حين يتحول الذهب الأسود إلى نقمة: تهريب النفط آفة تهدد اقتصاد ليبيا
روعة قاسم
Aug 18, 2018
تونس ـ «القدس العربي»: يعتبر النفط في ليبيا سلاحا ذو حدين، فبقدر ما هو نعمة وثروة تحقق النماء والرخاء لعموم الليبيين، بقدر ما تحول في السنوات الأخيرة إلى نقمة يقتتل الليبيون والمتدخلون الإقليميون والدوليون في شؤونهم من أجله. وهو إلى اليوم مصدر للتجاذبات على الساحة الليبية يكسب من يهيمن على إنتاجه وتصديره أوراقا على حساب خصومه الساعين إلى الهيمنة على القرار في البلد.
ويرى البعض أن النفط الليبي، هو الذي سيدفع باللاعبين الأساسيين في النهاية إلى التهدئة من أجل توفير الظروف الملائمة لإنتاجه وتصديره بعد أن يضمن نصيبه. كما أنه سيكون الفيصل في ملف إعادة الإعمار وسيساعد على تشييد ما تم تدميره خلافا لبلدان أخرى عرفت مصيرا مشابها لما حصل في ليبيا وعجزت عن إعادة الإعمار، مثل الصومال وأفغانستان.
وتعد معضلة تهريب النفط من أكثر التحديات التي تؤرق مضاجع الليبيين. ويشير الباحث المختص في الشأن الليبي مصطفى الجريء لـ «القدس العربي» إلى ان «ظاهرة تهريب المحروقات تنشط خاصة في الجزء الغربي الشمالي لليبيا أي زوارة والزاوية وصبراتة، حيث يتم تهريب المحروقات نحو تونس. كما يعمد المهربون الكبار إلى دفن صهاريج الوقود تحت الأرض قرب الحدود ليهرب لاحقا إلى مالطا وايطاليا» . ويشير محدثنا إلى ان الكميات المهربة نحو تونس من البنزين سنويا تتراوح من 12 مليون لتر إلى 15 مليونا هذا عبر المنافذ الرسمية فقط. أما المنافذ السرية فحدث ولا حرج ففي سنوات 2012 وحتى 2016 وعندما كان المنفذ السري ظهرة الخس يشتغل لجأ من لديه صهريج للاستعمال الفلاحي وجلب الماء إلى تغيير نشاطه نحو تهريب المحروقات بحسب ما يذكر محدثنا. وتهريب النفط لا يشمل فقط مجموعات التهريب الصغيرة بل هناك مافيات عالمية مستفيدة من الوضع الراهن في البلاد من أجل الحصول على الذهب الأسود المهرب بأرخص الأسعار. وتشير العديد من التقارير المحلية إلى ان تهريب النفط سنويا في ليبيا يجعل البلاد تخسر ملايين الدولارات. وقد أكد مصطفى صنع الله رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط الليبية في آخر تصريح له عن وضع المؤسسة الليبية ان خسائر قطاع النفط في ليبيا بسبب التهريب والسرقة بلغت 750 مليون دولار سنوياً، مبينا ان الميليشيات التي تحكم سيطرتها على منافذ تهريب النفط هي التي تحتكر توزيع الوقود على شركات النفط المختصة، دون وجود رادع لهؤلاء، كما ان معضلة اغلاق الموانئ النفطية زادت من نزيف الاقتصاد الليبي، إذ تقدر خسائر القطاع بسبب أزمة اغلاق الموانئ أكثر من 130 مليار دولار منذ سنة 2014.
وتقول الباحثة الليبية فاطمة غندور لـ«القدس العربي» أن المركزية التي تم انتهاجها في العقود النفطية للنظام الليبي السابق جعلت عوائد هذه الثروة ومشروعاتها وعلى قلتها قياسا بالزمن وبأسعاره وباعتبار قلة السكان في ليبيا الواسعة، مجحفة ولم تكن ذات أثر، وانعكس ذلك واضحا في البنية التحتية والتنمية البشرية. فليبيا، تنتج حالياً نحو مليون برميل يومياً مقابل 1.6 مليون برميل قبل الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011. ولا تسجل رقما معتبرا لا في مستوى مؤسساتها التعليمية ولا الصحة ولا في مجال الصناعة، فحتى في أبسط الحاجيات الغذائية ظل كل ذلك مرتهنا بالاستيراد مقابل النفط والغاز.
وتضيف: «تطغى على الرأي العام الليبي اليوم النقمة على هذه الثروة التي تغرق فيها ليبيا، حتى أن أصواتا خرجت تنادي بحرق آبار النفط ما دام البلد قد وصل إلى هذا الحال خاصة وأن قضايا فساد وتبديد وسمسرة برزت على السطح في الآونة الأخيرة. من يتذكر ليبيا الاستقلال 1952 ويراجع دورياتها الصحافية المحلية سيجد معالم لمشاريع اقتصادية محلية تعتمد مصانع لأهم ما تنتجه الأرض من خضار وفواكه بعضها وصل إلى خارج ليبيا، إلا أن انقلاب القذافي 1969 أقفل وأوقف كل تلك المشروعات معلنا اشتراكيته في هيمنة الدولة والتأميم وقد جرى الاستيلاء على مصانع أسسها رجال أعمال معروفين في طرابلس وبنغازي.
ومع ارتهان الدولة الريعية للنفط فقط، صار الأخير محل صراع وتنافس وتوظيف سياسي واقتصادي عربي ودولي، وللقذافي قصص كثيرة في هذا الإطار. ويضاف إلى ذلك أيضا بيع البترول الليبي من قبل القذافي خارج دائرة التعاقدات المعلنة شراء لذمم أطراف تؤدي مهام سياسية في أطار التدخل في سياسات دول جارة أو بعيدة. ومنذ شباط/فبراير 2011 برزت مسألة حقول وموانئ النفط بين طرفي الثورة ونظام القذافي حتى وان صدرت قرارات متلاحقة بتحييده عن الصراع لكنه ظل ضلع الأزمة الليبية كونه الثروة الوحيدة في مثلثها السياسي وأزمة الهجرة.
وعن الفساد الذي طال قطاع النفط تقول الغندور: «إن ما كشف عنه مؤخرا ديوان المحاسبة في حكومة الوفاق من مخالفات وتجاوزات أظهر حجم الفساد وحجم تبديد عائدات النفط الذي شهد عودة لتصديره وبيعه بعد طرد عصابة الجضران سنة 2016 بعملية قادها الجيش الليبي. إذ أظهرت تلك المراجعة وكشف الحسابات ان أموال النفط تذهب لميليشيات مسلحة لها تحالفات مع من يهاجمون حقول النفط مع عدم تقديم حكومة الوفاق لأي دعوة لمحاسبة أو مواجهة قضائية لكل من تورط في الأمر من أشخاص ومؤسسات. إن حكومة الوفاق تستند إلى شرعيتها الدولية لكن ذلك لا يجيز لها التقليل من شأن كل تلك المكاشفات التي تخلق معضلة اقتصادية قد تساهم في زعزعة استقرار البلاد.
وتعتبر أن بقاء الجيش على موقفه بتسليمه قطاع النفط لمؤسسة نفط الحكومة المؤقتة التي لا تلقى قبولا وشرعية دولية خاصة بعد بيانات ومواقف الدول الكبرى قد يعيد أزمة النفط إلى مربع 2014 أي التوقف عن تصديره، وبالتالي لا عوائد مالية لأجل حل الأزمة الاقتصادية المستفحلة في ليبيا. وتتساءل الغندور في خاتمة حديثها عن إمكانية اجتماع الاطراف الليبية على طاولة حوار ووفاق على راهن الأزمة مختلفة عن تلك التي جمعتهم في الصخيرات وأدت إلى هذا الفشل، أم أننا سنشهد جولات صد وممانعة قد تطيل أمد اللاحل في إحدى دول الجوار؟
ويؤكد عيسى دودو آمر الحدود الجنوبية في ليبيا لـ«القدس العربي» أن مشكلة النفط اليوم في ليبيا أنه بات في يد الأطراف الداعمة للحركات الإرهابية، وإن هذا النفط لا يساهم فقط في تغذية الصراعات على الساحة الليبية، بل يمول الحروب في بلدان أخرى مثل مالي من خلال تمويل الجماعات الإرهابية في شمالها. ويرى آمر الحدود الجنوبية الليبية أن إيطاليا لديها أطماع أبعد من النفط وهي تدعم مجموعات إرهابية في الجنوب الليبي، وهو حال غيرها من الدول المتدخلة في الشأن الليبي، والجضران مثلا هو مكلف من قوى معروفة شعارها «نحكم ليبيا أو ندمرها»، وقد استنجدت هذه الأطراف بجميع الحركات الإرهابية لكي يحكموا أو يدمروا ليبيا.