هل تذكر تلك المقالة؟
حلمي الأسمر
-1-
قالت لي أنني كتبت منذ زمن غابر مقالة عنوانها « زوجي العزيز .. أحبك!» وسألتني إن كنت أتذكرها، وبالطبع من شبه المستحيل على كاتب يومي أن يتذكر مقالة كتبها، إلا إذا كانت من تلك المقالات التي تحدث مشكلة او قنبلة ما، أما تلك المقالة فلم أعد أتذكرها، وحينما عدت لها بعد بحث مضن، عرفت لم السؤال، تلك المقالة كانت تتحدث عن مشاعر الزوج الذي مضى على زواجه دهر من الزمن، وبدأت هكذا: في إحدى محاضرات العلاقات الأسرية، سألت المحاضرة النساء الحاضرات، سؤالا طريفا، قد لا يخطر بالبال وهو: متى آخر مرة قلتِ لزوجك حبيبي؟ إحداهن قالت: اليوم. أخرى قالت: أمس. الثالثة قالت: والله لا أذكر! ثم طلبت المحاضرة من الجميع إرسال رسالة على الواتس أب لزوجها وتكتب فيها: زوجي العزيز.... أحبك، ثم طلبت من كل زوجة قراءة رد زوجها..! وجاءت الردود كالتالي:
- شو خير إن شاء الله عازمة أهلك؟
- شو مدام ضاربة السيارة؟؟؟؟
- ما فهمت.... هاتي من الآخر!!
- خير خير خوفتيني شو في؟؟
- بلا لف ودوران.. قديش بدك؟؟
- مو معقول.. حدا يقرصني أنا بحلم؟؟؟
- يا بنت الحرام(!) لمين باعتي المسيج وأجاني بالغلط؟ (رغم أن الرسالة بدأت بـ زوجي العزيز!).
- آخر واحد كان معمي ضوه! كما تقول الحكاية، كتب: لو سمحتِ ممكن أعرف مين معي؟!
-2-
والحقيقة انني لا أعرف من الذي ألف هذه القصة، التي جاءتني في رسالة خاصة على الواتس أب، وربما يتم تداولها بين الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، وقد تكون واقعة حقيقية، وقد تكون مجرد نكتة أو مُلحة، لكنها واقعية بشكل مذهل، وتكشف عن مدى الخراب الذي أصاب مؤسسة الزواج في بلادنا، وأذكر هنا موقفا متكررا لأحد الأصدقاء قد يزيد الطين بلة، فقد كان يتذمر كثيرا من زوجته كلما قالت له حبيبي، بل يقول أنه كلما سمع هذه الكلمة منها يقشعر بدنه!.
صديق آخر يقول إن زوجته لا يمكن أن تناديه حبيبي إلا في حالة واحدة فقط وهي حينما تطلبه على الهاتف، وتكون في صحبة صديقاتها، إذ تتغير لهجتها معه، وتبدو أنها تحدث حبيبها فعلا، لرقة الصوت وحلاوة الكلمات، أما حينما تحدثه وهي وحدها فتبدو وكأنها تحدث البقال حينما تقول له: هات معك ضمة فجل، صديق ثالث من الدقة القديمة كان يقول: والله لو قالت لي حبيبي قدام الناس لأرقعها بالخمساوي، أما الصديق الرابع، فقد جاءنا يوما وهو يضرب على رأسه، وهو يصرخ: قال حياتي قال! وحينما سألناه ما الخطب؟ قال بانفعال شديد: قال بتقول لي حياتي قال، قدام الناس، وهي طول عمرها معي تتحدث من رؤوس مناخيرها!
-3-
المهم.. قالت لي من ذكرتني بالمقالة، أن توجهها بالكامل كان انتصارا للرجل، كما هي عادة الكتابة الذكورية، ومن المؤاخذات المهمة هنا، أن تلك المشاعر التي تصف الرجل بعد مضي زمن طويل على زواجه، تصيب المرأة ايضا، فالمرأة تكبر ويتغير شكلها، ولكن الرجل يكبر أيضا، ويصيبه ما يصيب الهرمين، الطاعنين في السن، فلم التركيز على معاناة الرجل وإغفال معاناة المرأة؟
معك حق يا عزيزتي، يجب علينا نحن الكتاب الذكور أن ننظر بعينين اثنتين، لا بعين واحدة حينما نكتب في القضايا الاجتماعية، وغيرها من القضايا، فانتن معشر النساء على العين والرأس، ومن حقكن علينا أن لا نهضمكن حقوقكن أو نتغافل عما يصيبكن مع مرور الزمن، من مشاعر تجاه شريك الحياة الذي يتغير فعلا، وقد يصبح غير محتمل بالكامل، تماما كما هو شأن بعض النساء، حينما لا تعترف ان الكبر أصابها، ويتعين عليها أن تتصرف وفق سنها، لا باعتبارها فتاة يافعة، علما بأن لكل سن حلاوته وجماله، ويتعين علينا أن نعيشه ونستمتع به كما يستحق!
وشكرا لمن ذكَرتني بهذه المقالة، التي لم اشر من قريب أو بعيد لخاتمتها هنا، لأنها مستفزة للنساء على نحو استثنائي!