ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: الحسن بن الهيثم : الرجل الذي اكتشف كيف نرى الجمعة 16 نوفمبر 2018, 9:15 am | |
| الحسن بن الهيثم : الرجل الذي اكتشف كيف نرى- التاريخ مليء بالأبطال المنسيين , ربما لأنه في بعض الأحيان قد يُنسب الفضل في القيام بشيء عظيم لشخص آخر دوناً عن صاحبه الحقيقي , أو قد يكون السبب كون هذا الشخص إمرأة في عالم يسيطر عليه الرجال , وأحياناً يرجع ذلك إلى وجود مجتمع يرفض إدراج شخصٍ من مجتمع منافي له في الثقافة أو العقيدة في كتب التاريخ .فلنتعرف اليوم على ( ابن الهيثم ) - الرجل الحقيقي الذي علّم أوروبا كيف يكون العلم ! ولد الحسن بن الهيثم Ibn al-Haytham منذ حوالي ألف عام في العراق في ما يُعرف الآن باسم ( البصرة ) وذلك في حوالي 965 م , وكان مفكراً علمياً رائداً , صنع إسهامات عظيمة في مجال الضوء و البصريات , كما قدم ابن الهيثم إنجازات كبيرة في الرياضيات وعلم الفلك , وتميز عمله في مجال البصريات بالتركيز القوي على التجارب المصممة بعناية لاختبار النظريات والفرضيات , حيث تميزت منهجيته باستخدام التجربة للتحقق من النظرية , فيما أصبح يُعرف الآن ( بالطريقة العلمية الحديثة ) أو ( خطوات التفكير العلمي ) ,فكان ابن الهيثم يحرص دائماً على تأكيد أفكاره بالبراهين والأدلة , وقد قال في ذلك" إذا كان تعلم الحقيقة هو هدف العالِم ,, فعليه أن يجعل نفسه عدواً لكل ما يقرأ " - يعني ابن الهيثم بذلك - أنه من الضروري إجراء التجارب لاختبار ما هو مكتوب بدلاً من قبوله بشكل أعمى على أنه حقيقي . ومن خلال كتابه للبصريات ( كتاب المناظير ) - باللاتينية ( دي أسبكتيبوس De Aspectibus ) أثرت أفكاره على العلماء الأوروبيين بما في ذلك علماء عصر النهضة الأوروبية .واليوم يعتبره الكثيرون شخصية محورية في تاريخ البصريات , حتى أنه لُقّب بـ ( أبو البصريات الحديثة ) . الحسن بن الهيثم,ابن الهيثم,البصريات,الضوء,العين,الرؤية,نظرية,العدسات,الخليفة,الحضارة الإسلاميةكانت هناك وجهات نظر مختلفة لتفسير كيفية رؤيتنا للأشياء , وكانت تلك النظريات متداولة لقرون عديدة بين المفكرين اليونانيين التقليديين , فزعم بعضهم أن الأشعة تخرج من العين لتتم بذلك الرؤية , بينما اعتقد آخرون أن شيئاً ما يدخل العين ليمثل شكل الجسم الذي نراه , لكن في القرن الحادي عشر الميلادي , قام العالم ( ابن الهيثم ) بنقد منهجي لتلك الأفكار حول الرؤية لكي يبرهن من خلال العقل والتجربة أن الضوء جزءاً أساسياً ومستقلاً في العملية البصرية , وهكذا استنتج أن الرؤية لا تحدث إلا عندما يصدر شعاع ضوئي من مصدر مُضيء أو ينعكس من مثل هذا المصدر قبل أن يدخل العين .اثبت ابن الهيثم نظريته عن طبيعة الضوء والرؤية عن طريق تجربة شملت استخدام غرفة مظلمة أطلق عليها اسم ( البيت المظلم ) والتي تترجم الى اللاتينية بعبارة ( camera obscura ) - حيث أدى هذا الجهاز إلى اختراع أداة التصوير بعد ذلك .وهي عبارة عن غرفة أو مربع به ثقب من جانب واحد , يمر الضوء من خلاله من مصدر خارجي ويصطدم بسطح داخلي , حيث يظهر اسقاط الصورة بشكل مقلوب على السطح , وتلك الآلية هي ما تُستخدم حالياً في الكاميرا الحديثة .قصة حياته الدرامية الحسن بن الهيثم,ابن الهيثم,البصريات,الضوء,العين,الرؤية,نظرية,العدسات,الخليفة,الحضارة الإسلامية- ولد ( ابن الهيثم ) خلال فترة سادها الإبداع والعلم عُرفت باسم ( العصر الذهبي للحضارة الإسلامية ) , والتي شهدت العديد من نماذج التقدم المذهل في العلوم والتكنولوجيا والطب , وفي بقعة إسلامية إمتدت من أسبانيا إلى الصين , قام رجال ونساء ملهمون من مختلف الأديان والثقافات ببناء المعرفة والحضارة في ذلك الوقت , وصنعوا الإكتشافات التي كان لها تأثير ضخم في كثير من الأحيان على عالمنا حالياً .. نشأ ابن الهيثم في هذا الوقت حيث ازدهرت فيه المدارس والمكتبات في الحضارة الإسلامية , وكان الطلاب وقتها قادرين على الوصول إلى الباحثين المدربين تدريباً عالياً , والذين تمكنوا من تدريس مجموعة واسعة ومختلفة من العلوم والموضوعات , بما في ذلك القانون والأدب والطب والرياضيات والجغرافيا والتاريخ والفن , وكانت النقاشات والندوات العلمية شائعة حينها , وكانت تُقام باللغة العربية , كما دأب العلماء حينذاك على مناقشة الأفكار التي تضمها المخطوطات القديمة المترجمة حديثاً , وحينها انتشرت سمعة ابن الهيثم العلمية خارج البصرة .واستفاد ابن الهيثم كثيراً من القدرة على استخدام أعمال الأجيال السابقة من العلماء التي تُرجمت إلى اللغة العربية على مدى أكثر من ثلاثمائة سنة تحت رعاية حكام مسلمين مختلفين ونبلاء أثرياء. إن قصة حياة ابن الهيثم واكتشافاته استثنائية حقاً ,فعلى الرغم من إنه قدم مساهمات كبيرة في فهم طبيعة الرؤية والضوء , إلا أن انفراده الرائع هذا جاء في أحلك أوقات حياته .فعندما أعلن ابن الهيثم قائلاً " إذا اتيحت لي الفرصة .. فسوف أقوم بتنفيذ حل لتنظيم فيضان مياه النيل في مصر " . وصل هذا القول إلى الحاكم الفاطمي في مصر وقد كان وقتها " الحاكم بأمر الله الفاطمي " , والذي قام بدعوة " ابن الهيثم " إلى مصر , إلا أن ابن الهيثم بعد إعادة النظر في المشروع وجد أنه غير ممكن لضعف الإمكانات المتاحة في ذلك الوقت وبعد أن أدرك ( ابن الهيثم ) أن حياته ستكون في خطر محدق إذا خيّب آمال الحاكم , فتظاهر حينها بالجنون لتفادي غضبه , فكان ( ابن الهيثم ) يعلم أن الشريعة الإسلامية ستحمي الشخص المجنون من تحمل المسؤولية , ولكن على الرغم من ذلك , لم يلتزم الحاكم بأمر الله الفاطمي بالشريعة , ووضعه تحت الإقامة الجبرية بمنزله لمدة عشر سنوات بدلاً من إعدامه او طرده من القاهرة وهذا كان بموجب القانون لضمان سلامته وسلامة الآخرين , ولكن كانت الإقامة الجبرية عبارة عن سجن مريح مليء بالنصوص والأدوات العلمية , وهو بالضبط ما احتاجه ابن الهيثم , وعلى مدى العقد التالي , أثبت أن الضوء يسافر في خط مستقيم , وأظهر كيف تعمل المرايا , وقدم حجة مقنعة ( وصحيحة ) عن أن الضوء ينحني عندما ينتقل عبر الماء .وكتب بذلك ابن الهيثم كتابه الأشهر ( البصريات أو المناظير ) , وأكمله عام 1027 .تقول الروايات أنه في يوم من الأيام خلال فترة إقامته الجبرية, رأى ( ابن الهيثم ) ضوءاً ساطعاً من خلال ثقب صغير في غرفته المظلمة , مما أظهر صورة للمنظر الخارجي على الجدار المقابل في غرفته , أدرك حينها ابن الهيثم أنه كان يرى صوراً لأشياء خارج الغرفة تعكس ضوء الشمس الساقط عليها , ومن خلال تجارب متكررة , خلص ابن الهيثم إلى أن الأشعة الضوئية تسير في خطوط مستقيمة , وتتحقق الرؤية عندما تمر هذه الأشعة عبر أعيننا . وبعد العديد من التجارب باستخدام جهاز خاص من العدسات والمرايا التي قام ببناءها , وضع ابن الهيثم أفكاره الجديدة حول الضوء والرؤية في مجلداته السبع للبصريات وتم اطلاق سراح ابن الهيثم من اقامته الجبرية بعد وفاة ( اختفاء ) الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي .وتوفى ابن الهيثم عن عمر يناهز الـ 74 عاماً في عام 1040 في القاهرة .كيف أثر ابن الهيثم على الأجيال اللاحقة ؟ الحسن بن الهيثم,ابن الهيثم,البصريات,الضوء,العين,الرؤية,نظرية,العدسات,الخليفة,الحضارة الإسلامية- في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي , كانت طليطلة Toledo في أسبانيا مركزاً لحركة كبيرة لترجمة الكتب العربية إلى اللاتينية , وتوافد العلماء المسيحيون واليهود والمسلمون إلى المدينة , وعاشوا جنباً إلى جنب , وعملوا على ترجمة المعرفة القديمة إلى اللاتينية ثم إلى لغات أوروبية أخرى , وقد تمت ترجمة كتاب ابن الهيثم ( البصريات ) بالإضافة إلى بعض أعماله العلمية الأخرى إلى اللاتينية لجعلها متاحة للعلماء الأوروبيين ومن المعروف أن الترجمات اللاتينية لبعض كتب ( ابن الهيثم ) أثرت على مفكرين مهمين في العصور الوسطى وعصر النهضة الأوروبي مثل روجر بيكون ، ورينيه ديكارت ، وكريستيان هيغنز ، الذين عرفوه باسم "الهزان Alhazen" , فضلا عن ذلك تم تسمية إحدى فوهات القمر باسم ابن الهيثم , كما الحال مع كويكب تم تسميته "59239 الهزان" , تكريماً لجهوده في مجال الفيزياء والفلك .- وبعد وفاته , كانت كتابات ابن الهيثم أكثر تأثيراً بنسخها اللاتينية من العربية , وتم انتاج العمل الهام الوحيد باللغة العربية المبني على أفكار ابن الهيثم في أوائل القرن الرابع عشر ( في إيران حاليا ) من قِبل كمال الدين الفارسي , الذي كان مفكراً علمياً لامعاً في ذلك الوقت .وعندما تمت ترجمة كتاب ( ابن الهيثم ) للبصريات إلى اللغة اللاتينية , كان له تأثير كبير , فقد تمت دراسته وقراءته على نطاق واسع , وتم نشره كنسخة مطبوعة عام 1572 , حتى يكون متوفراً بصورة أكبر وأسهل .وقام عالم الفلك البولندي " يوهانس هلفيوس " بتكريم ابن الهيثم إلى جانب العالم جاليليو , في أشهر أعماله عن القمر Selenographia التي نُشرت عام 1647 .- ومن أصل 96 كتاباً ألفه وكتبه ابن الهيثم , نجا منهم 55 كتاب فقط , ومعظمها متعلق بموضوعات الضوء شملت ( ضوء القمر ، نور النجوم ، قوس قزح والهالة ، مرايا الاحتراق الكروي ، مرايا الاحتراق المتقاربة ، مجال الحرق ، شكل الكسوف ، تشكيل الظلال ، الخطاب على الضوء ، فضلا عن تحفته ، كتاب البصريات ) .كيف غّير ابن الهيثم مجرى العلم ؟ الحسن بن الهيثم,ابن الهيثم,البصريات,الضوء,العين,الرؤية,نظرية,العدسات,الخليفة,الحضارة الإسلامية- ان إكتشافات ابن الهيثم في البصريات والرؤية , طوت قروناً من سوء الفهم لطبيعة الضوء , فبعد ملاحظته أن الضوء يسير في خطوط مستقيمة أدرك أن الضوء الذي يدخل العين من مصدر ضوئي لم يكن سوى الخطوة الأولى في عملية الرؤية , وبنى ابن الهيثم أفكاره على عمل الطبيب اليوناني جَالِينُوس- أحد أكبر أطباء اليونان والعصور القديمة - الذي قدم وصفاً مفصّلاً للعين والمسارات العصبية ,فاستطاع ابن الهيثم اعطاء اسماء لعدة أجزاء من العين مثل ( العدسة , الشبكية , والقرنية ) , ولك أن تعلم أن أقدم رسم معروف للجهاز العصبي مأخوذ من كتاب ابن الهيثم للبصريات , حيث تظهر العينان والأعصاب البصرية .- ومن بين أفكار ابن الهيثم الأخرى كان فهمه للتناقض البصري وتباين الألوان , فعلى سبيل المثال - أدرك أن لون الكائن يعتمد على لون البيئة المحيطة , وأن تباين مستويات السطوع يفسر لماذا لا نرى النجوم أثناء النهار .واتبع ابن الهيثم طريقة التحليل التجريبي لإثبات النظريات , والتي تشبه بعض الطرق العلمية التي نعرفها اليوم , - فربما كانت أكثر إسهاماته إثارة للإعجاب في العلم - هي (الطريقة العلمية) - , فهو لم يكن يريد أن يخبر العالم عما وجده , ولكنه أراد أن يُري العالم كيف وجده !فقد أراد ابن الهيثم ان يجرب الناس تجاربه بأنفسهم , لذا قام بتوثيق تجاربه بدقة في أعماله الأكاديمية التي استغرقت منه 40 عاماً , والتي تراوحت بين موضوعات عن سلوك الضوء وطبيعته , وحركة الكواكب , والهندسة .كما أدرك أن الحواس غالباً ما تكون عرضة للخطأ , لذا ابتكر أساليب للتحقق والإختبار والتجريب للكشف عن حقيقة الظواهر الطبيعية حولنا , فحتى ذلك الوقت كانت دراسة الظواهر الفيزيائية نشاطاً تجريدياً مع تجارب عرضية بسيطة .وأثناء بحثه عن الأدلة لإثبات نظرياته عن الضوء جرّب ابن الهيثم استخدام المرايا المختلفة المسطحة والمقعرة والمحدبة والكروية والإسطوانية وغيرها .وكتب يقول" إن الأجسام المرئية التي نراها من خلال انكسار الضوء - عبر مواد سميكة كالزجاج والماء - أكبر من حجمها الحقيقي " .بعض الأسئلة التي أثارها ( ابن الهيثم ) بقيت دون حل لمدة ألف عام , وقد سُميت أحدى تلك المسائل بـ ( Alhazen’s problem ) كما عرفها الأوربييون .تلك المشكلة أو المسألة تتلخص في" فرض وجود مصدر للضوء ومرآه كروية , وعليك أن تبحث عن النقطة على المرآة حيث ينعكس الضوء على عين أحد المراقبين " , قام ابن الهيثم بحل تلك المسألة هندسياً , ولكنها بقيت دون حل جبري حتى تم حلها أخيراً في عام 1997 من قِبل عالم الرياضيات بيتر م .نيومان Peter M Neumann من جامعة أكسفورد .كما وجد ابن الهيثم أن ( الوهم البصري ) هو السبب في أن القمر يبدو لنا كبيراً جداً عندما يكون منخفضاً في السماء وقريباً من الأفق بالمقارنة مع حجمه عندما يكون عند مستوى ذروة السماء , ولا يزال لا يعرف أحد لماذا يحدث ذلك ! . استحق ابن الهيثم أن يلقبه البعض بـ العالم الأول .. على الرغم من أنه لم يكن الأخير بين الكثير من علماء العالم شرقاً وغرباً الذين قضوا حياتهم في خدمة العلم , وحتماً لم يكن ( ابن الهيثم ) الوحيد في عصر زخر بالعديد من سفراء العلم في أراضي الحضارة الإسلامية المترامية الأطراف , رجال أضاءوا طريق التاريخ بالعلم في وقت كان الظلام سيداً في أراض أوروبا في عصورها الوسطى المريرة . |
|