الحروب الأمريكية ودقة الضربات الجوية
مارجريت سوليفان*
واشنطن بوست
أرقام صادمة، أو ينبغي أن تكون كذلك على الأقل.. فقد كان عام 2017 هو الأكثر دموية من حيث أعداد الضحايا بين المدنيين في العراق وسوريا، إذ قُتل أكثر من 6 آلاف شخص في ضربات نفذها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، حسبما أكدت منظمة «إيرورز» لحقوق الإنسان. وبالطبع، تشكل هذه الأرقام زيادة بنسبة 200 في المئة مقارنة بالعام السابق، وستكون أكبر بكثير لو أضفنا الضحايا في دول أخرى مثل أفغانستان والصومال وغيرها. وعلى رغم من ذلك، تراجع الاهتمام بالموضوع تدريجياً بعد أن كان يعتبر وصمة في إرث الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
ولم تعد وسائل الإعلام الأميركية تُعير سوى قليل من الاهتمام في الوقت الراهن للموضوع، ويبدو أنها مهووسة الآن بأحدث المستجدات في الصخب الدائر حول ترامب نتيجة التحقيق بشأن روسيا.
وأفادت «دافني إفياتار» مديرة منظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة الأميركية، بأنه «لسوء الحظ، أدت الخلافات الموجودة في البيت الأبيض ومزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية إلى تشتيت انتباه وسائل الإعلام، بدرجة جعلتها تُهمل متابعة أمور ذات أهمية كبيرة». وأضافت: «من بين تلك الأمور التوسع الكبير في استخدام الطائرات من دون طيار والضربات الجوية، ولاسيما خارج مناطق الحرب، وزيادة الخسائر بين المدنيين في هذه الأثناء».
وبالطبع، وعد ترامب أثناء حملته الانتخابية بقصف تنظيم «داعش» الإرهابي، لكن رغم إعلانه الانتصار على التنظيم الإرهابي، لا تزال عمليات القصف مستمرة. وتأسف «إفياتار» وآخرون ممن يراقبون هذه القضايا، ليس فقط على سقوط ضحايا بين المدنيين الأبرياء، ولكن أيضاً السريّة التي تفرضها الحكومة، والتي أدت إلى تفاقم الأوضاع بشكل كبير خلال العام الماضي.
وأوضحت أن وزارة الدفاع الأميركية لم تعد تكشف حتى عن إطار العمل السياسي والقانوني الذي تستخدمه الولايات المتحدة في القيام بتلك الضربات الجوية، وهو ما يجعل دور التحقيقات الاستقصائية أكثر أهمية.
وكشفت مقالة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً أن الولايات المتحدة شنّت 8 ضربات جوية ضد تنظيم «داعش» في ليبيا لكنها لم تكشف سوى عن 4 هجمات، مشيرة إلى أن قادة عسكريين قرروا عدم الكشف عن تلك الضربات الجوية، ما لم يسأل عنها أحد الصحافيين بصورة محددة، ولدى «البنتاجون» اسم لهذه السياسة هو: «الردود على الأسئلة». وفي كثير من الأحيان لا يتم توجيه مثل تلك الأسئلة!
وقالت «ستيفاني سافيل»، المدير المشارك لمشروع «تكاليف الحرب» لدى جامعة «براون»: «إن الضربات الجوية أضحت أكثر انتشاراً في الوقت الراهن من ذي قبل، رغم قلّة الأخبار بشأنها»، مضيفة: «نعلم جميعاً أن هناك أموراً تجري ضمن الحرب على الإرهاب، لكن لم يعد هناك اهتمام بالتفاصيل».
وفي هذه الأثناء، تُسلط الصفحات الأولى للصحف والمعلقين على برامج التلفزيون والشبكات الإخبارية على التحقيق في الخلافات داخل البيت الأبيض.
وذكرت «أليجرا هاربوتليان» المحللة لدى منظمة «ريثينك ميديا»، «نظراً لأن جزءا من وظيفتي قراءة جميع المقالات التي يمكن العثور عليها بشأن الحرب بالطائرات الأميركية من دون طيار وتبعاتها، لا يسعني سوى الشعور بالخذلان»، منوّهة إلى أنه على رغم من أن التقارير الصحافية المنتقدة لخسائر الأرواح بين المدنيين وللضربات الجوية باستخدام طائرات من دون طيار نادرة نسبياً في الوقت الراهن، إلا أن ما يتم نشره يتمخض عن نتائج مذهلة.
وقد أدى تحقيق استقصائي نشره موقع «بزفيد»، على سبيل المثال، إلى تراجع الحكومة الأميركية عن مسارها والإقرار بمسؤوليتها عن وفاة 36 مدنياً في الموصل. ونشر أيضاً قصة إضافية بشأن عدم تقديم أية تعويضات لأسر الضحايا، واحتمال عدم حدوث ذلك في ضوء السياسات الراهنة.
وكشفت «نيويورك تايمز» في تحقيق نشرته في نوفمبر الماضي أن هناك مبالغة وعدم وضوح بشأن دقة الضربات الجوية الأميركية. وثمة نقاش وطني مهم لابد من إجرائه بشأن ذلك، لكن في ضوء السريّة التي تنتهجها الإدارة وضعف الاهتمام من الجمهور ووسائل الإعلام، لن يحدث ذلك النقاش قريباً، وخصوصاً بينما ينشغل الناس بأخبار «ستورمي دانيالز» على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي
*كاتبة أميركية