أهمية العلم
د. علي العتوم
(عن أبي الدرداء، قال : سمعتُ رسولَ الله صل الله عليه وسلم، يقول : مَنْ غدا يريد العلم يتعلمه لله، فتح الله له باباً إلى الجنّة، وفرشتْ له الملائكةُ أكنافَها، وصلَّت عليه ملائكة السماوات، وحِيتانُ البحرِ . وللعالِمِ من الفضلِ على العابد، كالقمرِ ليلةَ البدْر على أصغر كوكبٍ في السماء . والعلماءُ ورثةُ الأنبياء . إنّ الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكنّهم ورَّثوا العِلمَ، فمَنْ أخذه أخذَ بحظِّه، وموتُ العالِمِ مصيبة لاتُجْبَر، وثَلْمَةٌ لا تُسدُّ، وهو نجم طُمِسَ . موتُ قبيلةٍ أَيْسَرُ من موت عالِمٍ) .
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حِبّان في صحيحه، وليس عندهم (موت العالم إلى آخره ...).
تعليقات:
1. التعريف :
أبو الدرداء : هو عُوَيْمِر بن عامر الأنصاري الخزرجي . وأمه محبة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة . تأخر إسلامه قليلاً، إذ كان آخر داره إسلاماً، وحَسُنَ إسلامه . وكان فقيهاً عاقِلاً حكيماً . آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي، وقال عنه صل الله عليه وسلم : (عويمر حكيم أمّتي) . شَهِدَ ما بعد أُحُد من المشاهد . واخْتُلِفَ في شهوده أُحُداً . وروى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام : (أيعجَزُ أحدُكم أن يقرأ كلَّ ليلة ثلث القرآن ؟! قالوا : نحنُ أعجز من ذلك وأضعف، قال : إنّ الله عزوجل جزَّأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعلَ : (قل هو الله أحد) جزءاً من أجزاء القرآن . وَلِيَ أبو الدرداء قضاء دمشق في خلافة عثمان .
انظر أُسد الغابة ج6، رقم الترجمة (5858) .
2.المعاني :
فرشتْ له الملائكة أكنافها : فردَتْ له أجنحتها تواضعاً، وإكراماً للعلم . صلَّتْ عليه : دعتْ له بالنُّجْحِ والتوفيق . مصيبة لا تُجبَر : كارثة لا تُعَوَّض . ثُلْمة : خلل لا يُصلح .
3. ما يستفاد من الحديث :
أ- بيان أهمية العلم وتكريم طالبه، حتى إنّ الله يفتح له به طريقاً إلى الجنّة، وملائكةُ الله تتواضع فتفرش أجنحتها له رِضىً بما يصنع، وتدعو له هي وأسماك البحر وحيتانها بالخير والبركة .
ب- يجب أنْ يُطلَبَ العِلْمُ لوجه الله وحده لا للتفاخر أو التباهي أو مماحكة العلماء، وذلك لشرفه فلا ينحطُّ بالمماراة والجِدال .
ج- في الحديث دلالة ناصعة على فضل العالِم، إذ يفوق فضلُهُ فضل العابد كما يفوق القمر ليلة البدر أصغرَ الكواكب في السماء، وفي رواية غير هذه، كفضل الرسول صل الله عليه وسلم على أدنى أصحابه .
د- العلماء ورثةُ الأنبياء، وكفى بها كرامةً لهم ورِفْعةَ منزلةٍ، إذ هم خلائِفُ الأنبياء ووارِثو علمهم، فالأنبياء لم يُورِّثوا المالَ والمتاع، إنما ورَّثوا نور الله العلم .
هـ- الأمة دون علم وعلماء أمة ضائعة تحلُّ بها المصائب والجهالات، ففقدان العالم فيها كغياب نجمٍ في السماء، وكسرٍ لا يُجبَر، ونقص لا يُعَوَّض، حتى إنّ موتَ قبيلةٍ بأسرها أهوَنُ من موتِ عالمٍ . وسبحان الله العظيم : (يرفَعِ اللهُ الذين آمنوا منكم والذينَ أوتوا العلمَ درجاتٍ)