ذاب الثلج وبان المرج
هند أبو مسلم
حينما قاد الشعب الفلسطيني انتفاضته في العام 1987 وكانت أسلوبا جديداً في مقارعة العدو الصهيوني ، حيث لجأ الشباب إلى المقاومة الشعبية السلمية ، وخلدت الانتفاضة في قاموس العمل المقاوم ، وابتدع الشباب في ذلك الوقت أساليب حيرت القيادة الصهيونية ، ففي بداية الانتفاضة وصف وزير الحرب الصهيوني رابين الجماهير المنتفضة بالغوغاء وقال أنا أستطيع القضاء على الانتفاضة خلال أسبوع ، فردّ الرئيس عرفات رحمه الله معاك أسبوع وشهر وسنة وأنا وإياك والزمن طويل .
أثناء مفاوضات السلام بين القيادة الفلسطينية والكيان ظل عرفات متسلحا بفعاليات الانتفاضة وأثرها على المجتمع الصهيوني، وكان يضغط باتجاه أقصى ما يمكن الحصول عليه والانتفاضة المجيدة هي سلاحه في هذا الضغط .
لم يتم استثمار نتائج الانتفاضة كما يجب ، وظهرت أوسلو كخازوق دق في الشعب الفلسطيني ، ولو قدر لحيدر عبد الشافي أن يستمر في قيادة فريق المفاوضات لظل متسلحا بالعمل المقاوم لكانت النتائج أفضل بكثير .
على خطى الانتفاضة جاءت انتفاضة الأقصى، وكانت السلطة قد تشكلت بعد توقيع اتفاق أوسلو وعلى إثر اقتحام المسجد الأقصى من الإرهابي شارون ، هبت الجماهير الفلسطينية تدافع عن حرمة الأقصى .
ظلت الانتفاضة والمقاومة الشعبية السلمية سلاحا يلجأ إليه الفلسطينيون كلما ازدادت حلكة الليل ظلمة ،فبعد فوز حركة حماس بالانتخابات ، وما وقع بينها وبين السلطة الوطنية من أحداث وتشكيل حكومتين في الضفة وغزة وخضوع قطاع غزة لحصار خانق زاد عن العشر سنوات وتعرض غزة لثلاث حروب طاحنة ، وبعد أن تراجعت القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وتعرض الدول العربية إلى آثار الربيع العربي، وقيام الحروب الأهلية واستغلال القيادة الصهيونية للضغط على الدول العربية وخاصة الخليجية للتطبيع مع الكيان خاصة بعد فوز الرئيس الأمريكي اليميني المتطرف ترامب وإعلانه عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالقدس من قبله عاصمة للدولة العبرية .
أصبح الفلسطينيون ظهرهم للحائط وضاقت الخيارات أمامهم ، إذن لا يحرث الأرض إلا عجولها ، فلماذا لا نعود إلى الانتفاضة الشعبية ولكن هذه المرة بأساليب جديدة لم يتعود عليها الكيان الصهيوني.
خطط الفلسطينيون لأن يكون ليوم الأرض هذا العام طابع خاص ، فلماذا لا تكون فعاليات يوم الأرض مستمرة حتى الوصول إلى يوم النكبة ، وأن تنصب المخيمات شرقي قطاع غزة محاذية للسلك الفاصل بين القطاع ودولة الكيان ، وأبدع الفلسطينيون هذه المرة في نقل جيل الشباب للمواجهة الشعبية وجها لوجه مع الصهاينة في مجال البحث عن الذات والهوية والبلد والقرية.
أوغل الصهاينة في الدم الفلسطيني طيلة أيام مسيرات العودة ، علهم يستطيعوا أن يرهبوا الجماهير الفلسطينية عن المشاركة , ولكن هيهات فقد عرفت الجماهير طريقها وارتفعت الروح المعنوية ، وتدخل المساومون على الخط ملوحين بالعصاة والجزرة.
هل يمكن استثمار مسيرات العودة للوصول إلى تحقيق نتائج يكون لها أبعاد استراتيجية لصالح شعبنا ، هل يمكن أن يزول الانقسام ونتوحد تحت راية واحدة كما توحدنا خلال مسيرات العودة ، هل يمكن أن ننهي الحصار الظالم على غزة ، هل يمكن أن تعود غزة لحضن الوطن ، ستحكي لك الأيام ماكنت جاهل ، وغدا يذوب الثلج ويبان المرج.