بلادنا العـربية .. من التعليـم إلى التعتيـم!
سأبدأ مقالي اليـوم بسؤال سخيف يعلم إجابته الجميع.. لماذا وصلت الأمة العربية إلى هذه الحالة التى يُرثى لها؟
قد تجد الكثير من الاجابات لهذا السؤال وللأسف كلها صحيحه ؛ ولكن.. سأتعمق فى السبب الرئيسى لما آل إليه حالنا اليوم – من وجهة نظرى – وهو التعليم.
نشأنا منذ نعومة أظافرنا على كلمتين يتكرران كل يوم، كل ساعه بل كل دقيقه ولا تعرف أى مدرسـة أو جامعـة عربية معنى هاتين الكلمتين ؛ هما ” التربية والتعليم ” ،وبعد مايقرب من 15 عاما من “التربية والتعليم” أستطيع قولها بثبات الان، عذرا.. لا توجد تربية ولا يوجد تعليم، ماتتحدثون عنه ماهو إلا محض هراء!
لن أتطرق هنا إلى سرد الآراء الفلسفية العويصه عن سبب فشل المنظومة التعليمية العربية وتحويل المقال إلى مجرد حديث درامى آخر، ولكن سنقوم ببساطة بمقارنة المنظومة التعليمية العربية بالمنظومات التعليمية فى البلدان المتقدمة على مر التاريخ وستستنتج منها بنفسك جميع الأسباب الرئيسية الكفيلة بتغييرى مصطلح تعليــم الى تعتيــم!
ماقبل الميـــلاد – قبل ظهور الهوية العربية
نشأت العديد من الحضارات والثقافات قبل الميـــلاد التى كانت البداية الأولى فى ظهور كثير من العلوم والثقافات المتواجده حاليا بفضل توارثها جيلا بعد جيل، وأبرز هذه الحضارات هما الحضارتين الفرعونية والاغريقية.
بدأ التعليم منذ أقدم مجتمعات وعصور ماقبل الميـلاد، كانت تتم عملية التعليم شفويا قبل استخدام الكتابة وقبل حتى كتابة التاريخ من خلال العادات والتقاليد والقيم والمعتقدات والمهارات التى تُكتسب ويتم توريثها جيلا بعد جيل.
كان يعلم البشر فى ذلك الوقت أهمية التعليم وأنه السبيل الوحيد لتقدم الأمم ونهضتها، إلى أن وصل العصر الفرعونى وبدأ تطور عملية التعليم تدريجيا من خلال عملية الكتابة وافتتاح دور العلم المتمثله فى المعابد آنذاك.
و يُنظر إلى الحضارة الاغريقية باعتبارها الثقافة الأصيلة التي وضعت الأساس للحضارة الغربية وشكلت الثقافات في جميع أنحاء جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا خلال العصر الذي يعرف بالعصر الهلنستي.
كانت لحضارة الإغريق القديمة تأثيرا هائلا على اللغة والسياسة والنظم التعليمية، والفلسفة، والعلوم، والفنون، فأعطت أصالة لتيار النهضة خلال عصر التنوير في القرن 16 و 17 بأوروبا الغربية، واستعادة النشاط مرة أخرى خلال العديد من النهضات الكلاسيكية الحديثة في القرن الـ 18 والـ 19 بأوروبا والأمريكتين.
ويكيبيدياحيث توالت الحضارات والثقافات وانتشار التعليم بكافة صوره إلى أن أنتهينا من عصر ماقبل الميــلاد وبدء ظهور الهوية العربية بعد ذلك المتمثلة فى ظهور بعض الممالك المسيحية ووجود قبائل يهودية عربية.
إلى أن ظهر الاسلام فى القرن السابع الميلادى، ترسخت الهوية العربية بشكل كامل بعد نزول القرآن الكريم على سيدنا محمد “صل الله عليه وسلم” باللغه العربية والذى كان بمثابة البداية الحقيقية للغة العربية السليمة.
القرون الميلادية الأولى وظهور الهوية العربية
بدأ التقويم أو التاريخ الميلادى بميلاد المسيح عليه السلام، فى هذه الفترة بدأت الحضارات الاخرى بالازدهار فى بقاع الأرض المختلفة وتطورت أشكال التعليم والكتابة وتدوين التاريخ المتوارث على مر الأجيال، وإليك أبرز هذه الحضارات ومظاهر تقدمها العلمى..
الحضــارة العــربية
كان العصر الاسلامى بمثابة انطلاقه هائلة فى تاريخ التعليم فى الوطن العربى، حيث انتشر تعليم القرآن الكريم واللغة العربية وترسيخ مبادئ وقيم الاسلام الحميدة، بالاضافة الى الفتوحات الاسلامية المتتالية التى عززت انتشار الاسلام وتوسعه.
ظهر فى هذه الفترة مجموعة من أنبغ العلماء فى جميع المجالات العلمية الذين صدّروا علمهم ومعرفتهم لجميع أنحاء العالم ولجميع الحضارات مثل ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع والمؤرخ المغربى ابن بطوطه وابن سينا وغيرهم.
كان الطفل فى العصر الاسلامى يبدأ بتعلم القرآن الكريم واللغة العربية منذ نعومة أظافره إلى أن يقوم بحفظ القرآن بالكامل وتعلم جميع مبادئ العلوم والحساب والمبادئ والقيم الاخلاقية التى نفتقدها حاليا، فيخرج شابا صالحا يتحلى بجميع المبادئ والقيم الأخلاقيه وعلى دراية كاملة بجميع العلوم وبقدرات هائلة.
سُمى هذا العصر بالعصر الذهبى للاسلام وتحديدا من منتصف القرن الثامن حتى القرن الرابع عشر.
الحضــارة الاوروبية
كانت القرون الميلادية الأولى للاوروبين من العصور المظلمة وتحديدا من القرن الخامس الميلادى حتى أواخر القرن العاشر، حيث كانت تسمى هذه الفترة بالعصور الوسطى، أصيبت حضارة غربي أوروبا بالانحطاط، ولم يتبق من حضارة الرومان القدامى سوى مابقي في قلة قليلة من مدارس الأديرة والكاتدرائيات والبلاط والقصور الملكية.
أما العلوم التي نقلت عن اليونانيين فقد اندثرت تقريبًا، وكان الذين تلقوا علماً فئة قليلة من الناس، كما ضاع الكثير من المهارات الفنية والتقنية القديمة، وأمسى العلماء في جهلهم، يتقبلون الحكايات الشعبية والشائعات على أنها حقيقة.
وفي مقابل الظلام الدامس الذي خيم على غرب أوروبا، كانت الحياة أكثر إشراقًاً في جهات أخرى من العالم، فقد كان المسلمون في الأندلس في نفس الوقت يعيشون ثراءً حضارياً وثقافياً، ومن أبرز ما انتقل من الأندلس إلى الغرب وهو أهم أسباب تطور الحضارة الغربية هو علم الفلسفة الذي أخذه العرب من اليونانيين خصوصاً كتب الفيلسوف ابن رشد وشرحه لأرسطو..
ويكيبيدياأى كانت الثقافة العربية هى من تسيطر على العالم تقريبا فى ذلك الوقت بدون أدنى وجود للثقافات الغربية ووسط ظلام وجهل تام لهم، وصولا إلى بداية القرن الحادي عشر الميلادي، بدأت الحياة الاقتصادية والسياسية تنتعش في أوروبا،
وقد أدى الانتعاش إلى تطور ثقافي هائل خلال القرن الثاني عشر الميلادي! ويمكنك الاطلاع على التأثير الإسلامي والعربى على أوروبا خلال العصور الوسطى بالتفصيل خلال المقالة المفصلة على
ويكيبيدياكل ماسبق يتمثل فى الحقبة الزمنية التى نفتخر بها كعـرب.. القادم ماهو إلا مآساة تعليمية وثقافيه عربيه يقابلها تطور وتقدم أجنبى هائل حتى الان!
عصر النهضة الاوروبية
هو حركة ثقافية استمرت تقريبا من القرن الرابع عشر الميلادي إلى القرن السابع عشر، وكانت بدايتها في أواخر العصور الوسطى من إيطاليا ثم أخذت في الانتشار إلى بقية أوروبا.
شهد عصر النهضة بوصفه حركة ثقافية ازدهاراً في الأدب باللغات المحلية وابداعا في الأدب اللاتيني بدءاً من القرن الرابع عشر، ونهضةً في التعلم المعتمد على المصادر الكلاسيكية، والتي يعزو المعاصرون فضلها إلى بيترارك،
وتطور الرسم المنظور والتقنيات الأخرى لجعل الرسم أكثر واقعية وطبيعية، والإصلاح التعليمي الذي كان متدرجاً لكن على نحو منتشر..
ويكيبيدياظهر مايسمى بالدول الاوروبية الحديثة فى عهد عصر النهضة، حيث أدت هذه الثورة التعليمية إلى تطوير أساليب الحكم، وتدفق الثروات الناتجة عن الاكتشافات الجغرافية الكبرى، فضلًا عن تكون الرأي العام ونمو اللغات المحلية وظهور الروح القومية، ولقد كان لهذه العوامل أثرها الفعال في قيام الدول الأوروبية الحديثة.
بالاضافة الى إحياء الدراسات القديمة مثل الاغريقية واللاتينية ووجدوا معظم مجلداتهم في الكنائس والأديرة، فعكفوا على دراستها ،وترجمتها إلى اللغات المحلية مما فتح نوافذ المعرفة أمام غالبية الشعب.
عصر الاستعمار العربى
بعد ازدهار التعليم والثقافة فى الدول الاوروبية، بدأت مهمة الوطن العربى فى نشر التعليم والثقافة بالتلاشى تدريجيا، إلى أن تمكن الغرب من تطوير نفسه فى جميع المجالات العلمية والثقافية والسياسية،
وبدأت سلسلة الاحتلالات فى القرن السابع عشر بسيطرة النفوذ البرتغالى والهولندى على منطقة الخليج العربى إلى أن عقدت أول معاهدة ذات طابع سياسي مع سلطان أحمد (سلطان مسقط) سنة 1798م, ولم يكد القرن التاسع عشر ينتهي حتى كانت
بريطانيا قد عززت نفوذها في الخليج العربي حيث ارتبطت جميع إمارات الساحل العربي وهي والبحرين وقطر والكويت بمعاهدات سياسية مع بريطانيا كما أخضعت الساحل العماني لنفوذها عام 1820م.
بدأت بريطانيا فى سيطرة نفوذها الكاملة على العديد من الدول العربية الأخرى مثل احتلالها الكامل لمصر عام 1923 والسودان والعراق والأردن والمغرب واليمن وأخيرا فلسطين.
كان للاحتلال الفرنسى نصيبه أيضا من بعض الدول العربية مثل الجزائر وتونس والمغرب وسوريا ولبنان ومصر.
لعب احتلال الوطن العربى دورا كبيرا فى طمس الهوية التعليمية والثقافيه للعرب وأدى إلى تأخر العرب تأخرا شديدا فى جميع المجالات فى الوقت الذى كانت تتقدم به الدول الغربية تقدما هائلا وسريعا.
ولعل أبرز مظاهر هذا التقدم هو الثورة الصناعية الكبرى التى حدثت فى الدول الاوروبية فى القرن التاسع عشر حيث كان لها الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في أوروبا.
استمرت سلسلة الاحتلالات العربية لما يقرب من قرن من الزمان وهى مدة كافية لانتهاء جيل التعليم والثقافة والقيم فى الوطن العربى وظهور جيل آخر لم يحيا إلا على القتل والذبح وترسيخ أفكار الاستعمار المشينه.
ماسبق ذكرة مقارنة بين تاريخ التعليم فى بلادنا العربية والبلاد الاخرى على مر العصور والأزمنة.. إليك مقارنة سريعة بين التعليم فى بلادنا العــربية والبلدان المتقدمة الان..
فى الدول المتقدمة
التعليم الأساسى فى الدول الاوروبية وبعض الدول المتقدمه مثل اليابان والصين وغيرها مجانى وإلزامى من سن ثلاثة سنوات إلى 18 سنة، تبدأ المدارس الحكوميه بتبنى الطفل من عمر ثلاثة سنوات وتعليمه وتأهيله حتى سن 18 سنة وهو سن الانتقال لمرحلة التعليم العالى أو الجامعى.
بعد انتهاء فترة التعليم الأساسى يصبح الطالب مهيئا نفسيا واجتماعيا وتعليميا على دخول المرحلة الأهم بحياته وهى مرحلة التعليم الجامعى، بها يستطيع الطالب تحديد مستقبله واختيار مواد التعليم التى تناسب رغباته.
بعض الاحصائيات عن التعليم فى الدول المتقدمة :
– يعد الاوروبيون من أكثر الشعوب المتعلمة في العالم، فمعظمهم يعرفون القراءة والكتابة، ويستطيع 90% من سكان أوروبا القراءة والكتابة.
– يوجد بأوروبا عدد من أشهر الجامعات في العالم، وتشمل الجامعات البريطانية في كمبردج وأدنبره ولندن وأكسفورد. وتحتل كل من جامعة كامبريدج وأكسفورد كأفضل جامعات في العالم.
– تعد الشعوب الصينية واليابانية من أكثر الشعوب تحضرا وثقافة فى العالم ومن أكثرهم تحلى بالمبادئ والأخلاق أيضا.
– يختار الطلاب طريقة تعليمهم بأنفسهم من خلال المواد المراد تعلمها والهوايات المفضلة لديهم على مر جميع المراحل التعليمية من بداية المرحلة الابتدائية حتى دخول الجامعة.
– توفر حكومات هذه الدول جميع المتطلبات والبيئات اللازمه للطالب لخلق جيلا من المبدعين والرواد فى مجالاتهم المختلفه.
فى الدول العربية
يقــال أن التعليم فى بلادنا العربية إلزامى، ولكنه ليس كذلك فنسبة الأمية والجهل وصلت إلى 19% هذا العام، كما أن هناك العديد من العائلات الفقيرة غير قادرة على تحمل نفقات التعليم الأساسى! فالتعليم فى بلادنا العربية للأسف ليس مجانيا ولكنه لمن استطاع إليه سبيلا! حقا أشعر بالخذى والعار ممن يحكمون شعوبنا!
نظام التعليم الفقير متشابه إلى حد كبير فى العديد من الدول العربية، يدخل الطفل العربى إلى المدرسه ليتعلم فقط القراءة والكتابة مع اكتساب جميع العادات السيئة والمشينة إلى أن يصل إلى سن الثامنة عشر تصدر لنا المدرسه أشخاصا مُدمرين نفسيا واجتماعيا وتعليميا وأخلاقيا!
تأتى فترة التعليم الجامعى، والتى تعد من أكبر أسباب الفشل والضياع! فأصبحت الجامعات مجرد ورقة تسمى شهادة تخرج تُعلق على الحائط ليس لها أدنى علاقة بالحياة والواقع، ولعل السبب الأبرز فى ذلك هو عدم اهتمام نظام التعليم كليا بما يريده الطالب، فالنظام هو من يُجبرك على تعلم شيئا لن يفيدك ولست آهلا له! فتصبح النتيجة الحتميه هى ( مهندسا فاشلا – طبيبا فاشلا – محاميا ليس على دراية بأدنى القوانين! )
بعض الاحصائيات عن التعليم فى الدول العربية :
– بلغت نسبة الأمية والجهل فى الوطن العربى لعام 2014 إلى 19% من اجمالى سكان البلاد العربية، حيث يقدر بـ 96 مليــون نسمة!
– تحتل الجامعات العربية أدنى المراكز وسط أعرق الجامعات العالمية، والمؤسف أن هذه الجامعات كانت تعد من أكبر المنابر العلمية والثقافيه التى صدّرت العلم للدول الغربية قديما.
– على الرغم من أن الدين الاسلامى يحتل النسبة الأكبر من سكان الوطن العربى، إلا أن تعاليم الدين وقيمه وأخلاقه بدأت بالاندثار وتحولت البلاد العربية المتدينه إلى بلاد ماجنه.
– تعد نظم التعليم العربية من أفشل نظم التعليم حيث تؤدى إلى خروج أجيالا بلا أخلاق أو تعليم فكل وظيفتهم هى تعليم القراءة والكتابة والافتخار بالماضى بدون أى حاضر أو مستقبل!
- اقتباس :
أصبحت السلطة وتعتيم الشعوب هى وظيفة الحكام العرب للسيطرة على شعوبهم بالجهل والبحث وراء متطلباتهم الاساسية للعيش لعدم التفكير فى أدنى حقوقهم وهو التعليم، يُجبر الطالب على تعلم ما لايريده ولا يفيده بعد التخرج من الجامعه مما يؤدى به إلى فقدان الأمل بسبب عدم وجود مجرد دعم معنوى!
بمجـرّد أن تستلم شهـادتك الجـامعيــة ، حـاول أن تصنــع بهـا شيئاً مُفيــداً .. كأن تستغــل ورقهــا المُقــوّى في صنـاعة قراطيس جميلة أو أشكـال خلابة .. أو تستفيــد منهــا كـتخشينــة جيّــدة لغلــق نافــذة غرفتك المكســورة .. أو كورقــة ممتــازة توضع عليهــا البطاطس المقليــة دون أن تترك أثــراً ..
فقـط تجـاهل كــل الهُــراء المكتوب على شهادتك الجامعية ، الذي تحـاول إدارة الجـامعة أن تجعله أكاديميـاً جـاداً خطيــراً .. وقم بمنتهى التركيز بتحويلهــا إلى أفضــل سفيــنة ورقيـــة طريفة يُمكن ان تصنعهـا .. ثم أرهـا لإخوتك وأصدقــاءك .. ثم ألقهـا من النـافذة .. فالتعليم شئ والحياة شئ آخر تماما!
ففى الماضى كان تعليمــاً.. أما الان فأصبح تعتيمــاً