم التقية، فنزلت هذه الآية: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ } [العنكبوت : 10])[15]  .
وعند الطبري بسند صحيح إلى ابن عباس (رضي الله عنه): (فكتب إليهم المسلمون بذلك (أي بآية :{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ } (فحزنوا، فنزلت: { ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النحل: 110]، فكتبوا إليهم بذلك، فخرجوا، فلحقوهم (أي : المشركون)، فنجا من نجا، وقُتل من قتل)[16].
وقال الضحاك: (فنزلت هذه الآية الكريمة { إنَّ الَذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ } عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع)[17].
ويمضي هذا الحكم إلى آخر الزمان، متجاوزاً تلك الحالة الخاصة التي كان يواجهها النص في تاريخ معين وفي بيئة معينة، يمضي حكماً عامّاً يلحق كل مسلم تناله الفتنة في دينه في أي أرض، وتمسكه أمواله ومصالحه، أو قراباته وصداقاته، أو إشفاقه من آلام الهجرة ومتاعبها .. متى كان هناك في الأرض في أي مكان دار للإسلام يأمن فيها على دينه، ويجهر فيها بعقيدته، ويؤدي فيها شعائر دينه)[18] .
ولما كان الإسلام دين يسر، ومن مبادئه وأحكامه أن تقدر الضرورات بقدرها، وأن يعذر أهلها، كان تمام الآيات السالفة قول الله (عز وجل): { إلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُواً غَفُوراً } [النساء: 98 - 99].
وفي تفسير قوله (تعالى): { فَمَا لَكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِياً وَلا نَصِيراً }[النساء: 88 - 89]، قال العوفي عن ابن عباس (رضي الله عنهما): نزلت في قوم كانوا قد تكلموا بالإسلام، وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم، فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس، وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة، قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم، وقالت فئة أخرى: سبحان الله! أو كما قالوا أتقتلون قوماً قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم، نستحل دماءهم وأموالهم؟ !، فكانوا كذلك فئتين، والرسول عندهم لا ينهى واحداً من الفريقين عن شيء، فنزلت: { فَمَا لَكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } (الآية)[19].
وهكذا .. إذا كان القرآن الكريم قد أنحى باللائمة على جماعة من المسلمين كانوا في مكة يصلون ويصومون، ولكنهم ارتضوا البقاء تحت أنظمة تخالف الإسلام، فلا قوة لهم على تغييرها، ولم يهاجروا إلى دار الإسلام في المدينة ليكونوا من جنودها المتحفزين لتغيير تلك الأنظمة، فليعلم أن الإسلام لا يكتفي من أهله بالصلاة والصوم فحسب، بل يريد منهم مع ذلك أن يقيموا أنظمته وآدابه في بيوتهم وأسواقهم وأنديتهم ومجامعهم ودواوين حكمهم، وأن يتوسلوا بجميع الوسائل الممكنة لتحقيق هذا الغرض الواجب[20].
كما ينبغي أن يعلم أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، وأنه تكاليف وتبعات، وأنه إقرار وامتثال وطاعة، وإذ هو كذلك: كان لزاماً أن ينعكس أثره على اللسان والقلب والجوارح، علماً، وعملاً، وسلوكاً.
 

 





(1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب حدثنا يحيى بن بكير، ج 1 ، ص3 .
(2) أخرجه أحمدفي المسند، ج1، ص192 ، وصححه الألباني في (صحيح الجامع الصغير)، ح/7469 ، م2 ، ص 1244 .
(3) الهيثمي: كشف الأستار عن زوائد البزار ، ، ح/1748 ، ج2 ، ص 304 ، وابن حجر : التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ، ح/ 2169 ، ج 4 ، ص167.
(4) ابن عتيق : سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك، ص 28 .
(5) نقلاً عن فتح الباري ، ج7 ، ص 267 .
(6) أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي -صل الله عليه وسلم- : (اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم)، ج 4، ص 267 .
(7) أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الجهاد، ح/2482 ، ج3 ، ص 4 ، وأحمد في المسند، ج2 ، ص 199 .
(Cool أخرجه أحمد في المسند، ج4 ، ص 62 ، وقال الألباني: إسناده صحيح، السلسلة الصحيحة، ج4 ، ص 239 240 .
(9) أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الجهاد، ح/2532 ، ج3 ، ص 18 .
(10) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، ج3 ، ص 215 .
(11) صالح أحمد الشامي: السيرة النبوية تربية أمة، وبناء دولة، ص 127 128 .
(12) سيد قطب: في ظلال القرآن، م3، ص1560 .
(13) محب الدين الخطيب: من إلهامات الهجرة.
(14) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله (تعالى) : [ إنَّ الَذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ] ، ج5 ، ص 183.
(15) تفسير ابن كثير ، ج1 ، ص 272 .
(16) الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، ج4 ، ص243 ، وابن حجر : الفتح ، ج 8 ، ص 263 .
(17) تفسير ابن كثير ، ج1 ، ص 542 .
(18) سيد قطب : في ظلال القرآن، ج3 ، ص 745.
(19) قال ابن كثير في تفسيره : (رواه ابن أبي حاتم، وقد روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم قريب من هذا) ، ج1 ، ص 532 .
(20) محب الدين الخطيب : من إلهامات الهجرة ، ص 52 ، 53 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75517
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Empty
مُساهمةموضوع: رد: يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد     يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Emptyالجمعة 18 أغسطس 2017, 6:08 am

ذكريات من مواسم الهجرة
. د . مصطفى السيد



-1-
ما كنت أحسب -وأنا أضع عصا الترحال- في رحلة من مواسم الهجرة نحو الخليج، في مطالع التسعينيات من القرن الرابع عشر الهجري ما كنت أحسب أني سأستقر مجاوراً لمرابع (تميم) وفي مدينة من مدن القصيم[1] ، وما دار بخلدي أن للتاريخ حضورًا في (نجد) يتجاوز الكتب الراقدة فوق رفوف المكتبات، أو المحفوظات الرسمية في صدور الرجال.
إن هذا الجحود لعبقرية المكان وما أكنَّته (الكثبان) كأنه أمر متوارث، وكأن الأدباء تواصوا به، فاضطربت أقوالهم في مواطن الأيام ومواضع الوديان وأماكن المياه في مهبط إلهام الشعر العربي في (نجد) فتقاذفوا وديانها بين جنوب وشمال، ويمان وشآم.
إن (عزرا باوند)[2]  (1885-1972) قد ذرع بحر (إيجه) جيئة وذهاباً، ويستلهم كل حجر ومدر ويستنطق كل واد وجبل عن أخبار القوم في الإغريق، ولقيت اليونان من عشاق حضارتها ما لم تبلغ نجد مده ولا نصيفه.      نجد في الأدب العربي معادل موضوعي لليونان في الآداب الغربية فهي خزانة الأدب وعتائد[3] الهوى، استضاءت بنور الوحي، ثم كبت كبوة كأداء - الردة - ثم وثبت تختزن في وعيها دواوين الفصاحة وتراث الأيام، فلم تهن اللغة ولم يغب الشعر، بل أطل جذعاً فوق منابر الشام والعراقين وخراسان ومصر، مفعماً بالقوة مترعاً بالمروءة، لم تزور عنه (حداثة) قصور الشام، ولم تقصه بلاد الرافدين فلم يلق جحوداً ولا كنوداً كالذي يقنّع به الآن.
-2-
قاتل الله شيطان الشعر، فقد استهدفت بحديثي أرض تميم، وما رميت إلى استنطاق كل حجر ومدر في نجد، فلذلك الأمر أهله، لقد أوسعتني النوى شسوعاً، وقذفت بي المطامع لأفتح عيني حين أفتحها في قلب نجد، دار الزمان دورته، وعادت نجد مهجراً ومهاجراً، تؤمها رحلة الشتاء والصيف.
من القاهرة وبيروت إلى (هجرة)[4]  تمثلت في بضعة بيوت، إنها مأساة، فزعت منها إلى مملكة الخيال لأجبه جحافل الواقع، لقد أسبلت عيناي معاً، وتلفت القلب إلى قريتي في البقاع والأشجار التي اصطفت على مداخلها كأنها حرس شرف.
كيف الشجيرات التي على طريق البلد ؟
طويلة أم انحنت حزينة في كمد؟
تزورها بلابل من الشمال تغتدي
أم أنها عارية الأعراف في توجد؟
أية عبقرية للشاعر الجاهلي التي جعلته يتجاوز الفناء المفروض على الأرض إلى البناء الذي أقامه في عالم الكلمة، لقد وجد في (أبيات) القصيدة عوضاً عن (الأبيات) التي جدت يد الفناء في هدمها، حتى باتت مسكونة بعويل الريح، مقطونة برماد التذكر، ليت نقادنا يخبروننا عن الوشائج بين بيت الشِّعر وبيت الشَّعر، الذي لم تطق ميسون بنت بحدل الكلبية أن تغادره عندما انطلقت بهذا الحوار الداخلي:
لبيت تخفق الأرواح فيه      أحب إلي من قصر منيف
كل هذا الحوار يقول إن الوطن ليس شملة يسهل خلعها كما لا يصعب ارتداء غيرها.
في تلك (الهجرة) قرأت كتاباً لحسن عبد الله القرشي عن عنترة لأقف من خلاله على المعالم الخفية للمكان، لم يكن ذاك اختياراً، بل كان الكتاب الوحيد الموجود في مكتبة المدرسة عن الأدب الجاهلي، ولكن لحسن الحظ فإن (نجد آل الشيخ) قد استهوتني أكثر من نجد الجاهلية، لقد لفت نظري تغلغل فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحضوره على كافة المستويات العوام والمتعلمين، ولا تكاد تجد لهم ثقافة غيره في مكتبة مطوع الهجرة، وجدت فيها طائفة صالحة من الكتب: زاد المعاد، البداية والنهاية، كتب آل الشيخ، ارتحلت بخيالي إلى بلدي لأقارن بين مكتبة إمام المسجد في هذه القرية ومثيلاتها عندنا حيث تجد غالباً (مولد العروس) و (دلائل الخيرات) وكتب تفسير الأحلام، وبقية المخدرات الفكرية من مصنفات أهل التصوف.
-3-
كنت ملول الطبع ولا سيما إذا أكرهت على جُلاس لا يفيدون علماً، ولا ينشرون من التاريخ عبراً، هذه النماذج البشرية التي لا نجد في كلماتها إلا لكمات للحياة الجادة، يجرجر أحدهم عمره في سوح العجز، يموت أسى، ويقضي كمداً إن خسر بضع دريهمات في صفقة عقدها، أو وقعة اقتصادية شهدها، ولكن خسارة عمره لم ترفع منه رأساً، ولم تعل صوتاً، وأنى يرفع رأسه وهو لم يتعهد إلا فراغ جيوبه، ولم يدر بخلده أن في رأسه، بل في قلبه أوعية بملئها يتميز البشر ويتفاضل الخلق، لأشد ما تألمت على هؤلاء الذين يصرفون أعمارهم في هروب منظم، ولا تبخل عليهم ذاكرة العجز باسم مهذب لهذا الفرار، وما أكثر الأسماء (المرفوعة) و المسميا ت (المخفوضة).
ومن فضل الله علي أن انتقلت بعد تلك القرية (التي ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس) إلى ماء لتميم ، إلى وادي الرس ، فأرشفنا على ظمأ زلالاً ، أسرتني حلاوة ذاك الماء ، وكثيراً ما استحضرت وفاء السموأل واسترجعت كرم حاتم، بل إن صاحب الماء تجاوز بسمو الإسلام وشعب الإيمان هذه الرموز الجاهلية، وصدق رسول الله-صل الله عليه وسلم- القائل: (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا)، ولم يكن الماء التميمي في جو نجد اللاهب يزيل جفاف الفم فحسب بل يزيل أيضاً جفاء القلب، وما أن تضيء أنوار الحديث حتى أشعر أننا في غير زماننا وخارج مكاننا نستفتي ابن منظور، ونراجع (المغني) ولا يحسم الجدل إلا (بالفتاوى) ولا نغيب عن العصر أو يغيب عنا وحول الماء الندي والخلق تمثل بفتية أقصوا الدنيا وإن لم تقصهم، وفارقوها وإن لم تبرح لهم مغازلة وإليهم متشوفة.
-4-
كان صاحب الماء يطربه الحديث، ويعجبه هذا المعرض التاريخي الدائم، قناة للتواصل، يسع مرتادي هذا الماء بحلمه ويغضي عن بعض التجاوزات بابتسامة طبعت على شفتيه، وكان الطعام والإكرام أقل ما يجده الناس في هذا المورد التميمي، وإذا ذكر أحد الحاضرين حاجة إلى مال أو افتقار إلى جاه – أسر صاحب الماء ذلك في نفسه ولم يبده - ليندفع بعد ذلك بسرور غامر يسد الخلة ويستشفع لأصحاب الحاجات.
لقد تواضع شيخ تميم، الأحنف بن قيس واصفاً نفسه بالتحالم ليقر لقيس بن عاصم بالحلم ولم أر في صاحبنا التميمي - على ما فيه من الشمائل - أظهر من التواضع وحرصاً نادراً على كتمان معروفه وإظهاره عيوب نفسه، وما إن يسمع من أحد المختلفين إلى مجلسه، حديثاً عن مسلم يخرج بماله أو نفسه ثم لا يعود بشيء من ذلك إلا وتجده يغالب دموعه متسائلاً عن مدى استحقاقنا لهوية الإنسان بله الإسلام، ثم يردد (الله يرحم الحال).
ولئن فارقنا هذا الماء فهو لم يفارقنا، وعندما يرتد البصر حسيراً، يتلفت القلب، ويسعف العقل باستحضار شريط الأطلال ليبدأ الحوار الداخلي إذا تعذر الحديث الخارجي.
-5-
لم تكن هذه الكلمات انعكاساً لكل ما انطبع على صفحات المرايا النفسية، بل هي بعض الوفاء وأنى لمثلي أن يؤدي حقاً لأقوام درست في (مجالسهم) أبجدية (الفلاح)، وكان ممن حملت معي بعد النأي والبعد صوتاً قرآنياً يتغنى بالمصحف ويحبر الآي تحبيراً.
ومن تمام الرواية، أن رواد الماء التميمي لم يتفرقوا قبل تلاوة كفارة المجلس.
» سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك «.
ما أجمل الصحراء التي تمضي فيها القوافل وتتلى الصلوات، وتساق المحامل، فاسجد على رمالها المحرقة
واحرق الجبين حتى يبقى عليه الأثر .
محمد إقبال
 






(1) يقصد الكاتب مدينة (الرس) من مدن القصيم في المملكة العربية السعودية.
(2) شاعر غربي مشهور .
(3) عتائد: مفردها عتيدة، صندوق تضع فيه المرأة ما يعز عليها من طيب وبخور .
(4) بيوت قليلة في البادية .

















مِنْ وحْيِ الهِجْرة
. أحمد حسبو


ها قد أهـلّ على الوجودِ (مُحَرّمُ)
فالكونُ يزهو والحياةُ تَبسّمُ
ترنو إلى ركبِ النبي وقد مضى
تَبْكيه مكةُ والمَقَامُ وزمزمُ
عوّدتُ نفسي الاحتفالَ بهجرةِ الْـ
هادي الْبشيرِ ، وعطرَها أتنسّمُ
لكنْ على الوجهِ الذي أبصرتُهُ     
عن حبِ خير المرسلين يُترجِمُ
فاخترتُ من شعرِ المديحِ قصيدةً     
أنشدتُها ووجدتُني أترنّمُ
وحَسِبتُ أني قد بلغْتُ ذرا التقى     
بل ليس مثلي في المحبة مسلمُ ! !
وإذا بأعماقي دويّ صارخٌ     
يا غافلاً حتّى متى تتَوهّمُ ! !
حتى متى والقولُ قد زخرفْتَهُ      
والفعلُ يفضحُ ما تقولُ وتزعُمُ
لمّا عَجزْتَ عن اتباعِ (محمدٍ)     
أَقنعْتَ نفسَكَ بالكلامِ ، ودُمْتمو !
ماذا اقترفتُ لكي تراني واهماً     
أَلأَنّنِي بهوى النّبيِ مُتيّمُ ؟ !
إني أرى حبّ النبي عبادةً     
ينجو بها يومَ الحسابِ المسلمُ
فأجابني : حبّ النبِي عبادةٌ     
فرضٌ على كل العبادِ محتّمُ
لكنْ إذا سَلَكَ المحبّ سبيلَهُ     
متأسّياً وَلِهدْيِهِ يَتَرَسّمُ
هل ضيّعَ الإسلامَ إلا قائلٌ     
أفعالُهُ تنفي المقالَ ، وَتْهدِمُ ؟
فالقدسُ ضاعت من كلامٍ دونما     
فعلٍ يؤيد قولَهم ، ويُتَرْجِمُ
والطفلُ ملّ من الكلامِ ؛ وليتهم     
يَدَعُونه يرمي اليهودَ ، ويَرْجُمُ
والعدلُ ملّ من الكلامِ ؛ وقد رأى    
 مَنْ يَدّعي عدلاً يجورُ ، ويَظْلِمُ
والطهرُ ملّ من الكلامِ ؛ وطالما    
 زعمَ الطهارةَ داعرٌ لا يَرحمُ
حتى البطولةُ أَعْلنتْ إضرابَها   
  لما ادّعاها من يَخافُ ، ويُحْجمُ
فَصَرخْتُ : كُفّ القولَ ؛ قد أَخْجَلْتَنِي  
  وكلامُك الحقّ الذي لا يُكْتَمُ
تعني بهذا أن يجيء (محرمٌ)  
   ويروحَ عنّا دونما يُستَلْهَمُ ؟
فأجابني : كلاّ فهجرةُ (أحمدٍ)  
   فيها الدروسُ لمن يُفيد ، ويَفْهمُ
درسُ التوكلِ خالدٌ عنوانُهُ     
(الله ربي) يستجيبُ ، ويعصِمُ
والأخذ بالأسبابِ درس مشرقٌ  
   والعبقريّة باسم ربك ترسُمُ
فَهُنَا (عليّ) في الفراشِ مُدثرٌ   
  يُلْهي عيونَ المشركين ، ويوهِمُ
وهناك (أسماءُ) الأريبةُ أصْبَحَتْ    
 مَثَلاً لكُلّ المسلماتِ يُقَدّمُ
وشقيقُها الشّهمُ الأبيّ ، ودورُهُ :
     يأتي النبيّ بما يُحَاك ويُبْرَمُ
ويجيءُ (عامرُ) بالشياهِ يسوقُها  
   نشوانةً ، تمحو الخطا ، وتُعتّمُ
حتى الدليلُ[1] على الطريق أتى بهِ 
    ما قال أمشي ، ثم ربي يُلْهمُ
تَمْتمتُ : قد تعِبَ الرسولُ مهاجراً   
  بأبي وأمي كم له أتألُم !
فأجابني : قد كان ربّكَ قادراً :   
  أن يستجيبَ المشركون ، ويُسْلموا !
ما كان يُعْجِزُهُ انتقالُ رسولِهِ    
 فوق الْبُراقِ ؛ وأهلُ مكةَ نُوّمُ ! !
لكنهُ الإسلامُ ليسَ بنزهةٍ   
  دربٌ يُراقُ على جوانبهِ الدّمُ
ردّدتُ وَا أسفى على عمْرٍ مضى      في غفْلةٍ ؛ والآن كم أتندّمُ !
يا مسلمون : لهجرةِ الهادي ارجعوا 
    واستوعبوا لدروسِها ، وتعلّموا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75517
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Empty
مُساهمةموضوع: رد: يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد     يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد  Emptyالجمعة 18 أغسطس 2017, 6:13 am

عام الحزن .. عام الفرج


مدخل :


-  ثلاثة أحداث مرت برسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في أقل من أربعة أشهر، كادت تعصف بهم وبالدعوة الإسلامية، وكانت في نظر المرجفين ومحدودي الرؤية، أحداث مؤذنة بنهاية دعوة الرسول -صل الله عليه وسلم-؛ وانتصار معسكر قريش، على معسكر الإيمان.
- مات أبو طالب عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ثم ماتت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فماذا كان أثر وفاتهما؟ قال ابن اسحاق: ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد، فتتابعت على رسول الله -صل الله عليه وسلم- المصائب، بهلاك خديجة، وكانت له معيناً في دعوته إلى الإسلام .
وبهُلك عمه أبي طالب ، وكان له عضداً وحرزاً في أمره ، ومَنَعَة وناصراً على قومه ، فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله -صل الله عليه وسلم- من الأذى مالم تكن تطمع به في حياة أبي طالب ، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه تراباً[1] وقال ابن كثير: وعندي أن غالب ما روي من طرحهم سلا الجزور بين كتفيه وهو يصلي...، وكذلك ما أخبر به عبد الله بن عمرو بن العاص من خنقهم له عليه السلام خنقاً شديد حتى حال دونه أبو بكر الصديق، وكذلك عزم أبي جهل لعنه الله على أن يطأ على عنقه وهو يصلي فحيل بينه وبين ذلك، مما أشبه ذلك، كان بعد وفاة أبي طالب[2] .
نعم لقد فقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عضده وحاميه من قريش، فاجترأت عليه، وزادت في إيذائه؛ حتى روي عنه -صل الله عليه وسلم- أنه قال: ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب[3].
- وفقد -صل الله عليه وسلم- أول من آمن به أعني من النساء، وسلوته وملاذه، وأم أولاده (خديجة رضي الله عنها).
روي عنه -صل الله عليه وسلم- أنه قال: لقد آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها[4].
وقال ابن اسحاق: وكانت أول من آمن بالله وبرسوله، وصدق بما جاء منه، فخفف الله بذلك عن نبيه -صل الله عليه وسلم-، لا يسمع شيئاً مما يكرهه، من ردٍ عليه، وتكذيبٍ له، فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها؟ إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عليه، وتصدقه، وتهون عليه أمر الناس، رحمها الله تعالى[5].
فعلاً: إنها أحداث تهز الكيان البشري، وتزلزل الأرض من تحت أقدام الضعفاء، أما من قوي إيمانه بالله ويقينه بوعده ونصره، فلا تزيده هذه الأحداث إلا تصميماً وعزماً على مواصلة الطريق.
- خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة بعد أن أحس أنها لم تعد بيئة صالحة للدعوة خرج إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام وإلى أن يكونوا أنصاره وحماته؛ وكان ذلك بعد وفاة خديجة بقليل فماذا كان جوابهم؟ لقد قابلوا الرسول -صل الله عليه وسلم- أسوأ مقابلة، وردوا عليه أقبح ردٍ، وعاملوه بما لم تعامله به قريش.
لقد رفضوا الداعي -صلى الله عليه وسلم- والدعوة، ورجع رسول الله - صل الله عليه وسلم- إلى مكة وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه، وفراق دينه، حتى إنه لم يدخل مكة إلا بجوار المطعم بن عدي.
إذاً ما العمل؟ ذهب السند الداخلي؛ الذي كان يمد رسول الله -صل الله عليه وسلم- بالراحة والطمأنينة، والمشاركة والمواساة، وهلك المدافع أمام قومه، الذي كان يوفر له مساحة يتحرك فيها لدعوة الناس وإبلاغ رسالة الله.
وسُدَ أقرب منفذ للدعوة يمكن أن تنتقل إليه، وتنطلق منه... هل تنتهي الدعوة؟ هل يقف الداعية؟ هل كانت هذه الأحداث إيذاناً بانتصار الكفر؟ لا وكلا.
بل كانت علامة قرب انتصار الرسول -صل الله عليه وسلم- ودعوته ، وفتح أبواب أكبر ، وآفاق أوسع { فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا } [الشرح : 5] قد ضاقت مكة بالدعوة، ورفضت الطائف استقبالها، وأخذت بعض القبائل التي تأتي في الموسم تساوم عليها.
لقد ضاقت الأرض، ففتحت السماء، لم تتأخر البشارة بهذا النصر كثيراً ففي ذي القعدة من السنة العاشرة، يسرى برسول الله -صل الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس، فيؤم هناك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم يعرج به إلى السموات السبع.
يقول المباركفوري في بيان هذه البشارة: الإسراء إنما وقع إلى بيت المقدس لأن اليهود سيعزلون عن منصب قيادة الأمة الإنسانية لما ارتكبوا من الجرائم التي لم يبق معها مجال لبقائهم على هذا المنصب، وأن الله سينقل هذا المنصب فعلاً إلى رسوله -صل الله عليه وسلم-؛ ويجمع له مركزي الدعوة الإبراهيمية كليهما.
ولكن كيف تنتقل هذه القيادة، والرسول يطوف في جبال مكة مطروداً بين الناس؟ هذا السؤال يكشف الغطاء عن حقيقة أخرى، وهي أن طوراً من هذه الدعوة الإسلامية قد أوشك إلى النهاية والتمام وسيبدأ طور آخر يختلف عن الأول في مجراه، ولذلك نرى بعض الآيات تشتمل على إنذار سافر ووعيد شديد إلى المشركين { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها، ففسقوا فيها فحق عليها القول، فدمرناها تدميراْ } [الإسراء : 16].
وإضافة إلى هذه الآيات آيات أخرى تبين للمسلمين قواعد الحضارة وبنودها ومبادئها التي ينبني عليها مجتمعهم الإسلامي، كأنهم آووا إلى الأرض وتملكوا فيها أمورهم من جميع النواحي، وكونوا وحدة متماسكة تدور عليها رحى المجتمع، ففيها إشارة إلى أن الرسول -صل الله عليه وسلم- سيجد ملجأ ومأمناً يستقر فيه أمره، ويصير مركزاً لبث دعوته إلى أرجاء الدنيا[6].
ثم لم يتأخر النصر الموعود، فبعد ثلاث سنوات فقط، من تلك الأحداث المحزنة؛ التي بلغت قمتها بالمؤامرة الدنيئة لاغتيال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك ولد الفجر وظهرت تباشير النصر، وانطلق رسول الله -صل الله عليه وسلم- مهاجراً إلى المدينة ليؤسس هناك دولة الإسلام، ويعلن انتصار الإيمان، وهزيمة الكفر ،{ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [يوسف : 12]. إن أحداث عام الحزن بما فيها من ألم ومرارة، تغرس في قلوب الأتباع روح التفاؤل والإيمان، والتطلع إلى غدٍ مشرق، وقطع العلائق بالخلائق، والالتجاء إلى رب الأرض والسماء، والاعتماد عليه وحده.
{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } ولا شك أن في السيرة النبوية سلوى لكل الدعاة حيال ما قد يتعرضون له من مشاق واضطهاد ومضايقات فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
وأخيراً: ورغم كل المؤامرات المتوالية التي يحبكها أعداء الإسلام ضد الدعوة والدعاة في كثير من البلدان والإساءة إليهم بالاتهامات الباطلة من دعوى الإرهاب والتطرف بمناسبة وبغير مناسبة، محاولة منهم لإجهاض الدعوة والإساءة للدعاة، وهيهات أن ينجحوا مادام الدعاة مستمسكين بالوحيين وسائرين على سنة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- وليثقوا كل الثقة بنصر الله الذي لا يتأخر عن عباده الصالحين والخسارة والخزي لأعداء الدين، فإلى الأمام بعزم لا يلين {اصبروا وصابروا ورابطوا } اللهم أرزقنا حب نبيك -صل الله عليه وسلم- وحسن الاقتداء به والفهم عنه.
 






(1) سيرة ابن هشام : 2/442 ط دار الشكر .
(2) البداية والنهاية : 3/165 ط دار إحياء التراث العربي .
(3) ابن هشام : 2/442 مرسلاً عن عروة بن الزبير .
(4) مسند أحمد : 6/118 والاستيعاب لابن عبد البر : 4/278 279 بهامش الإصابات .
(5) ابن هشام : 1/258 .
(6) الرحيق المختوم : 167 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
يوم عاشوراء .. أحكام وفوائد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» يوم عاشوراء
» يوم عاشوراء ...تعريفه .. حكمه...فضله..سبب صومه
» درر وفوائد، حكم وفرائد، فيها العظة والعبر
» "عاشوراء" يوم نجى الله سبحانه نبينا "موسى" عليه السلام
» من أحكام الوصية والميراث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث دينيه-
انتقل الى: