تثبيت قواعد الاشتباك
خالد صادق
لطالما حاولت «إسرائيل» تغيير قواعد الاشتباك مع المقاومة الفلسطينية وفرض سياسة الأمر الواقع, ولطالما حذرنا الاحتلال من ذلك وان المقاومة ستمنع تغيير قواعد الاشتباك حتى وان دخلت في مواجهة عسكرية مع «إسرائيل» التي أمعنت في القتل واغتالت المجاهدين, وقتلت المتظاهرين السلميين, وكثفت من غاراتها على مواقع تابعة للمقاومة الفلسطينية, وظنت أنها نجحت في أجبار الفصائل الفلسطينية على القبول بسياسة الأمر الواقع, وان ما ترتكبه من جرائم لن تستطيع المقاومة ان ترد عليه خوفا من ردة فعل الاحتلال وإمكانية شنه لعدوان جديد على قطاع غزة, لكن المقاومة استطاعت ببسالتها وتحدياتها إفشال مخططات الاحتلال, ورفضت تغيير قواعد الاشتباك, وتصدت بقوة لكل محاولات فرض أمر واقع جديد عليها, يلزمها بعدم الرد على الجرائم الصهيونية, وأعتقد ان الرسالة وصلت بوضوح لهذا الاحتلال المجرم الذي زعم انه حصل على هدوء لم يحصل عليه من قبل, وظن ان الأمور ستبقى على ذلك وانه سيتحكم في الميدان كيفما يشاء.
اللغة الوحيدة التي يمكنها ان تجبر الاحتلال على التراجع والاستسلام للإرادة الفلسطينية هي لغة المقاومة وسلاحها الثائر والقادر على انتزاع الحقوق من هذا الكيان مهما كان جبروته أو بلغت سطوته أو غرته قوته وإمكانياته العسكرية, فالنقطة الأضعف التي يعاني منها الاحتلال هي الجبهة الداخلية التي سرعان ما تتصدع أمام ضربات المقاومة الفلسطينية, وتضجر من حالة القلق والتهديدات التي تواجهها, مما يجعل الاحتلال يلجأ دائما إلى الضربات الخاطفة والسريعة, ويتراجع خطوات إلى الوراء عندما يشعر ان المواجهة ستطول وتتسع, وهذا ما أدركه الاحتلال جيدا عندما كانت المقاومة الفلسطينية تواجه القصف بالقصف وتوسع تدريجيا من دائرة استهدافها لمنطقة الغلاف الجوي, وتقوم باختراق منظومة القبة الحديدية بإطلاق زخات من الصواريخ لا تستطيع القبة الحديدية وقفها والتصدي لها, فالمقاومة كانت قادرة على محاورة الاحتلال الصهيوني ومواجهته باللغة التي يفهمها, وبأسلوب إبداعي يدل على أنها استفادت تجاربها السابقة في مواجهة الاحتلال.
المقاومة الفلسطينية شعرت بواجبها تجاه شعبها, فتقدمت أمام الصفوف ودافعت عن حق الشعب الفلسطيني وانتقمت لدماء الشهداء الأطهار, وأثبتت أنها دائما عند حسن الظن, وفي الوقت المناسب تأخذ زمام الأمور بيدها, لذلك اكتسبت ثقة الناس واحترامهم وما حققته من انجازات يحسب لها, فهي دخلت مواجهة مع الاحتلال منفردة دون ان يساندها احد أو يدافع عنها احد, وقد واجهت الاحتلال الصهيوني وهى محاصرة وشعبها يتعرض للتجويع والحرمان وكل الأجواء البرية والبحرية والجوية مغلقة تماما في وجهها, وقد حاول بعض المثبطين المسكونين بالهزيمة من ثنيها عن إشعال المواجهة مع الاحتلال, وبث الشائعات عن نوايا «إسرائيل» الدموية, ومحاولة بث الفرقة في الموقف الفلسطيني, حتى بعد ان تم التوصل إلى وقف التصعيد, شكك هؤلاء في قبول «إسرائيل» بهذا الأمر, وأنها ماضية في عملية أطلقوا عليها زيفا اسم «البرق الرمادي» لكن المقاومة بقيت تؤدي واجبها بجرأة كبيرة حتى ان الاحتلال الذي شن أكثر من 85 غارة جوية لم يستطع أن يصيب أي مقاوم فلسطيني, أو يستدل على مواقع إطلاق الصواريخ مما ادخله في حالة إرباك شديد.
واضح ان الاحتلال الذي تراجع أمام أداء المقاومة الفلسطينية يعيش في حالة حرج شديد لذلك تنصل من حقيقة إعلان التوصل إلى اتفاق تهدئة رغم أن حالة الميدان تؤكد عودة الأمور إلى الهدوء, لكن الحكومة اليمينية ترفض ان تظهر أمام الصهاينة على أنها تراجعت وضعفت أمام ضربات المقاومة, وأنها خضعت للإرادة الفلسطينية وقبل بالعودة إلى قرار وقف إطلاق النار في القاهرة 2014م, ولكن في كل الأحوال ليس هناك أية ضمانات على عودة الاحتلال الصهيوني للقصف والقتل واستهداف الفلسطينيين, وقد يقدم على ارتكاب حماقات جديدة, فالتجارب كلها علمتنا ان هذا الاحتلال لا يحترم أي اتفاق, وسرعان ما يتنصل من التزاماته, لذلك ستبقى فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها سرايا القدس وكتائب عز الدين القسام على أتم الجاهزية والاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات, خاصة مع إنكار بعض وزاراء الحكومة الصهيونية المتطرفة ان هناك اتفاقا على وقف التصعيد, مما يتطلب المزيد من الحذر, لكن علينا ان نقر جميعا ان قواعد الاشتباك تغيّرت لصالح المقاومة, وجيش الاحتلال يقول إنه سيقابل الهدوء بالهدوء», وتبقى مسيرة العودة ماضية إلى ان تتحقق أهدافنا بتثبيت حق العودة كحق مقدس لا يمكن المساومة عليه أو التفريط فيه, ورفض تهويد القدس واعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها, ورفع الحصار عن قطاع غزة وتحسين أوضاعه المعيشية والإنسانية وفتح المعابر أمام المسافرين والتواصل مع العالم الخارجي