قرار مجلس الأمن 478 لعام 1980 يُبطل اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"
دخلت مدينة القدس المحتلة، منذ إعلان الحركة الصهيونية إقامة "دولة إسرائيل" على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، مرحلة جديدة في الصراع الديني والسياسي؛ لا سيما عقب احتلال أجزاء كبيرة من المدينة المقدسة (أكثر من 84 في المائة من مساحتها آنذاك).
وقد شكلت "نكسة حزيران"، وهي الحرب التي هُزم فيها العرب والفلسطينيين أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي في يونيو 1967، نقطة تحول كبرى في هذا الصراع؛ فبعد استيلاء الاحتلال على الشطر الشرقي من مدينة القدس التي أصبحت بعد ذلك محتلة بأكملها، برزت المطالبات اليهودية بالإعلان عن القدس "عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل".
ويعتبر النزاع القائم حول وضع مدينة القدس مسألةً محورية في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي؛ إذ يعتبرها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم كما ورد في وثيقة "إعلان الاستقلال" (صادرة في الجزائر بتاريخ 15 تشرين أول/ نوفمبر 1988)، وتنادي السلطة الفلسطينية بالإعلان عن شرقي القدس المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية، في الوقت الذي يعتبرها الاحتلال عاصمته الموحدة ويتعامل معها على هذا الأساس.
وفي عام 1980 أقر الـ "كنيست" الإسرائيلي (برلمان الاحتلال) اعتبار مدينة القدس "عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل"، في خطوة لا يعترف بها المجتمع الدولي ولا منظمة الأمم المتحدة.
وتعترف الأمم المتحدة بالشطر الشرقي من القدس كأرض محتلة تخضع لبنود معاهدة جنيف الرابعة، وترفض بذلك الاعتراف "السيادة الإسرائيلية" عليه.
ومنذ احتلال معظم مدينة القدس عام 1948 وإتمام احتلال الباقي منها عام 1967، صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة من القرارات، إما تدين أو تستنكر إجراءات الاحتلال في المدينة، أو تطالب بوقف إجراءات وانتهاكات فيها.
وقد شكّل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب؛ الأربعاء في الـ 06 من كانون أول/ ديسمبر الجاري، القدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل سفارة بلاده إليها من تل أبيب (وسط فلسطين المحتلة 48)، ضربة للقانون الدولي الذي أكد أن القدس مدينة محتلة متنازع عليها.
وعلى مدار عشرات السنوات امتنعت الدول الأوروبية عن نقل سفاراتها إلى مدينة القدس المحتلة، لا سيما وأن الأمم المتحدة أصدرت سبعة قرارات أدانت فيها محاولة "إسرائيل" ضم الشطر الشرقي من القدس المحتلة، من أصل 60 قرارًا دوليًا حول القدس.
وبعد 30 حزيران/يونيو 1980، غادرت معظم السفارات الأجنبية مدينة القدس إلى مدن فلسطينية أخرى كتل أبيب، احتجاجًا على "قانون القدس"، باستثناء دول السلفادور وكوستاريكا.
ومنذ ذلك الحين بقيت السفارة الأمريكية في تل أبيب؛ فلا يوجد لها في القدس سوى قنصلية، ولا تتعامل القنصلية مع الحكومة الإسرائيلية بل مع السلطة الفلسطينية، كما أنها تتلقى تعليماتها من وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطن وليس من السفارة بتل أبيب، لمنع أي تلميح باعتراف أميركي بـ "القدس عاصمة لإسرائيل".
ويعتبر إعلان ترمب الأخير حول القدس مخالفًا بشكل واضح لقرار رقم 478؛ والذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في 20 آب/أغسطس 1980، بموافقة 14 عضوًا وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية.
وانتقد القرار الدولي عدم امتثال "إسرائيل" لقرار مجلس الأمن الدولي 476، وأدان قانون القدس لعام 1980 الذي أعلن أن القدس هي عاصمة الدولة العبرية "الكاملة والموحدة"، باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي.
وينص القرار على أن المجلس لن يعترف بهذا القانون، ويدعو الدول الأعضاء إلى قبول قراره. ويدعو أيضًا الدول الأعضاء إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من القدس المحتلة.
ورأى سياسيون وخبراء قانونيون، أن إعلان الرئيس الأمريكي "باطل" بموجب القرار رقم 478 الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي عام 1980.
خبير قانوني: القرار الأمريكي انقلاب على القانون الدولي
بدوره، قال الخبير الفلسطيني في القانون الدولي، حنا عيسى، إن القرار الأمريكي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، "يعدّ انقلابًا على القانون الدولي وجميع قرارات الأمم المتحدة".
وصوّتت الولايات المتحدة الأمريكية على قرار التقسيم عام 1947 (رقم 181)، والذي نصّ على "تحويل القدس بضواحيها إلى وحدة إقليمية مستقلة ذات وضع دولي خاص".
واعتبر عيسى في حديث لـ "قدس برس"، أن "السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية كانت تتعاطى على أساس حل الدولتين، وأنها وسيط بين الطرفين وهي الآن تضع نفسها في صف العداء للشعب الفلسطيني، خاصة بعد قرار وقف المساعدات الأمريكية الليلة الماضية".
وطالب عيسى السلطة الفلسطينية بقيادة تحرّك ضد مسعى ترمب، بالتوجه إلى مجلس الأمن مع الدول الرافضة لهذا المسعى.
ويرى الخبير الفلسطيني، أن دولًا حليفة وصديقة لتل أبيب قد تُقدم على الخطوة ذاتها، إذا ما قام ترمب فعلًا بتنفيذ قراره نقل سفارة بلاده إلى القدس والاعتراف بالأخيرة عاصمة لدولة الاحتلال، الأمر الذي من شأنه أن يهوي بمستوى الدعم الدولي للقضية الفلسطينية.
القدس والقرارات الدولية..
ومن أبرز القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فيما يتعلق بالقدس منذ النكسة عام 1967؛ "2253" وصدر يوم 4 يوليو/ تموز1967، أكدت فيه الجمعية العامة رفضها وغير شرعية قرار تطبيق القانون الإسرائيلي على "القدس الشرقية".
وصدر يوم 28 أكتوبر 1981، قرار "15/36" ويعتبر أن أي تغييرات في منطقة القدس غير شرعية وضد القانون الدولي.
وطالب القرار "55/130"، يوم 28 فبراير 2001، "إسرائيل" بتقديم التسهيلات اللازمة للجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس.
وطالبت الجمعية العامة في قرار "10/14"؛ يوم 8 ديسمبر 2003، محكمة العدل الدولية بأن تصدر على وجه السرعة فتوى بشأن تشييد الجدار في الأراضي الفلسطينية وحول "القدس الشرقية"، وتبين قواعد ومبادئ القانون الدولي بهذا الشأن.
وفي يناير 2006، صدر قرار "104/60" الذي طالبت فيه الجمعية العامة اللجنة الخاصة بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان بأن تواصل عملها إلى حين انتهاء الاحتلال الإسرائيلي بصورة كاملة.
"98/70"؛ صدر يوم 9 ديسمبر 2015، وشجب أنشطة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتوسيع المستوطنات في "القدس الشرقية" المحتلة وحولها، وشجب مواصلة إسرائيل التشييد غير القانوني للجدار.
"96/71"؛ صدر يوم 6 ديسمبر 2016، ويتضمن التأكيد على أن اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة يوم 12 أغسطس 1949، تنطبق على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها "القدس الشرقية".
لكن نقل السفارة قد لا يكون بتلك الأريحية مع تعقيدات الوضع الداخلي والإقليمي؛ فمنذ عام 1972، وعد 20 مرشحًا رئاسيًا أميركيًا بنقل السفارة إلى القدس ولكن لم ينجح أي منهم في تنفيذ ذلك.
كما أن مجلس الشيوخ الأميركي شرّع عام 1995 قانونًا لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، جاء في نصّه: أن "سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل ستُنقَل إلى القدس في موعد لا يتأخر عن 31 أيار/ مايو 1999".
وكان الكونغرس الأمريكي أصدر عام 1995 قانونًا يطالب الرئيس بنقل سفارة البلاد إلى القدس، والاعتراف بالمدينة عاصمة موحّدة للاحتلال الإسرائيليّ، ولكنّ القانون نفسه فسح مجالًا للرئيس الأمريكي بتأجيل تنفيذه مراعاة للمصالح الأمنية القومية الأمريكيّة في إقرار ضمنيّ من الكونجرس بأنّ تطبيق مثل هكذا قانون من شأنه أنْ يعرّض مصالح أمريكا للخطر بالنظر إلى حساسيّة موضوع القدس لدى العرب والمسلمين في كل العالم.
ودأب رؤساء أمريكا على التوقيع على مذكرة تقضي بتأجيل تنفيذ القانون مدة ستة أشهر لتتكرر لازمة التأجيل حتى هذه المرحلة.
وقال أوباما في آخر مؤتمر صحفي له كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 19 كانون ثاني/ يناير 2017، "عندما يتم اتخاذ خطوات أحادية مفاجئة تتعلق ببعض القضايا الجوهرية والحساسيات المتعلقة بأي جانب.. فإن ذلك قد يفجر الوضع".
وأعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، القدس عاصمة لإسرائيل في خطاب تاريخي من البيت الأبيض، مؤكداً أن وزارة الخارجية ستبدأ التحضير لنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس.
وأضاف ترمب في خطاب متلفز، "وفيت بالوعد الذي قطعته بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل"، مشيراً إلى أن لإسرائيل الحق في تحديد عاصمتها.