ماذا تعرف عن حسن الصباح مؤسس "جنة الحشاشين"؟
في عام 1938 قدم الكاتب السلوفيني فلاديمير بارتول (1903-1967) روايته الأشهر على الإطلاق "آلموت"، التي حققت نجاحاً كبيراً في حياته وبعد مماته.
ولد بارتول في مدينة تريستي ودرس الأحياء والفلسفة، ثم درس كتب سيجموند فرويد، وكتب بعض الأعمال الأدبية القليلة التي حققت نجاحاً طفيفاً، قبل أن ينشر رواية "الموت"، التي خلَّدت ذكره كواحد من أهم أدباء أوروبا في القرن العشرين.
معارضة متوارية في ثوب الصبّاح
تدور الرواية في القرن الحادي عشر، حول طائفة الحشاشين التي أسسها حسن الصباح، واَّتخذت من قلعة آلموت في شمالي إيران حالياً مقراً لها، يحكي فيها كيف أن الصباح هيأ القلعة القابعة في حضن الجبل، وجعل منها فردوسه الخاص المليء بالجنات الغنَّاء والحور العين، ليبهر به فدائييه، واعداً إياهم بالخلود فيه، إن قاموا بتنفيذ ما يأمرهم به من مهام.
رغم خيالية الصورة التي رسمها بارتول عن فردوس آلموت الذي خلقه الصباح، وعدم تطابقها مع الواقع الذي كانت عليه الأمور حينها، إلا أنها أصبحت الصورة النمطية المعروفة عن طائفة الحشاشين لدى معظم الغربيين حتى يومنا هذا، بخلاف الصورة التي رسم بها بارتول شخصية الصباح، والتي أسقط فيها كُل أفكاره عن ديكتاتوريي أوروبا في ثلاثينات القرن العشرين؛ ستالين، وهتلر، وموسوليني.
في الثلاثينات من القرن الماضي حين بدأ بارتول في كتابة روايته، صعد نجم بنيتو موسوليني في إيطاليا بسياسته الفاشية الديكتاتورية، وترأس أدولف هتلر وحزبه النازي ألمانيا، وعلى الجانب الآخر في الاتحاد السوفييتي كان جوزيف ستالين يحكم الجمهوريات الواقعة تحت حكمه بقبضة من حديد بالفكر الشيوعي.
كانت معارضة أي نظام من الثلاثة أمراً مستحيلاً في ظلِّ الرقابة الصارمة على كل مناحي الحياة، وبالطبع كانت الرقابة أشد على كُل ما يُنشر ويُكتب ويُطبع، لذا عمد كتاب تلك الفترة إلى المواربة والإسقاطات في كتاباتهم لتوصيل ما يريدونه من أفكار، وهو ما فعله بارتول في روايته، إذ خلق شخصية حسن الصباح مزيجاً من الحكام الثلاثة، وضع فيه جزءاً من شخصية كُل منهم.
ظهر الصباح في الرواية بصورة زعيم شديد الذكاء، يدرس كُل خطوة يقوم بها ولا يترك الأمور للصدفة، يتحلَّى بالصبر والتروِّي الشديد حتى يُتم عمله على أكمل وجه. بدا براغماتياً وهو يبرر لأحد أتباعه استغلاله لسذاجة وغباء مَن حوله كي ينفذ مآربه، فأحمق هو من يضيع فرصة مثل هذه، ليحقق أمراً استثنائياً كالذي أنجزه.
لماذا الصباح؟ ولماذا الحشاشين؟
عرف المواطن الغربي مصطلح الحشاشين لأول مرة حين ذكره الرحالة الإيطالي الشهير ماركو بولو في مذكراته، التي نُشرت في القرن الرابع عشر، حيث أورد فيها قصة سمعها عن شيخ الجبل العجوز وفدائييه الذين يقومون بعمليات اغتيال دقيقة تحت تأثير الحشيش، ولا يتركون أي أثر.
تمتعت هذه القصة بالكثير من الإثارة والتشويق بالنسبة للقارئ الغربي جعلته يتعلق بها، ويضعها إلى جوار قصص أخرى متعلقة بالشرق، معظمها مستقاة من عالم ألف ليلة وليلة، الذي كان وما زال يثير مخيلة الغربيين، ويرون فيه الصورة النمطية للمشرق مثلما يريدونه.
يستهوي بارتول مثل كثير من أبناء الغرب دوماً عالم الشرق الساحر، المليء بالمغامرات، ومثل الكثيرين منهم كانت حكايات ماركو بولو هي المورد الرئيسي الذي من خلاله عرف الشرق وحضارته. ووجد في استحضار أسطورة الحشاشين فرصته في كتابة رواية مثيرة بأحداث فيها مغامرات يحبها القارئ عن عالم غير مطروق بالنسبة إليه، وأيضاً أسقط كُل أفكاره المعارضة للأنظمة الديكتاتورية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
قليلة هي المصادر الموثوقة التي يُمكن للباحث أن يطّلع عليها ليقف على حقيقة ما كان يحدث في قلعة آلموت، لأسباب عدة أهمها أن هولاكو حين دمَّر القلعة عام 1256، دمَّر معها المكتبة الضخمة التي كانت بها وكانت تحوي التراث الفكري للصبّاح وخلفائه.
الأثر السلبي لذلك الأمر هو أن معظم ما كُتب عن الحشاشين حتى وقتنا هذا، جاء من كتابات أعدائهم عنهم، التي كان بها الكثير من الأخطاء والتزييف، وإما من كتابات المستشرقين والرحالة الأوروبيين الذين أخذوا مصادرهم من تلك المصادر نفسها.
من بين المصادر القليلة التي يُمكن لمن يريد البحث عن حقيقة الحشاشين أن يطلع عليها، رواية الأديب اللبناني أمين معلوف (سمرقند). والتي أورد فيها الأحداث نفسها التي أوردها بارتول في روايته، لكن بشكل أكثر دقة وموضوعية يقترب من الحقيقة بشكل كبير.
وفقاً لما كتبه أمين معلوف في روايته المبنية على مصادر عدة استقى منها معلوماته، فإن حسن الصباح سمَّى تنظيمه بالأساسيين، أي الذين لديهم الأساس القوي للدين.
تحوُّل اللفظ إلى كلمة حشاشين جاء من خلال كتابات أعداء التنظيم، الذين وصفوهم بهذا، كسُبّة لهم وتنكيلاً وتقليلاً من شأنهم، وذلك بعد الفظائع التي ارتكبوها.
كان الصباح الذي ظهر في رواية معلوف شخصاً شديد الذكاء والدهاء والمكر، شيعياً متديناً يعتنق المذهب الإسماعيلي، وذا ولاء قوي للمذهب ويريد أن يفعل أي شيء لنصرته، في طريقه إلى مدينة أصفهان يلتقي بالشاعر الكبير عمر الخيام، الذي كان في طريقه للمدينة للقاء الوزير الأكبر نظام الملك، وزير السلطان السلجوقي ملك شاه.
أول جهاز مخابرات
رغب نظام الملك في تأسيس نظام مخابراتي يستطيع من خلاله معرفة كل ما يجري في كل بقعة من مدن الإمبراطورية الإسلامية مترامية الأطراف، رفض الخيام ذلك الأمر، لأنه لا يريد أي يحتكَّ بأهل السياسة، فهو شاعر ومهتم بالرياضيات والفلك، ولا يريد لشيء أن يشغله عن اهتماماته هذه، لذا يُرشح لنظام الملك حسن الصباح.
يقوم الصباح بالمهمة على أكمل وجه بشكل يُبهر نظام الملك بشدة، وفي الوقت نفسه جعله ذلك الأمر يحترس منه، خاصة حين بدأ الصباح يتقرب من السلطان بشكل كبير، فعمل نظام الملك على تأليب الأمور بينهما، حتى وصلت إلى القطيعة التامة، وأراد السلطان أن يعدم الصباح، لكن شفع له الخيام، فأمر السلطان بنفيه، حينها قرَّر الصباح أن ينتقم على طريقته الخاصة.
حاول معلوف أن يجعل روايته دقيقة أكثر من اللازم في سرده لأحداث تلك الحقبة، فطغى على الجانب الروائي فيها، وإن كان الأمر جاء بفائدة فأصبحت روايته مرجعاً يعتد به لمعرفة حقيقة ما حدث في تلك الفترة، فهو كان يدرك شُح المصادر الدقيقة المتاحة التي أرَّخت لما حدث، فكان يورد أكثرَ الروايات القريبة للصواب، حتى وإن كان غير متأكد منها مثلما يروي على لسان البطل في الرواية.
فحين ذكر كيف استولى الصباح على قلعة آلموت، روى رواية ذكر أنها غير دقيقة، لكنها الأكثر انتشاراً، بأن قام الصباح بشراء القلعة من صاحبها بمبلغ زهيد من المال، بعد أن خدعه بطريقة ماكرة. أياً كانت الطريقة فقد استولى الصباح على آلموت، وبدأ في تنفيذ انتقامه، فكان أول ضحاياه الوزير نظام الملك.
فنَّد معلوف كذلك استخدام فدائيي الصباح للحشيش، وأنهم كانوا ينفذون عمليات الاغتيال تحت تأثيره، حين ذكر أن الطريقة الدقيقة التي كان يتم بها تنفيذ الاغتيالات، والتي قد يستغرق الفدائي فترة طويلة قبلها في مراقبة الضحية ودراستها بالكامل كي يختار اللحظة المناسبة للقضاء عليها، وهي أمور لا يمكن أن تتم من شخص يكون تحت تأثير مخدر لا يدري ما يفعل، كان فدائيو الصباح مثله يتحلون بالصبر الشديد حتى ينفذوا المهمة على أكمل وجه.
أما بخصوص قصة الفردوس الذي صنعه الصباح في آلموت، فطبيعة القلعة الصخرية بالكامل تجعلها غير قابلة للزراعة، بخلاف أن الثلوج تغطيها معظم أيام السنة، وهو مناخ لا يمكن زراعة أي شيء فيه.
لماذا صمدت آلموت بارتول بدلاً من آلموت معلوف؟
نجحت سمرقند في أوروبا، خاصة أنها كُتبت بالفرنسية مثل باقي أعمال معلوف، بالإضافة إلى أنها قدمت الصورة الصحيحة عن طائفة الصباح وسكان آلموت، لكن بقيت الصورة التي خلقها بارتول في آلموت هي الصورة النمطية للتنظيم وأفراده عند الغربيين.
ربما يرجع السبب في ذلك أن رواية أمين معلوف جنحت لجانب التوثيق التاريخي أكثر من الروائي، والتركيز على الخيال والأحداث فيها، فبدت كأنها كتاب تاريخ لا رواية. في حين ما قدمه بارتول في روايته قريب من الصورة النمطية عن الشرق في مخيلة الغربيين، حتى وإن كان ما يحكيه غير حقيقي.
هاف بوست عربي
رواية الأديب اللبناني أمين معلوف (سمرقند).