كان العرب يطلقون اسم (الآسيات) أو «الأواسي» عن النساء اللواتي كن يعملن في تضميد جراح المقاتلين وتجبير كسورهم وإيقاف نزف دمهم وغيرها من أعمال الإسعاف، حيث كانت المرأة العربية سباقة في ميادين العمل الاجتماعي بالإضافة إلى واجبها كربة بيت والعناية بعائلتها، ولقد برزت في الإسعاف الصحي أيام السلم والحرب، ولكن مع الأسف لم ينصفها التاريخ.
ولقد أجاز الدين عملها كمسعفة وممرضة وقد جاء نص «الإمام احمد بن حنبل» على انه «يجوز للمسعفة أن تخدم الرجل وتشاهد منه عورة في حال المرض والمداواة»، وقد كان إسعاف الجرحى من اختصاص فضيلات النساء العربيات يتخذنه واجباً، وكن يسرن جنباً إلى جنب حاملات أواني الماء والغذاء ولفائف القماش لتضميد الجراح وجبائر الكسور وغيرها.
وكن يرافقن الرجال كمسعفات، يرعين الجرحى ومنهن من يشتركن في المعارك، وقد جاء في كتاب «مختصر تاريخ الطب عند العرب» للدكتور كمال السامرائي (1984) منشورات سلسلة دراسات / بغداد. وكذلك «الموجز في تاريخ الطب عند العرب» للدكتور رحاب خضر عكاوي (1995) دار المناهل / بيروت. « إن الممرضات العربيات قد ساهمن في معارك بدر وأُحد وخيبر مساهمة فعالة فقد كن يقدمن الماء والغذاء والدواء للمحاربين وإسعاف الجرحى ووقف النزف وتجبير الكسور داخل خيام أقمناها وكانت مجهزة تجهيزاً كاملاً كالعيادات ولها نظام طبي يشرفن عليه.
أول ممرضة
أما أول ممرضة عربية ظهرت في فجر الإسلام وقد جاءت من يثرب هي رفيدة الاسلمي» ابنة الطبيب «سعد الاسلمي» الذي اشتهر في الجزيرة العربية بمداواة الناس بالكهانة ،وقد ذكرت «الدكتورة سعاد حسين» قصة رفيدة في «كتاب الطب الإسلامي» الذي صدر عن المؤتمر العالمي (1981) – الكويت: «إن رفيدة استنكرت طريقة والدها سعد في معالجة المرضى بالكهانة وجشعه في اخذ الأموال منهم، وكان الرسول (صل الله عليه وسلم) في مكة عندما علمت رفيدة عنه وأيقنت أن «الإيمان والرسالة» لا بد أن تكون جزءاً هاماً من وسائلها كممرضة.
وخططت لقاء مع مبعوث الرسول الكريم «مصعب بن عمير» الذي أتى إلي يثرب ودار بينهما حوار كانت خلاصته أن أعلنت إسلامها وبدأت بالعمل بجمع صديقاتها وتعليمهن كيفية رعاية جرحى الحرب والمرضى والضعفاء، وأقامت مع صديقاتها الخيام وزودتها بكل ما تحتاج لتصبح عيادات، ثم أنشأت أول مدرسة عربية في التاريخ العربي للتمريض ورعاية المرضى وشاركت وزميلاتها مع الجيش في حملات الإسعاف حيث أنقذن مئات المصابين والمرضى وبينهم عدد من القادة مثل «سعد بن معاذ».
وبعد انتهاء الحروب عادت رفيدة إلى المدينة واستأنفت مهمتها في خيمتها كممرضة ومطببة ومدربة. أما اللواتي دربتهن رفيدة، أمية بنت قيس الغفارية والتي جاءت مع نسوة من بني غفار وطلبت إذنا للخروج إلى خيبر لمداواة الجرحى فقال لها الرسول «على بركة الله». وكانت «أم سنان الاسلمية» مجاهدة جليلة وقالت للرسول عند خروجه إلى خيبر «يارسول الله اخرج معك في وجهك هذا أخرز السقاء وأداوي المرضى والجرحى» فقال الرسول» اخرجي على بركة الله تعالى فان لك صواحب قد كلمنني وأذنت لهن من قومك ومن غيرهم أما إن شئت فمع قومك وان شئت معنا». فقالت : معك . فقال الرسول «تكوني مع أم سلمة زوجتي» وهكذا ذهبت معها واشتركت في فتح خيبر . أما «الرُبَيعْ بنت معوَّذ الأنصارية» فقد صحبت الرسول تداوي الجرحى وتقوم مع صاحباتها بإخلاء الشهداء من ميدان المعركة إلى المدينة.
وكانت «نسيبة كعب المازنية» التي اشتركت في غزوة بدر وعملت على تضميد الجرحى وخرجت أيضا يوم احد ومعها زوجها وولداها وفي يمينها السقاء والضماد وعندما ضعف موقف المحاربين لم تكتف بالتفرج والمواساة بل انتضت سيفها وحملت قوسها واندفعت للقتال وظلت تحارب حتى أصيبت بثلاثة عشر جرحاً فضمد الرسول جروحها وبرئت.
كذلك أم سليم، وأم أيمن، وخمنه اللواتي كن يحملن الماء للعطشى ويقمن بعلاج ومواساة المصابين ، وقد قيل فيهن بيت الشعر التالي: «هم الآسون أم الرأس - لما تواكلها الأطبة والأساء». وبعد مرور (12) قرناً ظهرت في «انجلترا» أول ممرضة هي «فلورنس نايتنجيل» (1820 – 1910) والتي سارت على درب رفيده وتعتبر مؤسسة التمريض الغربي. أعود واذكر بأن رفيده كانت أول ممرضة عربية وضعت قواعد وتدريس التمريض. ولقد اعتمدت خبرات الطبابة والتمريض على ما جاء في الحضارات السابقة ومن ثم ما نشأ أثناء الحضارة العربية الإسلامية. علمت بوجود كلية واحدة فقط باسم «رفيده».