منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 العلاقة بين الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

العلاقة بين الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: العلاقة بين الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى   العلاقة بين الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى Emptyالإثنين 21 مايو 2018, 11:53 pm

[rtl]العلاقة بين الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى[/rtl]

إنتفاضة الأقصى التي اندلعت شرارتها إثر تدنيس أرائيل شارون للمسجد الأقصى الشريف يوم دخله في (28/ 9/ 2000م) لم يعد جديداً، فقد جرت كثيراً أقلام الدارسين في الوقوف عند أبعادها ونتائجها، حيث شكلت الانتفاضة صحوة فكرية فاعلة في داخل فلسطين وبلاد العرب والإسلام والعالم كله لفهم حقيقة صورة الكيان الصهيوني.
فقد عاشت انتفاضة الأقصى مفاهيم الشهادة الراقية فلم يكن الاستشهاد هواية ولا انتحاراً لسبب ذاتي أو اجتماعي؛ وإنما هو دفاع مشروع عن الوجود والحياة، فأطفال الحجارة كبروا ونضجوا نتيجة للمعاناة الطويلة لممارسة العدو الوحشية في تجويع البطون واستمرار الحصار وتجريف الأرض وتهديم البيوت على العجائز والنساء والأطفال(1).
إن كل طفل كان يتمنى أن يعيش طفولته كبقية أطفال العالم وأن يمارس حياته بهدوء وأمان، وأن يحظى بأقل التعليم والمعرفة دون قهر أو ذل، أو قتل أو إغلاق لمدرسة... لكن الصهاينة أعداء الطفولة والإنسانية لم يتركوا له شيئاً حتى الحلم بوطن محدود قتلوه في نفسه وسرقوه من مخيلته، وغيروا الحقائق بعدوانيتهم، وكأن الأطفال ليس لهم عيون ترى أو آذان تسمع.
فالصورة جوهر الفنون البصرية، ورغم حاجة بعض الفنون إلى الكلمة والصوت للتعبير عن الأشياء، إلاّ أن الصورة خلقت لغة جديدة استحوذت على طاقة بصر الإنسان، فاعتقلت عقله ومخيلته، وتطور الأمر في تفاعل غير مرئي بين الصورة ولا وعي الإنسان، فغيّرت صورة العالم لديه فأزالت القيود واخترقت الحدود وكشفت الحقائق.
فالصورة هي ملتقى الفنون، والعتبة التي تقف عليها قبل أن تدلف إلى العالمغير المرئي، وقد شهدت الصورة في فلسطين عدّة تحولات فنية؛ أثّرت بشكل كبير في خلق مفاهيم جديدة؛ أسهمت في إثراء كافة الأنشطة الثقافية والمعارف الإنسانية.
فقد بلغت تكنولوجيا الإعلام السمعية والبصرية في عصرنا هذا ذروتها،حيث إنها بلغت المدى الذي يصعب الإحاطة به، بل وحتى حصر وقياس تأثيراته أحياناً(2).
 ولا شك في أن تفاقم الصورة وما تقدمه من قدرة على الإقناع، فاقت قدرة المطبوعات وإمكانياتها إلى حد كبير، وذلك بما تعتمد عليه من كثافة معلوماتية متكاملة من حيث تعزيزها بالصوت والصورة وسرعة الوصول للمتلقي.
وفي إطار تنافس كل الوسائل الإعلامية بما فيها طبعاً القنوات الفضائية، والشبكات الإخبارية، صارت حاجة كل مجتمعات الدول النامية إلى حماية ثقافتها وخصوصياتها، وإعادة النظر في جميع أنواع الرسائل الإعلامية الوافدة والمرسلة.
والأنساق التعبيرية كثيرة، لكن يبقى نسق الصورة التعبيري الوحيد، الذي ألغى الفروقات في الفهم عند بني البشر، وهو أيضاً ألغى اللغات، فلم تعد اللغة مهمة لمعرفة ما يجري حولنا، لكن نسق الصورة التعبيري أدّى إلى تباين التفسير والتحليل، ولعل أشد وطأة على المتابع هو ما أدّى إلى شيوع المعادلة التالية مصاحباً لثقافة الصورة (شفاهي– مكتوب– شفاهي– شفاهي مصور) كان الناس يعتقدون أنهم في أنساقهم الثقافية ينتقلون من الشفاهي إلى المكتوب، طالما أن الكتابة هي التطور الأخير في سلم المعرفة التعبيرية والاعتقاد شيء وقبوله عند البعض شيء آخر(3).
وإذا كانت الصورة جاءت لكسر الحواجز والسدود أمام الجماهير، فالصورة ألغت التمييز الثقافي والطبقي، ونشرت الثقافة التي أصبحت ثقافة جماهيرية بدراهم معدودة، يستطيع (عمر) أو (زيد) استقبال الصورة، ولا يحتاج إلى رصيد لغوي للفهم والاستمتاع ( أعرف أناساً يتابعون الأفلام الأمريكية باستمتاع وتفاعل وهم لا يعرفون لغة الفيلم) وفي هذا الطور انتقلنا إلى ما يسمى بالثقافة البصرية (Visual Culture) وهذا تخصص جديد في أقسام الأدب والنقد ويشهد قبولاً واسعاً؛ لأنه يجمع بين النقد والإعلام وعلم النفس والاجتماع.

ففي الماضي كان المتلقي يذهب إلى الصورة بحثاً عن المعرفة، لكن يبدو أن الأمر اختلف في العصر الحاضر، فقد اختلف الأمر كثيراً، حيث أصبحت الصورة تأتي إليه دون أن يستطيع مقاومة حضورها، ولهذا قال الفرنسي (جان بود ريار) إن هناك علاقة نفسية بين الصورة وموضوعها وعن إمكان وجود نقلة مضادة في هذه العلاقة، فهذا يعود إلى الآليات النفسية التي تؤدي إلى ترويض الأعين، فهناك حالة من السلبية لدى الجمهور، حيث يؤدي الترويض إلى ذهول العقول بالصور وقبولها بما تحمله من مضامين، وإملاءات، وهنا يكمن الظفر الكبير الذي حققته تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في أنها تتدخل بقوة في إنتاج وعي المتلقي من خلال فضاءات ثقافة الصورة، خاصةً بنسختها الرقمية، دون أن يطلب أو يدري أن الصورة تعتدي علينا فعلاً (4).
إن ثقافة الصورة تقتحم إحساسنا الوجداني وتتدخل في تكوينا العقلي، بل إنها تتحكم في قراراتنا الاقتصادية وهي مثلما تسلب علينا راحتنا النفسية؛ فإنها أيضاً تمتعنا متعةً من نوع جديد وبالغة التأثير تماماً مثلما تدبر ردود فعلنا السياسية والاجتماعية وتؤثر في توجيهاتنا الفكرية والثقافية.
وانتقالاً من النظرية إلى التطبيق على الأرض في فلسطين، فكلما تشن "اسرائيل" حرباً شاملة لا هوادة فيها، ترمي إلى خلط الأوراق والحقائق وقلبها رأساً على عقب، وتحويل النضال والانتفاضة الفلسطينية من صورة حافظة إلى صورة متخيلة، حيث يبرّر ويسوغ "حق إسرائيل" في الدفاع عن نفسها، والقضاء على الإرهاب الفلسطيني على طريق تحقيق هدفهم الاستراتيجي الكبير بالإجهاز على المشروع الوطني الاستقلالي الفلسطيني، وإلغاء الآخر –الشعب الفلسطيني– سياسياً وحقوقياً، كذلك تستلحم الإدارة الأمريكية موظفةً كافة أسلحتها وأجهزتها ونفوذها وبلطجيتها وسماسرتها في داخل فلسطين وخارجه، بغية تزييف الحقائق وتغيير مسار الأمور وتحويل الصورة الحافظة الذاكرة، " وهي القوة التي تحفظ المعاني الجزئية التي تدركها القوة الوهمية، ونسبة القوة الحافظة الذاكرة إلى المعاني الجزئية كنسبة القوة المصورة إلى المحسوسات التي يدركها الحس المشترك أي أنها خزانة للمعاني الجزئية" (5) إلى صورة متخيلة.
ومن هنا أراد الباحث أن يذكر صوراً مختلفة من واقع فلسطين أنموذجاً على تغيير وقلب الوقائع، بل وتغيير في الصورة، من صورة حافظة واقعية ، إلى صورة مزيفة خيالية متخيلة.
الصورة الأولى: هي التصوير الحي لمشهد قتل الطفل (محمد الدرّة)(1) أنموذجاً بدم بارد، لقد تحولت الصورة إلى وثيقة لما كان يردده الفلسطينيون على مدى أعوام حول غطرسة "الإسرائيليين" وموت إنسانيتهم، فقد بينت الصورة أنه لم يكن هناك خطر، فقد كان الأب يلوح للجنود الإسرائيليين للتوقف عن استهدافه وابنه محمد بالرصاص، ثمّ إن الطلقات التي أطلقت من مدفع رشّاش جاءت منحرفة عن المكعب الخرساني الذي كانا يحتميان خلفه، أي إن الجندي الإسرائيلي الذي أطلق عليهما الرصاص كان يراهما وهو بهذا كان يستهدفهم. نتذكر جميعاً صورة قيام الضابط الأمريكي لإطلاق الرصاص من مسدسه الخاص على رأس الأسير الفيتنامي في أحد شوارع سايغون قبيل نهاية الحرب بفترة قصيرة، وما حدث ويحدث بالعراق على مدار الساعة كان أفظع كذلك، لقد هزّت الصورة وقتها ضمير العالم وجاءت الآن صورة استهداف (الطفل الشهيد محمد الدرّة) وأبيه لتشابه صورة إعدام الفيتنامي، فإن الصورتين تعبران عن فقدان الإنسانية في قلوب جنود الاحتلال، وعن الغطرسة وحس الانتقام من الناس الضعفاء.
وفي استشهاد الطفل (محمد الدرّة) وقتله على يد "الإسرائيليين" بدم بارد، أراد "الإسرائيليون" أن يغيّروا الحقيقة وأرادوا أن يحولوا الصورة الذاكرة الحقيقية التي لا تخفى على جريمتهم النكراء، إلى صورة متخيلة، ملفقة من قبل إعلامهم الدنيس، ليقولوا للعالم أجمع بأن الطفل محمد الدرة هو طفل إسرائيلي كان في حضن أبيه المستوطن ويطلب النجدة من الفلسطينيين بألاّ يطلقوا عليهما النار‍‍‍‍‍!!
فصورة قتل (محمد الدرّة) سوف تقيم في الذاكرة بكل معانيها ودلالاتها كما أقامت صورة عملية إعدام ذلك الفيتنامي وهو مكبّل اليدين، وأبناء العراق كذلك، بعد إصاباتهم بطلقات الجنود الأمريكيين.
الصورة الثانية: هي صورة ذلك الطفل الشهيد ( فارس عودة)(2) الذي يقف أمام دبّابة إسرائيلية وهو يهم بقذفها بحجر، أعتقد أننا جميعنا شاهدنا هذه الصورة عبر شاشات التلفاز، ونشرتها الصحافة المرئية مراراً، بل وما تزال، طفل يواجه دبابة بحجر، غير آبه بالموت الذي قد تسببه له طلقات مدفع الدبّابة، إنها صورة طفل في مقابل جنود مدربين، ومع ذلك يرتدون سترات مانعة لاختراق الرصاص، وهي أيضاً صورة الحجر في مقابل أحدث أنواع أسلحة الفتك، وهو هنا بالدبّابة الإسرائيلية، هذه الصورة تلخص الفارق الحقيقي بين الأدوات التي يمتلكها كل من الإسرائيلي والفلسطيني، وتلخص أيضاً شجاعة الفلسطيني في زمن أصبح فيه الموت أرحم من الظلم والإهانة ومحاولة إلغائه اليومي وتدنيس مقدساته، وتلخص أيضاً الثمن الذي يرغب الفلسطيني دفعه من أجل الحرية والاستقلال، لا حدود لشجاعة ذلك الطفل الفلسطيني أمام الجبن غير المحدود للإسرائيلي الذي يجعله يخاف من الحجر فيقبع في قعر الدبابة.
هل تعلمون من هو فارس عودة ؟
إنه الأسد في عرينه مقاتل الدبابات بحجر.
نعم بحجر فارس عودة.
الراقص.. نعم الراقص مع الذئاب، فهو يرقص رقصته الشهيرة، بعد كل ضربة حجر.
قاهر الدبابات...
هل تظنونه شيخ كبير؟ لا.. 
هل تظنونه شاب كبير ؟ لا..
فهو طفل .. نعم طفل، لا يطاوله في البنيان أشجع الرجال.
إنه صاحب الصورة الشهيرة " صورة الذاكرة " في قلوب المخلصين. 
محطة التلفزة الإخبارية (سي أن أن ) تعيد باستمرار عرض صورة شاب صيني يقف أمام رتل من الدبابات أثناء انتشار الشباب الصينيين في ساحة (تيان آن مين) تحاول الدبابة تغيير اتجاهها لتتفادى دهس الشاب، إلا أنه يتحول من جديد ليقف في مواجهتها مانعاً الرتل من استمرار تقدمه، هذه شجاعة طبعاً من قبل الشاب، ولكن الدبّابة الصينية لم تطلق النار على الشاب ولم تقم بدهسه، بالرغم من قدرتها على ذلك، عندما أقارن صورة الشاب الصيني بصورة الطفل الفلسطيني، ذاك الأخير الأكثر شجاعةً وصورته أعمق أثراً وأقوى تعبيراً؛ لأن الدبّابة الإسرائيلية كانت تطلق النار على الفلسطينيين، بينما الدبّابة الصينية كانت تحاول تفادي دهس الشاب(6)
من يعرف أنه سيموت، ومع ذلك يقترب ليواجه بحجر دبّابة يقودها همجيون هو أكثر شجاعة، وصورته لن تُمحى من ذاكرة الباحث، وذاكرة الناس جميعاً، فقد ارتبط أثر العولمة على الثقافة بالصورة، هذه الصورة التي قيل عنها: إنها تعادل مجلدات، فالانتفاضة ترد إليهم بضاعتهم، تفتح أفقاً للعربي وتحجز له مكاناً لائقاً في عالم الصورة التي – أي الصورة – تكتب اليوم تاريخ العالم... وتاريخ فلسطين أيضاً.
الصورة الثالثة: وبين دماء محمد الدرة، ودموع الطفلة (هدى غالية)(3) التي بقيت على رمال البحر المتوسط بغزة – فلسطين – هنا وهناك على غير هدى، تبحث عن أخوتها وأخواتها وأمها وأبيها، كانوا قبل قليل هنا، ولم يبق منهم سوى أشلاء!! ولم يبق لها سوى أن تلقي بنفسها إلى جوار جسد بارد هامد كان اسمه (بابا) تناديه بأعلى صوتها فلا يستجيب لصراخها، مع أنه قبيل لحظات كان يداعبها ويستجيب حتى لهمسها.
تقف الغالية ( غالية) اليوم لتشهد على قتل الأهل واحداً تلو الآخر وتقف عيناها حائرتان بين أن تنظر لسيارات الإسعاف، أو سيارات نقل الموتى، وهي تتناوب على نقل أحبتها، وهي في حيرة من أمرها، من تودع أولاً ؟ المفارق الآن أم المفارق بعد مرحلة ؟ مأساة الغالية .
إن الطفلة ( غالية ) تعيد إلى الأذهان مأساة (الطفل الشهيد محمد الدرّة )، والطفل الشهيد ( فارس عودة) وغيرهم الكثير، الكثير، أحب المحتلون أن يغيروا في الصورة، صورة حافظة أم صورة متخيلة؟ صورة حقيقية شاهدها الجميع وعرفوا الحقيقة، أم صورة خيالية يلفقها الاحتلال ويعرضها بإعلامه الرخيص المشبوه، فكان الأب شاهداً على اغتيال الابن، ورأى العالم كله الصورة الحيّة (الحافظة والمتخيلة) كيف يموت الابن في أحضان أبيه، والأب مكلوم يصرخ ويحمي ابنه بصدره من الرصاص فينال الرصاص من الاثنين معاً، واليوم مع الغالية (غالية)، ومن باب التغيير وكسر الروتين وحتى لا يشعر العالم (المتحضّر) بالملل أو التكرار؛ غيّر الاحتلال أماكن (المقتولين) فأصبح الابن شاهداً ليس على قتل أبيه بل وعلى قتل العائلة بأكملها.
وقد صرّح الناطق باسم الجيش الإسرائيلي الميجر جنرال مئير كاليفي، نائب قائد ذراع القوات البرية بقوله: إن قتل عائلة الطفلة هدى غالية هو من المقاومة الفلسطينية، وليس من الإسرائيليين، كما صرّح حالوتس – قائد الأركان الإسرائيلي – بأن الجيش لن يقر بمسئوليته تجاه الحادث (7).     
دماء (الدرّة) التي تشع نوراً ودموع غالية (الغالية) التي تحدّرت من عينيها ورسمت الحزن على وجنتيها، وغرست بصورتها سكاكين الألم في قلوبنا، بل في قلوب أطفال العالم عامةً، وأطفال فلسطين خاصةً، وبراءة الطفل الشهيد المقدام والفارس الهمام (فارس عودة) الذي قابل دبابة المحتل بحجر فلسطين فكان من سجيل، ولقى ربه في عليين، إنها الصورة الحافظة التي لا تنسى لنا؛ لأنها الحقيقة الناصعة البياض، وليس الصورة المتخيّلة الواهمة التي كشفت الزيف والزور والبهتان الإسرائيلي.

مشكلة الدراسة: 
ساهمت عدّة عوامل في تحديد وبلورة مشكلة الدراسة منها:
* الدور الخطير الذي يلعبه التلفاز في إمداد الجماهير بثقافة الصورة خلال أوقات الأزمات والقضايا الحاسمة التي تمس مصير الطفل الفلسطيني.
* طبيعة عمل الباحث وعلاقته عن قرب بعينة من أطفال فلسطين لما أصابهم من اضطرابات تتمثل في القلق والاكتئاب وعدم النوم والكوابيس لمشاهدتهم الصورتين الحافظة والمتخيلة جرّاء انتفاضة الأقصى.
* الحملة الشرسة التي يقودها الإعلام الأجنبي و"الإسرائيلي" في تشويه الصورة وكفاح شعب فلسطين من أجل نيل استقلاله، واستخدام سلاح مكافحة الإرهاب للنيل من إرادة الشعب الفلسطيني وكبت عزيمته ونشر ثقافة الصورة المتخيلة بدلاً من ثقافة الصورة الحافظة الواقعية.
وفي ضوء ما سبق يمكن أن تصاغ مشكلة الدراسة في الإجابة عن السؤال الرئيس التالي:
ما العلاقة بين الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى؟
ويتفرّع من السؤال الرئيس الأسئلة الفرعية التالية:
1-ما مستوى الصورة الحافظة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى؟
2-ما مستوى الصورة المتخيلة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى؟
3-هل توجد فروق في الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني تعزى لمتغير الجنس (ذكور، إناث)؟
4-هل توجد فروق في الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني تعزى لثقافة الوالدين؟
5-هل توجد فروق في الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني تعزى لمستوى التحصيل الدراسي؟
6-هل توجد فروق في الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني تبعاً لاختلاف مكان الإقامة لدى الأطفال؟

أهداف الدراسة:
هدفت هذه الدراسة إلى التعرّف على ما يلي:
1-مدى اعتماد أطفال فلسطين على التلفاز في المعرفة بقضايا الصورة الحافظة والمتخيلة ودور التلفاز في تعميق تلك المعرفة والتعريف بخلفيات القضية وأبعادها.
2-تأثير الاعتماد على الفضائيات الإسلامية منها والعربية في اتجاهات الأطفال نحو طرق الصورة الحافظة.
3-وضع قضايا ثقافة الصورة على أجندة الأطفال وعلاقتها باعتمادهم على كل من الفضائيات العربية والأجنبية.
4-  القيم التي ساهمت الفضائيات العربية والأجنبية في غرسها في نفوس أطفالنا.

أهمية الدراسة:
تنبع أهمية هذه الدراسة مما يلي:
1-في ظل العربدة الصهيونية في فلسطين، والعربدة الأمريكية في العراق، وتهديدات الولايات المتحدة لسوريا تارةً، ولبنان تارةً أخرى، تكتسب هذه الدراسة أهمية خاصة لكونها تساعد على معرفة دور الإعلام العربي في توضيح وتعميق الصورة الحافظة لحماية شعبنا من محاولات الإعلام الأجنبي وبرمجة العقول نحو الصورة المتخيلة.
2-تعتبر الدراسة مساهمة أولية تضاف للمساهمات السابقة.
3-إهمال العديد من الدراسات العربية للدور الذي يمكن أن يقوم به التلفاز في نشر الصورة الحافظة، بالرغم من تأكيد العديد من البحوث الأجنبية لأهمية هذا الدور وخطورته(Cool.
4-الحاجة إلى تقديم مقترحات وحلول عملية لظاهرة انتشار الصورة الحافظة في العالم كله، والدور الذي يمكن أن يقوم به التلفاز العربي لحماية أطفالنا من ثقافة الصورة المتخيلة التي يحاول الأعداء غرسها في نفوسنا ونفوس أطفالنا.
5-الجمع بين الأساليب الكمية والكيفية في تحليل نتائج تأثير اعتماد أطفالنا على التلفاز على مستوى معرفتهم بمفاهيم ثقافة الصورة الحافظة والصورة المتخيلة والمقارنة بينهما.
حدود الدراسة:
اقتصرت الدراسة على نماذج من شهداء وأطفال فلسطين في انتفاضة الأقصى أنموذجاً وهم:
1-الشهيد الطفل / محمد الدرّة.
2-الشهيد الطفل / فارس عودة.
3-الطفلة / هدى غالية.

منهج الدراسة:
اتبع الباحث المنهج الوصفي التحليلي، حيث تناول موضع الدراسة بالوصف والتحليل والمقارنة ومعالجته من خلال المصادر والمعلومات المعتمدة، باستخدام بطاقة مقابلة تضمّنت ستة أسئلة تقيس في مجموعها الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى؛ للوصول إلى النتائج المرجوة تحقيقاً لما يجب أن يكون.
حيث قام الباحث بدراسة ميدانية للتعرف على العلاقة بين الصورة الحافظة والذاكرة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى، وذلك من خلال استطلاع آراء أهالي أطفال – نماذج الدراسة – وأصحابهم، وأقرانهم، وبذويهم كذلك، والتي أفادت الباحث في الحصول على التغذية الراجعة لطبيعة هذه المشكلة، والتي تمّ الاستفادة منها ميدانياً وعملياً في الدراسة.
مصطلحات الدراسة:
الصورة الحافظة: 
هي التي تؤدي صور المحسوسات إلى القوة الحافظة، وهي كالخزانة التي تحفظ فيها صور المحسوسات لاستحضارها عند الحاجة إليها ومركزها في الجزء المؤخّر من الدماغ(9).

الصورة المتخيلة: 
هي التي تقوم بالتصرف في صور المحسوسات المحفوظة في المصوّرة فقد تستعيدها كما هي، كما يحدث في عملية التذكّر أو تقوم بتركيب بعضها إلى بعض أو فصل بعضها عن بعض على صورة أشكال، فقد تكون مطابقة لما وجدناها عليه في الواقع، أو قد لا تكون مطابقة لها، وهي تتصرف أيضاً في المعاني الجزئية التي يدركها الوهم من المحسوسات والتي تكون محفوظة في الحافظة الذاكرة، ومركز القوة المتخيلة في التجويف الأوسط من الدماغ (10)

انتفاضة الأقصى: 
هي الفترة التي انطلقت بها الانتفاضة في اليوم التاسع والعشرين من شهر سبتمبر لسنة ألفين ميلادية؛ احتجاجاً على دخول وتدنيس الصهاينة للحرم القدسي الشريف.
     
تراث الدراسة
السؤال الأول:
 ما مستوى الصورة الحافظة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى؟
إن اكتساب المعرفة والمعلومات يشكلان أساس الثقافة التلفزيونيةـ أي إن ما يقدمه التلفاز من معلومات وحقائق أو وجهات نظر قد تبدو للمشاهد حقيقية، إذا ما تم تدعيمها بالصورة الحافظة الواقعية، وحين يتحول الحديث المبرمج إلى ثقافة للخلاص من واقع سيء، أي ثقافة صورة، فيصبح اكتساب المعلومة مدخلاً هاماً من مداخل الثقافة التي يرفع شعارها المقاوم (11)
ويفرّق الغزالي كما فرّق ابن سينا من قبل بين الصورة والمعنى، فالصورة هي ما يدركه الحس الظاهر ثمّ يؤديه إلى الحس الباطن فيدركه، أمّا المعنى فيدركه الحس الباطن من المحسوس دون أن يدركه الحس الظاهر (12).

ولكن أي عالم نفسي سيتمكن من علاج أهل الطفل محمد الدرة، ويخص الباحث بالذكر تحديداً أبوه، حيث استشهد – محمد - برصاصات الغدر وهو في حضن أبيه، إنها الصورة الحافظة، التي لا تقبل التأويل، وكذلك الطفلة الغالية (هدى غالية) التي شاهدت قتل أبيها وأمها وأخوتها وإخوانها بعينيها وليس بالصورة الإعلامية أو عبر شاشات بصرية، حيث قذفت الزوارق الإسرائيلية بالمدافع الرشّاشة عائلتها كاملة فلم تبق ولا تذر إلاّ أكوام ولحوم بشرية تناثرت هنا وهناك على شاطيء البحر بعدّة صواريخ باتجاه أهلها وهم يصطفون على الشاطيء الذي كان يعج بمئات المواطنين – بأعمار مختلفة – الذين هربوا من حرارة الأجواء الحارة إلى التنزه على شاطيء البحر.
إن من واجبات منظمات الطفولة العالمية والإقليمية أن تنظر بعين العطف إلى معاناة الطفل الفلسطيني، إذ لا يجوز لمنظمات مثل اليونسكو والإليسكو (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) تجاهل هذه المعاناة بحجة الأوضاع هنا وهناك، ونحن لا نزال نذكر حالة الطفل الشهيد محمد الدرة مثالاً وهو يلتقط أنفاسه الأخيرة وهو في حضن أبيه، والطفلة هدى غالية مثالاً آخر وهي ترى بالصورة الواقعية قتل جميع أفراد أسرتها على مرأى من أعين الناس بالمدفعية البحرية الإسرائيلية على شاطيء البحر.

السؤال الثاني:
ما مستوى الصورة المتخيلة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى؟
لو سألنا عن الأسباب التي تجعل من الإعلام وسيلة لنشر ثقافة الصورة؛ لوجدنا أن الإعلام يعتبر أداة هامة ليس لنشر الثقافة فحسب؛ وليس لنشر الصورة على وجه التحديد؛ وإنما لأنه يحمل في طياته البحث عن الأسباب التي جعلت ثقافة الصورة تلجأ إلى الإعلام ليحملها إلى الجمهور.
ولو فرضنا أن الإعلام وسيلة نقل هامة لكل أنواع الثقافات وحافلة تحمل كل الأهداف العامة بحلوْها ومرّها وعمقها وسطحيتها؛ لوجدنا هناك تكاملاً واضحاً بين ثقافة الصورة كهدف خاص والإعلام بوسائله كناقل أمين ووطني عام.
فلعل الأمر الحقيقي الذي حدث في السنوات الأخيرة من القرن الماضي في المجالات الإعلامية هو الانتقال من منطقة العرض إلى منطقة الفرض، ففي السابق كانت وسائل الإعلام تعرض منتجها ويمكنك الاختيار، ولكن الذي حدث بعد التطورات التقنية الهائلة التي حصلت في شتى المجالات قد منح الإعلام القدرة على فرض ما يريد؛ ممّا أثّر تماماً في الاتجاهات الثقافية بشكل خاص، من خلال اللجوء إلى ثقافة الصورة بدلاً من ثقافة الكلمة (13).

وينقل الغزالي عن ابن سينا آراءه عن القوة المدركة من الباطن، فيعتبرها الحس المشترك، والخيال، والقوة المتخيلة، والقوة الوهمية، والحافظة الذاكرة، وما يدرك الصورة؛ هو الحس المشترك، والخيال خازنه الذي يحفظ ما يدركه من صور، وما يدرك المعنى هو القوة الوهمية، والحافظة الذاكرة خازنها الذي يحفظ ما تدركه من معان، وما يدرك ويتصرف هو القوة المتخيلة ومالا يدرك هو خازن الصور وخازن المعنى (14).
لقد أصبح للصورة خطرها في توجيه الرأي العام إلى هدف، أو إقناعه بأمر، لذلك على العلماء والدعاة أن يهتموا بهذا المنبر الإعلامي من إذاعة مسمومة أو مرئية ومشاهدة، والتي جعلت العالم كالقرية الصغيرة، وأصبح الحدث يقع في إحدى جوانب الكرة الأرضية فيعلم به بقيّة العالم، لذلك كان من الضروري نشر الثقافة العربية والإسلامية وشرح قضايا الأمّة من أبنائها بأنفسهم دون وساطة أو تحريف (15).

 
السؤال الثالث:
هل توجد فروق في الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني تعزى لمتغير الجنس (ذكور، إناث)؟
إن أهم ما يحتاج إليه الطفل هي الواقعية.. والواقعية هي تلك التي حملت في طياتها جانبي الخير والشر، وإن من الواقعية: المال، والتلفاز، والانترنت، والقنوات الفضائية، والكثير التي يحتاج إليها الطفل (ذكر أو أنثى)، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نمنعهم عنها، وكيف لنا أن نستبدل الصورة المتخيلة بالصورة الحافظة، وهى ذاتها التي تعيش معنا ولا نرغب في أن تمنع عنا، إننا بحاجة لإحدى أمرين: توفير بديل للصورة الحافظة المذكورة لتحل محلها وهو أمر صعب التنفيذ (لكنه ليس مستحيلاً) أو عن طريق التعاون على حجب جانب الشر منها، وذلك كله لحين بلوغ الطفل ( ذكر أو أنثى) مرحلة الإدراك، ومن ثمّ توضيح الخير والشر فيها.
وبعيداً عن مأساوية هذه اللعبة، على الإسرائيليين أن يسألوا أنفسهم عن مدى الآثار البعيدة لمثل هذه الصورة التي يفرضونها ويدخلونها على حياة الطفل الفلسطيني، إنه الموت الذي يزرعه الصهاينة وعليهم انتظار آثاره وانعكاساته القريبة (16).
ففكرة الموت التي يفرضونها على وعي الطفل الفلسطيني عبر الصورة المتخيلة؛ هي التي تدفع الطفل لمواجهة دباباتهم بالحجارة، أولم يغتالوا (محمد الدرة) في حضن أبيه؟ أولم يقدم لهم الطفل الآخر الشهيد (فارس عودة) نموذجاً عبر الصورة الحافظة؛ فاغتالوا  براءته.

إن الإسلام أكّد على مزيد من الاعتناء والتلطف بالإناث، حيث أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في الحديث، "عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتى النبي صل الله عليه وسلم على بعض نسائه ومعهن أم سليم فقال: ويحك يا أنجشة سوكا بالقوارير" (17).
كما أن ثقافة المجتمع العربي بشكل عام تؤكد على مزيد من العناية بالبنات خوفاً عليهن من الانحراف والانزلاق إلى مالا تحمد عقباه؛ ممّا يجلب المتاعب للأسرة، في حين أن الذكور عندما ينحرفون في المجتمع فإن ردّة الفعل تكون أقل (18).

وهناك فروقاً في المشكلات السلوكية الناتجة عن الصورة المتخيلة أو الذاكرة، فالحركة الزائدة والعدوانية بين الجنسين ولصالح الذكور؛ لأن الذكور بطبيعتهم أميل إلى التصدي من الإناث، وهذا يتضح من العدد الكلي للشهداء من الأطفال الذكور أكثر منه من الإناث، وكذلك فإن طبيعة الإناث يملن إلى الخوف والتأثر بالصورة المرئية أكثر من الأطفال الذكور.

السؤال الرابع:
هل توجد فروق في الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني تعزى لثقافة الوالدين؟
إن وضع اللمسات على الحدود الفاصلة بين ما هو واقعي وبين ما هو تخيلي، وحلمي في ألف ليلة وليلة من الصعوبة بمكان، إذ لا يمكننا أن نحدّد بدقة متى ينتهي الواقعي ومتى يبدأ التخيلي؛ لأن الواقي في مدن ألف ليلة وليلة يبدو أحياناً أغرب من التخيلي نفسه، من حيث سحريته، وعجائبيته (19).
قال تعالى :  لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (20) هكذا في بساطة البداهة التي لا ترى في السموات والأرض فساداً إنما ترى نظاماً يوصي بأن المدبّر واحد، قادر حكيم. " لو كان يتولاهما ويدّبر أمرهما آلهة غير الواحد الذي هو فاطرهما لفسدتا " (21) ولو كان هناك آلهة.
 إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ  (22).
وإنها لصورة مضحكة أن ينحاز كل فريق من المخلوقات إلى إله، وأن يأخذ كل إله مخلوقاته ويذهب.. إلى أين؟ لا ندري ! ولكننا نتخيل هذه الصورة فنضحك من فكرة تعدد الآلهة، إذا كانت نتيجتها هذه النتيجة (23).

فالصورة تؤثر تأثيراً عميقاً في المشاهد؛ إنها تترك بصمة واضحة في مخيلته وذاكرته، وهي الانطباع الدائم الذي يمكن للذاكرة استعادته، فصورة المقاتل، وصورة الفدائي، وصورة المقاوم، وصورة الاعتداء والدمار والقصف... هي صور ذات تأثير قوي تتشكّل به أشرطة صور الذاكرة التي تبقى فيها طويلاً دون ذوبان أو إزالة وتلعب جمالية الصورة فنياً دوراً كبيراً في جذب الانتباه للمشاهد.
وفي دراسة جيهان يسري(24) بينت أن التلفاز يتفوّق على وسائل الإعلام الأخرى وقت الأزمات حيث يأتي في مقدمة الوسائل التي يعتمد عليها الجمهور لاستقصاء معلوماته عن الأزمة، وهذا يرجع إلى الرؤية المباشرة للصورة بالإضافة إلى سماع الصوت، أي إن الرؤية مرئية وسمعية.

إذ تعد الإذاعة المرئية وسيلة قوية ومؤثرة في انهيار المجتمعات الإنسانية وتحطيم القيم والأخلاق ولم يستخدموها في إسعاد المجتمعات البشرية، وتوجيه القدرات واستغلال الطاقات؛ لأن تلك الوسائل هي الصورة التي لها من التأثير والقوة ما يضاهي غرس المعتقدات والمفاهيم، وتأصيلها في النفس البشرية سواء في طريق الخير أو الشر، فقد وجهت تلك الوسائل بإيحاء من الإعلام الصهيوني الذي هدفه إثارة الفتن وإشاعة الفوضى الفكرية والبلبلة الذهنية، وإفساد العقائد، وإفقاد الثقة بالنفس وتحطيمها تربوياً وأخلاقياً (25).
ويعتبر التلفزيون وسيلة مهمة للطفل من أجل إشباع حاجاته ورغباته، فهو يرى عالماً مبهراً من الصور، والمناظر المختلفة وتعد هذه الوسيلة من أهم مصادر الخبرة عند الأطفال (26).
إن الدراسات التي عنيت بتحليل بحوث الطفل أجمعت على أن الحاجات لثقافة الصورة عند الطفل العربي لم تنل الاهتمام المتوقع في مجال الطفولة، وأن ثقافة الصورة عند الطفل لا تزال تحتاج إلى مزيد من العناية، وأن أغلب البحوث التي اهتمت بتحليل أدب الأطفال اهتمت بوسائط ثقافة الطفل أكثر من اهتمامها بمضامين ثقافة الصورة، وأن الدراسات الخاصة بتحليل ثقافة الطفل العربي قليلة للغاية (27).
وبيّنت دراسة ذكرتها (شبكة النبأ الإسلامية) اعتد فيها على تحليل (168) مسلسلاً وتعرض (176) طفلاً لها أنه: كلما زاد تحكم الأبوين فيما يشاهده الأطفال قلّ تعرضهم للدراما العربية المعدّة للكبار، وأنه كلما زاد تعرض الأطفال للدراما العربية تشوّهت لديهم الأدوار الاجتماعية للجل والمرأة واهتز البناء القيمي لدى هؤلاء الأطفال (28).

فمن الطبيعي أن يكون أداء الأسرة الفلسطينية في مجال الواجبات أفضل من أدوارها في مجال الأساليب وذلك أن الواجبات من السهل إدراكها والإلمام بها من قبل الآباء، في حين أن الأساليب التربوية لا يلم بها إلا من كانت لديه ثقافة تربوية خاصة ناتجة عن إطلاع مستمر في مجال تربية الأبناء، كما أن التزام الأبوين بأساليب التربية الإيجابية يتأثّر بالناحية النفسية، والمزاجية، وضغوطات الحياة التي يواجهها الآباء ومن ثمّ يصبح الالتزام بها ليس سهلاً (29).

السؤال الخامس:
هل توجد فروق في الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني تعزى لمستوى التحصيل الدراسي؟
لعل الأطفال والنساء هم الأوفر حظاً ونصيباً من الآلام والمظالم والصعوبات التي تتعرض لها الإنسانية في أي مجال، أو موقع تقع عليها منه الاعتداءات، بل لعل صورة الطفل في أي مجتمع وأقصد الصورة الذاكرة الواقعية والحقيقية له؛ هي المؤشر الصادق عن حالة هذا المجتمع، وترسم حقيقة لا تستطيع رسمها الأرقام ولا التقارير؛ بل وتعطي المؤشر الحقيقي إلى أين يسير هذا المجتمع.
    
إن وجود الصورة الحافظة أو المتخيلة عند الأطفال، وما يشاهدونه عبر شاشات التلفاز من توتر وهموم ومشاكل وشعورهم بالخوف الشديد وعدم القدرة على العطاء، إضافة إلى بعض الأعراض التي يمكن أن تظهر عند بعض الأطفال كالتبول اللا إرادي والفزع الليلي والكوابيس له تأثير واضح على تدني مستوى التحصيل الدراسي عندهم (30).
فالتحصيل الدراسي له علاقة وثيقة مع الجانب النفسي والتربوي عند الأطفال، فكيف يزداد تحصيل الطفل الدراسي وهو في حالة فزع مستمر، وقلق ينتابه؛ وخاصةً عند رؤيته أحداث قد حصلت في عالم اليقظة، وقد شاهدها عبر وسائل الإعلام المرئية ؟ 

من جانب آخر يتهم التلفزيون بشكل أساسي في العديد من البلدان بعدد كبير من الجرائم التي تتضمن تدمير وتحطيم القيم الاجتماعية ونشر وتكريس التفاهة، وسلب الحساسية وقتل الإبداع، وتشكيل عقبة كأداء أمام التربية والتعليم، ونسف ومسح المكتسبات والمنجزات الاجتماعية والتربوية والتعليمية التي تمّ الحصول عليها وإنجازها بصعوبة (31).
    

السؤال السادس:
هل توجد فروق في الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني تبعاً لاختلاف مكان الإقامة لدى الأطفال ؟
لم يقتصر الأمر على السينما في بث الإعلام الموجّه والمدروس بعناية إلى الآخرين؛ بل أدّى التلفاز دوراً أكبر بكثير في تجسيد مبادئ العنف والإرهاب، وإسقاط الصورة المتخيلة بدلاً من الصورة الذاكرة، وبالذات بعد الانتشار الهائل للفضائيات وسيطرة الإعلام الغربي على أغلب هذه القنوات الفضائية مباشرة أو عن طريق كثرة الإنتاج للأفلام والمسلسلات والبرامج الإخبارية، حتى إنك تدهش عندما تشاهد خبراً أو ريبورتاجاً، أو صورةً لم يكن للغرب الإعلامي يد فيه!!
وقد ذكر فؤاد الرفاعي (32) أن اليهود يسيطرون سيطرةً تامة على شركات الإنتاج السينمائي، ومنها:
* شركة فوكس يمتلكها اليهودي ويليام فوكس.
* شركة غولدين يمتلكها اليهودي صاموئيل غولدين.
* شركة مترو يمتلكها اليهودي لويس ماير.
* شركة إخوان وارنر يمتلكها اليهودي هارني وارنر وإخوانه.
* شركة برامونت يمتلكها اليهودي هودكنسون .

ولا يكاد يخلو البرنامج التلفزيوني العام من مسلسل أو فيلم تمّ إنتاجه في استوديوهات هوليود، وقد تضخمت حاجة الفضائيات التلفزيونية للمواد الإخبارية والدرامية والمنوعة، أكثر من التلفزيونات المحلية، وخاصةً في بلدان العالم الثالث، ومن فيه من العالمْين: العربي والإسلامي. فالفضائيات العربية بلغت في آخر إحصائية (120) قناة منها (7) قنوات غير حكومية ( يمتلكها أصحاب المال والأعمال العرب مثل قنوات: الجزيرة، و MBC ، و ANN ، و ART ORBIT ، ويقع مقرها خارج الوطن العربي وتخضع لقوانين الدول التي تبث منها كبريطانيا وألمانيا (33).
وهذه القنوات تبث على مدار الساعة وتستهلك عشرات البرامج المتنّوعة لكي تغطي مساحة البث لديها، وإن معظم هذه القنوات لا يعتمد على إنتاج محلي؛ لفقره أولاً، ولعدم كفايته ثانياً، فضلاً عن مواصفات الجودة الإنتاجية التي قطع الغرب فيها شوطاً طويلاً، وهنا يكمن الخطر الذي تحمله برامج هذه القنوات إلى داخل البيوت كضيف مرحب به على الدوام، وقد انتبه الغرب لخطورة الفضائيات وما تحدثه من آثار في الرأي العام سلباً أو إيجاباً، وحاول أن يمارس ضغطاً قوياً على قناة الجزيرة مع بدايات الحملة الأمريكية على أفغانستان وملاحقة مراسليها واتهامها لهم بالتعاون مع الإرهابيين، ومن الأمثلة أيضاً أن الكثير من تلفزيونات الغرب لم تعرض صورة ذاكرة أو متخيلة، لمشهد قتل الجنود الصهاينة للطفل الشهيد ( محمد الدرّة ) وهو في حضن أبيه، أو قتل عائلة الطفلة (هدى غالية)؛ خشية تعاطف مشاهديها مع الفلسطينيين من خلال الصورة.
خاصةً وأن مشهد صورة القتل هذه أحدث ضجّة واسعة في العالمين: العربي والإسلامي، وخرجت الجماهير غاضبةً تطالب أنظمتها بتوجيه العقوبة الصارمة إلى مرتكبي هذه الجرائم البشعة، وكثيرة هي الأمثلة التي يمكن ذكرها في كيفية الإساءة للعرب والمسلمين في التلفزيونات الغربية وبشتى الطرق والأساليب، معتمدةً على ما يحبّذه المشاهد الغربي من أغاني وأفلام ومسلسلات وتضمينها ما يمكن أن يظهر المسلم كشخص هامشي يعيش بطريقة متخلّفة في بلده أو في البلدان الغربية التي ينتقل للعيش بداخلها.
                
التوصيات والنصائح:
1-إيلاء الإعلام والتقنيات المتقدمة والفضائيات العناية القصوى، وتسخيرها لكشف أضاليل اليهود والإمبريالية وما تمارسه على شعبنا داخل الأرض المحتلة، وإلاّ يصبح مشهد الدماء مشهداً مألوفاً تتبلّد عنده المشاعر والأذهان.
2-تتولد صورة واضحة لثقافة الصورة في أزمنة اللا استقرار التي يمر بها المجتمع وأزمنة الأزمات التي تتولد من الألم والمرارة الإصرار على التغيير، وخصوصاً إن كان مصدر الألم أجنبياً طاغياً – المحتل – أو داخلياً مفسداً يهدف للتدمير الداخلي.
3-ضرورة إنشاء قناة فضائية إسلامية متخصصة في برامج الأطفال عموماً، وبرامج الصورة الذاكرة والمتخيلة على وجه الخصوص.
4-دعم تدريب فرق ومراكز وشركات لإعداد برامج للصور على المستوى المحلي والعربي والإسلامي.
5-ثقافة الصورة هي مدخل أساسي لتنمية المجتمع وإرساء دعائم المثل العليا الإنسانية فيه كالديمقراطية والمساواة والعدل والحرية، والإعلام لابد وأن يحتوي مضامينه – أياً كان شكله – فعاليات التنمية وأشكالها وإرهاصاتها، فهما بهذه الحالة يتقاسمان الدور من حيث الوظيفة والأداء.
6-يلعب الإعلام المرئي والمقروء والمسموع دوراً كبيراً في عملية إدماج متعاطيه وخاصة المرئي منه؛ لأن الصورة تدرك ولا تفكر؛ ممّا يسهل وصولها للعقل دون عناء.
7-إن الصورة المسموعة التي تبثها الأفلام السينمائية وما يتسرب منها داخل الفضائيات، تسهم إلى حد بعيد في انحراف السلوك لدى المشاهدين من المرضى والمراهقين، ويمكن أن تظهر على شكل استجابات لدى الكثير منهم.
8-لقد ساهم الإعلام الغربي في إضفاء الكثير من التشويه على صورة العربي والمسلم، عبر منتوجه الإعلامي، مولداً بذلك موجة من العداء والكراهية من قبل المشاهد العربي والمسلم ولبساً واضحاً في معارف الغربي عنهما في ذات الوقت.
9-يمكن أن يسهم الإعلام في توطيد الأمن لدى الناس ونبذ العنف وإدانته من خلال التقليل من مظاهر العنف والتركيز على ما يدفع الناس لعمل الخير، وإظهار الصورة الحقيقية للآخرين دون المساس بحرياتهم وخصوصياتهم وترك الحرية للمشاهدين في الحكم الموضوعي.
10-ينبغي الانتباه إلى ما تحمله القنوات الإعلامية المختلفة من مصادر للخطر بين ثناياها، وهذا لا يعني الانغلاق عن هذه القنوات، بل العكس هو الصحيح.
11-زيادة الاهتمام بالطفل الفلسطيني من خلال إقامة نوادي ومؤسسات لا منهجية خاصةً به تعمل على تثقيفه وتنمية مواهبه وصقل قدراته.

والخلاصة: يمكننا القول إن الإعلام هو وسيلة الاتصال بالجمهور، والجمهور الذي يعتنق ثقافةً ما؛ معنيٌ بقراءة وسماع ومشاهدة نفسه، وفعله، ورأيه، بل وصورته، وإن فشلت وسائل الإعلام في نقل أفكار وإحساس المجتمع؛ فهي بالضرورة تصبح عديمة الفائدة والجدوى، ولهذا فإنه من البديهي أن تظهر تجليات ثقافة الصورة في وسائل الإعلام كافةً وخصوصاً في وسائله المرئية التي أصبحت الهواء الذي نتنفسه ولا غنى عنه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
العلاقة بين الصورة الحافظة والمتخيلة لدى الطفل الفلسطيني لانتفاضة الأقصى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الطفل الاول.. سبب لتقوية العلاقة بين الزوجين أم اضعافها!
»  هكذا يعاني الطفل الفلسطيني على يد الاحتلال (إنفوجرافيك)
» الأمن الفلسطيني يفرق مسيرات لنصرة الأقصى بنابلس والخليل
» "عملية رمضان".. اختراقات أمنية تبرز ملامح جديدة لانتفاضة الضفة
» الصورة الفضيحة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: قصة قضية فلسطين :: اهم الاحداث-
انتقل الى: