أديب إسرائيلي: في حال لم يكن للفلسطينيين بيت فلن يكون هناك بيت للإسرائيليين والعكس صحيح
إسرائيل دولة قوية وربما قلعة لكنها ليست بيتا بعد
وديع عواودة:
Apr 19, 2018
الناصرة – «القدس العربي» : في خطاب أمام منتدى العائلات الثكلى الإسرائيلية والفلسطينية التي اجتمعت أمس لإحياء ذكرى من فقدوا من أعزائهم قدم الأديب الإسرائيلي دافيد غروسمان لائحة اتهام جريئة لإسرائيل، وقال إنها أقل من بيت بل بيت معطل لقيامها بموبقات كثيرة.
وكان منتدى العائلات الثكلى من الجانبين قد أقام حفلا في منطقة تل أبيب رغم محاولات وزير الأمن في حكومة الاحتلال أفيغدور ليبرمان منعه بذريعة» الحفاظ على قدسية» إحياء ذكرى قتلى الصراع. وقال الأديب غروسمان الذي فقد ابنه في حرب لبنان الثانية عام 2006 إن12 عاما قد مر منذ مقتله وما زال يستصعب الحديث عنه علانية لأن « موت فرد يعني موت ثقافة كاملة وخاصة لها لغتها وأسرارها الخاصة ولن تكون مثلها». وتابع:» صعب ومستنزف أن تحارب كل الوقت ضد قوة جذب الفقدان ومن الصعب الفصل بين الذاكرة وبين الألم. الاستذكار موجع والنسيان مرعب. كم سهلا في هذه الحالة أن تستلم للكراهية وللغضب وللرغبة بالانتقام لكن اكتشفت أنه كلما أغرتني الاستجابة للغضب والكراهية أشعر أنني أفقد اللمس الحي مع ابني فثمة شيء هناك تعرض للانسداد ومن جهتي اتخذت قرارا واخترت خياري ويبدو لي أن من يشاركنا الليلة هنا قد اختار الخيار ذاته». ويرى غروسمان في كلمته أن داخل الوجع تكمن أنفاس وإنتاج للخير فالفقدان لا يفصل ويعزل بل يجمع ويعزز. وها هنا أعداء فلسطينيون وإسرائيليون يستطيعون التواصل معا من منطلق وجعهم بل بسببه «.
ودعا العائلات الثكلى لاستذكار أعزائها ممن قتلوا كل على طريقتها وكيفما تشاء بما في ذلك الحزن والتأبين المشترك بل إجراء حساب مشترك للنفس لماذا لم نقم بما يكفل منع قتلهم عبر نضال مثابر كي نعيش ذات مرة عيشة كاملة معا وتتوقف الحرب وليس البقاء من حرب إلى حرب ومن كارثة إلى كارثة. وتابع « نحن إسرائيليون وفلسطينيون ممن فقدنا أولادنا في الحروب بيننا حكم ..علينا أن نلامس الواقع عن طريق جرح مفتوح ومن أصيب بمثل هذا الجرح لن يستطيع التورط بالأوهام مجددا، وهو أكثر يقظة وتشككا ويدرك أن الحياة مصنوعة من تنازل كبير ومن تسوية لا نهائية ويشعر بالاشمئزاز كلما لاحظ عرضا فخورا فارغا أو سمع مصطلحات العجرفة القومية أو تصريحات خاوية على لسان القادة «. وتمنى أن تحتفل أجيال من الأحفاد في إسرائيل جنبا إلى جنب مع دولة فلسطينية بأمن وسلام وبشكل طبيعي داخل بيوتهم.
وفي إشارة لعدم تحديد إسرائيل حدودها قانونيا بدوافع التوسع والسلب والنهب قال غروسمان إن البيت يعني مكانا جدرانه وحدوده واضحة ومتفق عليها ووجوده ثابت ومستقر وتمت تسوية علاقاته مع جيرانه ويبث شعورا بالأمل والمستقبل.
وبخلاف التيار الإسرائيلي السائد تابع غروسمان ونحن الإسرائيليين وحتى بعد 70 عاما- بصرف النظر عن عدد الكلمات المعسولة التي نسمعها في هذه الأيام للأسف لسنا هناك. لسنا في البيت. أقيمت إسرائيل كي تكون بيتا للشعب اليهودي الذي لم يشعر يوما أنه في البيت وها نحن بعد 70 عاما ومع مكتسبات مدهشة في مجالات عدة فإن إسرائيل قوية وربما قلعة لكنها ليست بيتا بعد «.
وبرأي الأديب غروسمان الذي يغرد خارج السرب الصهيوني ومن دعاة الدولتين فإن الطريق لتسوية الصراع الشائك هذا يمكن إيجازها بمعادلة قصيرة: إذا لم يكن للفلسطينيين بيت فلن يكون بيت للإسرائيليين والعكس صحيح». ويمضي في تحذيراته» في إسرائيل مدارس ومصانع ومستشفيات وشوارع وهي دولة مفهومة ضمنا بالنسبة لحفيدتي الصغيرتين بعكس ما كان لنا في الماضي لكن عندما تحتل إسرائيل وتقمع شعبا آخر طيلة 51 عاما وتنتج نظام فصل عنصري «آبرتهايد» فإنها تكون أقل من بيت بكثير. عندما يحاول وزير الأمن منع عائلات فلسطينية ثكلى ومؤيدة للسلام من اللقاء بعائلات إسرائيلية ثكلى فإنها تكون أقل من بيت. عندما يقتل قناصة إسرائيليون عشرات المتظاهرين الفلسطينيين، معظمهم مدنيون – فإنها أقل من بيت. عندما تقوم إسرائيل بصفقات مريبة مع أوغندا ورواندا ومستعدة لتهديد حياة آلاف طالبي اللجوء وتطردهم إلى المجهول وربما نحو حتفهم فهي بعيوني أقل من بيت. عندما يحرض رئيس حكومة على المنظمات المختصة بحقوق الإنسان ويبحث عن طرق تلتف على المحكمة العليا فإن إسرائيل تغدو أقل وأقل من بيت بكثير. إسرائيل تهمل سكان المناطق الريفية وسكان جنوب تل أبيب وتسمح بانهيار مستشفياتها وتبدي قسوة حيال الضعفاء: ناجون من المحرقة، وفقراء ومسنون فإنها أقل من بيت بل هي بيت معطل. عندما تميز إسرائيل ضد مليون ونصف المليون فلسطيني من مواطنيها وتتنازل في الواقع عن الطاقة الكبيرة الكامنة بهم لخدمة حياة مشتركة في البلاد – فهي أقل من بيت، للأقلية وللأغلبية أيضا. عندما تنفي إسرائيل يهودية ملايين اليهود الإصلاحيين والمحافظين – فهي مجددا تصبح أقل من بيت وهكذا عندما تضطر الفنانين لإثبات ولائهم وطاعتهم للحزب الحاكم لا للدولة حسب. إسرائيل توجعنا لأننا نريدها أن تكون بيتنا ولأننا نعتز بإنجازاتها في الزراعة والصناعة والفنون والثقافة والطب والاقتصاد».
وقال إن العائلات الثكلى تعمل أكثر من بقية كل الإسرائيليين لتكون إسرائيل بيتا فعلا. وكشف أن الجائزة المالية الكبيرة التي سيحصل عليها اليوم الخميس سيتبرع بها مناصفة بين نادي العائلات الثكلى الإسرائيلية والفلسطينية وبين منظمة تعنى بأطفال طالبي اللجوء الافارقة كي يقوما بأعمال إنسانية كان ينبغي أن تفعلها الحكومة.
وخلص للقول إنه يطمح للعيش في مكان غير فاسد وفيه مساواة وغير «بلطجي» وغير طماع وداخل دولة تهتم بمواطنيها بدافع الرحمة والتسامح وتتحرك ليس بدوافع آنية لا تشهد تحقيقات بالفساد كل يوم. وتابع» مسموح أن نحلم وإسرائيل تستحق أن نعمل من أجلها وأرجو لأصدقائنا الفلسطينيين: حياة مستقلة، وحرية وسلام وبناء أمة جديدة وصالحة ويا ليت أحفاد أحفادنا يقفون هنا بعد 70 عاما ويغني كل منهم نشيده القومي».