جحا الصهيوني على أرض «المغرب المحتلة»
سهيل كيوان
Jun 01, 2017
لا أعرف قرية أو مدينة فلسطينية تخلو من أرض أو بناء وقفي، سواء كان إسلامياً أو مسيحياً. معظم المحال التجارية والخانات والمدارس والمؤسسات العامة والأسواق القديمة في فلسطين، هي بالأصل أوقاف إسلامية ومسيحية، بنيت في مراحل مختلفة من تاريخ فلسطين، تؤجّر ليعود ريعها إلى صندوق أوقاف الطائفة، التي يتبع الوقف لها، ليستفيد منه الفقراء والمحتاجون من أبناء الرعيّة.
وهناك إحصاءات تقول إن مساحة أراضي الوقف بلغت 15% من أراضي فلسطين الزراعية، هذه النسبة ترتفع لتتجاوز الـ90% من الأبنية في مدن مثل، القدس وعكا. و70% في الرملة ونسب مشابهة في الخليل وغيرها من مدن فلسطين.
هناك أوقاف كنسية من مختلف أنحاء العالم، مثل الأرثوذكسية واللاتينية والأنجليكانية والكاثوليكية، والبروتستانية والقبطية والأرمنية وغيرها من المذاهب المسيحية.
وهناك أوقاف إسلامية لجاليات عربية غير فلسطينية، مثل أوقاف المغرب العربي، ويشمل المغرب وتونس والجزائر، هذه الأوقاف هي أراض وأبنية أوقفت لخدمة المغاربة المارين في فلسطين، خصوصا أثناء عودتهم من الحجّ في الحجاز، فيعرجون إلى مسرى الرسول في القدس للصلاة فيه، حتى تحول عندهم إلى شبه سنّة فرضوها على أنفسهم، كذلك لطلاب العلم المغاربة في القدس، وللذين تطوعوا وجاوروا، أي أقاموا قرب المسجد الأقصى وقبة الصخرة، دفاعاً عنها في وجه الغزو الأجنبي، وتشجيعاً لاستجلاب المغاربة إلى القدس الشريف، أوقف الملك الأفضل نور الدين علي الناصر صلاح الدين الأيوبي عام 1195 ميلادية، مساحة تبلغ خمسة وأربعين دونماً للمغاربة في الجانب الغربي للأقصى المبارك، أقيم فيه حي، خدمة لطلبة العلم والحجّاج والمقيمين من الفقراء، وتشجيعاً للمغاربة على الإقامة في القدس للمساهمة في حمايتها من الغزو.
ولم تقتصر الأوقاف المغربية على القدس فقد امتدت إلى خارج الأسوار، ووصلت القرى القريبة وأشهرها وقف الشيخ أبي مدين شعيب المغربي العثماني المالكي، في قرية عين كارم، ثم انتشرت أوقاف المغاربة في كل بقاع فلسطين، في عكا ويافا وحيفا والخليل والرملة وغزة وطولكرم والناصرة، لتبلغ عشرات آلاف الدونمات من الأرض، وهناك من طاب له المقام وبقي في فلسطين ليعمل ويعيش ويتزوج ويقيم فيها، ولهذا نجد قرى كاملة من أصول مغاربية، هؤلاء شُرّدوا بمعظمهم مثل بقية أبناء الشعب الفلسطيني عام النكبة، وهدمت قراهم مثل قرية سمخ على شاطئ بحيرة طبريا الجنوبي، وبعض قرى سهل الحولة، وقرى في منطقة حيفا مثل هوشة والكساير. وكانت المملكة المغربية تُخصص ميزانية لدعم الأوقاف المغربية في القدس لرعايتها عن طريق وزارة الأوقاف الأردنية، حتى الخمسينيات من القرن الماضي.
أشهر هذه الأوقاف هو حي المغاربة من الجهة الغربية للأقصى وكانت فيه مدرسة باسم المدرسة الأفضلية، وأربعة مساجد وحوالي 137 مبنى سكنياً هدمتها السلطات الإسرائيلية بعد احتلالها بأيام في 11-12-13- حزيران/يونيو من عام 1967، وشرّدت سكان الحي الذين كانوا حوالي 550 نفساً، لتقيم مكان الحي ساحة لحائط تزعم أنه حائط الهيكل، وهو المكان الذي عقدت حكومة بيبي نتنياهو فيه جلستها الأخيرة، احتفاء بمرور خمسين عاماً على احتلال القدس، وإمعانا في إنكار التاريخ وتزييفه، وتناسباً مع الرواية الصهيونية الملفّقة حول علاقة الحركة الصهيونية وجذورها في فلسطين، وبأن المسجد الأقصى مُقام على هيكل سليمان.
إن قصة جدار الهيكل تشبه قصة مسمار جحا، فما علاقة الحركة الصهيونية الكولونيالية وطرد السكان العرب، وتهديد عشرات آلاف البيوت العربية بالهدم بالموضوع من أصله، إنه جحا الصهيوني الذي يزعم أنه يوفر حرية الأديان لجميع الطوائف، بينما هو يصادر أوقاف أبناء الطوائف غير اليهودية وأملاكهم الشخصية، خصوصاً أوقاف وأملاك المسلمين، ويعمل على تخفيض أعدادهم في فلسطين عامة وفي القدس خاصة.
أتى اجتماع بيبي رداً على أصوات في الإدارة الأمريكية تعتبر حائط البراق جزءاً من المناطق المحتلة عام 1967، وعلى تجنّب دونالد ترامب مرافقة بيبي نتنياهو له أثناء زيارته للحائط، كي لا يأخذ طابعاً رسمياً وتوكيداً على أن القدس ليست موضوع مفاوضات، وأن الاحتلال لن يدفع أي مقابل لدخول التحالف الأمريكي العربي الإسلامي ضد الإرهاب، وأن التطبيع المرجو هو مجاني ولا حيدة عن تهويد القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل.
نتنياهو عقد اجتماع حكومته في المكان الذي كان في يوم ما حياً للمغاربة، أي على أرض مغربية محتلة، لأن الوقف يتبع الجالية التي تملكه، والوقف لا يمكن لحاكم أو غيره أن يغيّر فيه أو في شروطه، كما جاء وصية وقف الشيخ أبي مدين شعيب المغربي، الذي أوقف أراضي كثيرة حول القدس وعقارات محاذية للأقصى، ومن يفعل يلاقي وجه ربه وهو غاضب عليه غير راض عنه.
إن فصل العرب عن قضية فلسطين هو حلم صهيوني قديم وفيه مغالطات تاريخية كبيرة، لأن فلسطين ليست للفلسطينيين فقط، لا معنويًا ودينياً فقط، بل وماديًا أيضاً.
ومن المفارقات أن الحكومة الفرنسية كانت قد طالبت حكومة إسرائيل عام 1954 بتعويض عن استغلالها للأراضي المغربية في قرية عين كارم منذ احتلالها عام 1948، يوم كانت فرنسا محتلة للمغرب وتونس والجزائر، وقد اعترفت إسرائيل بهذا الحق، وقررت دفع تعويض للفرنسيين، ولكن بعد حصول المغرب وتونس على استقلالهما عام 1956 تنازلا عن قضية التعويض، كي لا يعترفا بإسرائيل وتجنبا لإقامة اتفاقيات معها، على أمل تحرير فلسطين.
ها هو بيبي يعقد لحكومته جلسة استعراضية صهيونية على الأرض الوقفية المغربية المحتلة، وعلى العرب والمسلمين تقع مسؤولية دينية وقومية وأخلاقية وقانونية، خصوصاً على الأردن المسؤول عن أوقاف القدس، والمغرب رئيس لجنة القدس، لرفع أصواتهم بقوة في المحافل الدولية، واستخدام كل الوسائل المتاحة التي لم تُستغل حتى الآن لوقف هذا العبث في المدينة المقدسة.
كاتب فلسطيني