الابتلاءات
قال تعالى:
أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ غ– فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
.
يُعرِّف العارفون بالله الدنيا على أنّها دار اختبارٍ وامتحان؛ فقد بُنيتْ وأُسستْ على ابتلاء النّاس لِامتحان صبرهم، ومقدار ثباتهم، وإيمانهم بالله، فإنْ تجاوزوا فَتَرات الابتلاء بنجاحٍ رُفعتْ قيمتهم في الدّنيا والآخرة، وإلّا خسروا كلَّ شيء.
إنَّ الابتلاء ضرورةٌ حَتميةٌ يُعرف من خلِالها الصّالح من السّيئ، والمُؤمن من ضَعيف الإيمان من غيرِ المؤمن،
وكلّما ارتفعت منزلةُ الإنسان عندَ اللهِ تعالى ازداد ابتلاؤه؛ لِذا فإنّ الأنبياء والرّسل - عليهم السّلام - هُمْ أكثر النّاس ابتلاءً،
ومنزلتُهم هي الأعلى على الإطلاق. لِلابتلاء أنواعٌ عديدة؛ لذا فإنّ الإنسان لا يدري ولا يَعلم من أينَ سيُؤتى، وقد أتى هذا التنوّع في الابتلاءات كنتيجةٍ طبيعيةٍ لِتنوعِ النّاس واختلاف طَبائعهم، فما يُحفز البعض قد لا يُحفز الآخرين، هذا عدا عن اختلافِ درجات إيمان الأفراد أساساً،
وفيما يلي بيانٌ لأنواع الابتلاء.
أنواع الابتلاءات الابتلاءُ بالضّراء:
يَعتقد الكثيرون أنّ هذا النّوع هو النّوع الوحيد من أنواع الابتلاء، مع أنّ الدّلائل تُشير إلى وجود نوعٍ آخر لا يَقل خُطورة عنه سيأتي تفصيلُهُ لاحقاً.
جوهر الابتلاء بالضرّاء هو ابتلاء العبد بما يكرهُهُ من الأمور كَفقدان عزيز، أو الإصابة بمرضٍ مُعين، أو خسارةُ الأموال، أو اندلاعُ حريقٍ في الأملاك الخاصة، أو اتهامه بالاتهاماتِ الباطلة، والعديد من الأمور الأخرى. وأمّا غايته فهي امتحانُ صبرِ المُؤمن، ومقدار توكله على الله تعالى، وإيمانه بقضاءِ الله تعالى وقدَرِه.
الابتلاء بالسّراء:
أو ابتلاء الله تعالى لِعبده بما يحبه، من مالٍ، وجاهٍ، ومنصبٍ وغير ذلك؛ فكلُّ هذه الأمور يُحبها الإنسان بل ويسعى إليها،
وقد يعتقدُ بعضُ النّاس أنَّهم إذا رُزِقوا بالأموال - على سبيل المِثال - فإنّ الله تعالى راضٍ عنهم، وهم لا يعلمون أنّ هذا الرّزق ما هو إلّا امتحانٌ سيُسألون عنه عندما يقفون بين يديه يوم القيامة. قد يكون ابتلاء ربِّ العالمين لِعبده بما يَسره في بعض الأحيان أخطر عليه من ابتلائه بما يكرهه؛ ذلك لأنّ بعض النّاس لِديهم قدرةٌ عجيبةٌ على تحمّل المصاعب والملمّات، غير أنّهم وبِمُجرَّد أنْ يُصبهم خير يَطمئنون إليه ويَنسون الله، وهذا هو الخُسران المُبين.
التعامل مع الابتلاءات
يجب على الإنسان المُبتلى أنْ يتعامل مع ابتلائه بالصبرٍ والحمد، إذ يجب على العبد المؤمن أنْ يُظهر خضوعَهُ لله تعالى في كافةِ الأوقات، وأنْ لا يُخالف ظاهره باطنه؛ كأن يجحد فضلَ الله تعالى عليه في باطنهِ في الوقت الذي يتظاهرُ فيه أنَّه دائمُ الشّكر لِله أمام الناس. إنّ الابتلاء - خاصة من النوع الأول - لا يعني أبداً السّكون، بل يجب على المؤمن أنْ يسعى وأنْ يبذل ما بوسعه لِتغيير الحال إلى حالٍ أفضل؛ فالله تعالى يحب العبد الذي يَعمل بكلِّ طاقته لِتحقيق الغاية من خلقه