[rtl][/rtl]
[rtl]عبدالوهاب الشرفي[/rtl]
SEPTEMBER 17, 2017
هل يدرك برزاني كارثية ما يزمع الاقدام عليه؟ وهل ستخدعه التجربة الارتيرية؟ وما الذي يجب ان يتفهمه الاكراد ليخدموا قضيتهم ولا يُستخدموا كحوامل لمشاريع غيرهم؟
أعلن الزعيم الكردي ورئيس اقليم كردستان العراق مسعود برزاني عن اعتزامه القيام باستفتاء لانفصال الاقليم عن الدولة العراقية الاتحادية في نهاية شهر سبتمبر الجاري و اثار هذا القرار أزمة عاصفة في العراق لاسباب عدة منها مخالفته للدستور العراقي و شموله لمناطق مختلف عليها بين الحكومة الاتحادية و حكومة الاقليم و عدم اجماع المكونات الكردية عليه و التبعات الخطيرة على الاقليم وعلى العراق التي قد تترتب عليه وغير ذلك من الاسباب .
باستثناء برزاني و مكونه لم يحظ هذا التوجه بأي مساندة وازنه من اي طرف بل حظي برفض قوي عراقيا و اقليميا و دوليا وارسلت العديد من الدول تحذيراتها من المضي في هذا الطريق على رأسها تركيا و ايران ، و تدخلت دول اخرى للعمل على اقناع البرزاني بالعدول عن ما يعتزمه كالولايات المتحدة الامريكية ، ومع كل ذلك لازال برزاني مصر على المضي وذهب بقراره الى برلمان الاقليم و تبعا لغالبية مكونه فيه تمكن من الحصول على موافقته بالقيام بالاستفتاء .
الملفت والمستغرب هو مضي البرزاني ومكونه في طريقه وصولا للاستفتاء مع ما تحمله هذه الخطوة من عبثية بالنسبة للهدف الذي يلوّح به وهو قيام دولة كردية من جهة وما تحمله من مخاطر قد تعصف بما حققه اكراد العراق وبأمن واستقرار الاقليم كذلك من جهة ثانية .
الاستفتاءات هي آلية قياس وليست آلية اتفاق او قرار بمعنى ان الذهاب لعملية استفتاء هو امر يتطلب ان يكون هنا اتفاق او قرار اولا ومن ثم يتم استفتاء الجمهور المعني حوله وفيما اذا كان سيحظى بالقبول او بالرفض ، اما ما يراد ان يتم الان فهو كمن يضع ” العربة امام الحصان “، وهذه النقطة هي التي تجعل العملية عبثية ولن تقرّ حقا لاقليم كردستان بالانفصال و لو كانت نتيجتها ايجابية مئة بالمئة ، وكلما سيترتب عليها هو تأكيد البرزاني و مكونه لرغبتهم في الانفصال عن الاتحاد العراقي لا اكثر وستضل مسألة الانفصال مسألة متعلقة باجرائتها القانونية التي عنوانها التفاوض السياسي مع الدولة الاتحادية وهو امر يمكن ان يناضل له برزاني دون الحاجة لخطوة مثل الذهاب لاستفتاء لن تضيف لموقفه شيئ ولن تمنحه حقا على الاطلاق بمقابل انها ستستتبع مخاطر مصيرية بالنسبة لاقليمه ولامتيازاته الحالية .
الذهاب لاستفتاء داخل أراض الاقليم المتفق عليها كان سيكون أخف من ناحية التبعات وسينظر اليها كخطوة لقياس رغبة الاكراد في الانفصال يتحدد في ضوئها موقف الحكومة الكردية تجاه حمل قضية الانفصال و تساعد في التفاوض رسميا بشأنها مع الحكومة الاتحادية ، لكن دخول مناطق مختلف بشأنها بين الحكومة الاتحادية و الحكومة الكردية يجعل من هذه الخطوة غاية في الخطورة وقد يترتب عليها الانزلاق لمواجهات عسكرية كون الامر اصبح متعلقا بحسم تبعية هذه المناطق للاقليم الكردي بقرار من طرف واحد وليس بالاستفتاء .
عدم الفهم الواضح لما تعنيه عملية ” استفتاء ” لدى برزاني ومكونه وانها آليه قياس وليست آليه قرار في شأن كانفصال اقليم قد يدفع الدولة الكردية تحت اغراء نتيجة ايجابية قد تتحقق الى الذهاب لفرض ” فصل ” – وليس انفصال – الاقليم عن الدولة الاتحادية وهو امر سيجر احتمال المواجهه مع الحكومة الاتحادية من جهه و سيجر المكونات داخل الاقليم لصراع حول صيغة السلطة التي يجب ان تتشكل لحكم الاقليم بعد فصله كصيغة سياسية جديدة لواقع جيوسياسي جديد ، اذا ان الحكومة الحالية ستفقد شرعيتها لدى المكونات داخل الاقليم المنبثقه من الصيغة الاتحادية و ستسعى هذه المكونات للعمل على قيام صيغة جديدة ” لشرعية ” الحكم في الاقليم .
كذلك ارتباط ” المسألة الكردية العراقية ” بالمسئلة الكردية ككل في مختلف الدول المحيطة و كذا الملفات المفتوحة في المنطقة بكاملها لابد ان يضع الاقليم تحت مخاطر التدخلات الخارجية فيه او في قضيته بشكل مباشر ومحوري لان فرض ” فصل ” الاقليم سيتحول الى قضية متعلقة بالامن القومي للعديد من الدول المعنية و التي تمثل ” المسألة الكردية ” او مسألة قيام كيان مستقل على حدودها غاية في الحساسية لما قد يترتب على ذلك من تهديدات للأمن القومي لهذه الدول .
لم يسمع في اي قضية انفصال في اي مكان في العالم ان الاستفتاء سبق الاتفاق السياسي – اذا استثنينا تجربه مندفه غير ذات جدوى في اسبانيا – وهذا الامر متعلق بالموقف الدولي و الموقف الاممي تجاه اي خطوة فرض ” فصل ” للاقليم ترتيبا على نتيجة إستفتاء ، فلا تستطيع اي دولة كانت ولا الامم المتحدة ان تتعامل مع هذا الوضع كوضع طبيعي يمكن الاعتراف به او التعامل معه ، فالعراق دولة اتحادية معترف بها دوليا وحدودها و نظامها السياسي مسجلان وموثقان ومحميان بالقانون الدولي و اي عمل يترتب عليه تغيير في جغرافيتها يعني ” تقويض ” جمهورية العراق الاتحادية و ليس فقط ” انفصال ” اقليم فيها .
ترتيبا على ما سبق يمكن القول ان ما سيترتب على مضي برزاني ومكونه في الاستفتاء وما قد يحاول ان يرتّب عليه من ” حدود ترسم بالدم ” هو اهدار لحالة العلاقة القائمة بين الاتحاد و الاقليم بما فيها من امتيازات ليست بالقليلة من جهة ، و تعريض الاقليم و العراق ككل لمخاطر الانزلاق للمواجهات العسكرية البينية من جهة ثانية ، و تعريض الداخل الكردي لسجالات وربما صدامات داخليه حول صيغة الحضور في السلطة تبعا للواقع الجديد من جهة ثالثة ، اضف الى ذلك تعريض الاقليم للتدخلات الخارجية بما فيها العسكرية ضد مناطق ” منشقة ” قد لا تمانع الحكومة الاتحادية من حصول ذلك لمعرفتها بما يترتب على ” الفصل ” من مخاطر للدول المحيطة المعنية من جهة رابعة .
كيان واحد فقط مع ان حاله فيما يتعلق بمسألة الاعتراف و التعامل الرسمي مع الاقليم ” كدولة مستقله ” هو حال مختلف دول العالم من عدم القدرة على ذلك لما فيه من انتهاك للقانون الدولي و للامن و السلم الدوليين ، الا ان احتمال تدخله للدفع ببرزاني ومكونه للمضي قدما قائم و هو الكيان الصهيوني ، فهو الوحيد الذي يقوم معه احتمال تقديم دعمه في هذا الاتجاه لكن لن يكون ذلك لمساندة الاكراد للحصول على دولة – كما قلنا ليس ذلك في امكانه اساسا – وانما لتوضيف القضية الكردية لصالح ضرب الاستقرار بشكل اكبر في المنطقة ضمن الحرب الباردة له مع ايران و استهدافا منه لتركيا على خلفية المواجهه مع الاخوان ، وفي الاخير لن يكسب الاكراد شيئ على الاطلاق بل سيخسرون كثيرا وكثيرا جدا .
تجربة اخرى ظاهرها مماثلة خاضها الكيان الصهيوني ونجح فيها وهي فصل ارتيريا عن اثيوبيا ، لكن هذا التماثل الظاهري هو تماثل خادع سواء من حيث الاسلوب فما تم في اثيوبيا تم باتفاق سياسي بين اثيوبيا وما اصبح لاحقا دولة ارتيريا وليس باستفتاء وفرض ” فصل ” كأمر واقع ، او من حيث تركيبة القضية ” فالمسألة الارتيرية ” لم تكن متداخله باخرين كماهي ” المسألة الكردية ” التي تتداخل مع الاكراد المتوزعين على اكثر من دولة و ما لإرتباط قضاياهم بالامن القومي لتلك الدول من أثر ، وبالتالي حتى الاحتمال الافتراضي بان الكيان الصهيوني هو الوحيد الذي يمكن توقع تشجيعه لمسعى ” فصل ” اقليم كردستان العراق هو خطورة اضافيه لهذه الخطوة لان خصوصياتها مختلفة تماما عن تجربته السابقة في اثيوبيا .
لا اريد ان يفهم من كلامي اعلاه انني ضد تقرير المصير بالنسبة للاكراد بل انني ممن يتفهمون مطالب الاكراد في قيام دولة لهم اذا كان ذلك سيعفي المنطقة من حالة اللاستقرار المترتب على القضية الكردية ويتم باتفاقات سياسية ، وما حذرت منه اعلاه هو كي لا تستخدم القضية الكردية لصالح اجندات للاعبين اخرين من جهة وان لا يسير نضال الاكراد في طريق يجلب ويلات وليس فيه اي ايجابي قد يتحقق للاكراد على الاطلاق كونه طريق غير موصل للنتيجة من جهة ثانية .
ما يجب ان يتفهمه برزاني وغيره من القيادات الكردية في العراق وفي غيرها ان هناك محددات سياسية يجب مراعاتها عند النضال لقضيتهم واول هذه المحددات انه من غير الممكن لاي دولة كانت ان تتعاطى جديا مع قيام دول مستقلة للاكراد ( في وضعهم الحالي ) مهما سمعوا من بعضها كلاما متفهما او مشجعا فكل ذلك لن يتعدى كونه تفهما لرغبة سياسية وليس تعاط مع حق سياسي وبين الاثنين فرق كبير ، وثاني هذه المحددات ان النضال الكردي يجب ان يتم على مسارين اثنين في ذات الوقت اولها مسار فردي وهو النضال الذي يستوعب ان الفرصة المتاحة سياسيا و الممكن العمل عليها من قبل الكيانات الكردية في مختلف الدول التي يتوزعون عليها هو الوصول لوضع الاقاليم ضمن دول اتحادية ، وثانيها هو مسار جماعي يبدء بتوحيد الاكراد انفسهم في مكون سياسي اعتباري واحد يمثل الاكراد في مختلف الدول التي يتوزعون عليها يناضل من اجل قيام دولة كردية مستقلة بموازاة المسار الاول لانه من غير الممكن ان تتعاطى جديا اي دولة او منظمة مع مطلب استقلال كيان كردي منفرد دون غيره كون ذلك سيمثل اضرارا بالامن والسلم الدوليين بتشجيع النزعات الانفصالية لدى الكيانات الكردية الاخرى ، لكن سيكون من الممكن التعاطي مع ( مطلب قومي ) للاكراد كوحدة واحدة كون ذلك سيسهم في حل سياسي لقضيتهم يترتب عليه تعزيز للامن والسلم الدوليين ، بمعنى انه لايمكن التعاطي جديا مع قيام دولة كردية مستقله لاكراد العراق ومثلها لاكراد تركيا ومثلها لاكراد سوريا وهكذا لكن يمكن التعاطي جديا مع جمع اقاليم او كيانات الاكراد جميعها في دولة واحدة مستقله ، وثالث هذه المحددات ان اي نضال كردي في اي من المسارين يجب ان يلتزم بالسلمية و التفاوض السياسي فهو النضال الوحيد الذي يمكنه ان يفضي الى نتيجة بينما اي صورة اخرى من النضال يُتوقع انه بالامكان فرض نتيجة ما كامر واقع عبرها هو نوع من الوهم السياسي كلما سيترتب عليه ان تتحول القضية الكردية الى حامل لمشاريع الدول ذات الاجندات المختلفة في المنطقة ولن ينال منها الاكراد شيئ غير الويلات و التشرذم و ضرب ماهو متيسر حاليا من الاستقرار للكيانات الكردية ، ورابع هذه المحددات هو ان اي توجه او انشاء لاوعية سياسية مشتركة يجب ان يتم باجماع كردي كي يحمل صفة التمثيل للقضية الكردية فعليا – وليس رؤية لمكون او لعدد من المكونات الكردية مع اهمال اخرى – ويمكن ان يتم التعامل معه من الدول و المنضمات المعنية كمكون قادر على ان يجسد اي اتفاقات او تفاهمات تتم معه كواقع دون معارضة مكونات كردية غير ممثله فيه لهذه التفاهمات او الاتفاقات المتعلقة بتقرير المصير للاكراد .
من الجدير ببرزاني ومكونه ان يعيدوا النظر في خطوتهم المزمعة و يبحثوا لهم عن مخرج منها لعبثيتها و ما ستجلبه من مخاطر دون اي مكسب كان ، وان يرتبوا خطواتهم بشكل ينطلق من منطق سياسي سليم وليس من اندفاعات او ردود فعل او تكتيك مجازف ، وان يعملوا على ان يضيفوا للرصيد الذي تحقق لاكراد العراق دون غيرهم من الاكراد لا ان يجازفوا به . وعليهم ان يتفهموا ان كثير من الخسارات تحصل ليس لعدم امتلاك مقومات الحق وانما لخطاء السير باتجاهه .
رئيس مركز الرصد الديمقراطي ( اليمن )