"مجموعة من الأمراء الهرمين عديمي الكفاءة القادمين من الماضي، وغير القادرين على التغيير، ونظام فاسد يتم التحكم به من قبل رجال الدين، وشعب ينتظر الولايات المتحدة لتغير له حكومته، ومنبع خصب لتصدير الإرهاب والتطرف": تلك هي صورة القيادة والشعب السعودي من وجهة نظر ولي عهد أبوظبي كما أظهرتها برقيات ويكيليكس. فضلًا عن الازدراء الشخصي الذي أظهره "محمد بن زايد" لبعض كبار الأمراء في السعودية، وعلى رأسهم ولي العهد الأسبق الأمير "نايف بن عبد العزيز"، الذي شبهه "ابن زايد" بالقرد في أحد البرقيات.
وبخلاف هذه النظرة التي يغلب عليها الازدراء لكل ما هو سعودي، تظهر أحاديث ولي عهد أبوظبي ووزير خارجيته الكثير من القلق الأيديولوجي الخاص حول نفوذ رجال الدين السعوديين، ليس في المملكة العربية السعودية فحسب، ولكن في الإمارات نفسها. واستنادًا إلى هذا القلق، فإن "محمد بن زايد" سارع إلى استثمار فرصة الخلاف الأميركي السعودي، بعد أحداث الحادي عشر من (سبتمبر/أيلول)، للتعريض بالنظام السعودي لدى واشنطن، بداية من التلويح بخضوع قرارات المسؤولين السعوديين لتأثير رجال الدين "المتطرفين" كما قال، وصولًا إلى الإفصاح عن مخاوفه الشخصية من امتداد هذا التأثير إلى بلاده حتى الجيش الإماراتي نفسه، الذي ظل "ابن زايد" يعتقد أنه ربما يكون أكثر ولاءً لرجال الدين السعوديين من ولائه للقيادة الإماراتية.
تظهر أحاديث "ابن زايد" الفياضة إلى المسؤولين الأميركيين أيضًا أنه لا يفرق كثيرًا بين الخطر الأيديولوجي الذي تمثله جماعة "الإخوان المسلمين"، وبين "السلفية الوهابية"، ففي حين أن "جون جينكيز"، السفير البريطاني السابق لدى السعودية والإمارات، يرى أن "محمد بن زايد" هو أكثر من يكره الإخوان المسلمين في العالم، فإن المسؤولين الأميركيين في سفارة أبوظبي كانوا يرون أن السعوديين هم ثاني ألد أعداء "ابن زايد" بعد إيران(11)، أو بتعبير "ابن زايد" نفسه "ليسوا حلفائي ولكني مضطر إلى التعامل معهم".
الاختراق
"تبنى بن زايد، أحد أغنى الرجال في دول الخليج، الأمراء بندر ومتعب ورئيس الديوان الملكي خالد التويجري، الذي عمل أيضًا كحاجب، يقرر من يحظى بلقاء الملك ومن يتم رفضه، وأنفق بن زايد عليهم أموالًا ضخمة"
("تسفي برئيل"، محلل الشؤون العربية في صحيفة هآرتس)
بخلاف نظرة "الاشمئزاز" الإماراتية تجاه القيادة السعودية "الهرمة"، والتي كشفتها أحاديث حكامها العفوية مع المسؤولين الأميركيين، لا يفوت ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، ولا حاكم دبي "محمد بن راشد آل مكتوم"، اليوم أي فرصة من أجل الإشادة بالعاهل السعودي الملك "سلمان عبد العزيز"، البالغ من العمر 81 عامًا، وقيادته. على سبيل المثال، قام "محمد بن راشد" العام الماضي بإطلاق اسم الملك "سلمان" على شارع الصفوح(12)، أحد أبرز شوارع دبي، في لفتة احتفاء واضحة. ولكن هذا الفصل من الغزل السياسي العلني الذي نشاهده اليوم لا يمكن أن يُفسر لماذا كان "ابن راشد" و"ابن زايد" نفسيهما أبرز الغائبين عن جنازة العاهل السعودي الأسبق "عبد الله بن عبد العزيز"، فيما بدا أنه لفتة احتجاجية موجهة ضد الملك الجديد، "سلمان" نفسه.
لم يكن "محمد بن زايد" يشعر بالكثير من الرضا حول ما جرى في السعودية صبيحة ذلك اليوم، حيث ظهر أن أوامر العاهل السعودي الجديد قد أطاحت بكل ما خطط له حاكم الإمارات الفعلي على مدار أكثر من عامين(13). فأولًا تم طرد رجل "ابن زايد" الأول في السعودية: "خالد التويجري" رئيس الديوان الملكي، مباشرة قبل دفن الملك الرحل، وكانت الضربة الأكبر هي تعيين الأمير "محمد بن نايف"، نجل الأمير "نايف" الذي شبهه بن زايد بالقرد يومًا، وخصم "ابن زايد" الأكبر في المملكة، في منصب ولي ولي العهد السعودي، وتم تهميش الأمراء المقربين من ولي عهد أبوظبي في ذلك التوقيت، وعلى رأسهم الأمير "متعب بن عبد الله"، نجل العاهل السعودي الراحل وقائد الحرس الوطني، والذي كان يُعد لخلافته.
وجدت الرياض وأبوظبي نفسيهما في سفينة واحدة من جديد لأول مرة منذ زمن طويل. بيد أن ولي عهد أبوظبي كان أكثر حرصًا على ألا يكون السعوديون ربان تلك السفينة كما كان الأمر في عهد والده
كانت خطة تصعيد "متعب بن عبد الله" قد تمت هندستها من قبل "خالد التويجري"(14)، رجل البلاط الأول في عهد الملك الراحل، وأحد مهندسي التقارب بين الرياض وأبوظبي على خلفية الربيع العربي. دفعت الانتفاضات العربية غرماء الأمس إلى نسيان خلافاتهما وزيادة التعاون العسكري والأمني بينهما على خلفية التهديدات المشركة لعروشهما، حيث نشرت الإمارات والسعودية قواتهما معًا تحت مظلة درع الجزيرة، 1000 جندي سعودي و500 جندي إماراتي، في البحرين في عام 2011 لتقديم الدعم لأسرة آل خليفة الحاكمة، وتعاونا معًا في ليبيا واليمن. وفي كثير من هذه الحالات، كان هذا التعاون يتجاوز بكثير الاتفاقات البروتوكولية التي يدعو إليها مجلس التعاون الخليجي.
في عام 2013، أسس البلدان أكاديمية الخليج للدراسات الإستراتيجية والأمنية، وهو مركز فكري مختص بالشؤون الأمنية تم تكليفه بوضع مبدأ أمن إقليمي، ويقع مقره في أبوظبي. كما ناقش البلدان مشروع تطوير شرطة خليجية مشتركة "إنتربول خليجي"، وكان القرار السعودي بدعم استضافة الإمارات لهاتين الهيئتين محاولة واضحة للتغلب على مخاوف الهيمنة السعودية التي ظهرت قبل أعوام خلال تجربة الاتحاد النقدي(15).
بفضل المخاوف المشتركة، وجدت الرياض وأبوظبي نفسيهما في سفينة واحدة من جديد لأول مرة منذ زمن طويل. بيد أن ولي عهد أبوظبي كان أكثر حرصًا على ألا يكون السعوديون ربان تلك السفينة كما كان الأمر في عهد والده، لذا فإن "ابن زايد" عمد إلى تعزيز نفوذه من خلال رجال نافذين في البلاط الملكي مثل "التويجري"، ومن خلال بناء علاقات مع بعض الأمراء السعوديين النافذين مثل رجل الاستخبارات الأول "بندر بن سلطان"، الذي منح استثمارات تقدر بالملايين في أبوظبي، وكذا "متعب بن عبد الله"، نجل الملك وأقوى شخص في البلاد في ذلك التوقيت.
لم يكن مستغربًا إذن أن يشعر الإماراتيون بالاستياء من عودة السديرين(16)، وعلى رأسهم "محمد بن نايف"، لتصدر المشهد في المملكة من جديد، وهو ما عكسه التمثيل المتدني للقيادة الإماراتية في جنازة الملك الراحل، وكذا تغطية وكالة الأنباء الرسمية الإماراتية للقرارات الملكية آنذاك، حيث شككت في صحة تعيين "محمد بن نايف" ولياً لولي العهد، وقالت إن سلمان لم يستشر هيئة البيعة في ذلك، وإن اختيار محمد بن نايف من بين العديد من الأحفاد المهمين أثار انتباه المراقبين، وكذا قيام وسائل الإعلام المصرية التي تتلقى تمويلًا من أبوظبي بتبني رواية مشابهة.
انهار كل شيء فجأة إذن وبجرة قلم. كان ولي عهد أبوظبي يهدف إلى تشكيل ائتلاف سعودي إماراتي(17)، من أبناء جيل الشباب، لفرض خطته السياسية في المنطقة، تمامًا كما فعل في بلاده حين أحكم قبضته على السلطة من خلال بناء علاقات مع أبناء جيله من الأمراء، مثل "محمد بن راشد"، بهدف تجاوز الخلافات التاريخية بين الآباء. ولكن الآن جاء الملك سلمان ليطيح بلوبي "ابن زايد" في السعودية، أو ما وصفها "تسفي برئيل" محلل الشؤون العربية في صحيفة هآرتس العبرية بأنها "عصبة ابن زايد المتآمرة"، لتدخل العلاقات على مدار أسابيع أحد منعطفاتها الأسوأ في التاريخ، قبل أن يتدخل القدر ليحيي من جديد طموحات الإماراتيين، من باب لم يكن متوقعًا وفي القلب من القيادة السعودية الجديدة التي لم تكن، للوهلة الأولى، متوافقة بأي شكل مع أبوظبي.
لا يعرف بالتحديد متى وكيف تطورت العلاقة بين ولي عهد أبوظبي، وبين وزير الدفاع السعودي وولي العهد الحالي الأمير "محمد بن سلمان"، إلا أن تقارير أشارت إلى قمة كامب ديفيد الخليج خلال عام 2015
الهيمنة
"إلى أي حد يمكن لرجل قوي أن يغير بلدًا؟" كان هذا هو السؤال الذي طرحه الباحث الأميركي شادي حميد في مقاله في مجلة "ذي أتلانتيك" الشهر الماضي حول العلاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبلاده(18). بينما السؤال الذي يتعين علينا أن نطرحه اليوم على وجه الدقة هو: إلى أي مدى يمكن لرجل قوي أن يغير بلدًا جارة أكثر قوة، من الناحية النظرية على الأقل، من قلب بلده؟
يُفضل "محمد بن زايد" أن يكون محظوظًا على أن يكون أكثر ذكاءً كما أسر بنفسه إلى أحد المسؤولين الأميركيين، ويبدو أنه ما قاله كان يحمل قدرًا من الصدق. ففي الوقت الذي بدا فيه أن نفوذ "ابن زايد" في السعودية انهار فجأة، بعد أن عامله نظام الرياض كمسؤول من الدرجة الثانية، ورفض استقباله في المملكة لمناقشة التدابير النهائية لعملية عاصفة الحزم لمدة 10 أيام كاملة(19)، في (مارس/آذار) من العام 2015، واكتفت بمشاركة رمزية إماراتية في حرب اليمن، كان الكثير من الحظ مطلوبًا حتى يعثر "ابن زايد" على فتاه الجديد في الرياض، في القلب من النخبة الحاكمة الجديدة التي لم تكن بأي حال صديقة لأبوظبي.
"تتقهقر الرياض التي طالما تولت زمام التحكم في الخليج اليوم إلى المقعد الخلفي، وصارت مضطرة للاستسلام إلى خطط أبوظبي في جنوب اليمن، بما في ذلك القبول بنفوذ رجال "ابن زايد". وربما لا يمانع "ابن سلمان" اليوم في دفع جزء من حصة العرش في اليمن، فضلًا عن إقدامه على توجيه ضربة لمجلس التعاون الخليجي بحصار قطر"
لا يعرف بالتحديد متى وكيف تطورت العلاقة بين ولي عهد أبوظبي، وبين وزير الدفاع السعودي وولي العهد الحالي الأمير "محمد بن سلمان"، إلا أن تقارير صحفية أشارت إلى أن إشارات التقارب بين الرجلين نشأت في قمة كامب ديفيد الخليج خلال عام 2015، في وقت لم تكن فيه العلاقات السعودية الإماراتية في أفضل أحوالها، وهي العلاقة التي يبدو أنها تعززت مع زيادة مشاركة الإمارات في حرب اليمن، واقتراب "ابن سلمان" من العرش مع تعيينه وليا لولي العهد في (أبريل/نيسان) لنفس العام 2015. ويبدو أن العلاقة تطورت أسرع مما يظن الجميع، فلم يكد عام 2015 ينتصف حتى كان "ابن زايد" يروج لـ "ابن سلمان" لدى الإدارة الأميركية، في محاولة ربما للالتفاف على خصمه "محمد بن نايف". في ذلك التوقيت، تولت "سوزان رايس"، مستشارة الأمن القومي في إدارة أوباما، رئاسة وفد صغير من كبار المسؤولين في البيت الأبيض لزيارة "ابن زايد" في منزله في ماكلين بولاية فرجينيا(20). وخلال الاجتماع، وفقًا للعديد من المسؤولين الذين حضروا، فقد حث "ابن زايد" المسؤولين الأميركيين على تطوير علاقتهم مع "ابن سلمان".
يصف الباحثون والصحفيون اليوم العلاقة بين "ابن سلمان" و"ابن زايد" بأنها أشبه ما يكون بعلاقة التلميذ بأستاذه(21). هي أبوية جديدة إذن باستثناء أن الأب هذه المرة يقع في أبوظبي وليس في الرياض. وللوهلة الأولى لا يمكن تجاهل البصمات الإماراتية الواضحة التي ينتهجها "ابن سلمان" في السعودية، بداية من ملامح برنامجه الاقتصادي، مرورًا بطموحاته العسكرية، وصولًا إلى الاهتمام بتسويق نفسه في واشنطن، واتخاذ قفزات إيجابية ملحوظة في العلاقة مع "تل أبيب" خلال فترة زمنية قصيرة(22)، وليس نهاية بتقليم التأثير التاريخي لرجال الدين في السعودية، عبر تقليص نفوذ الهيئة والتضييق على الدعاة الأكثر نفوذًا.
يبدو أن الوصفة تنجح إلى الآن(23)، فالأمير الشاب، حليف أبوظبي، صار على بعد خطوة واحدة من تولي العرش بعد أن نجح في الإطاحة بغريمه من السلطة، وهو يحظى بقبول كبير لدى الإدارة الأميركية الجديدة، وهو يدين بالكثير من الفضل فيه لأستاذه. لكن لا شيء يأتي بلا بثمن، وفي كثير من الأحيان يكون الثمن باهظًا.
تتقهقر الرياض التي طالما تولت زمام التحكم في الخليج اليوم إلى المقعد الخلفي، وصارت مضطرة للاستسلام إلى خطط أبوظبي في جنوب اليمن، بما في ذلك القبول بنفوذ رجال "ابن زايد" هناك على حساب الرئيس هادي الذي تدعمه الرياض نفسها. وربما لا يمانع "ابن سلمان" اليوم في دفع جزء من حصة العرش في اليمن(24)، فضلًا عن إقدامه على توجيه ضربة لمجلس التعاون الخليجي بحصار قطر. تكتمل اليوم دورة كاملة في العلاقات السعودية الإماراتية، بدأت بتمرد جيل جديد من الحكام في الإمارات على الهيمنة السعودية التاريخية، وانتهت إلى لحظة من نشوة القوة لدى أمير إماراتي خمسيني، يفخر اليوم أنه نجح في توظيف شبكة من الأموال والمؤامرات المظلمة من أجل التلاعب بنصف أنظمة المنطقة العربية على الأقل، ويبدو أن الرياض حتى الآن لم تكن استثناءً من ذلك.
المصادر
1Saudi-Arabia Attempts to Balance Relations with GCC and Iran
2FLARE-UP BETWEEN RIYADH AND ABU DHABI
3المصدر نفسه
4التقارب الإيراني السعودي
5 Abu Dhabi crown’s challenging remarks on Saudi: Wikileaks6A LONG HOT SUMMER FOR UAE-SAUDI RELATIONS
7اتفاقية جدة
8 الإمارات تنسحب من الاتحاد النقدي الخليجي
9 A LONG HOT SUMMER FOR UAE-SAUDI RELATIONS
10
Naval-battle between UAE-and Saudi-Arabia raises fears for Gulf security
11
A LONG HOT SUMMER FOR UAE-SAUDI RELATIONS
12تغيير اسم شارع الصفوح بدبي إلى شارع الملك سلمان
13?An Emirati Rebellion Against Saudi Royal Orders
14
Saudi Palace Coup: The Sequel
15
The Kingdom of Saudi Arabia and the United-Arab Emirates
16
Royal family members were paid millions for family intel
17המלך החדש של סעודיה ממהר להכין את הירושה הבאה
18
How Much Can One Strongman Change a Country?19
The Hidden Gulf Between the GCC's Biggest
Powers
20
Prince Mohammed Bin Salman is shaking up the kingdom
21
Meet the Two Princes Reshaping the Middle East
22
Secret flight linking Israel to-UAE reveals 'open-secret' of collaboration
23
The UAE-backed plan to make young Saudi prince a-king
24
Mohammed bin Salman, Saudi Arabia's prince of chaos