تل ابيب… قلب العروبة «لا ينبض»
بسام البدارين
Sep 20, 2017
لا تبدو أنباء وأخبار كيان إسرائيل سارة بالنسبة لحزمة من مثقفي ورموز السلام والتعايش في العالم العربي والمنطقة.
ويبدو أن تلك الأخبار غير السارة تشمل أيضا بعض الدول العربية التي سارعت إلى حضن دولة الكيان على أمل الحصول على رعايتها واستثمار مكانتها كدولة احتلال مدللة لتبرير مرة الحصار على قطر ومرة أخرى التباين عن الإرهاب.
الأشقاء العرب الذين جاملوا إسرائيل مؤخرا أو غازلوها بهدف النفاذ في برامجهم الشخصية إلى واشنطن قلب العروبة النابض فعلوا ذلك على الأرجح لتقمص حالة أصبحت فيها تل أبيب وللأسف محور الزوار والباحثين عن متعة الانسلاخ عن قضايا الأمة والعروبة، الأمر الذي يضع تل أبيب عمليًا في حالة تقمص موازية بالنسبة لبعضهم تصبح فيه عاصمة الكيان هي بمثابة قلب بعض العروبة النابض بالكراهية والتوتر والحقد.
فعل بعض الأشقاء ذلك تحت عنوان براغماتي له علاقة بأقرب وصفات البقاء.
المثير للشفقة أن ذلك يحصل فيما يخفى فيه على المستوى الكوني الوزن الاستراتيجي لدولة الاحتلال، ولديها عوارض تشير إلى أن القلب قد لا ينبض.
عموما يذهب بعضنا للأسف إلى الحج بعد انتهاء الموسم.. إسرائيل تشهد اليوم تحولات أساسية كبيرة، وحظوظها في الإقليم مثل غيرها مفتوحة على الاحتمالات كلها، الأمر الذي يدفع بعض قادتها إلى الإقرار علنًا بأن إسرائيل لا تستطيع الصمود إذا تخلت عنها الإدارة الأمريكية استراتيجيا.
ما الذي يحصل داخل دولة الكيان ؟.. سؤال يشغل الجميع في دوائر القرار الضيقة، لكني طفت فيه شخصيًا على نخبة من الخبراء العميقين بالمسألة الإسرائيلية فتوفرت حصيلة من المعلومات والمعطيات والقناعات تقود إلى الاستنتاج بالحد الأدنى أن إسرائيل التي ينشد ودها اليوم بعض العرب لم تعد تلك المتفوقة المتصدرة عسكريا وأمنيا ولم تعد تلك المدللة سياسيا وغربيا.
بعض المعطيات مثيرة؛ أهمها يقول: بأن إسرائيل اليوم ومن باب التحليل وليس التكهن، تواجه أزمتين استراتيجيتين بالبعد الأساسي.
الأزمة الأولى عنوانها بأنها تتحول في النظرة الغربية والأمريكية من كيان قيل دومًا إنه ديمقراطي، تحكمه معايير المؤسسات والقانون على الأقل بالنسبة لأهلها ومواطنيها من اليهود، وهي صورة تتبدل اليوم، فإسرائيل توقفت برأي أحد السفراء الغربيين عن إنجاب قادة عظام، ويحكمها نخبة من بلطجية اليمين المتطرف الذين يفتقدون موهبة الإبداع والتفكير العميق، مع أن التكنوقراط فيها لا زال يشتغل بكفاءة.
على نحو أو آخر، وهذا نبأ سار للشعب الفلسطيني؛ أصبحت دولة الكيان دولة شرق أوسطية عادية، تشبهنا نحن العرب وتشبه عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات والقانون والنخبة الحاكمة الكثير من دول العالم الثالث.
إسرائيل اليوم فيها رئيس وزراء يخضع للتحقيق بتهمة السرقة والاختلاس والتكسب من الوظيفة.. هذا أمر اعتدنا عليه في عالمنا وبين دولنا، والفارق البسيط أن تقاليد مؤسسة الكيان تسمح باستجواب رئيس الوزراء واتهامه وهو ما لا يحصل بالعادة عندنا.
إسرائيل اليوم فيها رئيس وزراء سابق في السجن وزوجة رئيس وزراء حالي تسرق سعر الطناجر والطعام في مطبخها من خزينة الدولة وفي طريقها للاستجواب أيضا.
إسرائيل إذا دولة تشبه جاراتها في الشرق الأوسط أو تتجه بقوة نحو هذه البوصلة.
وهو خبر مفرح بالأحوال كلها بالنسبة لنا معشر الضعفاء العرب خصوصًا إذا اكتشفنا الحقائق الرقمية التي تقول: إن نحو870 ألف إسرائيلي عدًا ونقدًا من الطبقة المثقفة والعلمانية ومن رموز الطبقة الوسطى غادروا الكيان وعادوا إلى بلادهم الأصلية، الأمر الذي أفسح المجال أمام انغلاق اليمين المتطرف المجنون على نفسه واستنساخ ذاته على حساب ما يصفه أمريكيون بالحلم الصهيوني العتيق.
تسرب لِما يسمى بجيش الدفاع الإسرائيلي من المتطرفين اليهود ما نسبته اليوم حسب أرقام دراسة سرية اطلعت عليها 35 في المئة وهؤلاء في أغلبهم لا يملكون مهارات او تعليما عاليا بقدر ما تحركهم الأسطورة والخرافة، ويبدو أن عددا ممثلا وبنسبة مطابقة اخترقوا الأجهزة الأمنية على حساب العلمانيين المثقفين.
نتج عن ذلك فيما يبدو أزمة فنية في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عنوانها تراجع عدد كوادر جنود المشاة مع فائض من خبراء التكنولوجيا العسكرية وهي مفارقة موازية تظهر بعض الإشكالات المستقبلية.
المحور الأكثر حساسية في سياق استعراض أزمة إسرائيل لا يتعلق فقط بتجاهل روسيا لاعبا أساسيا في المنطقة للإجابة عن تساؤلاتها ولا يتعلق بأزمتها التي تحمل اسم المحور الإيراني ــ السوري الذي يحسم المشهد بدرجة مرتفعة اليوم تنتج عنها أزمة أمنية لم تتضح ملامحها بعد.
ولا يتعلق أيضا بالعبء الاخلاقي الذي تسببه إسرائيل ليس لضمير العالم فقط، ولكن لشرائح عريضة من اليهود في أمريكا والولايات المتحدة الذين من باب الحرص والوطنية المزعومة يشعرون بأن دولة الاحتلال تسحب من رصيد حلمهم الصهيوني وتتحول إلى دولة «أبارتهايد» متمسكة بفلسفة التمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني وبكل تلك الأساطير والخرافات الدينية التي تبرر بالنتيجة الإرهاب والتطرف الديني للآخرين.
بل يتعلق؛ وقد يكون ذلك الأهم بأن من تبقى من نخبة إسرائيل ومفكريها اليوم يدركون النتائج الوخيمة لتفويت عملية السلام على أساس التقاسم أو أوسلو حتى لمصلحة ذهنية القلعة الأمنية التي طالما انتقدها الملك عبد الله الثاني وانتهت بإنتاج أطنان من التطرف في بنية المجتمع الإسرائيلي.
يقول محدث خبير لي شخصيا بأن تل أبيب تدرك اليوم بأنها قد تدفع من وجودها ومستقبلها ثمن تجاهلها العنيف والعنصري لحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته القابلة للحياة.
٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»