[rtl]
هل تريد ان تعرف جذور الفساد في الأردن؟ اليكم خريطة الطريق الى القطط السمان.. الثراء الفاحش ومناطقه
د. عبدالمهدي القطامين
حين تاخذك الدرب من شارع المدينة الطبية تجاه دابوق فانك تدخل منطقة هي اقرب لضواحي باريس الراقية تتوزع امام ناظريك مئات الفلل والقصور ، وذات المنظر تراه في عبدون ودير غبار والكرسي وغيرها من مناطق التي يبدو فيها الرفاه واضحا كالشمس لكن ضبابية من نوع اخر تلف المنظر برمته حين ترى التباين في ساكني تلك المناطق فهي تتراوح ما بين بعض رجال الاعمال وبعض رجال الصناعة والتجارة وبعض رجال السياسة وبعض الجنرالات وبعض النواب وبعض الوزراء وغيرهم واذا كان كما يقول المثل الشعبي ان الاثرة تدل على الماثور فليس هناك من داع لبذل المزيد من التحليل في اليات جمع تلك الاقوام مالهم الذي لا ننكر ان بعضهم جمعه من جهده وتعبه عبر مسيرة عمل طويلة ولكن اخرين لا يمكن لك ان تحلل كيف يمكن جمعه واقصد هنا بعض الموظفين العموميين في جهاز الدولة ولا يمكن لكل محلل ان يقتنع ان وزيرا او نائبا او موظفا كبيرا في جهاز ما يستطيع ان يجمع كل تلك الثروة التي وضع جزءا يسرا منها في فيلا يسكنها فما بالك بالمخفي من اموال اخرى .
ظاهرة ثراء بعض كبار المسؤولين لا تبدو بريئة تماما وبحسبة عرب يدوية اذا افترضنا ان وزيرا امضى عشر سنوات في منصبه وكان راتبه الشهري اربعة الاف دينار فان ناتج تحصيل دخله كله في فترة الوظيفة يصل الى 480 الف دينار وهو مبلغ لا يكفي لشراء ربع قيمة الارض التي اقام عليها فيلته فكيف اذن استطاع ان يقيم تلك الفيلا التي تتجاوز خمسة وستة مليون دينار والتي تحتاج الى خدمة وصيانة وادامة شهرية لا تقل عن خمسة الاف دينار بين بستنجي وحارس وخادمات وغيره .
السؤال الاشكالي هنا هل سرق المذكور من مال الدولة ومال الخزينة ؟ ….. الجواب بالتأكيد وبكل صدق انه لم يسرق منها فلسا واحدا والسبب ان موارد الدولة ونفقاتها محصية بالفلس ولا يمكن ان يتم الاستيلاء على اي مبلغ منها ، اذن هنا يبرز السؤال الاستنكاري من اين لك هذا ؟ والاجابة بكل بساطة تكمن في الحكاية التالية استطاع المسؤول الحكومي وهو من صناع القرار وضمن محاولات تطوير مناطق مختلفة في اي مكان من البلاد ان يعرف ان الدولة ستقيم مشروعا تنمويا مثلا مستشفى او جامعة او افتتاح طريق حيوي جديد هنا يلجأ المسؤول اياه الى دائرة مقربة منه لشراء قطع اراض في المكان المحدد للمشروع تكون اسعار تلك المنطقة في حالتها الطبيعية لا تتجاوز بضع مئات من الدنانير وبعد الاعلان عن اقامة المشروع تقفز اثمان الارض لتصل الى مئات الالوف وهكذا يستطيع المسؤول ان يمد رجليه فقد احرز صفقة العمر وليس القرن وتبدأ رحلة الثراء ميلها الاول .
مصادر الثراء في الاردن للموظف العمومي الفاسد متعددة ومتنوعة وتشكل العطاءات واليات طرحها واحالتها مصدرا مهما لبعض ضعاف النفوس امام المال ولعل الاغلبية هم كذلك وقد قال رب العزة في نفس البشر ” وتحبون المال حبا جما ” وهي صفة انسانية ملازمة للبشر وبغض النظر عن مدى شرعية او عدم شرعية الحصول على تلك الاموال ، وتكمن كيفية التكسب السريع من العطاءات في معرفة المسؤول اقل الاسعار وتسريبها الى مقاول مقابل مبالغ مالية تتناسب طرديا مع حجم العطاء الكلي وفي مراحل الاشراف الهندسي على تنفيذ العطاءات يلجأ بعض المهندسين عديمي الذمة الى التهاون في بعض المواصفات بالتنسيق مع المقاول ويقبضون المعلوم لاحقا .
في دوائر عديدة من دوائر الدولة الرقابية هناك متسع لمن اراد ان يفسد فالجمارك تشكل متنفسا خصبا لمن اراد ان يفسد وادخال حاوية واحدة بعد تغيير طبيعة محتواها من مادة الى اخرى يشكل ثروة سريعة لضعاف النفوس وهم كثر ولا تقل مؤسسة المواصفات والمقاييس خطورة عن الجمارك فغض النظر عن ماركة معينة مقلدة تدخل الاسواق يفضي الى ثراء سريع وفاحش .
مؤسسات مثل الضريبة بكافة اشكالها وقضايا التخمين للدخل وقضايا التغريم الجمركي تشكل مسافة واسعة للاثراء ايضا فيكفي ان تكون موظفا في احدى هذه المؤسسات وحين تكون بائعا لضميرك وشرف الوظيفة تستطيع ان تجني من المال ما يشكل علامة فارقة في مسيرتك الحياتية كلها ويمكنك من التطلع ايضا الى تلك المناطق الفارهة محدثا ذاتك ليس من احد احسن من احد بمال السحت ايضا .
التسهيلات التي تقدم للمستثمرين “والكوميشينات ” وباب الاستثمار الخارجي ايضا شكل بؤرة مفتوحة للبحث عن الثراء السريع فالبعض يتعهد بحماية المستثمر وتسهيل اموره مقابل عمولات يتم تقاضيها من قبل المستثمر وهي تتناسب طرديا مع حجم الاستثمار وكل ذلك يتم خارج مهنية العمل او شرف الوظيفة ونزاهتها .
امبراطورية المال المخفي لم تقتصر على المؤسسات العامة ولكنها نمت بوضوح وبسرعة خيالية في الشركات المساهمة العامة والخاصة فامتيازات مجالس الادارات والحوافز التي يحصلون عليها لا تخضع لاي منطق مالي او استثماري والكثير من تلك الشركات اصبحت مرتعا لمؤسسيها ومكانا خصبا للفساد المالي وفي الاغلب تكون النتيجة اعلان تصفية وافلاس وهكذا تذهب فلوس المساهمين الصغار وتتبدد امام طغيان وعبث كبار مساهمي الشركات الذين تتحول ثرواتهم الى فلل وقصور في اماكن عمان الراقية .
كل ما ذكرت في السابق وما تشكله من مغريات واستغلال للوظيفة شكل على مدار العقود الماضية حالة من التباين والخلخلة في بنية المجتمع الاردني وادى الى نشوء طبقة القطط السمان او مستغلي الوظيفة والهوامير على حد تعببير البعض وهولاء شكلوا نفوذا محاطا باسوار فولاذية تحد من البحث عن اسباب تلك الثروات او الاقتراب منها وجعلها من المحرمات وشكل النفوذ المالي لهولاء نوعا من الحصانة من المسائلة ولم تقم الدولة والحكومات المتعاقبة بالتساؤل عن الية تشكل هذه الطبقة فقد اصبحت حقيقة واضحة للعيان بغض النظر عن اسبابها وهنا يمكن ان نطلق عليها كما ذكرت سابقا امبراطورية المال الخفي التي امتلكت ابعادا سياسية وشكلت ثنائيا مع صناع القرار جعلها في جزر معزولة عن مسائلة الشعب وساهم في كل هذا ايضا ضعف ممثلي الشعب واقصد البرلمانيون الذين اما التحقوا بالركب او ظلوا يقاتلون وحدهم دون القدرة على امتلاك دليل مفاسد القوم لتقديمها كبينة في اي حالة هجوم محتملة .
مع مجيء حكومة الرزاز الرجل الذي ليس في تاريخه الشخصي ما يشوبه ماليا او اداريا بل كان خبيرا عالميا في مجال التنمية والتطوير وبعد ان تعلقت امال كبيرة لشريحة واسعة من ابناء الشعب الاردني بقدومه واعتبرته منقذا وطنيا بعد سنوات من الجفاف السياسي الحكومي واتساع الهوة بين الناس وحكوماتهم تعالت اصوات برلمانيين تدعوه لمحاربة الفساد كخطوة اولى للاصلاح وكان الرجل متهلفا لاي بينة يمكن ان تقدم له ليخطو نحو اوكار الفاسدين فوجد ظالته عند ملف النائب الدكتور مصلح الطراونه الذي قدم له بينات عن تلاعب وغش وتهرب جمركي بطله رجل نافذ من الطبقة اياها واقصد القطط السمان ولم يتوانى رئيس الحكومة في امساك الملف بقوة واعلانه انه سيكون انتحاريا في مكافحة الفساد كدليل على وجود فساد مستشر وموطد الاركان وهنا يطل سؤال بقوة من الدولة كلها هل يستمر الرئيس الجديد فيما بدأ فيه ؟ وهل يمكن للطبقة الحديدية ان تسمح له باختراق حدودها ونبش اوكارها ، والى اين يمكن ان تستمر هذه النية في ظل مقاومة عنيفة يبديها من يخشون وصول النار الى اطرافهم ، وهل ستكر مسبحة الفاسدين واحدا تلو آخر ؟ ام ان عقدا ستكون عصية على الفك امام الرئيس المتحمس ؟
الاجابة على كل هذه التساؤلات ستكون في الاشهر القادمة ولعل ايام اب اللهاب على حد قول العرب ستكون هي الفاصل بين حد الاصلاح من عدمه وبين حد بدء معركة القضاء على الفساد ام الاكتفاء بمداعبته عن بعد دون الوصول الى جذوره الحقيقية التي ضربت في مستنقع او واحة فالامر سيان .
ننتظر ونرى .
كاتب وصحافي اردني
[/rtl]