يسألونك عن الفتنة
حسين الرواشدة
تكرر لفظ “الفتنة” في القرآن الكريم نحو 60 مرة في خمس وثلاثين سورة، ودل مفهومها في الغالب على “الابتلاء والاختبار والامتحان” وتعددت انواعها فمنها فتنة النساء والمال والاولاد، وفتنة الشيطان وفتنة الدجال وفتنة الحياة والممات، لكن للفتنة معنى آخر دلت عليه الاحاديث النبوية واستأثر باهتمام الصحابة وهو الاختلاف والفرقة والقتال بين العباد، وبهذا المعنى يقع في جوهر “الابتلاء” الاعظم ذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما اشار الى “الفتنة التي تموج كما يموج البحر”.
والسؤال عن الفتنة، بانواعها، سؤال في اهم المسائل واخطر الشرور كما ان التذكير بها وبأهوالها ومآلاتها واجب ديني وانساني -كما يقول فقهاؤنا - من اجل الحفاظ على البيضة وتقوية الشوكة واعزاز الملة وصيانة وحدة الامة، ولهذه المقاصد وغيرها اهتم العلماء ببحث موضوع “الفتن” ودعوا الى وضع “فقه” خاص لها ذلك ان معرفة السنن والقوانين الالهية والابتلاءات التي تصيب الامم والناس ونوازل الازمنة وفسادها هو سبيل المؤمن العاقل لكي يتأدب بها كما ذكر ابو عمر الداني ويأخذ نفسه برعايتها ويتبين له عظيم ما حل بالاسلام واهله من سفك الدماء ونهب الاموال واستباحى الحرم وغير ذلك مما يُذهب الدين ويُضعف الايمان ويُهدد امن الاوطان.
وللفتنة -في الغالب - مسالك اجتماعية ودينية تخرج منها واساسها التعصب والاحتكام لمنطق الغرور والاستعلاء ومجافاة الحق، ثم الاختلاف والخلاف متى كانا غير منضبطين وقد شهدنا كيف ادت مضاربات “الفتوى” الى شيوع الفتن بين اتباع الملة الواحدة وكيف انتهت “الفتوى” السياسية الى انتشار الفتن بين ابناء البلد الواحد وكيف خرجت “رؤوس” الفتنة بفعل كلمة كانت بمثابة رصاصة اخترقت جدران التسامح ودكت مفاهيم الاخوة والمحبة بين الناس.
في كل اجزاء الشريعة ومقاصدها ثمة هدف واحد وهو تحقيق وحدة الناس والحفاظ على ارواحهم وكرامتهم وامنهم، وهذا لا يتحقق الا بمنع شيوع الفتن بينهم ولو دققنا في قيم الاسلام كلها لوجدنا ان مقاصدها تدور حول هذا الهدف مع الاقرار دائما بان الفتنة قد تقع في اية لحظة وان تجاوزها لا يكون الا بالحذر منها واتقاء شرورها ثم اقتلاع جذورها “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة” .. صدق الله العظيم.