التوفير والادخار:الفلسفة والآليات في الفكر الاقتصادي المقارن

التوفير والادخار:الفلسفة والآليات في الفكر الاقتصادي المقارن
د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
تعريف مفهومي التوفير والادخار: التوفير هو الاقتصاد في استخدام السلع والخدمات ، لتحقيق هدف بعيد المدى، وهو نقيض التبذير و الإسراف ( ويكيبيديا )، أما الادخار فهو فائض الدخل عن الاستهلاك ( الادخار/ مفيد حلمي ).
فلسفه الادخار والتوفير:
الادخار في المنظور الاقتصادي الراسمالى : تناول منظري النظام الاقتصادي الراسمالى الادخار طبقا لفلسفته وقواعده ، فقدم ادم سميث يقدم نموذجاً لزيادة الثروة يقوم على قاعدة التراكم الرأسمالي . واعتقد ريكاردو أنه من الضروري للتقدم الاقتصادي أن يزيد الإِنتاج إِلى أقصى حد ممكن, وأن يؤلف الجزء الأكبر من هذا الحد الأقصى فائضاً يمتلكه المنظَّم الذي يعيد استثماره. ووضع كينز نظريه في الادخار خلاصتها أن الادخار تابع للاستثمار ويليه، فالاستثمار يؤدي إِلى توفير الدخل الذي يؤدي إِلى الادخار.
تقويم: في ظل النظام الاقتصادي الرسمالى يكاد يكون الادخار مقصور على طبقه الرأسماليين. أما شيوع ثقافة الادخار والتوفير بين كل طبقات المجتمعات الراسماليه الغربية ، فلا يرجع إلى الأساس النظري لنظام الاقتصادي الراسمالى، بل ينطلق من تطبيقه العملي، فيرجع هذا الشيوع إلى خوف الناس من الأزمات ألاقتصاديه التي تكاد تتكرر بصوره دوريه في هذا النظام ، والتي يتم تجاوزها دائما من خلال تدخل الدولة، اى من خلال نفى الأساس الفكري الايديولوجى الذي يستند إليه النظام الاقتصادي الراسمالى، اى عدم تدخل الدولة كممثل للمجتمع ، والتي ترجع جذورها إلى صميم هذا النظام الاقتصادي المستند إلى الليبرالية كمنهج والقائلة بان” مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة” ، اتساقا مع ما سبق تم نقد نظرية الادخار الكينزية (أهم نظريه رأسماليه في الادخار ) من منطلق أنه على أهميه هذه النظرية في التخفيف من حدة تناقضات النظام الاقتصاد الرأسمالي- على المستوى العملي- إلا أنها لا تعالج الأسباب الحقيقة لهذه التناقضات– على المستوى النظري.
الادخار في المنظور الاقتصادي الماركسي: نقد كارل ماركس تحليل الاقتصاديين الرأسماليين للادخار، بعد أن وضع النظام الرأسمالي في إِطار التطور التاريخي, وأكد أن الشكل المحدَّد للفائض الاقتصادي وحجمه وأسلوب تملكه وطريقة استخدامه تُعبر كلها عن مرحلة معينة من تطور العمل وتطور إِنتاجيته. وعند صوغ هذه الملاحظة ألح ماركس على عرض الأشكال التاريخية المختلفة التي اتخذها الفائض الاقتصادي والدور الذي قامت به تلك الأشكال المختلفة في التاريخ, محدداً بذلك جوهر الادخار ومصادره الأساسية في الأنظمة الاجتماعية المختلفة.
تقويم: رغم أن النظم الاقتصادية الاشتراكية ، تهدف إلى توزيع الثروة والدخل توزيع عادل ،بما يرفع نصيب الطبقات الفقيرة في الدخل القومي، مما يزيد من قدرتها على الادخار، إلا أن إلغاء الماركسية للملكية الفردية – على الأقل من الناحية النظرية نتيجة لخلطها بين الملكية الفردية والملكية الخاصة ” حق التصرف المطلق في المال كما في الراسماليه “- ساهم في ضعف الادخار في المحتمات الماركسية –سابقا- فضلا عن إشكاليات أخرى عانت منها هذه المجتمعات كالبيروقراطية والفساد وانعدام الشفافية والديموقراطيه…
الادخارو التوفير من المنظور الاقتصادي الاسلامى: اقر المنظور الاقتصادي الاسلامى التوفير والادخار طبقا لضوابط معينه” هي الضوابط الشرعية للتوفير والادخار” ، وانطلاقا من فلسفه اقتصاديه معينه “هي الفلسفة ألاقتصاديه الاسلاميه “.
ا/ أدله إقرار المنظور الاقتصادي الاسلامى للتوفير والادخار:

• نهى الإسلام عن الإسراف والتبذير – وهما نقيضان للتوفير- جاء في فيض القدير للمُنَاوِي، : قال الماوردي(الإسراف تجاوز في الكمية وهو جهل بمقادير الحقوق. والتبذير تجاوز في موضع الحق فهو جهل بمواقعها وكلاهما مذموم).
• حثت كثير من النصوص على الادخار والتوفير: فقد اشار القران الكريم الى خطة يوسف (عليه السلام) فى مواجهة المجاعة التي فسر بها روية عزيز مصر، حيث أمر بالادخار وقت الرخاء سبع سنوات ، كما أشاد القرآن بالأب الصالح الذى ترك كنـزا لليتيمين ، فى قصة موسى والخضر” سوره الكهف ” ، وفى السنة قال الرسول (صل الله عليه وسلم) (رحم الله امرأ اكتسب طيبًا، وأنفق قصدًا، وقدم فضلا ليوم فقره وحاجته) )متفق عليه)
• ادخر الرسول (صل الله عليه وسلم) لأهله قوت سنة من مال خيبر، كما حدَّث بذلك عمر بن الخطاب (رضي الله عنه )، ورواه البخاري، وعلق عليه الشرقاوى بقوله ( ولا يعارضه حديث أنه كان لا يدخر شيئا لغد، لأنه كان قبل السعة ، وفيه جواز ادخار القوت للأهل والعيال ، وأنه ليس بمكروه ولا ينافى التوكل ، وكيف ومصدره عن سيد المتوكلين ؟).
• ووردت آثار كثيرة عن السلف الصالح تدعو إلى الادخار، منها قول على ( رضي الله عنه) فى كتابه إلى عامله على البصرة ( دع الإسراف مقتصدا ، واذكر فى اليوم غدا ، وأمسك من المال بقدر ضرورتك ، وقدم الفضل ليوم حاجتك )( نهج البلاغة : ج 2 ص 19 )، وقال عبد الله ابن عمرو(احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واحرث لآخرتك كأنك تموت غدا ) (عيون الأخبار ج 1 ص 244 ).
ب/ ضوابط الادخار والتوفير في المنظور الاقتصادي الاسلامى:
• أن لا يلزم من التوفير والادخار الإِبقاء على المال عاطلاً او ان يتحولان إلى اكتناز.
• ألا يؤدي التوفير والادخار إلى احتكار سلعه معينه ، فلا يجوز احتكار اى سلعه عينه يحتاج إليها الناس.
• أن يكون لا يكون التوفير والادخار الادخار من باب ضعف اليقين في أن الله هو الرازق أو قله التوكل على الله تعالى ، بل من يكون من باب الأخذ بالأسباب الذي لا يتعارض مع المفهوم الصحيح للتوكل.
• ألا يؤدي التوفير والادخار إلى البخل والشح .
ج/الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه التى ينطلق منها التوفير والادخار فى المنظور الاقتصادي الاسلامى: ينطلق منها التوفير والادخار في المنظور الاقتصادي الاسلامى من فلسفه اقتصاديه إسلاميه مضمونها: إسناد ملكية المال “اى حق التصرف المطلق في المال”لله تعالى وحده ﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ (النور: 33). واستخلاف الجماعة في إظهار ملكيته تعالى ،بإسناد الانتفاع بالمال على الوجه الذي حدده مالك المال إليها قال تعالى﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ (الحديد: 7)، أما الفرد فهو نائب ووكيل عنها في الانتفاع بالمال على الوجه الذي لا يتناقض مع مصلحتها (الوظيفة الاجتماعية للملكية). وطبقا لهذه الفلسفة ألاقتصاديه فان التوفير والادخار مشروط بالالتزام بالضوابط التي وضعها مالك المال “الله تعالى ” للتصرف في المال “كالزكاة الصدقات وأحكام المواريث ،وضوابط البيع والشراء……” ، وعدم التعارض مع مصلحه الجماعة المستخلف الاصلى في الانتفاع بالمال.
د/ الرد على دعوى تحريم الإسلام للتوفير والادخار مطلقا: وقال البعض بتحريم الإسلام للتوفير والادخار مطلقا استنادا إلى فهم خاطئ لبعض النصوص ومنه: ا/ قوله (صلى الله عليه وسلم)( أنفق يا بلال ولا تخش من ذى العرش إقلالا), ب/ نهيه(صلى الله عليه وسلم) عن ادِّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام ، ج/ إنفاق أبى بكر الصديق (رضي الله عنه) فى غزوة تبوك كل ما عنده ولم يبق لعياله إلا الله ورسوله .والفهم الصحيح لهذه النصوص هو ا/ النهى الوارد في حديث بلال عن إمساك المال من باب أو ضعف اليقين في الرزق الالهى، أو البخل والشح ، وليس من باب التوفير والادخار، ب/ ورد النهى عن ادخار لحم الأضاحى من أجل إطعام المحتاجين الذين يفدون على المدينة ، ولكن نسخ هذا النهى لاحقا ،وأجاز الرسول (صل الله عليه وسلم) لأهل المدينة والمسلمين أن يأكلوا ويدخروا لأولادهم منها ، وجاءت فى ذلك عدة أحاديث متفق على صحتها” ، ج/ انفق أبو بكر الصديق كل نقوده فى غزوه تبوك، ولكن بقيت له أملاك أخرى كالنخل الذي تركه بعد وفاته وأوصى عائشة أن تجذه ، فضلا عن أن أبا بكر لا يدانيه أحد بعد الرسول في قوة إيمانه . كما نسب البعض تعميم القول بتحريم الادخار والتوفير مطلقا إلى بعض الفرق الاسلاميه كالصوفية، وهو تعميم خاطئ، فالعديد من أعلام التصوف الاسلامى “السني” ميزوا بين أنواع متعددة للادخار ، ورفضوا بعض هذه الأنواع، وقبلوا أنواع أخرى منه، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن ابن عطاء الله السكندري لم يرفض الادخار جمله واحده ،إنما ميز بين أقسامه المختلفة فرفض بعضها وقبل بعضها (فاعلم أن الادخار على ثلاثة أقسام : ادخار الظالمين، وادخار المقتصدين ،وادخار السابقين: فأما القسم الأول فهم المدخرون بخلا واستكبارا، الممسكون مباهاة وافتخارا…القسم الثاني من أقسام الادخار ادخار المقتصدين وهم الذين يدخرون لا استكبارا ولا مباهاة ولا افتخارا، إنما علموا من نفوسهم الاضطراب عند الفقد ، فعلموا أنهم أن لم يدخروا تشوش عليهم إيمانهم ،وتزلزل ايقانهم ،فادخروا لضعفهم عن حال المتوكلين ، وعلمهم بعجزهم عن مقام اليقين …القسم الثالث بالنسبة إلى الادخار وعدمه السابقون وهم الذين سبقوا إلى الله ، لتخلص قلوبهم مما سواه ، فلم تعقهم العوائق ، ولم يشغلهم عن الله العلائق ، فسبقوا إليه، اذ لا مانع لهم، وإنما منع العباد من السبق إلى الله التعلق بغير الله)( التنوير في إسقاط التدبير ،المكتبة الازهريه للتراث القاهرة، 2007 ، ص 141-144).
آليات الادخار والتوفير: وقد أشار الخبراء إلى كثير من آليات التوفير والادخار ومنها:
• تحديد الهدف من الادخار.
• وضع ميزانية شهرية وتدوينها.
• تحديد الأولويات.
• إدراك حقيقة ان الفارق بين الادخار والبخل أن الأول تالي للإيفاء بالالتزامات تجاه النفس والاسره والآخرين – خلافا للأخير-
• معرفه أن الادخار السليم يكون من فائض الدخل الشهري الثابت بعد خصم المصروفات الشهرية الثابتة كإيجار المنزل والأقساط والديون و الحد الأعلى للمصروفات غير الثابتة من فواتير أو احتياجات منزلية بأنواعها كافة، و المبلغ الشهري المخصص للطوارئ.
• يخضع الادخار بقصد الاستثمار لقاعدة (70 -20 -10) اى إنفاق 70% من الدخل الشهري على الالتزامات، إنفاق 20 % من الدخل الشهري على الاستثمار قليل المخاطرة، إنفاق 10 % من الدخل الشهري على الاستثمار شديد المخاطرة.
• وضع قائمة من الأولويات للحاجات ، تحدد أوجه الصرف الرئيسية في مراحل الحياة المختلفة.
• إي استثمار للمدخرات يجب أن تكون فائدته أعلى من قيمة التضخم السنوي
• تسديد الديون سابق على الادخار .
• فتح حساب توفير ومع عدم استخراج خدمات صرف هذا الحساب، كعدم استخراج بطاقة الصراف الآلي، وعدم استخدام الخدمات المصرفية على الانترنت لهذا الحساب.
• الالتزام بنظام نظام حمية كاملة لمدة يومين أسبوعيا، وهي الامتناع عن شراء أي شيء إلا للضرورة القصوى، والامتناع عن القيام بأي نشاط ترفيهي.. واكتف باستهلاك ما يوجد بالمنزل..
• الالتزام بطرق التوفير الإجبارية.
• التخزين السليم من أهم قواعد الادخار.
• يقدم معرّف مشروع “الحصالة”، الذي ينشط عبر “تويتر” عدد من الآليات الادخار لذوى الدخل المنخفض ومنها: تركيب فلتر مياه بالمنزل، والاستغناء عن المياه المعدنية، وإغلاق الكهرباء عند مغادرة المنزل، وخفض معدل الذهاب للمطاعم والأسواق، وتحضير الإفطار والقهوة في المنزل واصطحابها للعمل، وإلغاء الاشتراك في القنوات الفضائية المدفوعة، وتحديد ميزانية شهرية وسنوية والالتزام بها، واستخدام عروض وبطاقات التخفيضات، والبحث عن الفعاليات المجانية الترفيهية للأسرة، وأخيرًا عدم الاستهانة بالفكه.
• الالتزام باليات التسوق الذكي/ الاقتصادي ومنها :
1. البحث عن البدائل الأقل سعرًا.
2. عدم شراء أول سلعه تصادفك، والقيام بجولة لمعرفه السعر الأقل للسلعة قبل الشراء.
3. وضع قائمة المشتريات قبل التسوق يعلم فن الادخار، لان هذه القائمة تساعد في تحديد الأشياء التي يجب شراءها بناء على الحاجة إليها وليس بناء على الإعلانات وغيرها.
4. الشراء يجب أن يتم بناء على ” ما تحتاج” وليس “ما تريد”.
5. الاحتفاظ بوعاء في البيت توضع فيه الفكه .
6. ملاحظه أن المنتجات مرتفعة الثمن موضوعة في مستوى النظر على الرفوف، وتكون المنتجات قليلة الثمن صعبة الوصول إليها.
7. الاحتفاظ بالفاتورة لمراجعه المشتريات.
8. ترك بطاقة الصراف الالى وبطاقة الائتمان في المنزل.
9. متابعه مخزون البيت.
10. اختيار الوقت المناسب للشراء.
11. تجاهل رأي البائع لأن وظيفته إقناع الزبون بشراء السلعة، حتى لو كانت غير ملائمة له
12. استخدام الاله الحاسبة عند حساب قيمه المشتريات.
13. شراء السلع قبل موسم الحوجه إليها .
14. الشراء من المصدر الاصلى ومحلات البيع بالاجمالى قدر المستطاع.