بحث علمى عن التلوث الصناعى واثرة على الصحة العامة
تفاقمت مشكلة التلوث الصناعي خلال العقدين الأخيرين بصورة كبيرة، مع توسع عمليات التصنيع في العديد من بلدان العالم، وإسرافها في استضافة الاستثمارات الخارجية في مجالات الطاقة وتوطين الصناعات الملوثة للبيئة بواسطة الشركات متعددة الجنسيات، مثل صناعات الحديد والصلب والمناجم والتعدين ومنشآت الأسمنت وأعمال التكرير والكيماويات ومحطات التوليد الحراري، هذا فضلاً عن تزايد حجم مخلفات الدول الصناعية الكبرى، والتي تحوي في مكوناتها مواد سامة وخطرة جداً علي حياة الإنسان، واتجاهها إلى التخلص منها وتصديرها للدول النامية.
اثر التلوث الصناعى على الصحه العامه
وقد حذرت الدراسات المتخصصة من مخاطر تزايد معدلات التلوث الصناعي على الصحة العامة، مشيرة إلى وفاة أكثر من مليوني شخص سنوياً بسبب التعرض للملوثات الصناعية، فضلاً عن إصابة عشرات الملايين بأمراض خطيرة جراء هذا التلوث، من بينها سرطان الدم والرئتين، وأورام الغدد الليمفاوية، وضمور خلايا المخ، والربو، والالتهاب المزمن للشعب الهوائية، هذا فضلاً عن أمراض العيون، والأمراض الجلدية، والتأثيرات السلبية على خصوبة الرجال وغير ذلك.
كما كشفت الدراسات التي أجريت على عدد من المدن في شرق آسيا، أن استمرار التعرض للملوثات الصناعية يزيد الحالات المرضية ومضاعفاتها لدى من لديهم أمراض مزمنة.وأن الأطفال وكبار السن هم الأكثر تأثراً بالملوثات لضعف جهاز المناعة لديهم، وعلى سبيل المثال، فقد وجد أن الأطفال يمتصون ويحتفظون داخل أجسادهم بكميات أكبر من الرصاص، تصل لأكثر من 35 ضعف ما تمتصه وتحتفظ به أجساد الكبار.
وبالإضافة إلى تأثيراتها على صحة الإنسان، فإن المخلفات الصناعية وأهمها الهيدروكروبونات والمعادن الثقيلة، وأكاسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكربون، تعد من أهم مسببات الاحتباس الحراري، والأمطار الحمضية التي تؤدي إلى القضاء على الثروة السمكية في البحيرات والأنهار، والقضاء على الثروة النباتية، والتسبب في صعوبة الرؤية، خاصة بالنسبة للطيارين، بسبب تكوين ما يعرف بالضباب الحمضي.
وإذا كان التحول إلى التصنيع عوضًا عن الزراعة بغية تحقيق النمو الاقتصادي له فوائده بالنسبة للدول النامية، فإنه في المقابل يزيد من التلوث الصناعي، وبالطبع فإن الفقراء في هذه البلدان بصفة عامة هم الأكثر تضررًا من هذا التلوث، فسبل تفادي خطر تلوث المياه بمخلفات المصانع والنفايات السامة منعدمة لديهم بسبب محدودية دخولهم وعدم استطاعتهم تغطية تكاليف العلاج رغم الدعم الحكومي أحيانًا، كما أن المناطق الريفية هي أكثر المناطق تعرضًا لاستيطان الصناعات الملوثة للبيئة، ولا تتوفر إجراءات السلامة التي تحقق حدًّا أدنى من الحماية ضد التلوث الصناعي.
تصنيف التلوث الصناعى
ويتم تصنيف التلوث الصناعي بصفة عامة إلى ثلاث مستويات، المستوى الأول هو التلوث المقبول، وهو درجة من درجات التلوث التي لا يتأثر بها توازن النظام الإيكولوجي ولا يكون مصحوبا بأية أخطار أو مشاكل صحية أوبيئية رئيسية.أما المستوى الثاني، فهو التلوث الخطر، والذي تعاني منه الكثير من المدن الصناعية، وبصفة خاصة في شرق آسيا، حيث تعد خمس عواصم آسيوية هي بانكوك "تايلاند"، وجاكرتا "إندونيسيا"، وكوالالمبور "ماليزيا"، وسيول "كوريا الجنوبية" وهونغ كونج من بين أكثر سبعة مدن على مستوى العالم من حيث التلوث الصناعي.
مراحل التلوث الصناعى
وهذه المرحلة تعتبر مرحلة متقدمة من مراحل التلوث حيث أن كمية ونوعية الملوثات تتعدى الحد الإيكولوجي الحرج والذي يبدأ معه التأثير السلبي على العناصر البيئية الطبيعية والبشرية. وهذه المرحلة تتطلب إجراءات سريعة للحد من التأثيرات السلبية ويتم ذلك عن طريق معالجة التلوث الصناعي باستخدام وسائل تكنولوجية حديثة كإنشاء وحدات معالجة كفيلة بتخفيض نسبة الملوثات لتصل إلى الحد المسموح به دوليا أو عن طريق سن قوانين وتشريعات وضرائب على المصانع التي تساهم في زيادة نسبة التلوث.
أما المستوى الثالث من التلوث الصناعي فهو التلوث المدمر، وفيه ينهار النظام الإيكولوجي ويصبح غير قادر على العطاء نظراً لاختلال مستوى الاتزان بشكل جذري.والمثال الواضح على ذلك هو حادثة "تشرنوبل" التي وقعت في المفاعلات النووية بالاتحاد السوفيتي، حيث قدر الخبراء أن هذه المنطقة والمناطق المجاورة لها تحتاج إلى أكثر من خمسة عقود لإعادة توازنها البيئي، بشكل يسمح بوجود نمط من أنماط الحياة.
وتختلف طرق مواجهة مشكلة التلوث الصناعي والمخلفات الصناعية وفقاً لنوعية هذه المخلفات ودرجة خطورتها ومدى توافر الإمكانات والتكنولوجيا الحديثة اللازمة للتعامل معها.ومن أبرز هذه الطرق، تقليل المواد الخام المستخدمة في الصناعة، وبالتالي تقليل المخلفات، ويتم ذلك، إما باستخدام مواد خام أقل، أو باللجوء إلى مواد خام تنتج مخلفات أقل، أو عن طريق خفض المواد المستخدمة في عمليات التعبئة والتغليف، مثل البلاستيك والورق والمعادن، وعلى سبيل المثال، فقد بدأت الكثير من الشركات الأوربية والأمريكية في تركيز المادة الفعالة في منتجاتها ؛ بحيث يتم تعبئتها في عبوّات أصغر، أو الاستغناء عن العبوات الخارجية التي لا ضرورة لها.
ومن طرق الحد من التلوث الصناعي أيضاً إعادة استخدام المخلفات، مثل إعادة استخدام الزجاجات البلاستيكية الخاصة بالمياه المعدنية بعد تعقيمها، وإعادة ملء الزجاجات والبرطمانات بعد استخدامها، وهذا الأسلوب يؤدي إلى تقليل حجم المخلفات، ولكنه يتطلب وعيًا بيئيًّا لدى عامة الناس في كيفية التخلص من مخلفاتهم، والقيام بعملية فرز وتصنيف لكل من المخلفات البلاستيكية والورقية والزجاجية والمعدنية قبل التخلص منها، فنجد في كل من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية صناديق قمامة ملونة في كل منطقة وشارع؛ بحيث يتم إلقاء المخلفات الورقية في الصناديق الخضراء، والمخلفات البلاستيكية والزجاجية والمعدنية في الصناديق الزرقاء، ومخلفات الأطعمة أو ما يطلق عليه المخلفات الحيوية في الصناديق السوداء.
وهناك أيضاً طريقة إعادة التدوير Recycling، والمعروفة في معظم الدول، والتي يتم من خلالها إعادة استخدام المخلفات مثل الورق والبلاستيك والمنتجات المعدنية ؛ لإنتاج منتجات أخرى أقل جودة من المنتج الأصلي.وكذا طريقة الاسترجاع الحراري Recovery وهي طريقة آمنة للتخلص من المخلفات الصناعية، عن طريق حرقها تحت ظروف تشغيل معينة بحيث تتحول معظمها إلى طاقة حرارية يمكن استغلالها في العمليات الصناعية أو توليد البخار أو الطاقة الكهربية.
المخلفات الصناعيه وخطرها
أما بالنسبة للمخلفات الصناعية الخطرة، والتي تحتوي على مواد سامة مثل الأحماض والكيماويات غير القابلة للتحلل والمعادن الثقيلة، فقد كانت الطريقة المألوفة في التخلص منها هي تصريفها في مياه البحار والمجاري المائية أو دفنها في مدافن تحفر خصيصا لهذه العملية، ويقدر أن عدد هذه المدافن في الولايات المتحدة وحدها بلغ حوالي 50 ألف موقع.
ولكن مع تزايد النشاط الصناعي في أوروبا وأمريكا، تزايدت كميات النفايات الضارة المتخلفة من الصناعات المختلفة وتزايدت بالتالي مشكلات التخلص منها في أراضي الدول التي تنتجها وخاصة مع إصدار معظم الدول الصناعية المنتجة للنفايات الصناعية قوانين مشددة لحماية البيئة من أخطار النفايات بعدم السماح بدفنها في أراضيها، ولذلك لجأت الدول المتقدمة إلى تصدير هذه النفايات للدول النامية، لتضاف إلى ما لدي هذه الدول من مخلفات صناعية، لا تستطيع التعامل الآمن معها، وهو ما ينذر بتفاقم هذه المشكلة وتحولها إلى كارثة بيئية وصحية مدمرة خلال السنوات القادمة.
ومع ذلك، فإن الأمل يظل قائماً في قدرة الحكومات المعنية، بالتعاون مع المنتجين ـ على انتهاج سياسات أكثر رشادة في التعامل مع المخلفات الصناعية، من أجل التقليل من خطورتها وتبني طرق إنتاج صديقة للبيئة، واستبدال التكنولوجيا القديمة بتكنولوجيا أكثر قدرة على تقليل الملوثات، والأهم من كل ذلك هو زيادة الوعي البيئي، وتنمية الشعور لدى مواطنيها بالانتماء لعالم واحد، تجمعه مصالح بيئية مشتركة لابد من التمسك بها من أجل الحفاظ على بيئة نظيفة لنا وللأجيال القادمة.
فهل يمكن تغيير السلوكيات الشاذة للمنتجين المتسببة في التلوث الصناعي؟ أم أن الحكومات لها هي الأخرى النصيب الأوفر في سلوكيات المنتجين من خلال قاعدة الربح والخسارة فقط؟..أم أن هناك أسبابا أخرى تعوق السيطرة على هذه المشكلة؟
قال تقرير أعده نشطاء معنيون بالبيئة إن ملايين الأشخاص في العالم يصابون بالتسمم أو يلقون حتفهم سنويا بسبب التلوث الصناعي والانبعاثات السامة لعمليات التنقيب بالمناجم.
وصدر التقرير الذي أعده معهد "بلاكسميث" ومنظمة الصليب الأخضر السويسرية أمس الثلاثاء على موقع بالإنترنت تحت عنوان "المواقع الأكثر تلوثا في العالم".
وتوصل إلى أن التنقيب عن الذهب وتلوث سطح المياه والمعالجة الإشعاعية للمخلفات والتنقيب عن اليورانيوم وإعادة تدوير البطاريات الحمضية المستخدمة التي يوجد معظمها في الدول الفقيرة في أفريقيا وآسيا، من أشد عشرة مصادر لمخاطر التلوث على صحة الإنسان في العالم.
وقال التقرير إن تلوث الهواء الداخلي الناتج عن دخان الطهي -الذي يحدث في الأغلب في أفريقيا- هو أحد النماذج الرئيسية إضافة إلى العديد من المنتجات المصنعة أو المعالجة في الدول السريعة النمو مثل الصين والهند التي تستخدم منزليا.
تأثر الأطفال بالتلوث الصناعى
وأفاد التقرير أن الأطفال بالدول النامية ما زالوا يتضررون بسبب التلوث من العديد من الصناعات التي تنتج أو تعالج أشياء تستخدمها في الأغلب دول غنية، بما فيها صهر ومعالجة المعادن وإعادة تدوير البطاريات والتنقيب سواء عن المواد التقليدية أو النفيسة.
وأشار ريتشارد فولر مؤسس معهد "بلاكسميث" بنيويورك إلى أن الدول الغنية مسؤولة جزئيا عن التلوث أكثر من الدول الفقيرة.
وقال "في الجزء الذي نحن فيه من العالم هذه المشكلات تم إصلاح أغلبها"، وأضاف "صدرنا صناعتنا للخارج وحتى الآن ليست هناك ضوابط للتلوث في هذه الأماكن أو أن ضوابط التلوث غير كافية".
وأوضح فولر أنه على الدول الغنية أن تساعد في التخلص من مصادر التلوث ليس فقط لأنها الدول الأكثر استهلاكا ولكن لأن بعض التلوث يمكن أن ينتقل عبر المحيطات عبر الغلاف الجوي ويصل في النهاية إلى المستهلكين في شتى أنحاء العالم.