حزب الله اللبناني “الورقة الرابحة” لإيران في المنطقة
بيروت ـ (أ ف ب) : تمكن حزب الله الشيعي، “الورقة الرابحة” لإيران في المنطقة، من توسيع دائرة نفوذه خلال العقود
الثلاثة الأخيرة لا سيما بعد تدخله في نزاعات اقليمية عدة جدد رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري دعوته الى تحييد
لبنان عنها.
في لبنان مروراً بسوريا والعراق فاليمن، يشكل حزب الله “أداة” التوسع الأكثر فعالية لإيران، وفق ما يقول محللون، ما
يثير غضب الرياض، الخصم الاقليمي الأبرز لطهران، والتي أعلن منها الحريري استقالته بشكل مفاجئ في الرابع من الشهر
الحالي.
وقال الحريري في خطاب استقالته إن إيران “ما تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار والخراب، وتشهد على ذلك
تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن”. ودعا في مقابلة مع تلفزيون “
المستقبل” الاحد حزب الله الى وقف تدخلاته في نزاعات المنطقة، قائلا “لا يمكن أن نكمل في لبنان بطريقة تتدخل فيها
إيران بكل هذه الدول العربية ويكون هناك فريق سياسي يتدخل معها”.
ويقول الأستاذ الجامعي والباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار لوكالة فرانس برس إن
استقالة الحريري “تؤشر الى إرادة سعودية للحد من التقدم الايراني”، واصفا حزب الله بأنه “الورقة الرابحة” لطهران
في المنطقة.
ومنذ عقود، تخوض هاتان القوتان الاقليميتان صراع نفوذ في المنطقة.
وتأسس حزب الله بمبادرة ايرانية بعد الاجتياح الاسرائيلي لبيروت في العام 1982 وتصاعد نفوذه تدريجياً حتى بات قوة
سياسية رئيسية في لبنان، قبل أن يتوسع نفوذه اقليمياً.
وتصنف الولايات المتحدة والسعودية حزب الله الذي يمتلك ترسانة ضخمة من السلاح كـ”منظمة إرهابية”. وتفرض
واشنطن عقوبات اقتصادية على قادته والمتعاملين معه.
خبرة عسكرية
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان لفرانس برس “استطاعت إيران بفضل حزب الله
العمل على جبهات اقليمية عدة”، معتبرا ان الحزب “كان مفيداً جداً في نشر النفوذ الايراني” في المنطقة.
ويعد الحزب وفق خشان، “الأداة الأكثر أهمية بيد إيران في المنطقة”، فهو من تولى “تدريب قوات الحشد الشعبي
الشيعية”، القوة العسكرية الأكثر نفوذاً في العراق. كما يقدم “الخبرة العسكرية للنظام السوري والقوات الشيعية المحلية
الموالية له”.
ويقول خشان ان هناك عناصر من حزب الله في اليمن حيث تدعم ايران المتمردين الحوثيين الذين يشكلون هدفاً لحملة
عسكرية تقودها الرياض.
أما في سوريا التي تشهد نزاعاً دامياً منذ العام 2011، فقد بدأ حزب الله تدخله العسكري علناً الى جانب قوات النظام منذ
العام 2013. وهو يشكل حليفاً ميدانياً رئيسياً تصدر جبهات القتال على محاور عدة، ولعب دورا رئيسيا في تغيير موازين
القوى على الارض لصالح النظام.
ويقول بيطار في هذا الصدد “عسكرياً، بات حزب الله أكثر تمكناً في سوريا، حيث اكتسب قدرات هجومية وليس فقط على
مستوى التصدي لحركات التمرد”.
وبات الحزب، وفق ما يقول الباحث في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط جوزف باحوط، لفرانس برس “نموذجاً”لكل القوى
المصغرة في المنطقة، وكذلك بالنسبة للمتمردين الحوثيين في اليمن.
ويعتبر باحوط أن الحزب اليوم بمثابة “جوهرة التاج والقوة” التي سمحت لإيران بأن تصبح في السنوات الثلاثين الماضية
“القوة الأعظم في الشرق الاوسط”.
وبعد أكثر من أسبوع على تقديم استقالته التي لم يتم قبولها رسمياً في لبنان بعد، كسر الحريري حاجز الصمت وأطل في
مقابلة تلفزيونية ليل الأحد، جدد فيها انتقاد دور حزب الله في النزاعات المختلفة في المنطقة وعلى رأسها سوريا واليمن.
وقال “أقول لحزب الله إن مصلحتكم أنتم إذا أردنا أن نحافظ على لبنان (…) أن يكون هناك تخلٍ عن بعض المواقع التي
تتدخلون فيها”، مضيفا “أريد أن أسأل، هل في مرحلة ما كان للسعودية موقف من حزب الله قبل حرب اليمن؟”.
“توازن الرعب”
وأثارت استقالة الحريري القلق والخشية من تصعيد في لبنان، البلد الصغير ذي الامكانيات الهشة والذي يقوم نظام الحكم فيه
على توافق وتسويات سياسية بين القوى السياسية الممثلة للطوائف الرئيسية في البلاد.
واتهم الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في خطاب متلفز الجمعة الرياض “بتحريض اسرائيل على ضرب لبنان”.
ومنذ تأسيسه، خاض حزب الله حروباً عدة مع اسرائيل في جنوب لبنان كان آخرها في 2006، وقد تسببت بمقتل نحو 1200
شخص في لبنان معظمهم من المدنيين و160 في الجانب الاسرائيلي معظمهم من العسكريين.
ويرى محللون أن خطر اندلاع نزاع في كل أنحاء المنطقة سيكون أمراً واقعاً إذا حاولت السعودية اليوم فتح جبهة عسكرية
ضد حزب الله.
ويقول باحوط “برهن حزب الله وإيران في وقت سابق أنهما لا يخوضان حروباً تقليدية، وستكون هناك حرب غير متكافئة
وسيضربان في المكان الموجع″، معدداً على سبيل المثال “الامارات العربية المتحدة أو شرق السعودية”، أو أنهما “
سيحاولان إثارة التوتر في المناطق الشيعية في المملكة”.
ويقول بيطار “نحن اليوم أمام التقاء عوامل مقلقة للغاية” تتزامن مع “اندفاعة سعودية يدعمها رئيس أميركي مندفع جداً
وتصاعد في النبرة الخطابية في اسرائيل”.
ويضيف “لكن في هذه المرحلة، ما زلنا في اطار نظام ينطوي على ردع متبادل وتوازن رعب، لأن الطرفين يدركان جيداً
أن أي حرب محتملة ستكون مدمرة لكلا الجانبين”.