خلود الخطاطبة
الأمير المفوض
المفوض السامي لحقوق الإنسان الأمير رعد بن زيد بن الحسين أول عربي ومسلم
يتسلم هذا الموقع، أعلن مبكرا وتحديدا في كانون أول الماضي عدم ترشحه مرة أخرى
لهذا المنصب الذي يغادره في الربع الأخير من العام الحالي، لكن إعلانه لم يكن هادئا
وإنما جاء بمثابة إدانة لمن يتحكمون بدفة ادارة هذه المؤسسة الأممية.
أعلن الأمير أنه سيغادر هذه المؤسسة الأممية الحساسة برسالة الكترونية لموظفيه قال
فيها ""قررت ألا أسعى لتفويض لفترة ثانية. القيام بذلك، في السياق الجغرافي السياسي
الحالي، قد يتطلب الركوع، وإغفال بيانات هامة، والحد من استقلال وقوة صوتي، الذي
هو صوتكم"، اذا مغادرته سببها ضغوط لن يتمكن معها من أداء عمله.
أراد الأمير من عبارته "السياق الجغرافي السياسي الحالي" القول أن عربيا مسلما لا
يستطيع ان يكون على رأس هذه المؤسسة في ظل الرئاسة الاميركية الحالية بقيادة
دونالد ترامب، فكيف يطلب من عربي مسلم أن يقف مكتوف الأيدي تجاه ما يحدث من
انتهاك لقضاياه العربية العادلة أو حتى أن يمارس الحد الأدنى من واجبات عمله، وأن
يصمت على انتهاك شرطي العالم لحقوق الانسان في بلدان كثيرة.
الملفت أن الأمير يتعرض هذه الايام لانتقادات عربية وأردنية حيال تصريحات يدلي بها
أو تقارير يعلنها تتحدث عن أوضاع حقوق الانسان في دول عربية، وهذا برأيي حق
طبيعي لمن ينتقد، لكن ليس من الطبيعي توظيف هذه الانتقادات في التشكيك بأهدافه
تجاه الدول العربية وانه مدفوع لتشويه صورتها، بل باعتقادي انه يمارس عمله لا أكثر.
ولمن يقول ان الأمير يحابي الغرب على حساب الدول العربية التي يوجه لها سهام
انتقاده، ليراجع ما صدر عن المفوض خلال الفترة الماضية والذي كان سببا في "
اجباره" على اختيار مغادرة "طوعية" لهذا الموقع حتى يتسنى لهم اعادته لمالكه "
الأصلي"، ومن هذه القرارات:
أولا: عارض الأمير بشدة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الاعتراف بالقدس
عاصمة لإسرائيل وإصداره أوامر لوزارة الخارجية ببدء إجراءات نقل السفارة من تل
أبيب إلى القدس.
ثانيا: تعرض الامير لضغوط من أميركا واسرائيل وفق تقارير موثقة ، حاولت ثني زيد
بن رعد عن نشر قائمة سوداء بأسماء شركات تعمل في مستوطنات الاحتلال الإسرائيلي
في الضفة الغربية المحتلة.
ثالثا: انتقد الرئيس الأمريكي والرئيس الفلبيني عندما قال "الرجلان كسرا محرّمات لم
يقترب منها أحد منذ زمن بعيد؛ بدعمهما للتعذيب والقتل دون محاكمات، ما تسبب في
جعل المخاطر التي تهدد منظومة القانون الدولي كلها حقيقة واقعة".
رابعا: انتقد رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بعد تصريحات خلال حملتها
الانتخابية، وأشارت فيها إلى "إمكانية إلغاء قوانين إذا عرقلت الحرب على الإرهاب".
وعلّق الحسين على تصريحات ماي بقوله: "إنها مؤسفة بشدة، وهدية من زعيمة دولة
غربية كبرى لكل مستبدّ في العالم".
رابعا: اعتبرت المفوضية قرار ترمب بمنع مواطني سبع دول من دخول الولايات
المتحدة "غير قانوني
ما يصدر عن المفوضية ليس منزلا بل ادعاءات قابلة للرد والتفنيد، لكنها بالضرورة لا
تعني استهدافا لأحد، والدليل على ذلك أن بلده الاردن كان لها حصة من انتقادات
المؤسسة الأممية، لكن هل الانتقادات تعني صوابها؟ وهل الأمير الذي حظي بدعم كل
شخص في بلده عند ترشيحه للمنصب، يستهدف وطنه؟ بالضرورة لا.
هل تعني مغادرة الأمير زيد بن رعد منصبه الدولي، المساهمة ولو بالقدر القليل بتراجع
حدة الانتقادات التي توجهها المفوضية لدول عربية بين سنة وأخرى، بل على العكس
فان نظرة سابقة للمفوضية الى ما قبل الأمير فان حجم الانتقادات لحقوق الانسان في
دول عربية كان أوسع، لكن الحساسية هذه المرة كانت في أن عربي هو من يقود هذا
الذراع الأممي.
"السياق الجغرافي السياسي الحالي" الذي تحدث عنه الأمير في رسالته، هو الأهم، كون
هذا السياق يتطلب احضار مفوض أممي أقرب الى الغرب وقضاياهم، وتنفيذ سياساته
في المنطقة، وليس بعيدا أن نرى على رأس هذه المؤسسة حقوقيا "متطرفا" لافكار
الادارة الاميركية كما هي ممثلتهم في الأمم المتحدة.
كان الأجدى أن نستمر في دعم بقاء الأمير زيد على سدة هذه الرئاسة أو أي عربي
شقيق، بدلا من أن نشكك في أهدافه، ونمهد الطريق الى تسليم المفوضية السامية لحقوق
الانسان لمن له هذه المرة أهداف مشكوك فيها ولا يستطيع الحديث بلغة "الاشادة" التي
لا نجيد غيرها.