المتاجرة في أعضاء البشر .. جريمة
كتب : محروس رسلان ..
يُعبر انتشار ظاهرة الإتجار في الأعضاء البشرية عن وجود أزمة أخلاقية على الصعيد العالمي بعد انتشارها على المستوى الدولي، فالأمر لم يعد قاصرًا على استغلال فقراء العالم الثالث، وإنما تعدى ذلك بمراحل وصولا إلى استئصال أعضاء موتى الحروب بل وجرحى الحروب أيضا الذين تنتزع الأعضاء من أجسادهم وهم على قيد الحياة، وتتطور المشكلة إلى تحول مستشفيات السجون في بعض الدول إلى مجامع لاستئصال الأعضاء البشرية، وما يزيد الأمر قسوة هو انتشار ظاهرة اختطاف الأطفال في بعض دول العالم النامي بهدف سرقة أعضائهم، وقد امتدت تلك الظاهرة وصولا إلى دول أوروبا الشرقية الفقيرة والتي دفعت الحاجة فيها المواطنين إلى بيع أعضائهم مقابل نظير مادي.
ولان غياب الوازع الديني عند كل من البائعين لأعضاء جسدهم أو عند المشترين لهذه الأعضاء وحتى الأطباء الذين يمثلون حجر زاوية في تلك المشكلة يعد سببًا رئيسيًا في ظهورها فضلًا عن غياب الواجب المهني لدى الأطباء تفتح راية الإسلام النقاش حول مشروعية بيع الأعضاء البشرية وتسلط الضوء عليها من الزاوية الشرعية والطبية.
بداية .. أكد فضيلة الشيخ عبد الله العباد، الخبير الشرعي بمكتب سعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، رئيس لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية "إسلام ويب"، أن المتاجرة بالأعضاء البشرية حرام شرعا وحرمتها شديدة ولا تجوز مطلقا؛ لما فيها من مخالفة لتكريم الله سبحانه للإنسان "ولقد كرمنا بني آدم". (سورة: الإسراء)، موضحا أن المتاجرة حرام على الشخص نفسه الذي يقوم ببيع أعضاء من جسده، وعلى غيره من باب أولى، لافتا إلى أن المتاجرة بأعضاء البشر مجرمة دوليا.
وقال فضيلته: إن من ينشئون مؤسسات للمتاجرة بأعضاء البشر أقل ما يوصفون به أنهم وحوش مفترسة، تعيش على دماء وآلام الأبرياء، وهذه الظاهرة باتت منتشرة في العالم بدليل تجريم القانون الدولي لها، وقد ثبت في تقارير إعلامية وصحافية أن الحروب التي تجري في العصر الحديث تقع فيها انتهاكات إنسانية تصل إلى حد سرقة أعضاء البشر سواء كانوا موتى، أو حتى وهم أحياء حيث يتم انتزاع أعضاء الجرحى من مصابي الحروب وهم على قيد الحياة.
وأضاف: إن من يقومون بتلك الجريمة مفسدون في الأرض، حيث يقومون بجريمة لا يتصور أن هناك إنسانًا في قلبه مثقال ذرة من العطف أو الرحمة أو الإنسانية يقدم على فعلها.
وتابع: هذه الجريمة لا يمكن أن تتم إلا بمعاونة الطبيب لأنه هو من يقوم بإجراء الجراحة وعملية استئصال العضو من الجسد البشري وهو أيضا من يقوم بنقله وتثبيته في جسد آخر، وبالتالي فهو رأس الحربة في هذه الجريمة، مشددا على أهمية تطبيق القصاص على بأنواعه على من يثبت من الأطباء انه قام بأخذ عضو من إنسان بدون وجه حق، لافتا إلى أن درجات القصاص في تلك المسألة قد تصل إلى القتل.
ولفت إلى أن الأطباء يفترض فيهم بحكم المهنة أن يتواجد فيهم العطف والسعي إلى إنقاذ حياة الناس والتخفيف من آلامهم، لا أن يقوموا بالاشتراك في تلك الجريمة التي قد تودي بحياة إنسان لم يرتكب أي ذنب طمعا منهم في مكسب مادي عاجل على حساب الأمانة وأخلاق المهنة وتعاليم الدين، مشيرا إلى أن هؤلاء الأطباء الذين يشتركون في هذه الجريمة خائنون لمهنتهم وخائنون للإنسانية، وهم أيضا خائنون للأمانة المناطة بهم.
بدوره أكد الدكتور عبد الحميد الأنصاري، عميد كلية الشريعة الأسبق، أن المتاجرة في أعضاء البشر تجارة محرمة لا تجوز شرعا، ولا يجوز للإنسان أن يبيع أو يشتري في الأعضاء البشرية حتى ولو كان يبيع أعضاء جسده لأنه لا يملك هذا الجسد، الذي هو هبة من الله سبحانه وملك له، وعليه فلا يجوز المتاجرة في الأعضاء البشرية؛ على عكس التبرع الذي يتم من اجل إنقاذ حياة إنسان في حال لم يترتب على ذلك وقوع أية أضرار على المتبرع أو على حياته، أما المتاجرة في الأعضاء وبيع الإنسان لأعضاء جسده فهو محرم في رأي جمهور الفقهاء، مشددا على أن جسد الإنسان ليس سلعة وإنما هو جسد معصوم لا يتاجر به.
وأشار د. الأنصاري إلى أن تجارة الأعضاء البشرية باتت تجارة عالمية مثل المخدرات، حيث صارت ظاهرة عالمية تتجاوز الدول وتقف وراءها عصابات إجرامية، لافتا إلى أن الأمم المتحدة والعالم كله يحولون مكافحة هذا الوباء والإجرام المنظم.
وقال د. الأنصاري: إن هؤلاء التجار لديهم وسائل وأساليب ماكرة في الإفلات من العقوبات ومن قبضة القانون، وهي بلا شك من أسوأ التجارات، ومن الجرائم العابرة للقارات.
وأضاف: على مستوى الدول العربية والإسلامية اقل بكثير مما هي عليه بالخارج فهي في المجتمع العربي والإسلامي لا تمثل ظاهرة، ولا شك أن القوانين الصارمة واليقظة ونشر الوعي بين الناس يحجم كثيرًا من انتشار هذه الظاهرة.
وأكد د. الأنصاري أن هذه الظاهرة تعد انحطاطا أخلاقيا، وان من يقومون على هذه التجارة مجموعة من العصابات التي تنظر إلى الأرباح المادية؛ بغض النظر عن الدين أو الأخلاق؛ لأنهم لا يعترفون بدين ولا يعرفون معنى الإنسانية.
وأشار إلى أن الأطباء الذين يشتركون في هذه الجريمة تخلوا عن إنسانيتهم وشرف مهنة الطب، وتعرضوا لنقض القسم المقدس، وبالتالي تسقط أهلية من يشترك في هذه الجريمة من الأطباء ويحبس ويعاقب، لان مثله لا يصلح أن يكون طبيا لأنه غير مؤتمن لاشتراكه في هذا العمل غير المشروع.
ولفت إلى أن القضاء على هذه الظاهرة يلزمه تعاون دولي بين كافة الدول على مستوى أممي لمعالجة ودفع هذا البلاء العظيم.
من جانبه وصف الدكتور حسن العبد الله استشاري الأمراض الجلدية والتناسلية، المدير السابق لمؤسسة حمد الطبية، المتاجرة في الأعضاء البشرية بانها جريمة لا تغتفر، كما وصف من يقومون بإجرائها والاشتراك فيها بانهم مجرمون وليسوا أطباء، لافتا إلى أن كل القوانين الدولية تجرم هذه الظاهرة التي يقوم بها أناس لا مكان لله في قلوبهم.
وشدد . العبد الله على أهمية التفرقة بين التبرع بعضو من قبل شخص دون وقع أية أضرار على حياته لإنقاذ شخص آخر عزيز عليه أو قريب له، وبين بيع بعض الأفراد لأعضاء من أجسامهم مقابل نظير مادي، مؤكدا أن اختطاف أي شخص أو سرقة أعضائه وبيعها تعد بمثابة عملية قتل لهذا الإنسان.
وأوضح أن السرقة نوعان أولهما اختطاف إنسان من الشارع واستعماله كقطع غيار، والآخر يأتي من خلال دخول إنسان لإجراء عملية ووقوعه تحت تأثير تضليل من قبل الطبيب الذي يخبره بانه مصاب بالفشل الكلوي ومن ثم يقوم بسرق كليته.
وقال د. العبد الله: لابد أن يعاقب الطبيب الذي يثبت تورطه في هذه الجريمة ويجب أن يتعدى العقاب شطبه من السجل المهني لأنه يشطب إذا ارتكب فعلا مخلا بالآداب، فكيف بسرقة عضو إنسان؟ داعيًا إلى إدخال الطبيب الذي يتورط في هذه الجريمة في حكم قاطع الطريق.
وشدد على أهمية أن تتصدى المجتمعات والدول للقضاء على هذه الجريمة، داعيا إلى توعية الناس بهذا الموضوع حتى لا يوجد تقصير من ناحية القانون على المستوى العالمي، مطالبًا الآباء والأمهات في مختلف الدول بالرقابة اللصيقة لأبنائهم حتى لا يتعرضوا للاختطاف من قبل عصابة تجار الأعضاء البشرية.