«مكتبة الجاحظ» ظاهرة ثقافية معرفية في قلب عمّان
باتت مكتبة» الجاحظ» أحد معالم العاصمة عمّان.حيث تقع في «أول شارع بسمان» مقابل «البريد المركزي»، وهو المكان الآخر لها بعد ان احتلّت مكانة بارزة في تاريخ العمّانيين عندما عرفناها قرب «سبيل الحوريات».
رحل الأب»ممدوح» وتبعه الإبن «هشام» قبل أيام، وبينهما «أحترقت المكتبة» او «مستودع» المكتبة، وتهافت الناس مُتعاطفين مع صاحبها الذي استقبل كبير العائلة الاردنية جلالة الملك عبد الله الثاني في عزاء شقيقه.
وقبلها..
عندما سمع جلالته بحادثة الحريق الذي اصاب «المستودع»، بادر من خلال «الديوان الملكي» الى تقديم المساعدة والدعم لواحد من ابناء الاردن «المثقفين» الذين يسهمون بتقديم» المعرفة» بيُسْر الى الناس في الاردن منذ اكثر من 30 عاماً.
وقبل ايام وبعد مرور اسبوع على وفاة هشام المعايطة،قامت «ثُلّة من المهتمّين» وهم من الصبايا والشباب بإضاءة 1000 شمعة من أجل روحه وكتعبير عن مؤازرتهم للعائلة والمشروع الذي راح «هشام ومن قبله ابوه» من أجله.
تاريخ
ورث «المعايطة» الاب مهنة الوراق عن أبيه الذي ورثها عن جده منذ زمن العثمانيين حيث كانت «خزانة الجاحظ» في مدينة القدس، إلى أن انتقلت إلى عمّان في «وسط البلد» مقابل البريد القديم منذ عهد مؤسسها الأول سليمان المعايطة، ورفعت «خزانة الجاحظ» عبارة «خير جليس»كشعار يتوارثه الأبناء عن الآباء. ومروراً بوليد وخليل وممدوح وأخيراً هشام، ورثة مشروعها المنتصر للمعرفة كرأس سنام الفضائل كلها، والإبداع الإنساني الخلاّق كأثر لا يموت، حافظت خزانة الجاحظ، على مكانتها المميزة محلياً، في عالم بيع الكتاب وتداوله وتبادله وحتى استعارته.
ممدوح المعايطة
شاعر وأديب أردني (1930 - 1993) من مواليد الكرك. يُعتبر أحد أشهر ورّاقي مدينة عمّان، حيث أسهم في الحياة الثقافية المحلية للمدينة. أسس بعد قدومه من القدس بعد حرب 1967، مكتبة وخزانة الجاحظ في وسط البلد، التي أصبحت أحد المعالم الثقافية لمدينة عمّان، والتي ورث المهنة فيها عن أبيه وجده. كان ممدوح المعايطة جنديا في الجيش الأردني في القدس وأصيب بانفجار لغم أرضي في منطقة قلنديا أثناء واجب الدفاع عن المدينة عام 1948 وقطعت قدمه على أثره، وانتقل للعلاج في بيروت التي شكلت بدورها نقلة نوعية في مسيرته الثقافية حيث تعرف على تقنيات الوراقين ودور النشر والمطابع، عاد بعدها إلى عمّان عام 1967، وبعد تقاعده بدأ بالتفكير بإنشاء المكتبة من جديد وكان أول تأسيس لها في عمّان عام 1967 بالقرب من المدرج الروماني. توفي في عمان عام 1994، بعد أن ورثه أبناؤه في المهنة ذاتها
هشام ممدوح المعايطة
قال هشام المعايطة في حديث سابق، ان جده شارك في الثورة العربية الكبرى والتقى الثوار على محطة سكة حديد القطرانة وحمل خزانته معه وتنقل بين دمشق وبغداد ثم استقر به المقام في القدس ليؤسس خزانة الجاحظ قرب حائط البراق عام 1921. واضاف ان جده استمر بالعمل في المكتبة وجمع العديد من المخطوطات إلى ان استشهد عام 1947 في منطقة العيزرية في رحلة نضاله ضد العصابات الصهيونية ومساعدته الثوار العرب في القدس وحرقت مكتبته على اثرها بالكامل من قبل الصهاينة ولم يتبق من مخطوطاتها الا الشيء القليل المحفوظ في منزله بالقدس انذاك.
وتابع المعايطة ان والده «ممدوح» كان جنديا في الجيش العربي في القدس وأصيب بانفجار لغم ارضي في منطقة قلنديا أثناء واجب الدفاع عن المدينة المقدسة عام 1948 وقطعت قدمه على اثره وانتقل للعلاج في بيروت التي شكلت بدورها نقلة نوعية في مسيرته الثقافية حيث تعرف على تقنيات الوراقين ودور النشر والمطابع ،عاد بعدها إلى عمان، وبعد تقاعده بدأ بالتفكير بإنشاء المكتبة من جديد وكان أول تأسيس لها في عمان عام 1967 بالقرب من المدرج الروماني.
وبين أن عائلته تمتهن (صنعة الوراق) منذ عقود طويلة وكانت تجمع المخطوطات النادرة التي يصل عمرها إلى ثمانمئة سنة إضافة إلى الكتب القديمة التي يصل عمرها إلى ثلاثمئة سنة في مجالات الأدب والعقيدة والتاريخ والرياضيات والفلك وبعضها مكتوب بخط أيدي أصحابها، حيث نقوم بتحقيقها وإعادة نشرها وتقديمها إلى الباحثين وطلاب العلم من خلال نظام إعارة للباحثين والدارسين ممن يقدمون رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات الأردنية والعربية. واشار إلى ان المكتبة توسعت فيما بعد حتى أصبح لها اربعة فروع في عمان توزعت في سوق اليمنية وعند سبيل الحوريات الأثري وجبل اللويبدة وشارع الهاشمي إضافة إلى فرعها القديم في الكرك. واختتم المعايطة حديثه قائلا انها وصية ثقيلة وإرث من الآباء والأجداد علينا واجب المحافظة عليه بأمانة واصفا عملهم ب(وراقي الزمن الحديث) وجل همهم الوفاء بعهد الاباء والأجداد بالاستمرار في العمل بهذه المهنة خدمة لرسالة الثقافة والعلم.
مكتبة بقرار أميري
يقول محمد المعايطة أحد أحفاد «خليل» الذي يتولى حالياً بيع الكتب في فرع المكتبة في شارع الأمير محمد وسط عمّان: بدأ جدّي بفكرة المكتبة في باب العامود بالقدس، وكانت الناس تشبه خزانته بخزانة الجاحظ، وتحذره دوماً من أن ينتهي نهاية مؤلمة كنهاية الأديب والمفكر العربي «الجاحظ» ومن هنا جاءت تسمية المكتبة بـ خزانة الجاحظ.ويضيف التقى جدي وخاله محمد في القطرانة بالملك عبد الله المؤسس، وهناك أقنعه بتأسيس المكتبة واعتمادها، وبالفعل تم إنشاء المكتبة بقرار أميري، وكان ذلك قبل تأسيس الإمارة، فتم تأسيس المكتبة في القدس سنة 1922، وكانت القدس في تلك السنة تكسوها الثلوج كما أخبره جده.ويتابع كان جدي وفياً لكتبه التي يحرص عليها حرصه على الممتلكات الثمينة، لدرجة أنه كان يخبئها في مكتبة حديدية ضخمة، وفي العام1948 حين بدأ الاحتلال الصهيوني لفلسطين استشهد جدي بالقدس، بينما أصيب والدي ممدوح المعايطة بانفجار لغم أفقده قدمه في بلدة قلنديا بين القدس ورام الله.
من هو «الجاحظ» ؟
وقد يخطر ببال بعض الناس سؤال حول اسم « الجاحظ» الذي انتسبت» المكتبة» اليه.
عادة ما يرتبط « المُغرقون» بالمطالعة او الذين اعتادوا على الجلوس ساعات بين الكتب بالذاكرة بأحد أعلام الثقافة والتراث العربي والاسلامي في العصر القديم واعني « عمرو بن بحر الكناني» الشهير ب»الجاحظ» الذي قضى نحبه كما تقول احدى الروايات وهو بين الكتب عندما وقعت عليه مكتبته.
وُلد «ابو عثمان الجاحظ» في مدينة البصرة، وتلقّى العلم فيها ومنذ صباه حرص على التعلم، فكان ذكياً، ومحباً للقراءة، وسريع الحفظ، بالإضافة إلى كونه فكاهياً، ويعدُّ الجاحظ من كبار أئمة الأدب في العصر العباسي، حيث ذاع صيته وذكره على نطاق كبير وواسع، كما كان يحبّ الكتب كثيراً، وما يدل على ذلك أنه كان يكتري أماكن ودكاكين الورّاقين من أجل أن يقرأ كتبها، فلم يكن يترك كتاباً من دون أن يستوفي النظر فيه ويقرأه ويفهمه، وكان لا يُرى إلاّ وبيده كتاب ينظر فيه أو يقلِّب ثنايا صفحاته. من مؤلفات الجاحظ وكتبه العظيمة التي يستفيد وينهل من ينبوعها مختلف القرّاء والدارسين الآتي: «البيان والتبيين»، و»سحر البيان»، و»التاج»، و»البخلاء»، و»اللصوص»، و»الوعيد»، والإخوان، والكبر المستحسن والمستقبح، والأمثال، والتفّاح، ورسالته في القلم، ودلائل النبوّة، وفضائل الأتراك، والفرق بين النبيّ والمتنبي، والربيع والخريف، والنساء، وغيرها.
قبل 30 عاماً
قبل اسبوعيْن،قابلتُ محمد المعايطة في الصباح،وتذكّرنا « الوالد» ممدوح. وقال وقتها» انت اجريت لقاء مع والدي قبل 30 عاما. واضاف محمد المعايطة ان العنوان كان وقتها» لقاء مع الرجل الذي يقرأ الكتب في الليل ويبيعها في النهار».
ذلك،كان عندما كانت» المكتبة» قرب»المدرّج الرّوماني» في «قلب العاصمة عمّان».
المبدأ « المعرفي» لم يتغير.وورث الابناء تقديم المعرفة بسهولة،من خلال مبدأ شراء الكتاب ثم استبداله بمبلغ زهيد بعد الانتهاء من قراءته.
الآن،تشتري الكتاب بمبلغ 3 دنانير او اكثر قليلا وبعد ان تنتهي منه تستبدله بكتاب آخر مقابل دفع مبلغ»دينار واحد فقط».
الجميل في الأمر ان «حب المطالعة» بات «عائليّا».فتجد زبائن «مكتبة الجاحظ» من الاطفال وكل افراد العائلة.