ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: اغتراب الطفل العربي في عصر الرسوم المتحركة… الأربعاء 30 أغسطس 2017, 7:52 am | |
| اغتراب الطفل العربي في عصر الرسوم المتحركة… و«سبيس تون» الواقع الأردني مالك العثامنة
أحيانا، أتابع مع ابنتي الصغيرة أفلام الرسوم المتحركة، والتي تسنى لي بسبب تعدد اللغات على لسانها أن أتابعها بلغات مختلفة وهويات إنتاجية متعددة. الفضاء العربي، عموما لا ينتج الرسوم المتحركة للأطفال، وعليه هو يعتمد على الأفلام اليابانية أو الأمريكية أو الانكليزية ويقوم بدبلجتها، وهذا يدفع للتأمل بعملية نقل «الوعي» من ثقافات مختلفة بالمطلق إلى وعي مختلف من ثقافة مختلفة تماما، لننتهي بوعي مشوه وجيل مسخ. نحن من جيل، كانت أفلام «توم وجيري» بنسختها الكلاسيكية القديمة من إنتاج «هانا وبربارا» هي ذروة الترفيه «الكرتوني» أيام بث المحطات الأرضية الذي يبدأ عصرا بالسلام الوطني والابتهالات الدينية ثم فترة الأطفال. في سلسلة «توم و جيري»، كانت الحياة الأمريكية هي الخلفية الطاغية والتي كنا نتلقاها كأطفال، وحين ذهبت إلى أمريكا أول مرة منذ سنوات عديدة، كنت أشعر بطرافة غريبة وأنا أرى مثلا مضخات مياه إطفاء الحريق على الأرصفة باستغراب شديد وأتلمسها كأني في مشهد من سلسة «توم و جيري»، أو حين أكون في مطعم وتقدم لي قطعة لحم ستيك فأتذكر حلقات تلك السلسة الشهيرة. كانت تلك السلسة تعكس واقعا خاصا بأمريكا يتفهمه الطفل الأمريكي، حتى في العنف الذي انتقده الجميع فيما بعد والذي كان سمة غالبة في المطاردات بين القط والفأر الشهيرين. كان الطفل الأمريكي لديه ثقافة مدرسية ومنزلية ترسم له الخط الفاصل بين الواقع والخيال، وثقافة الألعاب لديه مترفة مقارنة بالطفل العربي وتخول لأهله شراء مطرقة بلاستيك غير مؤذية، بينما الطفل العربي ربما سيتسخدم مقلدا شخصياته المفضلة مطرقة حقيقية لننتهي بحادث تراجيدي مؤسف. الأفلام المسلسلة الأخرى كانت قصصا وحكايا عالمية أوروبية «منتجة في اليابان» وبعيدة عن ثقافتنا، فأغلب أطفال جيلنا سرحوا بخيالهم بعيدا حالمين أن يكونوا مراسلين صحافيين يجوبون العالم بحافلة تشبه حافلة «ساندي بيل»، ليصطدموا في أول تبرعم الوعي لديهم بحواجز الأمن في المدينة الواحدة والحدود القاسية بين بلدان وطنهم العربي الواحد، الذي يتغنون بوحدته كل صباح في الأناشيد المدرسية. الطفل العربي تشبع بالشيزوفرينيا الثقافية والمجتمعية منذ أول وعيه، وكانت أفلام الرسوم المتحركة واقعه الافتراضي المتخيل للهروب آنذاك. حتى في الجندرية وثقافة التنوع الجنسي، كانت هناك قيم محافظة تقدمها تلك الأفلام زمان، وترسخ الفصل بين ذائقة الصبيان والفتيات، فهناك أفلام يتابعها الصبية الذكور أكثر من الفتيات، مثل «أبطال الملاعب» و «الكابتن ماجد»، بينما «هايدي» و»ريمي» فكانت مفضلة للفتيات، رغم اعترافنا بتعاطفنا بالسر مع مأساة «هايدي» والبكاء سرا على حكايتها. في أفلام الأطفال اليوم، ومنذ منتصف التسعينيات وقد بدأ التغير النوعي في المحتوى، نجد القيم الحداثوية الليبرالية موجودة، وفي موضوع الجندرية تحديدا بدأ الإنتاج المميع للفروق الجنسية بل وتقديم فكرة «المثلية الجنسية» في شخصيات تلك الكائنات غير الآدمية ولا الحيوانية المختلقة مثل بوكيمون او تليتبيز، والتي لا تتفهمها ذائقة جيل مثلنا، لكنها وجدت هوسا لدى أجيال تلك المرحلة. طبعا حالة الاغتراب الثقافي بقيت موجودة وحاضرة وأكثر توسعا مع تلك الموجة الجديدة. من المؤسف أن الإنتاج العربي المحترم في مجال ترفيه الأطفال كان محدودا، والمنتج الموجود كان موجها دينيا وبدون دراسة ذكية للمتلقي وهو الطفل، وبدلا من ترسيخ قيم إنسانية تؤهله للاندماج مع باقي الكوكب، كان هناك إنتاج موجه ومغلق فكريا، يرسخ أيضا اغترابا عن واقع العالم من جديد.توم وجيري في الحكومة الأردنيةوفي سياق أفلام الكرتون الطريفة في قمة فانتازيتها، ترد الأخبار من الأردن دوما بشكل «كرتوني» ممتع ومحزن أحيانا، وتتسع الهوة بين المواطن والسلطة وتحكمهما مطاردات طريفة تشبه جدلية توم و جيري بكل الأذى الذي تلحقه الحكومة بالمواطن. الإعلام الأردني كان مشغولا بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت في الأردن أقوى من فضائية التلفزيون الأردني، وبكل ترهات تلك الوسائل فإنها امتلكت مصداقية، رغم تخمة الأكاذيب فيها أكثر من صحيفة «الرأي» الرسمية، وآخر حلقات أفلام الكرتون الفانتازية في الأردن تصريحات وزيرة من طبقة النخب البسكويتية الحاكمة الآن، وهي الوزيرة مجد شويكة، حيث وحسب الأخبار أكدت «وزيرة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووزيرة تطوير القطاع العام إن اتمتة المعلومات في الأردن، جفف منابع الفساد الصغيرة، وحدت منها بشكل كبير»!! أنت هنا أمام حالة تضليل كبيرة.. وتجفيف منابع الفساد الصغيرة في تلك الاتمتة التي تتحدث عنها رئيسة شركة أورانج السابقة.. الوريث الشرعي لمؤسسة الاتصالات الأردنية بعد ما آلت اليه.. يعني ببساطة أن الفراش المسخوط ذو راتب الـ200 دينار لم يعد قادرا على أن يخدمك بتخليص معاملتك بخمس ليرات رشوة – وهي رشوة بلا شك – لكنها خمس ليرات تشكل فرقا في حياة هذا المقهور، الذي ستدفعه نخب البزنس في الحكم إلى مشروع انتحار أو انتحاري. الأتمتة الإلكترونية تلك في سياق استمرار خطف الدولة من قبل هؤلاء تعني توسعة منابع الفساد الكبيرة وتغذيتها عبر نهب حاصل جمع خمس ليرات المسخم على مستوى المملكة في كل دوائر المملكة. نحن أمام فضائية «سبيس تون» حكومية أردنية مسلية، وتراجيدية في الوقت نفسه.إعلامي أردني يقيم في بروكسل |
|