الجريمة والسلوك الاجرامى: التعريف والأسباب والنظريات المفسرة واليات المكافحة
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
اولا: تعريف الجريمة (Crime) والسلوك الاجرامى (Criminal Behavior) : تعددت تعريفات الجريمة والسلوك الاجرامى، والتعريف الذي نرجحه هو تعريفهما بأنهما ” القيام بفعل أو الامتناع عن فعل، يعتبر انحراف عن المعايير الجماعية والقانونية والدستورية، يترتب عليه اعتداء على حقوق الآخرين، ويقرر القانون له عقوبة معينه ” . وهو تعريف يقارب تعريف الفقه الجنائي الاسلامى للجريمة ، ومثال له تعريّف الإمام الماوردي لها بأنها (محظور شرعيّ “القيام بفعل نهى الشرع عنه، أو الامتناع عن فعل أمرٍ الشرع به ” إما بحدّ أو تعزير ).
ثانيا:أركان الجريمة: وللجريمة ثلاثة أركان أساسية، وهي:
ا/ الرُكن القانوني : وهو القواعد القانونية التي تحدد طبيعة الجريمة، وطبيعة العقوبات المترتبة على ارتكاب هذه الجريمة.
ب/الركن المادي : وهو ما يترتب على السلوك الاجرامى من اعتداء على حقوق الآخرين، ويعتمد على ثلاثة عناصر أساسيّة: ا/ الفعل: وهو السلوك الاجرامى، ب/ النتيجة: وهي كل ّما يترتب على السلوك الاجرامى من ضرر، ج/ العلاقة السببية: وهي الرابط بين السلوك الاجرامى وما يترتب عليه من ضرر.
ج/الركن المعنوي : هو صدور السلوك الاجرامى عن اراده الفرد.
ثالثا: أنواع الجرائم: تقسّم الجرائم إلى أنواع متعددة طبقا لمعايير متعددة :
ا/ معيار مدى خطورة الجريمة : تقسم الجريمة طبقا لهذا المعيار إلى ثلاثة أنواع هي : ا/ الجناية: وهي أكثر هذه الأنواع خطورة، وعقوبتها السجن أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام ،ب/ الجنحة: وهى اقل خطورة من النوع السابق ، وعقوبتها السجن لثلاث سنوات كحد أقصى أو دفع غرامة ، ج/ المخالفة: وهى اقل هذه الأنواع خطورة أبسط ، وعقوبتها السجن من يوم واحد إلى عشرة، أو غرامة مالية.
ب/معيار طبيعة الجريمة: تقسم الجريمة طبقا لهذا المعيار إلى:ا/ جرائم سياسيه .ب/ جرائم اقتصاديه .ج/جرائم اجتماعيه . د/ جرائم جنسيه…
ج/ معيار صورة الفعل : تقسم الجريمة طبقا لهذا المعيار إلى : ا/ الجريمة الإيجابية: وتكون على صوره فعل يمنعه القانون كجرائم القتل والسرقة…ب/ الجريمة السلبية: و تكون على صورة الامتناع عن القيام بفعل يأمر به القانون، كالامتناع عن الشهادة. ج/ الجريمة الآنية: وهي الجريمة التي تتمّ بنفس وقت ارتكاب الجريمه ؛ كالقتل الذي يُفضي لإزهاق الروح بنفس وقت الجريمة ، د/ الجريمة المستمرة : وهي جريمة يطول زمن ارتكابها كجرائم الاختطاف ، ه/ الجريمة المتعاقبة: وهي الجريمة التي يستمر المجرم بارتكابها كالنصب والاحتيال المتكرر .
رابعا:أسباب الجريمة والسلوك الاجرامى: وقد أشار علماء وخبراء السلوك الاجرامى إلى أسباب كثيرة للجريمة السلوك الاجرامى ومنها:
• انعدام أو ضعفُ الوازع الدّيني والاخلاقى، نتيجة للتربية غير السليمة.
• التأثر بالبيئة الاجتماعية الفاسدة.
• البطالة والظّروف الاقتصادية القاسية والحاجة.
• تعاطي المُسكِرات والمُخدّرات
• الرغبة في الانتقام والثأر.
• الرغبة في تحقيق كسب سريع بدون بذل اى مجهود.
الجريمة والسلوك الاجرامى ظواهر مركبه ومتعددة الأسباب: يجب الاشاره إلى أن الجر يمه والسلوك الاجرامى ظواهر مركبه وبالتالي تتعدد أسبابهما،ولا يجوز تفسيرهما بسبب واحد.
خامسا: النظريات المفسرة للجريمة والسلوك الاجرامى:
1-النظرية الجغرافية: وتنطلق من فرضيه ان البيئة الجغرافية هي التحدد سلوك الإنسان بما فيه السلوك السوي والسلوك الاجرامى، ومن الفلاسفة الذين تبنوا هذه النظرية مونتسكيو.
تقويم: ووجه الخطأ في هذه النظرية أنها قائمه على شكل من أشكال الجبرية الجغرافية، التي تلغى حرية الاراده الانسانيه،وتجعل العلاقة بين الإنسان وبيئته الجغرافية علاقة تأثر”بالطبيعة” دون تأثير “من الإنسان” بينما هي علاقة تأثير متبادل.
2-النظرية الفسيولوجية :وتنطلق من فرضية أن هناك علاقة بين خصائص الجسم وملامح الشكل ( الهيئة ) وبين طبيعة خُلق الفرد وسلوكه .
تقويم:هذه النظرية تركز على البعد المادي الفسيولوجي “الجسمي ” للإنسان، وتتجاهل أبعاده الروحية والنفسية ..
3-النظرية الوراثية: وتنطلق من فرضيه أن السلوك “السوي والاجرامى” ينتقل من الآباء إلى الأبناء بالوراثة .
تقويم: هذه النظرية ركزت على العوامل الوراثية للسلوك الاجرامى ، ولكنها تجاهل دور العوامل المكتسية “كالبيئة والتربية…كما أن العوامل الوراثية توجد فقط الاستعداد الاجرامى ، إلى يتوقف تحوله إلى سلوك اجرامى على عوامل مكتسبه كالبيئة .
4-النظرية البيئية : وتنطلق من فرضيه أن الببئه هي التي تحدد السلوك الانسانى ” السوي والاجرامى”.
تقويم: وهذه النظرية تركز على دور العوامل الموضوعية “كالبيئة “، وتتجاهل دور العوامل الذاتية الاراده.
5- نظريّة الوصم : وقال بها عالم الاجتماع والأنثروبولوجيا إدوين لمرت ، وتنطلق من افتراض مضمونه أن المجرم يقوم بالسلوك الاجرامى كنتيجة لردود أفعال المُجتمع المحيط به تجاهه.
تقويم: هذه النظرية تركز على دور العوامل الاجتماعية، وتتجاهل دور العوامل الفردية .
التفسير الشامل للجريمة والسلوك الاجرامى: إن وجه الخطأ في هذه النظريات أنها تركز على دور عامل معين وتتجاهل دور العوامل الأخرى ، بينما التفسير الصحيح للجريمة والسلوك الاجرامى هو التفسير الشامل ، الذي يقر بدور كل العوامل( الذاتية والموضوعية ، الفردية والاجتماعية، المادية والمعنوية…)
سادسا: آليات مكافحه الجريمة و السلوك الإجرامي : وقد اقترح علماء وخبراء السلوك الاجرامى العديد من آليات مكافحه الجريمة والسلوك الاجرامى ومنها:
• وضع السلطات والهيئات المختصة ، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، الخطط والبرامج الشاملة ،التي من شأنها القضاء على العوامل المؤدية إلى الإجرام أو الظروف المهيئة له.
• وضع برامج متنوعة لعلاج ذوى السلوك الاجرامى مثل تحويل الرغبات والميول الخطرة عند الإنسان وعلاجها والعمل على الحد من حالات التعرض للإغراءات.
• المكافحة الرسمية والمجتمعية للمخدرات والخمور وإنشاء مراكز لعلاج وتأهيل معالجة المدمنين.
• العمل الرسمي والمجتمعي على حل المشاكل الاجتماعية كالتفكك أسري .
• العمل المشترك للقضاء على المربع المخرب” الفقر والجهل والمرض والبطالة ”
• دعم دور الاسره الرئيسي في مكافحه السلوك الاجرامى، من خلال التربية السليمة ،من خلال وضع التشريعات التي توفر الحماية الاجتماعية والاقتصادية للاسره.
• تفعيل برامج الضمان الاجتماعي الأسرة.
• تفعيل دور المدرسة في مكافحه السلوك الاجرامى، من خلال تصميم برامج تعليمية متخصصة.
• تفعيل دور الإعلام في مجال مكافحه الجريمة والسلوك الاجرامى .
تحقيق سيادة القانون،والمساواة أمام القانون.
• وضع عقوبات رادعه على الجرائم ذات خطورة الأكبر على المجتمع، كترويج المخدرات والاتجار بالبشر…
النظام الراسمالى محفز للجريمة والسلوك الاجرامى: وهنا يجب تقرير أن النظام الاقتصادي الراسمالى- الذي جرى تطبيقه بدرجات متفاوتة ، في المجتمعات العربية من سبعينات القران الماضي، تحت شعارات متعددة كالانفتاح الاقتصادي والتحرير الاقتصادي والخصخصة – هو محفز للجريمة والسلوك الاجرامى،لان هذا النظام بالنظام الراسمالى جاء بقانون المنافسة الحرة ، الذي يترتب عليه إطلاق الأفراد من أي التزام من قبل المجتمع الذي ينتمون إليه ، ولان هذا النظام يقوم على عدم تدخل الدولة في النشاط الفردي ، على أساس أن ” مصلحة المجتمع ستحقق حتما وتلقائيا من خلال تحقيق كل فرد مصلحته” بحكم القانون الطبيعي ،ولان هذا النظام يبيح الكذب والغش والخديعة والتعسف والربا والغبن والإكراه الاقتصادي والادبى طبقا للقاعدة القانونية الليبرالية الشهيرة :” القانون لا يحمى المغفلين، وأخيرا لان تطبيق هذا النظام يترتب عليه فتح المجتمعات التي جرى تطبيقه فيها أمام منظمات الجريمة المنظمة الدولية. ويترتب على ما سبق أن مكافحه الجريمة والسلوك الاجرامى ، لا تكتمل إلا من خلال :
اولا: مقاومه النظام الراسمالى، من خلال آليات متعددة منها :ا/المقاطعة ألاقتصاديه الشعبية ،ب/ تطبيق الاقتصاد التعاوني، ج/ تطبيق نظم الضمان الاجتماعي ، د/ الضغط على الحكومات بطرق سلميه لوضع ضوابط للسوق ، ه/ تفعيل منظمات حماية المستهلك ،و/ تفعيل وتطوير العمل الخيري.
ثانيا: السعي لإيجاد نظام اقتصادي بديل للنظام اقتصادي الراسمالى ، يحقق العدالة الاجتماعية، ويحافظ على مصالح اغلبيه الشعب، وليس مصلحه طبقه أو فئة معينه.