لاجئون للابد
هآرتس
تسفي بارئيل
6/3/2018
الكشاف المتمركز حول محوره ويضيء في كل مرة زاوية مظلمة مختلفة في ساحات القتل في سورية، توقف للحظة على ساحة الرماية القاتلة التي يقوم بها النظام السوري في اقليم الغوطة الشرقية، حيث يعيش هناك تحت الحصار أكثر من 300 ألف شخص. المعاناة الجماعية تثير حقا عدد من التصريحات الجوفاء، ونتج عنها قرار واحد للامم المتحدة، نجح في التوصل إلى وقف لاطلاق النار لمدة 90 يوما، ولكن النار لا تتوقف حقا. وعندما تكون بؤرة واحدة بجذب انتباه العالم تبقى بؤر اخرى في الظلام، بعيدة عن العين العامة وعن الاعلام، الذي شبع إلى حد التقيؤ من وصف هذه الحرب، وخاصة عندما تملي الارقام الكبيرة الاستطلاع.
وهكذا فإن مخيم اللاجئين اليرموك في جنوب دمشق، قد نسي منذ فترة بعد ان أخذ مجده قبل حوالي سنتين. فقط 5 الاف ساكن، معظمهم من الشيوخ والارامل والاطفال بقوا في البيوت المهدمة، حيث كان في يوم ما يسكن فيه اكثر من 150 الف شخص. على ثلثي المخيم تسيطر داعش وعلى الباقي تسيطر "سلطة تحرير سورية" والتي عرفت في الماضي باسم جبهة النصرة. المعركة في المخيم بين هذين التنظيمين تجري تحت حصار مشدد من قبل الجيش السوري الذي لا ينجح في السيطرة عليه. وإلى جانبه تعمل حقا ميليشيا فلسطينية، ولكن اساس عملها هو الدفاع عن السكان الباقين. غذاء وأدوية تصل بالقطارة، وقود للتدفئة لا يوجد، ولا يمكن الحديث عن خدمات مدنية.
ان ما زال مهتما بالحديث عن وضع اللاجئين الفلسطينيين في سورية والذي لم يعد احد تقريبا يهتم بهم، هو موقع "مجموعة العمل من اجل فلسطينيي سورية"، التي تعمل من بريطانيا وتحاول نقل تقارير محددة عن الاحداث لمخيمات اللاجئين. حسب الموقع، 3663 فلسطيني قتلوا حتى الان في الحرب. في الاحصائيات التراجيدية لسورية، هذا رقم لا يثير الانطباع بشكل خاص، عدد القتلى الشامل يصل كما يبدو إلى اكثر من نصف مليون. واكثر منه اثارة للقشعريرة هي القصص الشخصية، التي يجمعها الموقع ضمن مشروع خاص، الذي اسمه "هذه قصتنا" والذي بدء بنشره في 2017. هذا الاسبوع نشرت قصة رقم 33، قصة عبد السلام الذي ولد في قرية عين التينة في محافظة صفد.
عبد السلام هاجر إلى لبنان في 1948، انضم إلى منظمة التحرير وحارب في صفوفها ضد إسرائيل. في اعقاب حرب لبنان الثانية هرب من لبنان إلى إحدى الدول العربية، ورجع إلى لبنان وسكن في مخيم شاتيلا، تزوج وعاد لسورية. وهو يسترجع سيرة حياته منذ بداية الحرب في سورية، تذكر كيف طلب منه اطباء العيون في لبنان الذي هرب اليها من سورية، اكثر من ألفي دولار مقابل العلاجات التي لم تفيد، لانه احتاج إلى عملية عيون تكلفتها حوالي 10 الاف دولار.
"من اين يمكنني جلب مبالغ كهذه؟"، تساءل. عبد السلام قرر أن يأخذ عائلته ويعود إلى سورية. كانت تلك سفرة سلبت منه بضعة مئات من الدولارات لدفع رشوة للموظفين اللبنانيين في المعبر الحدودي، ودفع اموال عن كل شهر من الاشهر الثلاثة التي مكثها في الدولة متجاوزا فترة صلاحية الفيزا التي يحملها. أيضا الجانب السوري لم يوفر عليه المصاريف. لقد وضع كل واحد من الضباط السوريين في المعبر الحدودي في جيبه بضعة عشرات من الدولارات من اجل ان يسمحوا له بالدخول إلى البلاد التي هرب منها.
من سورية قرر عبد السلام الذهاب إلى تركيا، ولكن سرعان ما اتضح له ان كل حاجز على الطريق هو "دولة قائمة بذاتها" والتي يجب أن يتم فيها دفع رسوم مرور للميليشيات المحلية. 13 حاجز اضطرت العائلة اجتيازها إلى ان وصلت إلى حاجز معروف في اوساط سكان في حماة كـ "اكثر الحواجز شرا". في هذا الحاجز تعرض عبد السلام إلى ضربات على رقبته، التي كانت ملفوفة بضمادة ثبتت فقرات العمود الفقري العلوي، بعد أن عانى من انزلاق غضروفي. موظفو الحاجز فتشوا في جيوبه وغضبوا عندما تبين لهم أنه لا يوجد بها شيء يمكنهم اخذه. وحتى لا يوجد تلفون محمول. "لماذا لا يوجد لديك تلفون محمول؟"، سألوه. "لأنني لا اعرف القراءة والكتابة"، اجاب.
ولكن كان لدى عبد السلام 2500 دولار خيطها على ملابسه الداخلية، ولدى التفتيش الدقيق في اليوم التالي وجد الجنود المبلغ. "الضابط احضر لي ورقة عليها صورة 500 دولار وأمرني بالتوقيع بأنهم وجدوها لديهم. فهمت ماذا يريد، ووقعت". هكذا اختفى ألفي دولار في جيب الضابط.
باقي الطريق أكملها في سيارة عسكرية برفقة خمسة جنود سوريين معتقلين، اتهموا بالفرار من الخدمة، وسوية معهم سجن ثانية في سجن البولوني في مدينة حمص، والذي نقل منه إلى سجن في دمشق. هناك تعرض لعمليات تعذيب مختلفة ومتعددة، من ضربات بالعصي وضرب الكرسي على رأسه، حتى الصدمات الكهربائية. استمر التعذيب ثلاثة شهور إلى أن اطلقوا سراحه. من السجن توجه عبد السلام إلى عمته في دمشق من أجل الحصول على مبلغ 700 دولار من أجل الهرب إلى تركيا. بعد أن نجح في اجتياز الحواجز على الطريق، حاول عدة مرات الدخول إلى تركيا، وفي كل مرة اعتقل واعيد إلى سورية إلى أن نجح اخيرا في التسلل وحتى انه وصل إلى اليونان، مكث هناك تسعة شهور، ومن هناك انتقل إلى المانيا التي وصلتها عائلته قبل ذلك.
كما يبدو، قصة عبد السلام ليست مختلفة عن قصص ملايين اللاجئين السوريين الاخرين. على الاقل هو وابناء عائلته ظلوا احياء ووجدوا ملجأ. ولكن خلافا للاجئين السوريين، الذين يوجد لديهم وطن للرجوع اليه في يوم من الايام، فإن اللاجئين الفلسطينيين الذين ليس لدهم مواطنة أو انتماء. سيواصل كونهم لاجئين للابد، أيضا عندما يستطيعوا العودة إلى سورية