مقالات الصحافة الإسرائيلية 2018-4-4
مقالات
المحرض القومي
تكتب "هآرتس" في افتتاحيتها الرئيسية، أن بيان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أمس، بأنه سيعمل على تشكيل لجنة تحقيق برلمانية ضد الصندوق الجديد لإسرائيل، هي أدنى درجات الانحطاط في سياسة التحريض التي يمارسها، ودليل راسخ على أنه يقف على رأس الدولة شخص لا يعرف الخطوط الحمراء، وفقد كل الكوابح، ويقدس كل وسيلة تضمن تحصين سلطته.
نتنياهو، الذي عرض، قبل يوم واحد فقط، الخطة الجديدة لطالبي اللجوء ودافع عنها، اتهم الصندوق الجديد، أمس، بأنه "العامل الرئيسي الذي يمارس الضغط الأوروبي على الحكومة الرواندية للانسحاب من اتفاقية إخراج المتسللين من إسرائيل"، وبذلك فهو "يهدد أمن ومستقبل دولة إسرائيل كدولة قومية من الشعب اليهودي".
كل من تعقب تعقيبات معسكر اليمين على إعلان نتنياهو حول توقيع الاتفاق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كان يمكنه أن يتنبأ تجاه الريح. الجمهور الإسرائيلي بات يعرف تماما طرقه المنحرفة. لقد قذف، بخطابه المكارثي ضد "العدو الداخلي"، بسمعة نشطاء اليسار، الذين قاتلوا بشجاعة الطرد المخزي لطالبي اللجوء، وقال: "الصندوق الجديد هو منظمة أجنبية تحصل على تمويل من حكومات أجنبية وجهات معادية لإسرائيل، مثل صناديق جورج سوروس. هدف الصندوق الأسمى هو شطب الطابع اليهودي لإسرائيل".
وأضاف أن "الصندوق يمول منذ عشرات السنين تنظيمات معادية للصهيونية ومناصرة للفلسطينيين، ومن بينها تنظيمات تقذف بسمعة الجيش، مثل "بتسيلم" و"يكسرون الصمت"، وتنظيمات تحارب من أجل المخربين الفلسطينيين مثل مركز عدالة.
لكن التحريض الخطير ضد الصندوق الجديد ليس سوى وسيلة لجذب ناخبي الليكود، الذين استاءوا من قرار نتنياهو استيعاب 16 ألف أفريقي في إسرائيل، والمخاطرة بالتالي بطهارة الشعب اليهودي.
لقد حوّل ممثلو اليمين، في الحكومة والكنيست ووسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية رسالة واضحة لنتنياهو: لا تخدع نفسك، أنت في السلطة لتمثيل الأيديولوجية القومية، ولا يوجد مكان لليونة سياسية. ومن مثله يعرف أن تصنيفه كيساري يعني الإعدام السياسي، حتى بالنسبة "للساحر" نتنياهو. للمرة الأولى منذ فترة نَزف نتنياهو للحصول على الدعم، واضطر إلى تقديم تحريض مشرف لإرضاء الجوع القومي لدى ناخبيه.
في تشرين الأول الماضي، حدد المستشار القانوني للكنيست، المحامي إيال يانون، في وجهة نظر، بأن الكنيست لا تستطيع إجراء تحقيق إيديولوجي ضد تنظيمات المجتمع المدني. إذا كان من الضروري في المستقبل تشكيل لجنة تحقيق فيجب أن تحقق في الهجمات السياسية، التي يشنها نتنياهو على مواطنيه.
الفشل الكبير في تاريخ حكومة نتنياهو يثبت عدم أهليته لرئاسة الحكومة.
يكتب دان مرجليت، في "هآرتس"، إن الجميع تحدثوا، أمس، عن "تعرج بنيامين نتنياهو". صحيح، أنه محرج، محير، غريب، لكنه ثانوي. العامل الأول في أهميته، كان إظهار القلق والخوف والتراجع من قبل رئيس الوزراء. هذا لأن جوهره السياسي بأكمله يقوم على صورة الرجل القوي، صاحب القوة. ربما يكون فاسدًا، وربما مجرمًا، لكن الشيء الرئيسي هو أنه قوي – كما يلخص ويبرر أنصاره دعمهم له، على الرغم من كل ما تم كشفه عن سلوكه الشخصي، الذي تحقق فيه الشرطة. فجأة، وبشكل غير منظور، ظهرت شخصية الضعيف، المصاب بالرعب تقريبا، في حدث يعتبر أكبر فشل لنتنياهو منذ عودته إلى السلطة في عام 2009.
في مقابلة مع برنامج "مساء جديد"، أمس الثلاثاء، سأل دان مريدور من يستطيع أن يتخيل مناحيم بيغن يتراجع عن اتفاق السلام مع مصر، فقط لأن كتلة "الليكود" انقسمت، ومعظم أعضائها لن يدعموا التزامًا، بعدم ضم يهودا والسامرة في استفتاء عام. لكن بيغن لم يتوجه إلى أي استطلاع، ولم يعتمد حتى على كتلته المنقسمة. لقد آمن بالسلام وأقره في الكنيست بأصوات المعارضة.
كل الأمور الأخرى صحيحة، وأقل أهمية. كيف تجرأ على توقيع اتفاق دون عرضه على الحكومة؟ لماذا ورط وزيرة القضاء أييلت شاكيد، كما لو كانت قد رافقت الاتصالات مع الأمم المتحدة؟ ولماذا حاول إجبار أنجيلا ميركل على الخروج لصالحه، دون أن يسألها؟ في الأساس، تم صد المتسللين – وهم كذلك حتى لو كانوا يلتمسون اللجوء - عندما أقام نتنياهو سياجًا فعالًا على الحدود الإسرائيلية المصرية. منذ ذلك الحين، لم تكن هناك مشكلة في التسلل إلى إسرائيل، بل مجرد ديماغوغية، تهدف إلى حرف النقاش إلى أمور هامشية وتحريض الجمهور ضد أولئك الذين دافعوا عن الأفارقة.
كان من الممكن قبول الحل، الذي تم التوصل إليه بالأمس، منذ فترة طويلة، وكان من الممكن توفير خطابات ميري ريغف وأمثالها. وكان يمكن إرضاء جنوب تل أبيب دون خلق توتر عنصري لن يتم القضاء على ندبه لفترة طويلة. بعد أن سمح للنقاش بأن يتدهور إلى أماكن محظورة، توصل نتنياهو (مع أرييه درعي) إلى ترتيب مناسب كان سيكسبه الثناء الكبير في إسرائيل والخارج، لو لم يتم الاكتشاف بأنه شخص خائف.
ربما كان هكذا فعلا. ربما اشتدّ جين القلق الذي يعشش فيه، بسبب التحقيقات التي خضع لها. هناك أمر واحد واضح: إن أكبر إخفاق في تاريخ إدارته يدل على أنه غير مؤهل في الوقت الحالي لشغل منصبه الرفيع. لأنه، من يدري كم يتخذ من مثل هذه القرارات غير المسؤولة بتسرع، دون أن يعرف بها أحد؟
بلفور بن سلمان
يكتب تسفي برئيل، في "هآرتس"، إن التأثر الكبير من تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مفهومة. أخيرا، بعد أكثر من مائة سنة على تصريح بلفور، جاء ملك سعودي وصاغ حق اليهود بدولة، بذات اللهجة تقريبا. ولكن يجب الانتباه إلى أن كلماته كما قيلت باللغة الإنجليزية لا تزال تفتقد إلى الاعتراف بالدولة القائمة منذ سبعين سنة، وإنما بحق الإسرائيليين بأن تكون لهم دولة، مثل حق الفلسطينيين بدولة لهم. وفي الواقع، الصحيح هو أن الأمير لم يستخدم ولو مرة واحدة كلمة "دولة" وإنما كلمتي "البلاد" و"الأمة".
من يتأثر من كون ولي العهد السعودي هو أول زعيم عربي يعترف بحق الإسرائيليين بدولة قومية، نوجهه إلى المبادرة السعودية، التي تحولت إلى مبادرة عربية منذ 2002، والتي جاء فيها أنه مقابل الانسحاب الشامل من كل الأراضي (بما فيها هضبة الجولان)، تلتزم الدول العربية بالتوقيع على اتفاق سلام مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها. اتفاق السلام يتم مع دولة معترف بها، وهذا يعني أن الدول العربية اعترفت آنذاك بوجود إسرائيل، وليس فقط بحقها في الوجود. توقيع معاهدة سلام واعتراف بالدولة ليست مصطلحات متشابهة. إسرائيل تعترف بوجود دول كثيرة، لكنها لم توقع معها جميعا اتفاقيات سلام.
في الوقت نفسه، لم يتم سؤال محمد بن سلمان، ولذلك لم يجب، عن رأيه بما يسمى "صفقة القرن"، التي يجري طبخها في مطبخ الرئيس ترامب. هل يواصل الزعيم السعودي الإصرار على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كل المناطق، كما تطالب المبادرة العربية؟ هل ستوافق السعودية على تعديل المبادرة؟ هل ستكون مستعدة للاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل؟ وهل لدى الزعيم السعودي رأي في حدود 67؟ كما يجب فحص نوعية التعاون بين السعودية وإسرائيل على خلفية العداء المشترك لإيران. في الوقت الذي يجري فيه النشر عن التعاون الأمني المشترك بين البلدين على الملأ، وفي الوقت الذي التقى فيه قادة من إسرائيل ويلتقون بقادة سعوديين، وحين تكون لكلا البلدين مصالح مشتركة (كما يعترف ولي العهد بنفسه)، يبدو أنه لا توجد لدى السعودية أي مشكلة بالتعاون مع إسرائيل حتى في غياب معاهدة سلام بينهما. ستكون إسرائيل، بالطبع، راضية عن تشبيه الزعيم الروحي الإيراني بهتلر، كما فعل بن سلمان، ويبدو أنها ستصفح عن الأمير لأنه "نسي" ذكر الكارثة في نص المقارنة.
مع ذلك، ليس من المبالغ فيه التساؤل عن قيمة المصلحة الإسرائيلية – السعودية، في كل ما يتعلق بإيران. هل ستجعل هذه المصلحة إسرائيل توافق على قيام السعودية بتطوير برنامج نووي خاص، هل ستشجع الكونغرس الأمريكي على المصادقة على بيع السعودية تكنولوجيا نووية لأغراض سلمية، أم ستواصل العمل على إحباط صفقة المفاعلات التي حيكت بين واشنطن والرياض.
القسم المقلق في اللقاء مع بن سلمان، يتعلق، بالذات، بالشكل الذي يبلور فيه صورة الواقع في السعودية. كان من المتوقع، بالذات، ممن سيكون أصغر ملك في الشرق الأوسط، والمحب للفنون (أو على الأقل يستمتع بشرائها) والذي يتحدث الإنجليزية ويعرف قوانين العالم، ألا يبيع الأوهام. ألا توجد وهابية في السعودية؟ الأقلية الشيعية تعيش بسلام ونعمة في المملكة التي تقمعها؟ ألا يوجد سبب لمطالبة السعودية بأن تتمسك بالقيم الغربية، سيما أن كاليفورنيا وتكساس، أيضا، لا تتقاسمان قيما مشتركة؟ الملكية المطلقة هي شيء جيد، في المجموع العام، سيما أن الملكية الفرنسية المطلقة هي التي ساعدت على تأسيس الولايات المتحدة؟ يبدو أنه إذا كنت ملكا أو ابن ملك، فلا حاجة بك إلى دراسة الأمور الأساسية. يكفي التوقيع على اتفاقية شراء بمبلغ 35 مليار دولار مع الولايات المتحدة، والسماح للنساء بقيادة السيارة، كي تعتبر ليبراليا.
مع ذلك، فإن الأمير السعودي لا يختبر بمدى معرفته بالتاريخ أو إنجازاته في مجال حقوق الإنسان. قدراته السياسية واستراتيجية التطوير الاقتصادي لبلاده هي التي ستحدد مستقبل المملكة. حتى الآن، يصعب تسجيل إنجاز سياسي ملموس لصالحه، لا في الحرب الفاشلة في اليمن، التي لا يريد الحديث عنها، ولا في محاولته إقامة حكومة جديدة في لبنان. لقد انسحب من سوريا، بل أوضح أن الأسد سيواصل رئاسة الدولة، خلافا لموقف المملكة التقليدي، وأما الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فهو بريء، حاليا، من أي تدخل سعودي. رؤية ولي العهد بشأن تنويع مصادر دخل المملكة وتقليص اعتمادها على النفط، كما انعكس الأمر في برنامج "السعودية 2030" تنتظر إثباتها.
في هذه الأثناء يجب عليه مواجهة العجز المالي، الذي ينجم عن هبوط أسعار النفط والمصروفات الثقيلة للحرب في اليمن. يجب أن نتمنى له النجاح، لأنه لا يزال للسعودية دور هام في صياغة سياسة مؤيدة للغرب في الشرق الأوسط، وحين يلزم الأمر، يمكنها ثني عدد كبير من أيدي العرب والغرب. لكن من يرى في تصريحات بن سلمان إشارة على أن علم إسرائيل سيرفرف قريبا في الرياض، يجب عليه أن يفحص إذا كان للمملكة العربية السعودية شريك في إسرائيل.
إلى أين تمضي "مسيرة العودة"؟
يكتب بوعاز هعتسني، في "يسرائيل هيوم"، أنه منذ ما يقرب من ثلاثة عشر عاماً، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ودمرت 21 مستوطنة يهودية مزدهرة، وطردت قسراً حوالي 8.000 من منازلهم. بل قامت الدولة بإخراج عظام الموتى من قبورهم، وبالتالي نفذت بشكل مرعب، كلمات شاعر الكراهية محمود درويش: "انصرفوا، وخذوا موتاكم معكم". كان "المنطق" هو "فك الارتباط". مغادرة غزة، ترك كل مشاكلها وإرهابها وعربها في الخلف.
لقد وعد اليسار، رسميا، بأنه ستكون لدينا الآن شرعية من العالم لضرب الإرهاب، دون تحمل عبء الالتزام إزاء السكان الخاضعين لحكمنا، كما لو كان المقصود دولة مجاورة.
وبالفعل، لقد صفق العالم طوال خمس دقائق كاملة، وعاد إلى روتين الاستنكار ضد إسرائيل. وبدأ القصف مباشرة بعد الانسحاب، وأصبح غلاف غزة "متلقي الضربات من غزة"، وأصبح نظام الإرهاب، الذي كان مقيدًا من قبل الوجود الإسرائيلي، وحشًا. وبعد بضعة أشهر، تم اختطاف جلعاد شليط من المنطقة، التي كانت قبل الانسحاب محاطة بالجيش الإسرائيلي والمستوطنات الإسرائيلية، وتحولت الآن إلى ثقب أسود.
لقد جلب الانسحاب الصواريخ إلى معظم النقب والوسط، وحتى حيفا. وتحولت غزة إلى جبهة حرب كاملة، ومنذ ذلك الحين كانت هناك خمس جولات من القتال - ثلاث منها كبيرة ، والتي أودت بحياة حوالي 100 جندي، وكلفت دافع الضرائب الإسرائيلي أكثر من 20 مليار شيكل. في الأسبوع الماضي، تبين، للمفارقة، أن العرب في غزة ما زالوا مدرجين في التوقعات الديمغرافية لليسار والإدارة المدنية. فعلا، تم فك الارتباط.
تعطي هذه النتائج للمواطنين الإسرائيليين درساً مستمراً حول النوايا الحقيقية للعرب تجاهنا، وإلى أي حد لن يؤدي الانسحاب إلى خطوط عام 1967 إلى إزالة التهديد الإرهابي، ولن يخفف من الضغط الدولي. بعد أن تم تسليم الملليمتر الأخير في غزة، لم تتوقف النار، ولم نحصل من العالم على شرعية لضرب الإرهاب المنبعث من هناك.
بعد عملية الرصاص المصبوب في عام 2009، تم تشكيل لجنة غولدستون، وكانت استنتاجاتها تعني أنه في الواقع لا تملك إسرائيل أي شرعية للدفاع عن النفس. وفي الواقع، خلال معظم عملية الجرف الصامد، اكتفت إسرائيل بإطلاق النار على الصواريخ، التي أطلقت عليها من خلال القبة الحديدية. ويل للمتنازلين والمنسحبين.
"مسيرة العودة" التي تنظمها حماس هي محاولة متطورة لاختراق الأسوار، ودفع مئات الآلاف من العرب من غزة إلى داخل الخط الأخضر. "العودة" إلى أين، بعد أن سلمنا كل شيء؟ العودة إلى المجدل التي هي عسقلان ويافا وحيفا وعكا. بعد أن قدم أريئيل شارون، مجاناً، المرحلة السابقة، بدأت مرحلة جديدة في "نظرية المراحل" العربية: الوصول إلى حدود 67 طواعية، وسط تصفيق اليسار. صفوف القناصة والنيران الحية منعت الرعاع الجهاديين من إغراق إسرائيل الصغيرة والوصول إلى الكيبوتسات، وسديروت وعسقلان، ومنازل أصحاب الأنوف الملتوية، الأتقياء. ألن نتعلم؟
قرارات على الشبكة
تكتب اريئيلا رينغل هوفمان في "يديعوت احرونوت": لدي بعض التعليقات على أجندتنا حول القيادة، والشبكات الاجتماعية، وصنع القرار، والقضاة، ووجبات الغداء. وسأبدأ بالأخير: قبل بضع سنوات، اهتز الجهاز القضائي لدينا، عندما نشرت دراسة وجدت أن قرار الإفراج المبكر عن سجين من قبل لجنة الإفراج تأثر بتوقيت الجلسة التي ناقشت الموضوع. ووجد الباحثون الذين فحصوا حوالي 1100 حالة ناقشتها اللجنة خلال عام أن "الأسير الذي وصل ملفه إلى اللجنة مباشرة بعد تناول الغداء كان يتمتع بفرصة الإفراج عنه في وقت مبكر، أكثر من سجين وصل ملفه بعد ساعات من استراحة الغذاء".
الدراسة، التي ورد ذكرها في الكتاب اللافت، للفائز بجائزة نوبل، البروفيسور دانيئيل كاهنمان، "التفكير السريع والتفكير البطيء"، أدت إلى سلسلة من الانتقادات. بعضها كان موضوعيا، ومعظمها في محاولة متوقعة وطبيعية للدفاع عن النظام. لأنه لا يمكن التصور أن المسافة من الساندويتش، أو، إذا شئتم، من البطاطا والشنيتسل، هي المتغير الذي يحدد في عملية صنع القرار. وبالمناسبة، وجدت إحدى الدراسات التي سعت إلى تفنيد الدراسة السابقة، أن المتغير الذي يحدد هو بالضبط ما إذا كان السجين بنفسه قد ظهر أمام اللجنة أو تم تمثيله من قبل محاميه. وعندها فقط تبين أن الحالات التي ظهر فيها السجناء بدون محامين هي آخر القضايا التي تناقشها اللجنة. وبعبارة أخرى، في مواعيد بعيدة عن ساعة الوجبة.
بطريقة أو بأخرى، كشفت هذه الدراسات - وليس هي فقط - عن بعض الجوانب المثيرة للاهتمام المتعلقة بالقرارات القضائية، والتي تدل على أن الاعتقاد بأن المحكمة تعمل داخل فقاعة مغلقة، مختومة ومتنكرة لمحيطها وملتزمة فقط بكتاب القانون، يقوم في الواقع الطوباوي فقط. وإذا كان القضاة هكذا، فكم بالحري السياسيين، واذا كان السياسيون هكذا - فكم بالحري رئيس الوزراء.
الادعاء الذي سمعناه أمس، بأن نتنياهو تراجع عن الخطة التي تم التوصل إليها مع الأمم المتحدة لحل مشكلة اللاجئين، بعد نشر ردود فعل "قاعدته" على فيسبوك قد تكون صحيحة ودقيقة تماما كما يمكن ألا تكون صحيحة ودقيقة. لكن الحقائق تشير إلى أنه بعد فترة وجيزة، بل وجيزة جدا، من قيام رئيس الوزراء بالنشر عن الاتفاق، تم غمر صفحته بآلاف الردود، وكان معظمها فظ وعنيف. أساف غباي، الذي شهد بأنه دعمه طوال الوقت، كتب: "آمل أن يستبدلوك". وكتب شاي صبّاغ: "لقد انتقل الآن مقعدان في الكنيست إلى البيت اليهودي". وكتب يهودا مونداني: "من جانبي، يمكنك العودة إلى المنزل اليوم". كما كتبوا له "قرار خسيس". "نلتقي في يوم الانتخابات". ووصفوا الاتفاق بأنه "انسحاب مخزٍ لكل العاهرات بدون جذور"، في إشارة إلى صندوق إسرائيل الجديد، الذي احتل حيزا كبيراً من الردود.
ويتضح أن صفحات Facebook - أو تويتر – التي تسمح لمسؤول عام، في البلاد كما في بقية دول العالم، بتجاوز وسائل الإعلام التقليدية والتحدث مباشرة مع الناس، تسمح أيضا للناس، للأفضل أو للأسوأ، بالتحدث مباشرة مع المنتخبين. وهذا اختبار ليس جديدًا تمامًا، ولكنه مختلف في شدته، لمعرفة إلى أين تهب الرياح. ومع ذلك، ما زالت التساؤل عما إذا كان هذا هو ما أثر على رئيس الوزراء، مفتوحا. يقول الدكتور يوفال درور، عميد كلية الاتصالات في كلية الإدارة، إنه من الصواب أن نكون حذرين عند الإشارة إلى أن قرار نتنياهو بالانسحاب جاء استجابة للردود على الشبكات الاجتماعية. ويقول إنه حتى وإن كان من الواضح أن هذا له تأثير، فإنني لا أعتقد أنه يمكن تحديده كميا، وبالتأكيد عندما يتعلق الأمر برئيس وزراء لديه قائمة طويلة من الضغوط، لا سيما السياسية.
وهكذا، للتلخيص، يمكننا القول أن رئيس الوزراء كان يمكن أن يوفر علينا وعلى نفسه هذا الإخفاق المتتالي، لو كانت عملية صنع القرار قد جرت بطريقة منظمة، مشتركة، من خلال إغلاق الثغرات المحتملة. لو كان يسمع، بكلماته الخاصة، "مشاعر الناس" قبل أو بعد القرار. إن القول بأن البحث الأكاديمي لم يقدم بعد متغيرًا واحدًا يؤثر بشكل واضح على صانعي القرار، ولكن إذا كانت المسافة من وجبة الغداء يمكن أن تكون لاعبا فاعلا في هذا المجال، فإنه من المؤكد أن الأمر ينطبق على المعقبين الغاضبين. أضف إلى ذلك، أنه في اليوم التالي لتغيير قراره، تبين بشكل مدهش، أن نتنياهو أيضاً، يعتقد بأن الصندوق الجديد هو في الواقع عدو للجمهور ويعرض أمن ومستقبل دولة إسرائيل للخطر، إلى حد أنه يجب إنشاء لجنة تحقيق لفحص أنشطتها.