الهدف من تصعيد العمليات الإرهابية في مصر: إضعاف الدولة وإحداث تفرقة بين عناصر المجتمع
مؤمن الكامل
القاهرة ـ «القدس العربي»: تتعرض منطقة الشرق الأوسط لأعلى معدل من الهجمات الإرهابية من قبل ميليشيات وجماعات مسلحة خلال العشرين سنة الأخيرة، من حيث اتساع رقعة العمليات وتنوعها واستخدام التنظيمات الإرهابية أدوات ومعدات متطورة في تنفيذها، وظهور تنظيمات إرهابية إقليمية مسلحة عابرة للحدود، تنظيم «داعش» نموذجا؛ حسب مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر.
المركز أوضح في دراسة، أن الوضع الأمني في المنطقة أصبح أكثر تعقيدًا لوجود شبكة علاقات فيما بين تلك التنظيمات الإرهابية التي تخطت حدود الدول، ولم تقتصر أهداف عملياتها على قوات الأمن بل شملت مدنيين وأعمال عنف ضد المنشآت العامة والخاصة. وتمر مصر بموجة عنيفة من العمليات الإرهابية، خلال السنوات الأربع الماضية، تختلف عن نمط الإرهاب الذي ضرب البلاد خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين وهذا يتطلب دراسة وفهما مختلفا لبنية تلك الميليشيات والجماعات المسلحة ومواجهة تختلف جذريا عما كان قائما خلال الربع الأخير من القرن العشرين، حيث اتخذت العمليات الإرهابية خلال تلك الأعوام الأربعة أشكالا متنوعة على الأرض.
ولعل أبرز حوادث الإرهاب التي شهدتها مصر خلال العام الجاري، تفجيرات كنيستي طنطا والإسكندرية، اللذان سبقهما بفترة قصيرة تفجير كنيسة البطرسية في القاهرة، ثم مذبحة الأقباط في أتوبيس المنيا، والهجوم المسلح على الكتيبة 103 في رفح في محافظة شمال سيناء، وآخرها حادث الواحات البحرية. الحادث الإرهابي الذي تم تنفيذه يوم الجمعة الموافق 26 ايار/مايو 2017 والذي راح ضحيته أكثر من 25 قتيلا من الأقباط، ومن قبله التفجيرات الإرهابية في التاسع من نيسان/إبريل الماضي، التي استهدفت كلًا من كنيسة «مار جرجس» في مدينة طنطا، عاصمة محافظة الغربية، والكنيسة «المرقسية» في الإسكندرية، التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 44 مواطنًا، وإصابة أكثر من 100 آخرين، أعلن تنظيم «الدولة» مسؤوليته عنها، وهدد في بيان له بشن المزيد من الهجمات ضد أقباط مصر، أثارت العديد من التساؤلات حول أسباب استهداف التنظيم للأقباط، وماهية أفكاره ومعتقداته تجاههم، فضلًا عن أهدافه من وراء تلك التفجيرات.
ولم يكن هذان الحادثان الإرهابيان هما الاستهداف الأول من نوعه للأقباط من قبل تنظيم «داعش» فقد تكررت اعتداءاته ضدهم خلال الفترة الأخيرة، والتي كان من أشهرها حادث تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة في 11 كانون الأول/ديسمبر الماضي، والذي أسفر عن مقتل 29 شخصًا وإصابة 31 آخرين، من خلال عملية انتحارية، نفذها شاب.
كما قامت عناصر تابعة لـتنظيم «الدولة» في سيناء بقتل كاهن كنيسة «ماري جرجس» في العريش، في حزيران/يونيو 2016، ثم قام أعضاؤه بقتل سبعة مواطنين مسيحيين آخرين خلال شهر شباط/فبراير 2017، في حوادث متفرقة، فضلًا عن تهديده بقتل من تبقى من الأقباط، ما دفع بعشرات الأسر القبطية إلى التوجه إلى مدنية الإسماعيلية. وجاء ذلك الاستهداف عقب تسجيل مصور للتنظيم، يحمل اسم «وقاتلوا المشركين كافة» في 19 شباط/فبراير 2017 يهدد فيه المسيحيين في مصر، عبر ما وصفه بالرسالة الأخيرة لمفجر الكنيسة البطرسية، التي قال فيها، «ويا أيها الصليبيون في مصر، فإن هذه العملية التي ضربتكم في معبدكم لهي الأولى فقط، وبعدها عمليات إن شاء الله، وإنكم لَهدفنا الأول، وصيدنا المفضل، ولهيب حربنا لن يقتصر عليكم، والخبر ما سترون لا ما ستسمعون».
وحسب تفسير الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية في مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية، علي بكر، فإن الموقف العدائي لتنظيم «داعش» تجاه أقباط مصر، ما هو إلا جزء من حالة العداء الصارخ من قبل التنظيم تجاه المسيحيين، وأصحاب الديانات الأخرى في المنطقة العربية. كما أنه يعبر عن الموروثات الفكرية لكل التنظيمات الإرهابية، وليس «داعش» فقط، حتى إن المؤلفات التي تتحدث عن العداء الصريح تجاه الأقباط في مصر، مثل رسالة «قطع النياط في رد عادية الأقباط» لأبو دجانة الخرساني، تمثل مرجعًا مشتركًا لهذه التنظيمات.
بكر أوضح ان استهداف تنظيم «داعش» للأقباط في مصر، لم يكن سدى، وإنما هناك مجموعة من الأهداف يسعى التنظيم إلى تحقيقها، مثل «كسر «هيبة الدولة»؛ فالتنظيم يدرك جيدًا، أن استهداف الأقباط المتكرر والمتصاعد، لن يؤدي إلى إسقاط الدولة المصرية، والنظام السياسي الحالي، أو خلق «فتنة طائفية» في البلاد لكنه يمكن أن تؤدي إلى صراع بين عنصري الأمة، مما يعني أن «داعش» يهدف بشكل أساسي إلى كسر «هيبة الدولة» التي تعد بمثابة «عامود الخيمة» في بقائها وتماسكها، وذلك من خلال محاولة إظهارها بصورة «الضعيف» الذي لا يستطيع حماية مواطنيها، بشكل عام، والأقباط بشكل خاص، لاسيما أنه يدرك أن استهداف الأقباط غالبًا ما يكون له صدى خارجي، ويؤثر على صورة الدولة بشكل سلبي.
الضرب في مناطق جديدة
شهدت الفترة الأخيرة انحسارًا ملحوظًا للتواجد العلني لتنظيم «الدولة» في سيناء، ومظاهر استعراض القوة، مثل العروض العسكرية وغيرها، بسبب الضربات التي وجهتها له القوات المسلحة، مما أفقده الأمل في القدرة على إقامة «إمارة داعشية» والتي تحتاج إلى السيطرة على مساحة ولو ضئيلة من الأرض، أسوة بغيره من الفروع الداعشية، كما في ليبيا واليمن والصومال ونيجيريا…ألخ، الأمر الذي أدى إلى زعزعة الثقة في التنظيم، من قبل أعضائه ومناصريه، لذا سعى إلى الضرب في مناطق جديدة من البلاد، وذلك حتى يعوض انحساره في سيناء من ناحية، ويثبت أنه صاحب الأذرع الطويلة، ولدية القدرة على الضرب في أماكن متعددة، ومن ناحية أخرى، حتى يتمكن من الحفاظ على تماسكه التنظيمي.
إضافة إلى استقطاب عناصر جديدة؛ فمن بين المورثات الفكرية لدى تنظيم «الدولة» وغيره من التنظيمات الإرهابية أن استهداف الأقباط يعد من «الجهاد الذي لا شبهة فيه» كونه – وفقًا لعقيدة داعش- قتالًا ضد «كفار محاربين» وهو ما قد يدفع العديد من الشباب المتطرف إلى الالتحاق بصفوف التنظيم، وذلك من أجل المشاركة في مثل هذا النوع من الجهاد- على حد اعتقادهم- لاسيما وأن الصورة الذهنية للأقباط في عقولهم، أنهم كان لهم الدور الأكبر في القضاء على الحكم الإسلامي في مصر، المتمثل في حكم الإخوان المسلمين، وذلك بسبب مساندتهم لثورة 30 يونيو. وكذلك ضرب الاقتصاد المصري؛ فمن بين الأفكار الراسخة لدى التنظيمات الإرهابية في مصر أن إسقاط النظام يبدأ بضرب الاقتصاد، خاصة قطاع السياحة، الذي يتأثر بشدة بالعمليات الإرهابية، خاصة التي تستهدف غير المسلمين، كون معظم السياح اللذين يأتون إلى مصر من غير المسلمين، لذا فإن التنظيم يهدف إلى توجيه ضربة إلى الاقتصاد المصري من خلال هذه العمليات، لاسيما وأن الفترة الأخيرة شهدت تقدمًا ملحوظًا في قطاع السياحة.
وأكد بعض المراقبين في الشأن الاستراتيجي والأمني أن اختيار طريق الواحات، في الحادث الأخير، نظرًا لقربها من الحدود الليبية، يدل على تجفيف منابع الإرهاب في سيناء.
وشهدت منطقة الواحات الصحراوية الواقعة غرب الجيزة، معركة حامية الوطيس بين قوات الأمن وعناصر إرهابية مسلحة، بعد أن داهمت مأمورية أمنية من قطاعات الأمن الوطني والعمليات الخاصة ووحدة مكافحة الإرهاب وقطاع الأمن العام في وزارة الداخلية، موقعا على بعد نحو 35 كيلومترا في عمق الصحراء من نقطة الكيلو 135 في طريق الواحات، لضبط عناصر مسلحة، دلت المعلومات الأولية على اتخاذهم من الموقع معسكرا تدريبيا، للتجهيز والتخطيط لتنفيذ عمليات عدائية ضد منشآت شرطية في البلاد خلال الفترة المقبلة.
وأصدرت وزارة الداخلية بيانًا أكدت فيه أن الواقعة أسفرت عن وقوع 16 قتيلا على عكس ما تناولته مواقع التواصل الاجتماعي، موضحًا أن من بينهم 11 ضابطا، و4 مجندين، ورقيب شرطة، كما أصيب 13 من القوات.
ويقول اللواء جمال مظلوم، الخبير العسكري المصري، إن إحكام الحصار على الإرهابيين في سيناء يجعلهم يهربون إلى مناطق أخرى، فضلا عن تشتيت الجهود الأمنية والقوات المسلحة، أو تسللهم من ليبيا واختبائهم في الواحات، ورصدتهم القوات الأمنية وقامت بمداهمتهم.
وأوضح أن من الممكن ان تكون هذه العملية ردًا على المصالحة الفلسطينية، وعلى مكانة مصر ونهوضها الفترة الحالية، لاسيما عقب افتتاحها بعد المشروعات.
فيما قال خالد الزعفراني، الخبير فى شؤون الحركات الإسلامية، إن اختيار طريق الواحات، نظرًا لقربه من الحدودا الليبية، مشيرًا إلى أن هناك مجموعات إرهابية تنتمي لتنظيم «الدولة» و«أنصار الشريعة» تتمركز في ليبيا تتدرب وتتسلح بأحدث الأجهزة، وتمول من أجهزة مخابرات عالمية، وتتربص لمصر منذ فترة، وكانت هناك تحذيرات من ذلك.
وأضاف في تصريحات صحافية أن هذه العناصر محركة من قبل مخابرات عالمية للنيل من مصر، وذلك لأغراض ومصالح مجهولة.
وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية كانت على علم أن هناك جماعات إرهابية مسلحة تتدرب في ليبيا، وكانت تتابعها.
منفذو مذبحة الواحات جاءوا من ليبيا
أما العميد السابق في جهاز الشرطة محمود قطري، فاعتبر أن اختيار أماكن تنفيذ العمليات الإرهابية يختلف وفقًا للامكانيات المتاحة أمام هذه الجماعات، مشيرًا إلى أن العناصر المنفذة لمذبحة الواحات البحرية تنتمي لـ«داعش» من خارج الجمهورية، وخصوصا ليبيا، لأنهم لم يفعلوا عمليتهم الإرهابية داخل الدلتا والكتل السكانية.
وأضاف أن حادث السطو على بنك حكومي في العريش شمال سيناء يشير إلى أن الجماعات الإرهابية حاولت تغيير أسلوبها الإجرامي، لاسيما عقب محاولة تجفيف منابع الإرهاب وتمويلها، وهزيمة «داعش» في الشام والعراق، أدى لحدوث الواقعة في الواحات، لنشاط عناصر «داعش» في ليبيا.
أما عن توقع حدوث أعمال إرهابية في الفترة المقبلة مماثلة في أماكن مختلفة، فيؤكد الخبير الأمني أن الإرهارب لا يمكن دحره، طالما هناك فصيل يحاول تدمير البلاد، في إشارة منه لجماعة الإخوان المسلمين، مؤكدا أن الحل هو الحوار مع هذه الجماعة ولكن بشروط الحكومة، لإتمام مصالحة من أجل القضاء على الإرهاب. وإلى أبرز الأسباب التي دفعت الإرهاب لاستهداف الأقباط على وجه التحديد في أكثر من عملية خلال العام الجاري قال اللواء زكريا حسين، الخبير الاستراتيجي، إن الإرهاب يستهدف كل ما يضر الوطن ويدمر قدراته، وأن أحد الأهداف الرئيسية للإرهاب إحداث تفرقة بين عناصر المجتمع لإضعاف قوته وخاصة بين الأقباط والمسلمين.
وأضاف، أن هذا الأسلوب متبع في كل الدول العربية منذ فترة، فهناك استهداف واضح للأعراق المختلفة كما هو الحال في سوريا والعراق وغيرها من الدول العربية، بهدف تفكيك الأمة العربية، وهو ما تنبهت له مصر باتخاذ الإجراءت اللازمة لمنع تصاعد هذه الأزمة.
ووصف اللواء أحمد عبدالحليم، الخبير والمحلل الاستراتيجي، ما حدث من استهداف للأقباط في العريش بـ«محاولة وقيعة» مؤقتة لإثارة الفتنة في البلاد.
وأكد أن هذه وقيعة واضحة بين المسلمين والمسيحيين استكمالًا للعمليات الماضية في سيناء، ولكنها عملية مؤقتة وسرعان ما سيعود أهالي العريش إلى بيوتهم.
وأكد الدكتور جمال أسعد، المفكر القبطي والمحلل السياسي، أن استهداف الأقباط من قبل الإرهابيين يعتبر أسلوبا ليس بجديد، فوقت الاحتلال البريطاني في مصر كان الأقباط يستهدفون للضغط على النظام السياسي باعتبارهم الحلقة الأضعف في المجتمع.
وأضاف أن استهداف المسيحيين أسلوب اتبعه «داعش» عندما قتل المسيحيين في ليبيا، وأيضًا تنظيم القاعدة في العراق عندما فجر إحدى كنائس العراق في 2010 بعد بيان تهديدي لها، وغيرها من الوقائع التي تثبت أن من الطبيعي حصول هذه النقلة النوعية لأسلوب الجماعات الإرهابية في سيناء والتحول إلى استهداف الحلقة الأضعف لخلق حالة من الفتنة.
وأوضح المحلل السياسي أن عمليات العريش التي جرت في مصر تأتي نتيجة لضغط الأجهزة الأمنية على التنظيمات كنوع من لفت الأنظار إليهم.