منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية   مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Emptyالأحد 30 ديسمبر 2018, 3:06 pm

تمهيد ومقدمة عن علم الأخلاق


اختلف المؤرخون لعلم الأخلاق أن يحصلوا على تعريف موحد أو تحديد قاطع يصور ذلك العلم فى مختلف الأزمان ومتعدد العصور ولدى جميع الفلاسفة والباحثين ، من أجل ذلك اختلفت تعريفاته وتعددت تحديداته
وإليك عزيزى القارئ بعض هذه التعريفات وآراء الأخلاقيين فى قبولها ورفضها
1 - الأخلاق هى علم العادات ، وأصحاب هذا التعريف قد تأثروا بالأصل الأغريقى لكلمة (ايتوس) ومعناها العادة
إلا أن هذا التعريف قاصر عن دائرة علم الأخلاق التى لا تقتصر على أعمال الإنسان الإرادية التى تتكون عنها العادات والتقاليد ، وإنما بجانب ذلك تتناول التوجيه السديد المقنع لعمل الخير واجتناب الشر ، والحض على التمسك بصالح التقاليد والعادات ، بمقدار اجتناب ما هو فاسد منها ، وفوق هذا وذاك يدخل فى نطاق دائرة علم الأخلاق تقييم أعمال الإنسان والحكم عليها بأنها خير يجب أن يمارس ، أو شر ينبغى الابتعاد عنه
2 - الأخلاق هى علم الإنسان ، وهو تعريف الكاتب الفرنسى باسكال
وإذا كان التعريف الأول قد أخذ عليه أنه أضيق من دائرة اختصاص العلم فإن هذا التعريف أوسع من الدائرة ، لأنه يتناول كل ما هو متعلق بالإنسان من علوم ومعارف ، يتناول علوم الطب والنفس والمنطق والتاريخ وسائر العلوم التى تدور حول الإنسان وتتخذه موضوعا
3 - الأخلاق هى علم الخير والشر ، وهو تعريف لا يفى بموضوعات هذا العلم ، لأنه لا يقف عند حد الكشف عن حقيقة كل من الخير والشر ، وإنما يحدد كذلك الواجب والواجبات ويحض عليها
4 - الأخلاق هى دراسة الواجب والواجبات ، وهو تعريف كذلك قاصر لأنه أهمل جانبا هاما من جوانب العلم ، وهو تقييم الأعمال الإنسانية على ضوء تحديده لقيمة كل من الخير والشر
5 - الأخلاق هى العلم بالفضائل وكيفية اقتنائها ليتحلى الإنسان بها والرذائل وكيفية توقيعها ليتخلى عنها ، وهذا هو تعريف البستانى فى دائرة معارفه ، إلا أنه قاصر عن بيان كيفية تحلى الإنسان بالفضائل وتخليه عن الرذائل وبيان أمثل الطرق لذلك
الأخلاق عند أفلاطون
عنى أفلاطون بالأخلاق أشد العناية، والبحث فيها ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة يتجه الأول إلى البحث في الخير الأسمى، ويستحه الثاني إلى البحث في تحقيق الخير الأسمى في جزئياته وذلك عن طريق الفضائل وهو ما يتحقق لدى الأفراد، والثالث البحث في الأخلاق التي تحقق الخير في الدولة وبمعنى أدق البحث في السياسة ، والخير عند أفلاطون وسيلة الإنسان وغايته في تحقيق السعادة من كل عمل أخلاقي ، وهو يوحد بين السعادة والدافع الأخلاقي إذ جعلهما شيئاً واحداً (بدوي، 1984) ، غير إن التفرقة بينهما هي من نتاج العصر الحديث التي ابتدأت منذ زمن كانط[†] (Immanuel Kant) الذي جعل السعادة منفصلة تماما عن الدوافع الأخلاقية من رغبات وشهوات ، إذ يرى إن الدافع الأخلاقي مرتبط بالواجب وهو لا صلة له بالسعادة فقد يتأتى عن تحقيق الواجب سعادة ؛ وقد ينتج عن تحقيقه شقاء ؛ والنتيجة الأخلاقية في كلتا الحالتين واحدة عند كانط (Immanuel Kant) لان الأخلاق هي تحقيق الواجب وليس تحقيق السعادة (الطويل ، 1979).
ولكن أفلاطون الذي سبقه بزمن طويل يؤكد ارتباط الخير المتمثل بالعدل في السعادة المتمثلة بتحقيق اللذة ، وجوهر الخير الأقصى مرتبط بالوجود الحقيقي وهو وجود الصور وتبعاً لفكرة الخير الأقصى إذ يقدم أفلاطون صورتين متعارضتين للخير تحاول إحداهما أن تسود الأخرى وأن كانت الغلبة للأولى منهما، ومؤداها أن الوجود الحقيقي لا يكون لغير المثل، أما المحسوسات فمجرد أشباح للمثل صبغت على نمطها وهي مفارقة للمادة وعلى الإنسان أن يتشبه بها بما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فيتحرر من علائق رسمه وقيوده فإن كان الوجود الحقيقي هو وجود الصورة لكن ما يتصل بهذا الوجود هو الحقيقة فهو الخير وكل ما يتعارض مع هذا الوجود هو الشر (الطويل، 1979).
ينظر أفلاطون إلى الطبيعة الإنسانية نظرة ثنائية من نفس وحسد، وأن منزلة الحسد من النفس بمنزلة المادة، ومنزلة النفس منها بمنزلة الصورة، وأن المادة هي من أجل الصورة والصورة من أجل الأفعال أو الانفعالات الصادرة عنها (ابن رشد، 1998)، ويرى أن النفس جاءت من عالم المثل ودخلت بالجسد لتقضي حكماً بالسجن فيه وتعود مرة أخرى إلى عالم المثل (Armstrong, 1965)، فالنفس تنسب إلى عالم المثل، والجسد إلى عالم الحس، ويعد النفس من عالم المثل فهي إلهية وأزلية أبدية سابقة في وجودها على الجسد، وهي باقية بعد الموت (ابن العبري، 1980)، ولكنها تحاول الفرار من عالم الحس إلى عالم المثل كونها حلت بالجسد كارهة إلا أن طول ملازمتها له دفعها لتألفه وترضى بشواته لتنسى حقائق الغيب وكمالها العلوي (المسير، 1988)، والنفس ليست نتيجة لحياة الجسد، بل هي التي تهبه الحياة (أفلاطون، 1961) وهذا جعل أفلاطون الخير مستقرة النفس، وجعل الشر مستقرة الجسم وكلما كان الإنسان ابتعاداً عن الجسم حقق لنفسه قدراً أكبر من الخير وتحقيقاً لهذا المفهوم الأخلاقي يدعو أفلاطون الإنسان الى إن يتشبه قدر الإمكان بالإلهة أو بالصورة أو المثل لكي يكون حراً ، ولان النفس سجينة في الجسم ولا بد لها إن تتحرر منه يقدم أفلاطون انوذجه الأمثل للإنسان في اسمي صور الأخلاق المتشبه بقدر الإمكان بالإلهة المتمثلة بصورة الفيلسوف .
يعد الفيلسوف عند أفلاطون الحكيم الذي أحرز كل الفضائل ويمارس الموت بالحياة بإماتته للشهوات واخذ النفس بالمجاهدة والرياضة والزهد في ملذات الحياة وإماتة كل العلائق المتصلة بالوجود الحسي من اجل خلوص النفس الى حياة الصورة أو المثل وهذا هو المقوم الوحيد للخير الأقصى (الطويل ، 1979).
لم يتنكر أفلاطون للذات إذ وقف طويلا في بحثه لها إذ أقضى التأمل فيها الى ربطها بالنوع الأخير من الخير واشترط فيها تجردها من الألم ووجوب ارتباطها بالوجود اللامحدود ؛ وهي عندما تكون كذلك لا تعد شراً ، وإزاء هذا الموقف فان أفلاطون حينما يقدم صورتين متباينتين للخير : فانه في الأولى يدعو الى العزوف عن الحياة والتوجه الى الموت ، ويدعو في الثانية الأخذ بشيء من الحياة، فإنه يعتقد أن الجمع بين الصورتين في تناسق وانسجام يؤدي إلى الخير على الرغم من أنه يمثل في كثير من الأحيان إلى الصورة الأولى على حساب الصورة الثانية (بدوي، 1984).
أما الفضائل عند أفلاطون فقد ناقض فيها رأي أساتذة سقراط في قول أن الفضيلة علم متجاوزاً الماهيات المتحققة في المحسوسات إلى ما سماه بالمثل؛ فالعلم ينتقل من عقل عن طريق الحجة والبراهين ويستحق نقل الأحاسيس الأخلاقية من فرد الى أخر لان الفرد قد يعرف الشر ويأتيه ويعرف الخير ولا يفعله(الطويل ،1979) ،( كرم ، 1980 لذا لو كانت الفضال تنتقل بالتعليم كما تنتقل العلوم لاتسعت مساحة الفضيلة لتضم نسبة كبيرة من المتعلمين.
أضاف أفلاطون شرطاً أخر ليكون العلم ذا فاعلية في تحقيق الفضيلة عند الأفراد وهي قوة الإيمان والاقتناع (ابن رشد ، 1998) ؛ إذ تصبح المعرفة قوة ملهمة ويصبح العلم على هذا النحو وسيلة لنجاح التربية الخلقية وبث الفضيلة في النفوس .
ومما سبق ذكره يبدو الاتفاق بين أفلاطون وأستاذه على مبدأ اثر التربية والتعليم والتهذيب في صنع الفضائل وتنميتها ولكن أفلاطون يربطها بالنفس التي يريدها إن تتسامى في أفعالها وتقترب من الإلهة لترتبط بالصورة المطلقة.
ميز أفلاطون بين نوعين من الفضيلة ، فضيلة فطرية وفضيلة مكتسبة والأولى لا تحتاج تعلم وتعليم أما الثانية فهي تكسب صاحبها فضلا وتقديرا وهي التي تعتمد في معرفة الخير ونيته وتتحقق هذه الفضيلة عن طريق الانسجام والتناسق بين قوى النفس الثلاثة القوة الشهوية والقوة الغضبية والقوة العاقلة وكذلك الفضائل تنقسم بنفس التقسيم لان معنى الفضيلة تحقيق الطبيعة وتعيين الحدود لكل فضيلة من فضائل النفس مرتبة بحسب ما وضعت له (عبد النور ، 1975)، (الالوسي ، 1990) ؛ وتبعا لهذا فالفضيلة الأولى تقابل القوة الشهوية ولان مهمتها خدمة القوة العاقلة إذ تضبط نفسها وتخضع لما تقول القوة العاقلة وفضيلتها العفة وضبط النفس أما القوة الثانية ومهمتها تلبية الأوامر التي تصدر عن القوة العليا وفضيلتها الشجاعة أو القوة العليا ومهمتها التمييز بين الخير وأنواعه وهي مسؤولة عن تحقيق الخير الأسمى وفضيلتها الحكمة ، ولكن هذه القوة لا بد إن تجمعها وحدة تعلو عليها مهمتها الموازنة بين الفضائل والانسجام بينها تسمى العدالة وهي إعطاء كل شيء حقه فهي ليست فضيلة خاصة ولكن هي حالة الصلاح والبر الحاصلة من اجتماع الحكمة والشجاعة والعفة (العراقي ، 1984).
ويستنتج من فضيلة العدالة في الفكر الفلسفي الأفلاطوني بأنها حالة النفس التي توفرت فيها المعرفة الفلسفية التي جعلتها تعيش في حالة من التكامل المتمثل بانتظام عمل قوى التنفس الثلاثة وانسجام بعضها مع بعض ؛ إذ خضعت الى الأولى التي هي احكم واكم منها وفق نظام دقيق يمكن الفرد من توحيد الكثرة التي ترافق أفعال النفس فحققت بذلك فضيلة العدالة (مطر ، 1986) ؛ فهي مفتاح السعادة الإنسانية والقانون والنظام للنفس البشرية التي من خلالها ترتبط بها النفس مع السماء الإلهية حينما تحترم هذه النفس هذا النظام وتسعى الى تحقيق العدالة فيه (جورجياس،1970).
ترد الأخلاق الى النفس بشرط إن تتسامى في أفعالها لتقترب من الإلهة ، فالخير مستقره النفس والشر مستقره الجسم وربط بين السعادة والباعث عليها (الدوافع الأخلاقية ) ، وربط الأخلاق بالوجود الحقيقي (وجود الصور ) ، ويبدو الخلق الحسن بإماتة الشهوات واخذ النفس بالمجاهدة والزهد في ملذات الحياة ، والخير هو اللذة الخالية من الألم ، والأخلاق تتجسد في شخص أحرز كل الفضائل ومارس الموت بالحياة وهو الفيلسوف ، الفضيلة المكتسبة تنتج عن التناسق بين قوى النفس الثلاثة الشهوية الغضبية والعاقلة ، وفضيلة العدالة مهمتها الموازنة بين الفضائل ، وميز بين نوعين من الفضيلة فطرية موروثة وفضيلة مكتسبة .
الأخلاق عند أرسطو
نشرت دروس أرسطو الأخلاقية في كتابين : احدهما الأخلاق الاوديمية (Ethics Eudemian ) وهو شرح لتلميذه اوديموس ، والكتاب الاخر الأخلاق النيقوماخية (Nichomachean Ethics) الذي ينسب الى ابنة نيقوماخوس إذ ترجح حوله الآراء في انه يعبر عن أراء أرسطو الأخلاقية الذي يظهر إن مسيرة أرسطو الأخلاقية كانت في نفس اتجاه كل من سقراط وأفلاطون محاربا اللذة الغاية القصوى للأفعال الإنسانية معتنقا بدلا منها السعادة (الطويل ، 1979).
ويعد أرسطو من أوضح الممثلين للأخلاق اليونانية فهي تجمع بين فعل الخير والنجاح وتحصيل السعادة التي تعنى من حيث الغاية بسعادة الإنسان وهي اللذة الناشئة عن تحصيل كمال الفعل المقوم لطبيعته، فحين يعبر أرسطو باللذة عن السعادة فهو يشير الى الفضيلة التي يعني بها إن يحقق الإنسان الكمال الممكن لشخصيته (بدوي ، 1984).
إن أرسطو لم يفعل مثلما فعل أستاذه حين رتب الفضائل تصاعديا ولم يميز بينها إلا تمييزاً عاما يستند الى طبيعة الفعل الذي يقوم به الإنسان ؛ فإما إن يكون ذلك الفعل معقولاً يصدر عن دوافع عقلية وفضائله نظرية عقلية ؛ وإما إن يكون الفعل لا معقولاً وهو يصدر عن الشهوات التي لا تخضع في اندفاعها وتحقيقها للفعل ، ومن فضائل النوع الأول الحكمة والفطنة وما يتصل بها من الفضائل النظرية وهي المتعلقة بالتأمل والفكر ، أما النوع الثاني فمن فضائله العفة والعدالة ويلاحظ فيها الانتقال في الواقع من أحوال متعارضة ينتج عنها حالة متوسطة تمثل الفضيلة عند أرسطو وهي نوع من الوسط بين طرفين أحداهما إفراط والأخرى تفريط فالكرم وسط بين لفراط التبذير وتفريط التقدير ، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور (بدوي ،1984).
وهذه الفضيلة ملك اختيار الوسط بين الإفراط والتفريط – كلاهما رذيلة وهذا ما يسمى بالوسط الذهبي (Golden means) أو بنظرية الأوساط –فالوسط ليس متوسطا حسابيا بل هو الوسط المناسب للإنسان وليس هناك من قواعد بسيطة لتقرير ما هو مناسب والمعول عليه بما يسميه أرسطو ( بالحصانة) أي الحكمة العملية التي تمكن الإنسان من إن يهتدي الى الوسط العدل وهذه وصف لا يخلو من النسبية ، فبمقار ما يكون الفعل اقرب نحو الوسط منه الى احد الطرفين يكون فاضلاً وبعكسه يكون رذيلاً ( بيصار ،1973).
ولكن يعد الوسط في الواقع اعتياديا يتغير بتغير الأفراد والظروف التي تكتنفهم ، والعقل وحده يعين هذا الوسط مع مراعاة ظروفه، فما يعد كرما عند فقير يعد بخلاً عند ثري ، وهناك من الأفعال والانفعالات ما ليس له وسط كالسرقة والقتل والحسد مما يعد رذيلة بالرغم من أي اعتبار (الطويل ، 1979).
اعتنى أرسطو في كتابه الأخلاق بتحليلاته للمعاني الأخلاقية والنفسية ، وقد ركز على جملة امور أخلاقية على النحو الآتي :
1. الحياة الجيدة (الخيرة) : تكمن الجودة في قدرة الإنسان على تأدية وظائفه على نحو أفضل مما يؤديه غيره ، فوظائف الإنسان هي الوظائف التي تكسبه صفة الخير إذا أداها على نحو فعال ، من خلال أنشطة تتضمن التفكير والقدرة على الحكم بفكره وبمبادئه على رغباته وسلوكه.
2. الفضائل الأخلاقية : مهارات تكتسب بالمران ، إذ يصبح الرجل كريما إذا تدرب أو اعتاد على إتيان الأفعال التي يؤديها الكريم عن رغبة منه ، فضلاً على انه لن يصبح كريما إلا حين يكتسب الاستعداد الشخصي الراسخ لتأدية هذه الأفعال دون حافز من خارج نفسه .
3. الفضيلة العقلية : تمكن الإنسان من الحصول على الإجابات الصحيحة عن مشكلات السلوك العملية وهي تتضمن المهارة في التروي مع التركيز على توفير الفضيلة الخلقية ؛ لان توفر الغايات السليمة أمر يتعلق بها ، وان الخير الخلقي والحكمة العملية لا ينفصلان فكلاهما بحكم تعريفه يتضمن الاخر .
4. الفضيلة العقلية ( الحكمة النظرية ) : تتضمن معرفة حدسية البدايات لا تقبل البرهان ( مدركات عقلية وحقائق) ومعرفة برهانيه ، وما يترتب على هذه الفضيلة اسمي الموضوعات لأنها الفضيلة التي تمثل الجانب الإلهي في نفس الإنسان " لأنه ليس هناك من فاعلية يمكن إن تنسب الى الله سوى التفكير الخالص ( كامل ، 1963).
الأخلاق هي تجمع الفعل الخير والنجاح وتحصيل السعادة ، وفضائل الفعل المعقول يصدر عن دوافع عقلية مرتبطة بالتأمل والفكر أما فضائل الفعل اللامعقول يصدر عن الشهوات التي لا تخضع للعقل ، والسعادة معياراً تحقيق الكمال الممكن عند الإنسان ، والفضائل الأخلاقية مهارات تكتسب بالمرات والتدريب ، والخير الخلقي والحكمة العملية لا ينفصلان فكلاهما يتضمن الأخر ، والفضيلة نوع من الوسط بين طرفين أحداهما إفراط والأخر تفريطا، ويعول على الحكمة العملية التي تهدي الى الوسط
وهكذا تختلف آراء العلماء فى تحديد مفهوم العلم ودائرة نفوذه تبعا لاختلاف تصوراتهم فى أطوار حياتهم وتحت تأثير ظروف معينة ، من البيئة أو الوراثة ، أو درجة المعرفة إلى غير ذلك
إلا أنه من الممكن مع هذا وضع تعريف عام يصور الإطار العام لذلك العلم ويحدد القدر المشترك بين مختلف التعريفات والمتفق عليه عند العلماء والباحثين لا فى طور دون طور ، ولا لجماعة دون أخرى ، وإنما فى مختلف الأزمان ولدى مختلف الجماعات والأمم ، وذلك التعريف هو
أن علم الأخلاق هو العلم بالفضائل وكيفية اقتنائها ليتحلى بها الإنسان ، والعلم بالرذائل وكيفية توقيها ليتخلى عنها ، والإلمام بقواعد السلوك الإنسانى ، وبالمقياس الذى تقاس به أعمال الإنسان الإرادية ، فيحكم عليها بأنها خير أو شر ، مع تحديد الجزاء لكل منهما
والغاية التى يتوخاها علم الأخلاق من كل ذلك إنما هى تحقيق السعادة النفسية والطمأنينة القلبية للإنسان ، وتهيئة الحياة الآمنة ، والعيشة الراضية له فى كل من حياته العاجلة والآجلة
أما الخلق ذاته فقد عرفه البعض بأنه عادة الإرادة أو بأنه تغلب ميل من الميول على غيره باستمرار
أما الفلاسفة الإسلاميون فقد عرفوه بعدة تعريفات
1 - تعريف ابن مسكويه : حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية
2 - تعريف الإمام الغزالى : هيئة للنفس راسخة ، عنها تصدر الأفعال بسهولة من غير حاجة إلى فكر وروية
3 - تعريف محيى الدين ابن عربى : حال للنفس يفعل الإنسان به أفعاله بلا روية ولا اختيار
وعلى الرغم من تعدد التعريفات لفلاسفة الاسلام إلا أنها جميعا تنتج عنها أخلاق إسلامية موحدة ونمط للسلوك متسق
أقسام علم الأخلاق
ينقسم البحث فى مجال علم الأخلاق إلى مجالين متميزين و هما : مجال البحث فى الأخلاق النظرية ، و مجال البحث فى الأخلاق العملية
أولاً الأخلاق النظرية
وتبحث فى المبادئ الكلية التى تستنبط منها الواجبات الفرعية :كالبحث عن حقيقة الخير المطلق و فكرة الفضيلة من حيث هى ، وعن مصدر الإيجاب و منبعه ، و عن مقاصد العمل البعيدة و أهدافه العليا و نحو ذلك .

ويطلق على هذا القسم أيضا فلسفة الأخلاق ، و علاقته بعلم الأخلاق العملى كعلاقة علم أصول الفقه بعلم الفقه ، فموضوعه ليس هو أنواع الأفعال التى لها مثال فى الخارج كما هو الحال فى علم الأخلاق العملى، و إنما موضوعه هو : " جنس العمل المطلق و فكرته المجردة التى لا يتحقق مسماها خارجا إلا فى ضمن الأناوع التى يبحث عنها العلم العملى" . تلك الأنواع التى تعتبر بمثابة و سائل لتحقيق الغايات التى يبحث عنها العلم النظريى ، و التى تتمثل فى الخير المطلق أو الفضيلة الكلية ( انظر كتاب : دراسات إسلامية - د. محمد عبد الله دراز صــ 101 ، 102 - دار القلم - الكويت 1980  ) .
وتهتم الأخلاق النظرية بدراسة الضمير ؛ حقيقته و مظاهره من عواطف مختلفة كالرضا و السرور الداخلى حينما يقوم الإنسان بفعل الخير و الألم و التأنيب عند فعل الشر ، و كذلك ما يصدره الضمير من أعمال أخلاقية على مختلف الأعمال الإختيارية ، و هل هى عن فكر و روية أم عن تقليد و محاكاه .

كما يدرس هذا القسم - النظرى - الطرق التى تتبع فى تعريف المثل الأعلى فى الأخلاق ، و أركان المسؤلية الخلقية ، كالحرية و الإرادة و مسائل الجبر و الإختيار و الثواب و العقاب ، كما يبحث فى الحق و الواجب و ما يتصل بهما . كل هذا مع  بيان النقد الذى يوجه إلى النظريات و الآراء المختلفة التى تتوارد على هذه المسائل . ثم يحاول إيجاد الحلول لما تتقارب فيه الآراء من المشاكل الأخلاقية .
( انظر مباحث فى فلسفة الأخلاق - د. محمد يوسف موسى - صــ 12) .

والخلاصة : أن علم الأخلاق النظرى الغاية منه تحصيل الإعتقاد اليقينى بحال الموجودات التى لا يتعلق وجودها بفعل الإنسان و غايته الحق
  ثانيا الأخلاق العملية 
وتبحث فى أنواع الملكات الفاضلة التى ينبغى على الإنسان أن يتحلى بها و يمارسها فى الحياه العملية اليومية ، و ذلك مثل الصدق و الإخلاص و الأمانة  و الوفاء و العفة و الشجاعة و العدل و الرحمة و نحو ذلك . و هذه كلها تمثل أنواعا من الأفعال لها مثال فى الخارج . وقد عرفت كل الأمم و العوب فى القديم و الحديث هذا النوع من الأخلاق العملية .
( انظر : مقدمة فى علم الأخلاق أ.د محمود حمدى زقزوق صــ 18 - الطبعة الخامسة 1413 هـ - 1992 م )  .

وتهتم الأخلاق العلمية ، بدراسة الواجبات المختلفة كواجب الإنسان نحو نفسه و أسرته ووطنه و نحو الكائنات الحية الأخرى كالحيوان ، كما تهتم بدراسة واجب الإنسان نحو خالقه و رازقه ، و تبحث فى الحقوق كحق الحياه و التملك .. إلخ و تمثل الأخلاق تطبيقا عمليا لمباحث " الأخلاق  النظرية " على ظروف الحياه العملية المختلفة ليقول فيها كلمة الأخلاق بم يتفق و المقاييس الأخلاقية .
يقول الدكتور محمد بيصار : " أما الجانب العملى من الأخلاق فيختص بالرقابة لممارسة الحانب النظرى و مدى تطبيقه فى الحياه الواقعية للفرد و الجماعة ، بحيث يكون من شأنه الحكم بمطابقة الفعل أو عدم مطابقته لقانون الأخلاق ، و بموافقته أو عدمها لمعانى الحق و الواجب ن و لمقاييس الأخلاق ، سواء تعلق ذلك بالفرد أو الجماعة . كالبحث فى أقوم الطرق لتربية الخلق و استقامة الضمير ، و تعويد الإنسان على الفعال الحميدة بتكرارها ، و الإدمان على ممارستها ، و إبعاده عن نقائصها بهجرها و ا ستنباحها .
ولهذا اعتمد المربون و المرشدون على علم الأخلاق فى شئون التربية و التهذيب لعنايته بالجانب العملى التطبيقى من سلوك الأفراد و الجماعات بجانب عنايته بالجانب النظرى منهما ( أنظر: العقيدة و الأخلاق أ.د محمد بيصار صـ 199 ) .
و بالجملة : فإن القسم العملى هو الذى ليس الغاية منه حصول الإعتقاد اليقينى بالموجودات بل المقصود منه إنما هو حصول رأى فى أمر يحصل بكسب الإنسان ليكتسب ما هو الخير منه . فلا يكون المقصود منه هو حصول رأى فقط كالنظرى ، بل المقصود هو حصول رأى لأجل عمل ، و غاية هذا القسم العملى هو الخير ( أنظر كتاب : تأملات فى فلسفة الأخلاق -  د . منصور على رجب صـ 27 - الطبعة الثانية - 1955 م - الناشر / مكتبة الأنجلو مصرية 165 شارع محمد فريد القاهرة) .
 وبعد : فهل علم الأخلاق ينتسب إلى القسم العملى فحسب ، أو أنه ينتسب إلى العملى من ناحية و إلى النظرى من ناحية أخرى ؟
يجاب عن ذلك : بانه لما كانت غاية القسم النظرى الحق و غاية القسم العملى الخير و كان علم الأخلاق يبحث فى الحق ، كما يبحث فى الخير ، كان له نسب غليهما معا . فهو علم نظرى حينما يبحث عن الحق ، و هو علم عملى حينما يوجهك إلى الخير . وعلم الأخلاق يجمع بموضوعاته بين اللذة و الفائدة . اللذة حين يفسر لك معنى الإنسان و الفائدة حين يهديك إلى سواء السبيل ( المصدر السابق صــ 27) .
و من ثم فقد بان لنا أن القول بأن علم الأخلاق " عملى فقط " يكون نزولا بهذا العلم الجليل عن مكانته ، و حطّاً من قدره . إذ يجعله مجرد أعمال و تقاليد خاصة تبعا لما يترائى للأمم و الجماعات على اختلاف ألسنتها و ألوانها و مشاربها بلا ضابط ولا قاعدة عامة تسلم بها العقول . و تجمع عليها الأنظار فى كل زمان و مكان . و تكون النتيجة أن يصبح السلوك الإنسانى تبعا للهوى و يختار كل إنسان لنفسه ما يحلو ، و يكون اقصى ضابط للسلوك لا يعدو مرتبة التقليد التى دعت الجاهلين لأن يقولوا : { بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }
( سورة البقرة الآية 170 ) .

والذى يقول إن علم الأخلاق علم " نظرى " فقط يعطل مهمته الكبرى التى لا غنى عنها للإنسانية ، و هو علم التوجيه و القيادات و التربية و الإصلاح ، و هو فن عظيم عنيت به السالات السماوية ، كما عنى به الفلاسفة و الحكماء و المصلحون فى مختلف العصور . ولو علم هواة الظلم و الطغيان أن تعاليم الأخلاق لا تعدو تعاليم نظرية باردة ، لما أبدوا من جانبهم أى اهتمام ، ولا قاموا فى وجه  المصلحين باية معارضة ولا صبوا عليهم ما رواه لنا التاريخ من بلايا و محن و نقم .

وبعد كل هذا البيان لنا أن نترك  كل من يريد ان يكتب عن الأخلاق بأنها نظرية فقط و نحكم عليه بأنه يريد محو هذه المقررات و المقدسات الإنسانية التى جاءت لتهدى الناس إلى طريق الحق و النور ، و لكن علينا أن نسير على مأثور الهدى الإنسانى  فى نظريات علم الأخلاق و عملياته .
( انظر فى ذلك : مدخل إلى فلسفة الأخلاق - د . ابو بكر ذكرى صـ 14 ، و مباحث فى علم الأخلاق - د. محمد  يوسف موسى صـ 17 ، دراسات فى علم الأخلاق - د. جابر بليطح صـ39 ، 40 - بتصرف)
 
....................................................................
 
المصادر
1 - كتاب العقيدة والأخلاق للدكتور محمد بيصار
2 - الأخلاق بين الفلاسفة المسلمين والفلاسفة اليونانيين دراسة مقارنة للدكتور عبدالسلام محمد نجادات


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأحد 30 ديسمبر 2018, 3:23 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية   مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Emptyالأحد 30 ديسمبر 2018, 3:07 pm

الأحد، 25 نوفمبر 2012


موسوعة الأخلاق الإسلامية : المسئولية


المسئولية


المسئولة فى إطارها العام ومعناها المجمل هى :
حال للمرء يكون فيها صالحا للمؤاخذة على أعماله ، ملزما بتبعاتها المختلفة
والأعمال التى تقع تحت المسئولية الأخلاقية هى الأعمال الإرادية والشبه إرادية وليست الأعمال اللاإرادية
أقسام وأنواع المسئولية
1 - المسئولية الدينية : وهى التزام المرء بأوامر الدين ونواهيه وقبوله لما يترتب على مخالفاتها ، بحيث يكون ملتزما بما ينتج عن هذه المخالفة ، ومن جزاءات محدودة وعقوبات مقررة
2 - المسئولية الإجتماعية : وهى التزام المرء بقوانين المجتمع الذى يعيش فيه ، وبتقاليده ونظمه ، سواء كانت وضعية أو أدبية ، وتقبله لما ينتج عن مخالفته لها من عقوبات شرعها المجتمع للخارجين على نظمه أو تقاليده وآدابه
3 - المسئولية الأخلاقية : وهى حالة تمنح الإنسان من القدرة أمام نفسه ما يعينه على تحمل تبعات أعمالها وآثارها
وهذا النوع الأخير من المسئولية هو موضوع عناية المؤرخين علم الأخلاق
وكما أن مصدر النوع الأول من المسئولية هو ( الدين ) بما جاء به من مبادئ ، وما سن من أحكام أو خط من تشريعات ، وكما أن مصدر النوع الثانى هو ( المجتمع ) بما اتفق عليه من نظم وبما ساد فيه من تقاليد وآداب ، فكذلك مصدر هذا النوع الأخير من المسئولية ، وهو المسئولية الأخلاقية ، ما أودع فى الإنسان من قوة فطرية تسمى ( الضمير ) الذى يكون له من السلطان ما يجعل منه مصدرا للمسئولية ورقيبا على الفعل ، ثم مثيبا أو معاقبا عليه ، تبعا لم يتصف به من خير أو شر ، حسن أو قبيح ، خطأ أو صواب
ولمعرفة الضمير يرجى العودة والرجوع إلى الصفحة الرئيسية لموسوعة الأخلاق الإسلامية


...........................................................................


من كتاب العقيدة والأخلاق للدكتور محمد بيصار









الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية   مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Emptyالأحد 30 ديسمبر 2018, 3:08 pm

 الضمير


فى كثير من الأحيان يعرض للإنسان أمر من الأمور فتحدثه نفسه بأن يقوم حياله بتصرف خاص ، وأن يأتى بالنسبة إليه فعلا معينا
ولكن هذا الفعل من بين سائر الأفعال التى يمكن أن يقوم بها المرء قد يكون موافقا لقاعدة لخير ، وقد لا يكون محققا لمصلحة الفرد أو المجتمع أو غير محقق ، وعنئذ يعرض الإنسان على نفسه ، ويقلب بذهنه وجوه الفعل والترك مقارنا كل واحد منها بما قد يترتب عليه من خير أو شر ، ومن نفع أو ضر ، ثم يقضى برأى يبرمه وحكم ينفذه ، ذلك هو القيام بهذا الفعل أو عدم القيام به ، وفى حالة تنفيذ الفعل وأثناء القيام به لابد من رقاة يقظة ، ورعاية حذرة واعية ، تضمن سلامة التنفيذ والإتيان بهذا الفعل على الوجه الذى يحقق الغرض منه ، ويجعله مفتاح الخير وسبيل نفع وبر ، وهذه المراقبة مهمة أخرى يضطلع بها الإنسان بعد مهمة الحكم بالفعل أو الترك
إلا أنه بعد وقوع أحد الأمرين فعلا أو تركا ، وبعد تحقق ما يترتب على أحدهما وينتج عن كل منهما من خير أو شر ، يجد الإنسان من نفسه كذلك نزوعا إلى الإثابة على خيرية الفعل إن أثمر خيرا ، والعقاب على شريته إن أثمر شرا ، ذلك ما يسمى باطمئنان الضمير فى الحالة الأولى ، وبتأنيب الضمير فى الحالة الثانية
ويكون مصدر هذا النزوع هو أيضا ذات الإنسان وقوة كامنة فيه
ومن هنا نرى أن كل فعل من أفعال الإنسان ، وكل تصرف من تصرفاته لا بد أن يمر بمراحل أو أدوار ثلاثة
الأول : دور تشريع الفعل
والثانى : دور تنفيذ الفعل
والثالث : دور المحاسبة للإثابة أو العقاب
ونرى كذلك أن كل دور من هذه الأدوار يحتاج إلى سلطة ترعاه وتكون وحدها المرجع فى كل ما يتعلق به
ولهذا وجدت فى داخل نفس الإنسان سلطات ثلاث :
1 - السلطة التشريعية
2 - السلطة التنفيذية
3 - السلطة القضائة
ولو أمعنا النظر فى نفوسنا ، وفى حقيقة ذواتنا وفى مكنون أسرارنا لا نجد هذه السلطات منفصلة ، أو مستقلا بعضها عن بعض ، أو على نحو من التعدد والتخالف فى الواقع ونفى الأمر
وإنما سرعان ما يتبين لنا جميعها ترجع لقوة واحدة ، لها كل هذه السلطات ومن حقها وحدها ممارستها ، مهما تعددت مراحلها ، أو اختلفت كيفياتها
تلك القوة الكامنة فى نفس الإنسان ، المودعة فى فطرته ، هى ما أطلق عليه علماء الأخلاق إسم ( الضمير )
إلا أن فلاسفة الأخلاق عندما حاولوا الكشف عن حقيقة هذه القوة التى هى ( الضمير ) اختلفوا فى مفهومها
وقد نشأ هذا الخلاف بينهم عن اختلافهم فى أمر أساسى وجوهرى هو فطرية هذه القوة التى أودعها الله فى الإنسان وركزها فى طبعه فولد بها أو كسبيتها بحيث تكون مستوردة من خارج ذاته بالمران والممارسة وحسن التربية واعتياد الفضائل وارتياد جميل العاادات وحميد الصفات
ويطلق على المذهب الأول اسم (مذهب الحاسة الأخلاقية)
ومن أشهر القائلين به الفيلسوفان الأخلاقيان الانجليزيان (شافتسبرى) و (هتشون)
وقد عرف هؤلاء الضمير بأنه : قوة فطرية غريزية موضوعها الخير والشر ، كما أن المحسات متعلق الحواس الخمس الأخرى
هذه القوة فى نظرهم لا تستند إلى كسب وإنما هى قدر مشترك بين جميع الناس ، وان اختلفت فيهم قوة وضعفا
وكما منح الإنسان قوة البصر والسمع واللمس والشم مثلا لتمييز المبصورات والمسموعات والملموسات والمشمومات ، كذلك منحه الله (حاسة أخلاقية فطرية ) تميز بين الخير والشر وتحضه على ما تراه حسنا بقدر ما تنهاه عن ما تراه قبيحا من الأفعال
وفى محاولة صريحة واضحة لشافتسبرى ، فى إيضاح هذا الرأى يقول ما نصه :
( إذا سألنى سائل وقال لماذا يجب عليك أن تبتعد عن القذارة إذا كنت منفردا ؟ فأول ما يتبادر إلى أن هذا السائل رجل قذر ، وأنه من الصعب أن أدخل فى ذهن مثل ذهنه الوسخ حقيقة النظافة ، ومع ذلك ، إذا أغضيت عن هذه الصعوبة ، أيمكننى أن أجيبه بأن السبب فى ذلك أن لى أنفا يشم ؟
فإذا تثاقل وقال : فإذا كنت مزكوما ، أو فاقد حاسة الشم مثلا فلماذا ؟ أجبته بأنى أبغض أن أرى نفسى قذرا ، كما أبغض أن يرانى الناس كذلك 
فإن ألح وقال : فإن كنت فى حجرة مظلمة لا ترى شيئا فلماذا ؟ أجبته بأنى حتى فى هذه الحالة وليس لى أنف يشم ولا عين تبصر ، لا يزال إحساسى كما كان ، يألم من القذر ، ونفسى الانسانية تشمئز من الدنس ، ولو لم اكن كذلك لانحططت عن درجة الإنسان ، ولأبغضت نفسى لأنها نفس حيوان ، ولما امكننى ان احترم تلك النفس التى لا تعرف قيمتها ولا ا يليق بها
كذلك سمعت الناس يتسائلون لماذا ينبغى ان يكون الانسان شريف النفس محبا للفضيلة فى الخفاء ؟ وهو سؤال لا أريد أن أصرح باعتقادى فيمن يسأله ) انتهى كلامه
ويرى الفيلسوف الفرنسى (جان جاك روسو) أن الإنسان مزود بهذه الغريزة الفطرية كالحيوان ، وأنه بهذه الغريزة الإلهية يفرق بين الخير والشر ، مثلما تفرق العين بين السواد والبياض
هذا الضمير أو (البصيرة الفطرية) كما يسميها (روسو) أحيانا يولد مع الإنسان ، وهو ثقة لا يخطئ ، خير دائما ، ثم هو الوسيلة الوحيدة للهداية فى الطبيعة الإنسانية 
أما المذهب الثانى : فعلى رأس القائلين به (ستيورت مل) وهو (المذهب الكسبى) الذى ينكر فطرية الضمير ، حسيا كان أو عقليا ، ويقرر كسبيته ، يعنى أنه قوة من قوى الشعور ، اكتسبها الإنسان ، واستفادها من المران والتجربة ، وعلى نحو من التدريج
ومن أجل ذلك كان الضمير - فى نظر أصحاب هذا المذهب - متفاوتا بتفاوت الأفراد والجماعات مختلفا فى أمة أو بئة عنه فى أمة أو بيئة أخرى
إن المرء فى نظرهم وليد مجتمعه ، وكل مجتمع له عرفه المعين وتقاليده ونظمه المتفق عليها ، وبمقتضى هذه التقاليد والنظم تتحدد قيمة الفعل ، كما يتحدد الجزاء عليه
وقد كره الفرد الأول الذى عاش فى هذا المجتمع الشر ونفر منه ، وأحب الخير ورغب فيه فى أول أمره ، تحت تأثير الخوف من العقاب ، أو رغبة فى الحصول على الثواب ، ولكنه بعد أن مرن على ذلك أصبح نمو هذا الشعور بوازع الشرائع السماوية أو القوانين الوضعية ، وبتقادم الزمن وتوالى العصور والدهور نسى الناس أو تناسوا الدوافع الأولى لكراهية الشر واجتنابه ، وحب الخير والرغبة فى ممارسته ، فظنوا أنهم يفعلون ذلك بقوة باطنية فطرية هى التى اطلقوا عليه اسم (الضمير) ، ثم حكموا بناءا على ذلك بفطريتها ، بينما هى فى الواقع ونفس الأمر مكتسبة بالتجارب والمران عبر تاريخ الإنسان ، فى جماعة معينة ، مارا بأطوارها المختلفة ، وعصور تاريخها المتعاقبة
وهناك مذهب ثالث بجانب هذين المذهبين المتقدمين ، يمكن أن نطلق عليه اسم مذهب (الفطريين العقليين) وهو وان كان يتفق مع المذهب الأول فى القول بفطرية الضمير ، إلا أنه يخالفه فى القول بأنه (حاسة) ويقرر أنه (قوة عقلية) ولدت مع الإنسان وطبعت فى خلقه الأول
وهذا هو مذهب الفيلسوف الألمانى (كانت) الذى يقسم العقل إلى قسمين :
1 - العقل النظرى : الذى يختص بإدراك المحسوسات ، ويعتمد فى معارفه على الحس والتجربة فهو لا يصلح أن يكون مصدرا للأخلاق لأنه :
أولا : لأنه يعتمد فى أحكامه على الحواس والتجارب ، وهى كثيرة الخطأ والضلال
ثانيا : لأنه يعتمد على مقدمات لا تؤمن صحتها دائما ، وبطريق قطعى يقينى
2 - العقل العملى : ويسميه (كانت) الضمير ، الذى يحدده بأنه قوة فطرية عقلية وجدت كامنة فى الإنسان منذ الأزل وإلى الأبد ، لا تكتسب بالتجربة ، ولا تتوقف على الحواس ، بل لا تتصل بالمادة نهائيا لأنها - كما يقول كانت - شعاع من نور هبط من القوة العليا المطلقة غير المحدودة ، إلى النفس الإنسانية ، به تهتدى وبه تميز بين الخير والشر ، ثم هو فى الوقت ذاته قاض معصوم عن الخطأ فى قضائه ، وحكم لا يضل فى أحكامه
ومن أجل ذلك كان نداء الضمير واجب الإستجابة وكانت أوامره مطلقة غير مقيدة بشرط ، أو محدودة بحد ، وهذا هو دعامة الأخلاق ومصدرها وحارسها وقاضيها ، وهو ذلك كله فى وقت واحد ، ومن غير تفرقة فيه بين جانب وآخر لأنه جماع الخير
ورأى (كانت) فى الضمير يشبه - إلى حد كبير - وجهة النظر الإسلامية ، وعلى الأخص عند الفيلسوفيين الإسلاميين (أبى حامد الغزالى) و (ابن مسكويه)
وقد روى وابضة بن معبد رضى الله عنه أنه قال ( أتيت رسول الله صل الله عليه وسلم فقال جئت تسأل عن البر؟ قلت نعم ، قال البر ما اطمأنت إليه النفس ، واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك فى النفس وتردد فى الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك) صدق الرسول الكريم
وفى باب المحاسبة والمراقبة فى كتاب الاحياء ، يقول الإمام الغزالى رحمه الله : ( للمراقب فى عمله نظران ، نظر قبل العمل ، ونظر فى العمل ، أما قبل العمل فلينظر إلى همته وحركته ، أهى خالصة أم لهو النفس ، ومتابعة الشيطان ، فيتوقف فيه ويتثبت حتى ينكشف له ذلك بنور الحق ، فإن كان لله تعالى أمضاه ، وإن كان لغير الله استحيا من الله وانكشف عنه ، وأما النظر الثانى للمراقب عند الشروع فى العمل ، فذلك بتفقد كيفية العمل ، ليقضى حق الله فيه ، ويحسن النية فى إتمامه ، ويتعاطاه على أكمل ما يمكنه ) انتهى كلامه
وفى محاسبة النفس بعد العمل يقول الغزالى : ( ينبغى أن يكون للمرء آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها ، كما يفعل التجار فى الدنيا مع الشركاء فى آخر كل سنة ، أو شهر ، أو يوم ، حرصا منهم على الدنيا ) انتهى كلامه
وخلاصة ما جاء فى الباب المذكور على لسان الغزالى تفيد أنه يعتقد فى قوة يسميها تارة (نورا إلهيا) وتارة أخرى يسميها (معرفة) ، إليها تستند قيادة المرء فى أعماله ، وهدايته إلى سواء السبيل ، وصراط الله المستقيم
أما (ابن مسكويه) فحين يتكلم فى كتابه تهذيب الأخلاق عن النفس الإنسانية وقواها ، يذكر أن من بين هذه القوى قوة باطنية عاقلة ، هى قبس من النور قذف به الخالق إلى النفس البشرية ليكون لها هاديا ومرشدا
هذا هو مجمل آراء الأخلاقيين فى الضمير
ويؤخذ على الرأى الأول أن حاسة الضمير لا تضمن الصواب فى أحكامه كما هو شأن سائر الحواس ، وفوق ذلك فإنه يترتب عليها اختلاف الحكم على أعمال الناس باختلاف إحساساتهم ، فيكون الخير عند بعضهم شرا عند الآخرين وبالعكس ، وقد وقع ذلك كثير فى تاريخ البشرية ، ومثاله إقرار ضمير المجتمع العربى فى الجاهلية لوأد البنات وحسبانه داخلا فى الخيرات ، بينما اعتبره الإسلام بعد مجيئه من أقبح الجرائم
أما الرأى الثانى فقد نقد بان الضمير لو كان كسبيا لوقع اختلاف الناس فى تقييم الفضائل والرذائل باختلاف العصور والأمم ، بل وباختلاف البيئات كما تختلف تقاليدهم وقوانينهم ، وهذا مخالف للواقع ، فإننا نرى الناس متفقين على المبادئ الأخلاقية فى مختلف الأزمان ، ومتعدد العصور مهما كان هناك من بعض وجوه التفاوت فى مسائل جزئية ، لا تؤثر على أصول الأخلاق المقررة وقواعد السلوك العامة
وهذه المبادئ العامة التى يتفق عليها الناس جميعا هى معتمد المشرعين والمصلحين ، وهى كذلك الأساس فى احترام هذه القوانين ، ووجوب طاعتها من الناس جميعا
أما الرأى الثالث ، وهو رأى (كانت) فربما كان قبوله للنقد أقل من المذهبين السابقين ، ذلك أن الضمير وإن وجد عند الناس جميعا ، كما يقول ، إلا أنه لم يكن فيهم بمثابة واحدة أو قدر متكافئ ، ومن هنا جاء حكمنا الأخلاقى على بعض الأفعال مختلفا عن حكم أجدادنا الأولين مثلا ، وهذا دليل على أن للتجربة دخلها فى تكوين الضمير
وخلاصة ما يمكن استخلاصه من هذا كله ، هو الرأى المختار ، الذى يأخذ من كل الآراء المتقدمة بطرف ، ويطرح منها ما كان مثارا للنقد ومدعاة للاعتراض ، وذلك هو القول بأن الضمير قوة فطرية فى كل إنسان ، بإعتبار جرثومتها وأصلها ، وإن كان للتربية العقلية والأدبية دخلا فى نموها وتحقيق كمالها
ولعل هذا ما أراده الإمام الغزالى ، عنما اسماه أولا (نورا إلهيا) مما يمكن تفسيره بأنه قوة فطرية ، وما اسماه ثانيا بقوله (معرفة) مما يبيح لنا القول بأنه قابل كذلك للتأثر فى نموه ، وكمال حقيقته بعوامل التربية


..............................................................................


من كتاب العقيد والأخلاق للدكتور محمد بيصار
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية   مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Emptyالأحد 30 ديسمبر 2018, 3:10 pm

السلوك والتصرف


إذا كان علم الأخلاق يعرف بأنه : حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية ، من هذا التعريف يتبين أن الخلق فى حقيقته وذاته حالة باطنية ، أو أنه أمر داخلى تشتمل عليه النفس ، وصفة تقوم بها فتطبعها بطابع معين ، يميل بها إما إلى فعل الخير وإما إلى فعل الشر
إلا أن أفعال الإنسان الظاهرة تختلف كل الاختلاف عن هذا الأمر الباطنى ، فالخلق فى مفهومه وماهيته شئ ، والفعل الذى من شأنه أن يصدر عنه ويكون مظهرا له شئ آخر
هذه الأعمال الظاهرة هى التى يطلق عليها علماء الأخلاق اسم ( السلوك )
وهى لا تسمى سلوكا إلا إذا كانت ادرة عن إرادة ، أما إذا صدرت عن المرء من غير إرادة لها أو تفكير فيها فإنها حينئذ لا تسمى سلوكا ، وإنما تكون ( تصرفا ) ، تدفع إليها الغرائز التى يشترك فيها الإنسان والحيوان على السواء
ولهذا عارض (ماكنزى) الفيلسوف الأخلاقى (هربرت سبنسر) فى تعريفه للسلوك بأنه ( مجموعة الأعمال الحيوانية المتجهة نحو غاية ) ، ووجهة نظر (ماكنزى) أن هذا التعريف لا يقتصر على أعمال الإنسان الإرادية التى هى موضوع علم الأخلاق ، وإنما يشمل كذلك أعماله الغير إرادية ، كما يشمل أعمال الحيوان ، مع أن أعمال الحيوان - فى نظر ماكنزى - مدفوعة بغرائزه وشهواته ، لا يوجهها تفكير ، ولا يقترن بها شعور بغاياتها
ولهذا اصطلح علماء الأخلاق على استعمال كلمة السلوك فى الدلالة على الأعمال الظاهرة للإنسان ، كما اصطلحوا على استعمال كلمة الخلق فى الدلالة على أعماله الباطنة ، ووضعوا للأول تعريفا يتفق وإنسانيته فقالوا :
إن السلوك هو أعمال الإنسان الإرادية المتجهة نحو غاية معينة مقصودة
فالعلاقة بين السلوك والخلق إذا هى علاقة الدال بالمدلول أو الأثر بالمؤثر
غير أن الخلق لا ينفرد بالتأثير فى سلوك الإنسان ، وإنما هناك عوامل وظروف يتوقف عليها تكييف الصلة بينهما ، وفاعلية الأول فى الثانى
فليس من الضرورى إذن أنه كلما وجد لدى إنسان خلق السخاء أن يسخو فعلا ، أو كلما اشتملت نفسه على خلق العدل أن يعدل فعلا ، أو على خلق الشجاعة أن يكون شجاعا فعلا ، بل قد يتخلف ذلك لضيق ذات اليد مثلا ، أو لعجز عن تحقيق العدل بين الناس ، أو لمرض يلم به يقعده عن ممارسة فعل النجدة والشجاعة ... وهكذا
وقد يزور المرء مثلا معسكرات اللاجئين من إخواننا عرب فلسطين ، أو يرى المشوهين ممن خلفهم الاعتداء الأمريكى فى فيتنام ، فيرق قلبه وتستثار رحمته ، وتوقظ بواعث الخير فى نفسه ، فيخصص لهم من ماله الخاص تبرعا شهريا ، حتى إذا تقادم به العهد ، فنسى شيئا فشيئا ما راى من هول المصاب وشدة العذاب ووقع الكارثة التى حلت بهؤلاء المشردين ، أخذ حماسه يفتر ، ورحمته تقل ، وشفقته تخبو ، فيقبض يده عن البذل لهم ، وتختفى العوامل والبواعث التى كانت تدفعه للتضحية من أجلهم ، والسلوك نحوهم مسلكا معينا
وربما كان أصدق تعبير عن أثر الظروف والعوامل فى صدور السلوك الحميد عن الخلق الحميد ، ذلك المثل الانجليزى المشهور
إن الشفق الذى يرسل الدجاج لينام يخرج الثعالب لتسعى
وإن زئير الأسد الذى يجمع أفراد ابن آوى يفرق الغنم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية   مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Emptyالأحد 30 ديسمبر 2018, 3:12 pm

السعادة وتعريفها


السعادة هي "شعور بالبهجة والاستمتاع منصهرين سوياً"، والشعور بالشئ أو الإحساس به هو شيء يتعدى بل ويسمو على مجرد الخوض في تجربة تعكس ذلك الشعورعلى الشخص، و"إنما هي حالة تجعل الشخص يحكم على حياته بأنها حياة جميلة ومستقرة خالية من الآلام والضغوط على الأقل من وجهة نظره
مفهوم السعادة وعلم الأخلاق:
يحتل مفهوم السعادة مكانه كبيرة في علم الأخلاق المعياري "Normative Ethics" فهو أساس ما يعرف بأخلاق الفضيلة "Virtue Ethics" وقد نما هذا الاتجاه نمواً مطرداً في الآونة الاخيرة ،وكذلك يمثل مفهوم السعادة الأساس لنظرية المنفعة العامة إلا أن الفيلسوف "أسس الأخلاق على مفهوم الواجب والنية الحسنة وأسسها راولز" "Rawls" على مفهوم العقد.
لمحة تاريخية:
سنتحدث في هذه اللمحة التاريخية عن مفهوم السعادة عند ارسطوطاليس وعند ابن مسكويه وفي الفكر الحديث عند "بنتام" "ومل" ولكننا لا نهدف في هذه اللمحة إلى استقصاء آراء كل هؤلاء الفلاسفة ، وسنكتفي بعرض أفكارهم الأساسية.
مفهوم السعادة عند أرسطوطاليس:
تناول "أرسطوطاليس" مفهوم السعادة في كتاباته الفلسفية بالدراسة والتحليل ولقد أهتم الدارسون قديماً وحديثاً بما كتبه أرسطوطاليس عن هذا المفهوم وشرحوه وعلقوا عليه ، ولكنهم اختلفوا في فهمهم لمفهوم السعادة عنده وأعطوه تفسيرات عدة وأقرب هذه التفاسير لمقاصده أنه: عد السعادة الغاية القصوى للإنسان ، وأنها مطلوبة لذاتها لا لشيء آخر ، وأنها تامة ومكتفية بذاتها وأنها تحوي الخير الأقصى وجديرة بالاختيار )3(.
ولكنه ليس من الواضح قوامها هل هو شيء واحد أو أشياء مختلفة ، ففي الكتاب الأول المسمى "بالأخلاق النوخوماخية" ذكر أن قوامها يعتمد على أمور كثيرة أهمها الفضائل الخلقية ، والفضائل العقلية؛ ولكنه ذكر في الكتاب العاشر أن قوامها واحد وأنها تطابق التأمل الفلسفي وحده. )4( ويرى أرسطوطاليس أن حدوث المصائب العظيمة للشخص تسلب صفة السعادة عنه ولا تسلب المصائب الصغيرة هذه الصفة عنه.)5(
مفهوم السعادة عند ابن مسكويه:
قال ابن مسكويه إن السعادة أفضل خير وهي تمام الخيرات وغايتها؛ ولكنها تحتاج في مرتبتها الأولى من هذا التمام إلى أشياء في البدن وخارج البدن؛ أما إذا بلغ الإنسان المرتبة العليا من السعادة فإنه لا يحتاج معها إلى شيء أخر.)6(
واستعرض رأيين متقابلين عن السعادة: رأي نسبه إلى ارسطو ، والآخر نسبه إلى فيثاغورس وبقراط وأفلاطون ثم خلص في النهاية إلى رأي أعتمده )7( وقد ذكر ابن مسكويه في بداية حديثه ن آراء أرسطوطاليس رأيه القائل: بأن للسعادة مقومات لو اجتمعت في شخص صار السعيد الكامل ومن حصل له بعضها كان حظه من السعادة حسب ذلك؛ وهذه المقومات هي: صحة البدن من سلامة الجوارح والحواس، واعتدال المزاج، والثروة والأعوان وان تحسن أحدوثته بين الناس وينتشر ذكره بين أهل الفضل ويكثروا الثناء عليه، وأن يكن ناجحاً محققاً أهدافه ومقاصده، وأن يكون جيد الرأي صحيح الفكر سليم الاعتقادات )8( واخبرنا ابن مسكويه أن ارسطوطاليس علل هذا الرأي بقوله "إنه يعسر على الإنسان أن يفعل الأفعال الشريفة بلا مادة مثل اتساع اليد وكثرة الأصدقاء وجودة البخت"
ثم أورد الرأي الآخر الذي نسبه إلى أفلاطون ومن وافقه والذي أجمعوا فيه على أن قوام السعادة في قوى النفس الخلقية التي هي الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة وأجمعوا على أن هذا الفضائل كافية للسعادة ، ولا يحتاج معها إلى غيرها من فضائل البدن ولا ما هو خارج البدن ولم يضره في سعادته أن يكون سقيماً )9( ثم ذكر أن "المحققين من الفلاسفة يحقرون أمر البخت ولا يؤهلون الأشياء خارج النفس لاسم السعادة؛ لأن السعادة شيء ثابت لا متغير ، وأنها أرفع الأمور وأشرفها ولا يجعلون لما دون العقل والفضيلة فيها نصيباً")10(
وذكر لأرسطوطاليس رأيا آخر قال فيه: إن السعادة في التخلق بأوصاف الله التي يحي الإنسان فيها حياة التأمل والنظر والفكر. وحاول أن يحل التعارض بين رأي ارسطوطاليس بأن ذكر أن الرأي الأول يمثل المرتبة الدنيا من السعادة والرأي الثاني المرتبة العليا.
يقول ابن مسكويه: "فالسعيد من الناس يكون في إحدى مرتبتين: إما مرتبة الأشياء الجسمانية: متعلقاً بأحوالها السفلى بها ، وهو مع ذلك يطالع الأمور الشريفة بأحثاً عنها مشتاقاً إليها متحركاً نحوها مغتبطاً بها. وإما أن يكون في مرتبة الأشياء الروحانية متعلقاً بأحوالها العليا سعيداً بها ، وهو مع ذلك يطالع الأمور البدنية معتبراً بها ناظراً في علامات القدرة الإلهية ودلائل الحكمة البالغة مقتدياً بها ناظماً لها مفضياً للخيرات عليها")11(.
"يتعلق الإنسان في المرتبة الأولى بأحواله الجسمانية ، وهو في المرتبة الثانية يتحرر منها لما توفر له من حكمة ، فهو في المرحلة الثانية لا يفعل إلا ما أراده الله منه، ولا يختار إلا ما قربه إليه، ولا يخالفه إلى شيء من شهواته الرديئة. وهو الذي يرى جسمه وماله وجميع خيرات الدنيا التي هي من السعادات التي في بدنه والخارجة عنه كلها كلا عليه: إلا في ضرورات يحتاج إليها لبدنه الذي هو مربوط به لا يستطيع الإنحلال عنه ، إلا عند مشيئة خالقه. ")12(
ثم ذكر ثلاث مراتب للسعادة هي:-
 1. مرتبة يلبي فيها الإنسان رغبات البدن والحس ولكن باعتدال.
 2. مرتبة لا يكثر فيها برغبات الجسد وشهوات النفس إلا بما تدعو إليه الضرورة.
 3. المرتبة العليا مرتبة الفضيلة الإلهية المحضة التي لا يطلب فيها حظاً من الحظوظ الإنسانية ولا ما تدعو إليه الضرورة ، فتكون أفعال الإنسان كلها أفعالاً إلهية اوهذه الأفعال هي خير محض ، وأن يكون فعله لا يطلب به حظاً ولا مجازاة ولا عوضاً ، ويكون فعله عين غرضه ، أي: ليس يفعل ما يفعله من أجل شيء غير ذات الفعل؛ لنفس الفضيلة ولنفس الخير لا لاجتلاب منفعة ولا لدفع مضرة ولا للتباهي وطلب الرياسة ومحبة الكرامة؛ فهذا غرض الفلسفة ومنتهى السعادة؛ إلا أن الإنسان لا يصل إلى هذه الحالة حتى تفني إرادته كلها التي بحسب الأمور الخارجية؛ وتفني العوارض النفسانية؛ وتموت الخواطر التي تكون عن العوارض؛ ويمتلئ سعاراً إلهياً وهمة إلهية؛ معرفة إلهية؛ ويوقن بالأمور الإلهية.)13(
والسعيد لا يخرجه من حد السعادة ولو ابتلى ببلايا أيوب ، ومهما ترد عليه من النكبات والنوائب وأنواع المحن والمصائب لا يلحقه ما يلحق غيره من المشقة ، فهو يقدر علي ضبط نفسه ولا تخرجه عن حد السعادة البتة. وقال ابن مسكوية: إن المراتب كثيرة بعضها فوق بعض ، وأسباب اختلاف مراتب الناس في السعادة يرجع الي اختلاف طبائعهم وعاداتهم وفهمهم وعلمهم وهمهم وجدهم وشوقهم ومعاناتهم)14(.
إن ما قاله ابن مسكويه عن حقيقة السعادة كلام عميق وجذاب ويحتاج الي وقفة تأمل ونظر. وإن حديثه عن السعادة ، على الرغم مما فيه من أفكار ثاقبة يحتوي على بعض المثالب التي سنكتشف عنها ، فنظرية ابن مسكويه في السعادة كنظرية أرسطوطاليس يمكن أن تصنف على أنها نظرية للسعادة غالبة Dominant أي نظرية تغلب جانباً معيناً من الجوانب التي تسبب السعادة ، فهي تغلب جانب الفكر والتأمل بوصفها سبباً للحصول على السعادة ، فلكي يكون جانب الفكر والتأمل الجانب الغالب في حياة الانسان عليه ان يجاهد رغباته ودواعي نفسه حتى تموت ويتحكم في إرادته حتى تفنى بالكلية ، هذا الفناء الذي قال به ابن مسكويه شبيه بالفناء الذي عبر عنه ابن تيمية ووصفه بفناء الإرادة ومعنى فناء الإرادة الذي هو فناء الأنبياء والصالحين هو أن تفنى إرادة الانسان فيصير لا يحب إلا ما يحب الله ولا يريد إلا ما يريد الله ، فهو طائع الله طاعة مطلقة ، لكن هل يمكن أن تموت كل دواعي طباع الانسان البدنية وتصير حياته حياة فكر وتأمل صرفة؟ وهل يمكن أن يصير مخلوقاً يعيش بالفكر والنظر؟ وهل يمكن أن يفعل الانسان كما ذكر ابن مسكويه لأجل الفعل ذاته لا لأجل غرض يناله من هذا الفعل؟ لقد ذكر الغزالي أن القول بوجوب إماتة دواعي طباع الانسان البدنية بالكلية: غلط وقع لطائفة ظنوا أن المقصود من المجاهدة قمع هذه الصفات بالكلية ومحوها وهيهات.. وليس المطلوب إماطة ذلك بالكلية ، بل المطلوب ردها الي الاعتدال الذي هو وسط بين الافراط والتفريط ()15(). وذكر أن هذه الدواعي ضرورية لحفظ النفس والنسل ، وهذا الرأي موافق للسنة النبوية ولرأي أرسطوطاليس ، وذكر الغزالي أيضاً أن من أدعى انتفاء الغرض عنده فقد ادعى الصفة الإلهية.
مفهوم السعادة في فلسفة بنتام ومل:
سنشير بطريقة موجزة الي مفهوم السعادة عند بنتام "Bentham" ومل “Mill” " وسنترك التعقيدات والتغيرات التي طرأت على مفهوم السعادة في الفلسفة المعاصرة لحين نقاش مفهوم السعادة " يقول هذان الفيلسوفان بما يسمى بنظرية المنفعة العامة في الأخلاق.
تقول هذه النظرية: إن مقياس حسن الافعال وقبحها ووجوب فعلها أو تركها يكون بما يترتب عليها من سعادة ، وما تؤدي إليه من شقاء وألم ، ويرى بنتام أن السعادة هي اللذة ويعتقد ان اللذات تتفاضل. ولقد اخترع حسابا للتفضيل بين اللذات ، فقال: تفضل لذة على لذة أخرى أما لشدتها وقوتها أو لمدتها أو لأنها يقينية الحدوث أو لقربها الزمني أو لخصوبتها أو لصفائها أو لامتدادها ، فكلما كانت اللذة قوية وشديدة فضلها صاحبها على التي هي أقل قوة وشدة ، وكلما طالت مدتها فضلها صاحبها على اللذة التي تحدث لمدة قصيرة ، وكذلك إذا كانت اللذة متيقناً حدوثها ، فهي تفضل على اللذة التي يتوقع حدوثها في زمن قريب في المستقبل على اللذة التي يتوقع حدوثها في زمن بعيد في المستقبل واللذة ذات الخصوبة ، أي: التي تأتي بلذة غيرها ، تفضل على اللذة التي لا تأتي بغيرها ، فمثلاً لذة القراءة تفضل على لذة مشاهدة مباراة كرة قدم ، لأن لذة القراءة تأتي بلذة غيرها وهي لذة النجاح: فاللذة غير الخصبة تستهلك نفسها ، أما اللذة الصافية فتفضل على اللذة غير الصافية ، واللذة الصافية هي اللذة التي لا يسبب النشاط المتصل بها ألما ويعني "بنتام" بامتداد اللذة عدد الذين يستمتعون باللذة. فكلما كان عدد المستمتعين باللذة كبيراً فضلت على اللذة التي عدد المستمعين بها أقل.
وهناك مشكلات تتصل بحساب اللذات هذه "لا نود مناقشتها" وتفترض أن اللذات يمكن أن تقارن ، وأنها لا تختلف بالنوع ، أما "مل" فقد قبل فرضية إمكان مقارنة اللذات ، ولكنه قال باختلافها في النوع ، فقد فرق بين اللذات من حيث النوع ، فقال إن هناك لذات عليا "ومثالها لذة المعرفة ولذة التذوق الفني" ولذات سفلى "ومثالها لذة البطن والفرج".
مفهوم السعادة:
يعرف البعض حال السعادة بضدها ويقولون: بضدها تتميز الاشياء ، والأحوال التي ضد السعادة كثيرة منها: الألم والهم والغم والضيق والكرب والعسر والحسرة والإكتئاب والحزن والقلق والقنوط والتوتر والضجر والملل والسأم والخوف والإحباط والأسف والخزي والعار والوحدة والغربة والشعور بالحقارة والدونية والشك والتشاؤم، فالسعادة عندهم خلو الانسان من هذه الأحوال ، ويعرف هذا المفهوم للسعادة بالمفهوم السلبي مقابل المفهوم الايجابي ، وهو كون حال المرء في غبطة وسرور وبهجة وابتهاج وارتياح وانشراح ولذة أو طمأنينة واستقرار بال أو رضا أو قناعة. ولقد تعددت المفاهيم المتقابلة للسعادة فهنالك مفهوم للسعادة يجعل من الضروري أن تكون السعادة ممتدة حتى تشمل حياة الفرد كلها وكل جوانبها ، ومفهوم للسعادة يصف حال الفرد متلبساً بها متحققة له ، ومفهوم يشير الي أنها ستتحقق له في المستقبل ، فهي الآن بالقوة وأن شروطها ستتحقق بالفعل ، وبهذا المعنى نصف الرجل التقي الصالح الذي يمر بأحوال إبتلاء وحزن بأنه سعيد ، لما سيؤول إليه حاله في الآخرة ، وهنالك تقسيم شائع بين الدارسين()16() لمفهوم السعادة وهو السعادة بالمعنى الذي استخدمه أرسطوطاليس “Eudacmnia” ومعناها المعاصر ، فالمعنى الأول يشير الي شعور باللذة يصاحب نشاطاً يتصف بالفضيلة والمعنى الثاني مجرد شعور باللذة يتمثل في حاله سيكولوجية معينة. وهناك نظرة تعد السعادة أمراً ذاتياً “Subjective” ولكنها تشترك بالإضافة لتحقيق رغبات الفرد أن يكون ما تحقق يتفق مع معايير الحياة الطيبة التي يلزم الشخص نفسه بها. وهذه النظرة تختلف عن النظرة التي تعد معايير السعادة موضوعية وخارج الذات )17(وهنالك معنى رابع نسبة ابن مسكويه إلى أفلاطون وهي حال تتصف بها النفس ، ولو كانت لا تشعر بلذة ومبتلاة بأعظم البلايا، وابن مسكويه كما تقدم عرف السعادة تعريفات عدة ، كل تعريف يمثل مستوى أدنى تلبي فيه رغبات البدن والحس ولكن بإعتدال، بالإضافة إلى الالتزام بالفضيلة.
مستوى أوسط لا يكترث فيه الفرد برغبات الجسد وشهوات النفس؛ إلا ما تدعو إليه الضرورة.
والمرتبة العليا في الدنيا هي مرتبة الفضيلة الإلهية المحضة وحالة فناء الإرادة؛ وفي هذه الحالة لا يتأثر الإنسان بالابتلاء ويؤدي الفعل لذات الفعل لا لحظ ناتج عنه.
ومستوى رابع يمثل سعادة الآخرة الصافية التي لا تشوبها شائبة وذكر ابن مسكويه أن هنالك سلسلة متصلة "Continumum" من مستويات السعادة
ولقد عرف سيد محمد نقيب العطاس السعادة بطريقة مماثلة لتعريف ابن مسكويه؛ فجعل لها ثلاثة مستويات لم يكن من ضمن هذه المستويات مجرد الشعور باللذة؛ فجعل المستوى الأول متصلاً بالأحوال السيكولوجية والدنيوية والتي يمكن وصفها بأنها عواطف وأحاسيس يتم إشباعها عن طريق السلوك القويم المتناغم مع الفضيلة؛ والمستوى الثاني هو مستوى التحمل واختبار استقامة الفرد في السراء والضراء وفي هذا المستوى تضمحل احتياجات الفرد ، والمستوى الثالث تمثله السعادة في الآخرة وقمة سعادة هذا المستوى رؤية الله سبحانه وتعالى )18(
سنذكر بعض الملاحظات المختصرة على هذه التعريفات ، فالتعريف المعاصر للسعادة – بانها مجرد أحاسيس وعواطف -تعريف ذاتي لا يقصى الأحاسيس والشعور الناتجة عن النشاطات الهابطة ، ولا يلتزم هذا التعريف بوجوب موافقة شعور الفضيلة ، وتعريف مرتبة الفضيلة المحضة مثالي قد لا تتحقق أحواله في واقع الأمر. أما تعريف السعادة المتحققة في الحياة الآخرة بأنها سعادة مطلقة أمر جائز جاءت به الأخبار الصحيحة ، وسوف نرد على اعتراضات جان كزانوف التي تتخيل وجود سعادة مطلقة ، أما تعريف السعادة – بأنها حال يمكن أن يتصف به الفرد في حال التحمل الذي قد يصبه ألم والذي يخلو من الشعور باللذة – فإنه يصعب قبوله.
والتعريف الذي نختاره والذي هو موافق للسنة هو التعريف الأول: الذي تلبي فيه رغبات البدن والحس باعتدال؛ بالإضافة للالتزام بالفضيلة.
السعادة والغاية القصوى للإنسان:
الغاية القصوى هي الغاية التي يطلبها الإنسان لذاتها؛ وليست وسيلة لغيرها إذا سألنا طالباً وقلنا له: لماذا تريد أن تذاكر؟ يقول لأنجح وأتحصل على شهادة جامعية وإذا سألناه: لماذا تريد الشهادة الجامعية؟ يقول لأني أريد أن أجد وظيفة.
ويرى ابن حزم أن الذي يطرد الهم – حقيقة – العمل للآخرة. إن ما نشاهده من سلوك كثير من الناس يؤيد نظرية ابن حزم هذه إلى حد كبير؛ فإن الطالب يعود من الدراسة وله هم قضاء الواجبات واستذكار الدروس وهم النجاح؛ والكبار لهم هموم العمل وتوفير حاجات الأسرة والقيام بواجبات الصلات الاجتماعية والمحافظة على الصحة وتحسين أوضاعهم المالية والأدبية وغيرها من أسباب طرد هموم الدنيا والآخرة، فهم عادة لا يفكرون في الأشياء التي تجلب لهم اللذة والسعادة؛ ولكن يفكرون في طرد وقضاء الحاجات؛ هذا لا يعني أن تحقق هذه الأغراض لا يصاحبه لذة وشعور بالرضا والسعادة، ولا يعني – وهنا قد نخالف ابن حزم – أن جانبا مما نقوم به من نشاط قد نؤديه بغرض اللذة والمتعة. من ناحية أخرى فإنه قد تكون لبعض الناس كالدعاة والمصلحين وغيرهم هموم تشغل جل تفكيرهم فلا تدع لهم مجالاً للتفكير في الحصول على متع الحياة والناس يختلفون’ فيرى بعضهم أننا يجب أن نوجه الطاقات في مؤسسات الدولة – الطبية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وفي الجمعيات الخيرية والإصلاحية لطرد هموم الناس أكثر من جلب اللذات لهم ’ فنحارب المرض والفقر والجهل والإدمان ونحل مشكلات الأسرة والشباب الخ …
صحيح – كما ذكر ابن حزم – أن ما يشغل معظم الناس طرد الهموم عن أنفسهم أكثر من جلب المنافع لها ’ لكننا – كما ذكرنا – نجد بعض الناس يخطط ويهدف إلي تحقيق لذاته ’ كما أن معظم الناس يهدف في أوقات حياته إلى تحقيق لذات معينة مثلا باختيار مكان لقضاء عطلته السنوية أو قضاء عطلة نهاية الأسبوع ’ ولكننا نجد بعض الناس كالدعاة والمصلحين والمجاهدين لا يعيرون أمر جلب اللذات بالاً فنجد أحدهم لا يأكل إلا إذا شعر بالجوع والضعف ’ ولا يذهب لينام إلا إذا شعر بالتعب والنعاس.
وأخيراً هنالك سؤال يمكن طرحه وهو هل هدف الإنسان هو نيل السعادة سواء كان ذلك بمفهومها الإيجابي أو السلبي؟ على الرغم من أن مفهوم السعادة مفهوم فضفاض.فإنه من الصعب أن نصف شخصاً بالسعادة دون أن يحس بشعور إيجابي من لذة أو متعة أو ارتياح ، ومن الصعب أن نصفه بالسعادة وهو في حالة ألم وعناء إلا إذا اعتبرنا ما سيؤول إليه حاله ’ ولكن من ناحية أخرى فإن الإنسان قد يسعى لتحقيق قيمة خلقية أو دينية تحت ظروف ألم ومشقة ومعاناة مثل قيمة العدالة ’ وقد يريد تحقيق العدالة من أجل العدالة ذاتها.
ولا ينبغي أن يقال إنه فعلها ليزيل عن نفسه عدم الرضا الناتج من عدم تحقيقهاأو أن يقال إن عدم الرضا إذا لم يفعلها يكون أكبر من المعاناة الناتجة من فعلها. ولا يقال أنه فعلها لما لم يجد راحة في تحقيقها. وقد يلزم من فعل الفضيلة في واقع الأمر راحة ومن عدم فعلها ألم ، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا قصد الفاعل ولا هدفه من تحقيقها. إن كان سببه الذي يعنيه هو تحقيق فضيلة العدالة في ذاتها لما لا يلزم عنها من نتائج. والغريب أن ابن مسكويه قد أشار إلى هذا المعنى ، ولكنه عده ضمن مراتب السعادة ، وكذلك عده محمد نقيب العطاس معنى من معاني السعادة، إلا أن آخرين قد اشترطوا في السعادة شرط اتفاقها مع الفضيلة، بالإضافة إلى ذلك انتاجها لذة وهذا الذي اعتمدناه.


... يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية   مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Emptyالأحد 30 ديسمبر 2018, 3:15 pm

... تابع

السعادة وتعريفها



هل معايير السعادة موضوعية أم ذاتية؟
هناك من يرى أن معايير السعادة موضوعية ومن يرى أن معاييرها يجب ان تكون ذاتية ، فالقائلون بالمعايير الذاتية للسعادة يرون أن الحكم على شخص بالسعادة يجب أن يكون بمعرفة ذلك الشخص وشعوره ، فإذا اعتقد وشعر بالسعادة فإنه يكون في الحقيقة سعيداً بغض النظر عن رأينا فيه.
أما القائلون بموضوعية معايير السعادة فيرون أن الإنسان قد يعتقد أنه سعيد، ولكن يكون في حقيقة الأمر غير سعيد؛ فشعوره بالسعادة ليس مبرراً كافياً لكي نطلق عليه صفة السعادة، لأنه قد يكون غالطاً أو مخدوعاً.
واعترض بعض القائلين بأن معايير السعادة ذاتية على القائلين بموضوعيتها بحجج عدة منها أنها كانت سبباً في التدخل في حياة الآخرين وسلب حرياتهم والتعدي على إنسانيتهم والسيادة على ذواتهم ، وأنها نوع من الاستعلاء الزائف، وتمثل الموضوعية عند كثير من فلاسفة ما بعد الحداثة ضيق الأفق والتعصب والعنصرية والعرقية والغرور والسطحية وعدم الأمانة العلمية والتسلط والهمجيةوعدم التسامح
ويقولون إن الفرد أقدر الناس على معرفة رغباته وما يسعده وأن التدخل في شئونه بحجة إسعاده كثيراً ما يقود إلى تعاسته وحرمانه ، ولا حق لأحد أن يقول لغيره هذا يسعدك على الرغم من أن الآخر لا يشعر بأن هذا الشيء يسعده.
ويقولون أيضاً إذا كان هنالك ما يسعد الناس فاذكروه لنا بالتحديد وبينوا لنا لماذا أختلف الناس حول السعادة؛ فمنهم من يراها في الأمور الروحية؛ ومنهم من يراها في الأمور العقلية؛ومنهم من يراها في الأمور الحسية؛ إن بعض أصحاب اتجاه الذاتية لبراليون وبعضهم نسبيون وبعضهم لا عقلانيين.
نقول في الرد على الذاتيين ، وبالله التوفيق ، ليس ضرورياً أن يناقض القول بالموضوعية التسامح والحرية ، أما القول بأن الناس اختلفوا حول ماهيتها فهو ليس بحجة ، لأنه من الممكن أن يكون من بين المختلفين من هو على حق، أما المطالبة بتحديد الأشياء التي تسعد الناس؛ فطلب معقول ، ولكن قد تكون الإجابة عنه صعبة. سنجيب عن هذا السؤال ضمن ذكر الحجج التي تعضد القول بالموضوعية عموماً.
إن للإنسان طبيعة معينة تميزه عن غيره من المخلوقات ، وإن هنالك نشاطات وأفعالاً تناسب هذه الطبيعة ونشاطات لا تناسبها ، وهذه الطبيعة تجعل للإنسان حاجات ومطالب.. وتجعله بالضرورة يصبو لتحقيق هذه الحاجات ويكون في حالة توتر مادامت لم تحقق له ، وعند تحققها يزول توتره ويحس بالرضا
هنالك لذات تحصل من نشاطات هابطة كتناول المخدرات والممارسات الجنسية القبيحة والتلذذ بضرر أو تعذيب الآخرين ولا يجد ممارسوها غضاضة في ممارستها.
يمكن مقارنة اللذات والسعادة؛ فهنالك طريقة حياة ونشاطات تحدث سعادة أعظم من طريقة حياة أخرى. والدليل على ذلك أن الفرد إذا جربها سيفضلها ويحكم على أنها أعظم من غيرها.
هنالك أشياء يكاد يجمع الناس على أنها من أسباب السعادة مثل الصحة والمحبة والصلاة الحسنة بالآخرين.
على الرغم من أن للسعادة معايير موضوعية إلا انه لا يجوز وصف شخص بأنه سعيد دون أن يشعر هو بالسعادة.
مقومات السعادة وأسبابها:
تعرف السعادة بأنها رضا عام عن الحياة بتحقق الرغبات والأهداف والمقاصد أو بتحقق الذات ، وهذا الرضا يتمثل في الرضا عن الحياة الاقتصادية ، ومعناها تحقق الضروريات والحاجات والكماليات والشعور بالصحة والرضا عن الحياة الأسرية والعلاقة الزوجية ،والرضا عن العمل والعلاقات الاجتماعية الصادقة، ورضا الفرد عن سلوكه وتصرفاته الأخلاقية والدينية وأداء الواجبات المتصلة بهما والرضا عن الوضع السياسي والاجتماعي عامة، والأمن على النفس والعرض والمال والأمن العقدي بزوال الجهل والشكوك والأوهام والثبات على بعض المعارف عن الكون والإنسان والمجتمع.
الحياة الاقتصادية: تحقق الضروريات والحاجات والكماليات بالأكل والشرب والملبس والمسكن وسبل التنقل والعلاج والتعليم ووسائل الترفيه وقضاء وقت الفراغ. وفي حديث الرسول صل الله عليه وسلم إشارة إلى هذا النوع من مقومات السعادة "أربعة من السعادة: المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء ")19(
الصحة: إن من أهم مقومات السعادة الصحة فقد كان الرسول صل الله عليه وسلم يدعو الله أن يسلمه من عوائق السعادة والأمور السلبية كالمرض والفقر ، فكان من دعائه (اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في سمعي ، اللهم عافني في بصري ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، لا إله إلا أنت).)20(
والصحة عبارة عن سلامة الجوارح والحواس والخلو من الأمراض والعاهات وعدم الضعف والعجز؛ كما أن من أهم مقومات السعادة الضرورية الصحة العقلية والنفسية.)21(
العلاقة الزوجية: يقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21) يقول الرسول صل الله عليه وسلم "الزواج من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني")22( "هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك" )23( "تزوجوا الولود الودود" )24(إن المتزوجين أكبر سعادة – بوجه عام – من العزاب والأرامل والمطلقين )25(.
ولكن ليس ما يسعد الزواج؛ ولكن نوعية الزواج. والرجال يحصلون على إشباع أكثر من الزواج إذا ما قورنوا بالنساء. )26(ومما يساعد على السعادة الزوجية استعداد الزوجين للمساعدة العملية والصحية وكثرة الوقت الذي يقضيه الزوجان معاً، والاتفاق على المسائل المشتركة كالأمور المادية والبحث عن الحلول للمشاكل التي تطرأ على العلاقة والدعم المتبادل.)27(
الصداقة والإخاء: الإخاء ضروري لحياة الفرد ولبناء المجتمع ومؤسساته ، وضروري للبناء الحضاري للأمة الإسلامية ، وعليه تعتمد سعادة الفرد والمجتمع.فالإنسان لا يمكن أن يحقق ذاته ورغباته إلا في جماعة ولا يستطيع تحقيق القيم الخلقية إلا في جماعة ، وقد قيل الإنسان كثير وقوي بإخوانه وأصدقائه. وإن كل شخص محتاج إلى صديق عند حسن الحال وسوء الحال ، فعند سوء الحال محتاج إلى معونة الإخوان وتسليتهم عند الهموم ، فالأخ يبث همومه لأخيه ، فينفس عنها ، وعند حسن الحال يفرح بهم ويأنس بهم ، فالأخ زينة الإنسان يجد في حبه للآخرين وعونه لهم سعادة لا تدانيها سعادة ، لأنه يشعر بأنه سبب سعادتهم وتخفيف آلامهم ، يقول صل الله عليه وسلم "ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله " )28( قال الغزالي: الأخوة محبة والمحبة تتبع المؤاءمة والموافقة ، وإن أخوة الإسلام تنتج من العقيدة والفكر المشترك ومن وحدة الهدف والغاية ولعل أول ما يوفره الأصدقاء بعضهم لبعض التحسين الفوري للحالة المعنوية بالمساعدة العملية والدعم الاجتماعي في صورة تعاطف أو نصائح والمشاركة في الأنشطة)29( فالإسلام يحث على السلام عليه إذا لقيه؛ وعيادته إذا مرض ويتفقده؛ ويواسيه؛ وينصحه؛ ويدافع عنه ، كما يحث على الدعاء والوفاء والإخلاص له وإظهار المحبة له "أن يخبره إذا أحبه أنه يحبه" فاكتساب الأصدقاء والحفاظ عليهم يعتمد على القدرة على التدعيم وأداء الالتزام والمجاملة والتعبير عن المحبة.)30(
السيرة الحسنة بين الناس: إن من الأمور التي تدخل السعادة والرضا في نفس الإنسان؛ السمعة الحسن والسيرة الطيبة بين الناس، لكن المؤمن لا يبتغي ابتداء من أعماله ثناء الناس عليه، ولكن ثناء الناس عليه قد يلزم من أفعاله دون قصد منه لذلك ،وواجب على أفراد المجتمع الثناء على المحسنين منهم. ويختلف مفهوم السيرة الحسنة عن مفهوم الشهرة والصيت التي يعبرون عنها بأنها شعور الشخص باعتراف الناس بما قدم من أعمال واللذة الناتجة ، والتي باعثة للعمل ، فإذا ساعد الفقراء فإنه يفعل ذلك لكي يقال إنه شخص محسن، وإذا ألقى حديثاً أو كتب كتاباً أو بحثاً فإنه يريد أن يقال إنه عالم أو مفكر أو أديب أو غيرها من عبارات الثناء والمدح ، وقد تصل رغبة الإنسان لنيل المكانة والشرف إلى حبه العلو والسيطرة والحصول على القوة والنفوذ؛ هذه الرغبات كاذبة ومنحرفة وينهي عنها الدين ، فالإسلام ينهي عن التطلع إلى الشهرة والصيت وحب العلو ويحث أن يكون العمل لله.
لقد انتشر بين المسلمين طلب الشهرة والصيت والمكانة ، وصارت حظوظ الدنيا هي التي تدفع معظمهم للعمل ، وعلى هذا نربي ابناءنا وإلى هذا تهدف معظم وسائل أعلامنا ومؤسساتنا ،ولكي نتغلب على هذا الداء العضال نحتاج إلى جهاد للنفس كبير وإلى تربية أبنائنا وأنفسنا لكي نخلص العمل لله، يقول الرسول صل الله عليه وسلم "من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به)31( " ويقول "إن الله تعالى يحب العبد التقي الغني الخفي".)32(
وفي القرآن: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص:83).
العمل: يعتمد الرضا عن العمل على العلاقات الإنسانية داخل التدرج الوظيفي ، فالمرؤوسون يكونون أكثر سعادة في ظل أساليب معينة من الإشراف ، وخاصة تلك التي تتصف بالتقدير من جانب المشرف والتشجيع على المشاركة في اتخاذ القرار ، ومما يسبب عدم الإرتياح في العمل ممارسة المشرفين على العمل ضغوطاً من أجل مزيد من العمل أو عندما يعطون أوامر تلقائية دون استشارة العاملين.)33( ومن أسباب الرضا عن العمل الأجر المجزي والمقدرة والكفاءة على أدائه والرغبة فيه.
وكذلك تعتمد السعادة على حسن العلاقة بين الفرد والأقارب والجيران والأطفال والآباء والناس، والشعور بالنجاح والإنجاز يؤدي إلى السعادة؛ وكلما حقق الإنسان أهم رغباته ازدادت سعادته، ولكن إذا قارنا سعادة الأفراد بعضهم ببعض فإن الرضا بالحال قد يكون في مستوى أدنى من الإنجاز؛ فمستوى الحياة ونوعيتها والإنجاز الذي يحققه الفرد يحدد قوة السعادة وشدتها؛ فقديماً قال سقراط: أريد أن أكون سقراطاً غير راض من أن أكون حيواناً راضياً. فنوعية الحياة تؤثر في مستوى السعادة؛ لكن هنالك تعقيداً في هذه العلاقة ، لأن نوع النشاط نفسه قد يحدث سعادات متفاوته باختلاف الأشخاص ، لأن بعض التجارب تحتاج إلى من يتذوقها ، ويحدث ذلك عادة بممارستها والتعود عليها ، وقد يحتاج إلى نوع من المجاهدة والصبر عليها في بداية الأمر. وقد اختلف المفكرون في النشاط الذي يحدث أعظم قدر من السعادة؛ فمنهم من رأى السعادة في تحقيق اللذات الحسية ، ومن رآها في قمع الشهوات بالكلية والزهد في الحياة المادية حتى يحيا حياة روحية خالصة ، ومنهم من يرى السعادة في حياة الفكر والتأمل والنظر ، لكن السعادة في اعتقادنا لا تقتصر على جانب واحد من حياة الإنسان؛ فإنها تشمل كل جوانب حياته المادية والعقلية والروحية والسلوكية والذوقية ، فجانب الحياة المادي ينبغي أن يشمل ما هو ضروري وحاجى وكمالي، ويتحقق الجانب النفسي من حياة الإنسان مثلاً بصحته النفسية بزوال الخوف والشعور بالأمن والطمأنينة ووجود علاقات اجتماعية للفرد وصداقات؛ وذلك بمشاركته للآخرين أفراحهم وأتراحهم ومشاركتهم له في ذلك وفي محبته لهم، ومحبتهم له وتتمثل الصحة النفسية في الإتزان الإنفعالي والعاطفي؛ وذلك بتجنب الغضب والحسد والحقد مثلاً وأن يتجنب كل عاطفة رذيلة، وألا تخلو نفسه من العواطف المناسبة في المواقف المثيرة لتلك العواطف، بأن يتسم بالرحمة والشفقة والمحبة وغيرها من العواطف النبيلة.
ويشمل جانب الحياة الذوقية تذوق الجمال والفن والأدب ويعد هذا الجانب من الحياة عادة جانباً كمالياً ، ويختلف الناس في السعي لتحقيقه وطلبه. ويتمثل جانب الحياة العقليةفي التأمل والفكر والنظر وسعي الإنسان لإكتساب العلم والمعرفة ورغبته في الكشف عن الحقائق وفي حل المسائل والمعضلات والمشكلات وغوامض الأموروفي زوال الشكوك والتخلص من التيه الفكري والحيرة؛ إنها الرغبة في الأمن العقدي والمعرفة ، النافعة واللذة المصاحبة لتلك المعرفة وأعلى مراتب الأمن العقدي هي معرفة الله ومعرفة ما شرع وأخبر.
وهنالك المقومات الروحية التي تشمل العبادات الظاهرة كالصلاة والصوم والحج والزكاة والعبادات الباطنية كالإيمان وإخلاص النيه والتوجه بالعمل لله سبحانه وتعالى وما يتبع تلك العبادات والطاعات من أحوال وتجارب ولذات وما يشعر به المؤمن من متعة وطمأنينة وأنس ورضا نتيجة لذلك. * فلا ينبغي أن يركز الإنسان على الجانب الروحي دون المادي ولا المادي دون الروحي ولا العقلي أو الذوقي دون الجوانب الأخرى ، لأن الإنسان يحتاج إلى تلبية كل الجوانب الأخرى ، لأن الإنسان يحتاج إلى تلبية كل الجوانب ، فإن الإنسان لا يمكن أن يحيا حياة عقلية أو ذوقية بحته؛ فمن المجرب والمشاهد أنه إذا نال من إحداها معيناً فإنه قد يمله ويكون عائد الاستمتاع به متناقضاً. ولقد نهى الرسول e الصحابة الذين أرادوا ترك الأكل والنوم والزواج.وإن طبيعة الإنسان تحتم عليه تلبية كل الجوانب.من ناحية أخرى فإن الناس متفاوتون في رغبتهم وتذوقهم لجانب دون جانب؛ كما أن بعض الجوانب قد يكون أكثر لذة ومتعة من الجوانب الآخرى.فقد ذكر أحد العباد عن جانب العبادة مقارناً له بجانب الثروة والماديات فقال: لو علم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.وقد يحتاج الإنسان إلى شيء من الممارسة والتعود حتى يتذوق جانباً من الجوانب.
ويشمل الجانب الأخلاقي والسلوكي التزام الإنسان بالقيم الأخلاقية كالصدق والعدل والإحسان والطهارة والعفة والشجاعة والأمانة والرحمة؛ إن الالتزام بهذا الجانب يحدث رضى وسعادة في نفس صاحبه ويحدث آثاراً حسنة في حياته وحياة غيره من الناس.كما أن من مقومات السعادة أن يعيش الإنسان في مجتمع فاضل تتحقق فيه قيم معينة كقيم التكافل والأخوة والمحبة والرحمة والشورى والعدل والطهارة والوحدة والنجدة والتناصح والتآزر والتناصر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيثار والإيمان والحرية والتقوى والعلم والمعرفة وغيرها من القيم النبيلة.
ولكن مهما حقق الإنسان من مقومات الحياة المادية والذوقية والروحية والسلوكية والعقلية والنفسية ، ومهما حقق من رغبات وأهداف ، ومهما حقق من نجاح ، فإنه لن يشعر بالسعادة إذا لم يصاحب ما حقق وأنجز شعور بالرضا والقناعة؛ لأن مطالب الإنسان قد لا تنتهي؛ ولأن الإنسان قد يهتم بتحقيق أمر يرى فيه قمة سعادته كالحصول على درجة علمية معينة أو الزواج من فتاة معينة؛ ولكنه عندما يحصل على مقصوده تقل رغبته فيه ولا يحس بسعادة وهو حاصل له، ولكن الإنسان القانع الراضي يحس بالنعم التي أنعم الله بها عليه فيكون سعيداً بذلك.
وسائل السعادة:
إن مقدرة الفرد على تحقيق رغباته وأهدافه ومقاصده لا تعتمد فقط على سعيه وجهده؛ ولكنها تعتمد أيضاً على قدراته وعلى الظروف المحيطة به. من ناحية أخرى فإنه السعي يتطلب*.
-اكتساب العلم بما يسعد
محبة الإنسان لما علم
معرفة الأسباب التي تحقق ما علم وأحب
السعي لتحقيق هذه الأسباب
الصبر ومجاهدة النفس في السعي لتحقيق هذه الأسباب.
قال ابن القيم "ومعلوم أن كمال العبد هو بأن يكون عارفاً بالنعيم الذي يطلبه والعمل الذي يوصل إليه ، وأن يكون مع ذلك فيه إدارة جازمة لذلك العمل ومحبة صادقة لذلك النعيم ، وإلا فالعلم بالمطلوب وطريقه لا يحصل إن لم يقترن بذلك العمل ، والإرادة الجازمة لا توجب وجود المراد إلا إذا لازمها الصبر
على المسلم أن يسعى بشتى الوسائل لنيل السعادة ويرجو الله ويدعوه أن يتم له ذلك في الدنيا والآخرة ، وفي الدعاء (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة:201) وعلى الإنسان أن يسعى بالفكر والروية قبل العمل ، وعليه أن يكتسب المعرفة ، يقول ابن القيم "إن الإنسان قد يحب الضار وقد يحب النافع" إن النافع يعلم بالشرع والعقل ، ولكن أصدق الطريقين إليه الشرع لخفاء صفات الأفعال وأحوالها ونتائجها ، وأن العالم بذلك على التفاصيل ليس هو إلا الرسول صلى الله عليه وسلم فأعلم الناس وأصحهم عقلاً ورأياً واستحساناً من كان عقله واستحسانه وقياسه موافقاً للسنة.* وأن يبذل الجهد والمثابرة والصبر ، يقول الله تعالى: ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153) وأن يقابل إحباطات الحياة وإبتلاءاتها بروح عالية ما وسعه ذلك ، وأن يكون أمله في الله كبيراً "ولا يقنط من رحمته")يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87) وأن يكون في حال رجاء دائم في أن يحقق الله له خيري الدنيا والآخرة (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)(النساء: من الآية104) وأن يستشير في أموره أهل الرأي والمشورة وأن يستخير الله عندما يقدم على أي أمر من الأمور فإذا أخذ بالأسباب توكل على الله وأقدم ولم يتردد وكان قوى الإرادة والعزيمة؛ وأن يلح ويكثر من الدعاء (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186) ولقد وردت أدعية كثيرة يجدها القارئ في كتب الأذكار المختلفة. ومن أسباب السعادة لزوم الاستغفار قال صل الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ".* إن ما يؤلم الإنسان وينقص سعادته اقترافه الذنوب وشعوره بالذنب ، لكن المؤمن يزول منه هذا الشعور عندما يقرأ قول الله تعالىSmile(َلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (التوبة:104) فالله سبحانه وتعالى يمدح التائبيين المستغفرين ويعدهم بالمغفرة: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135) ومن أسباب السعادة الإيمان بالله والتوكل عليه يقول الغزالي "إن التوكل هو ثمرة التوحيد وهو عبارة عن اعتبار المؤمن أنه لا فاعل إلا الله واعتقاده أن الله متصف بتمام العلم وتمام القدرة على كفاية العباد وأنه يتصف بتمام العناية والعطف والرحمة ". * ولا يعنى بالتوكل ترك السعي.
وإذا قرر الإنسان وعزم بعد التروي والمشورة والاستخارة فلا يتردد ويتوكل على الله ويشرع في تنفيذه ما عزم عليه قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)(آل عمران: من الآية159) ومن أسباب السعادة الطموح قدر المقدرات وترقية المقدرات.
ينبغي على الفرد معرفة مقدراته وإمكاناته ومحاولة استثمارها ، وعليه ألا يتطلع إلى تحقيق أهداف لا تتناسب مع هذه المقدرات والإمكانيات ، فإن ذلك سوف يشعره بالإحباط والفشل. ولكن هذا لا يعني ألا يجتهد ويسعى إلى تحسين مقدراته بالعلم والتدريب وغيرها من الوسائل فالحياة الخالية من الطموحات والأهداف والرغبات حياة خاملة ومملة؛ فينبغي ألا يكون الإنسان في حالة طموح كاذب ، أو حالة خمول معقد ، ومن أسباب السعادة والنجاح الالتزام بقدر الطاقة ، فينبغي للفرد ألا يلتزم بالقيام بأعمال كثيرة لا يستطيع الوفاء بها كلها، أو أعمال يمكنه القيام بها ولكن ترهقه وتؤثر في حسن أدائه لها، أو تجعله يقصر في واجبات أخرى ، فالإنسان عادة يقبل ويلزم نفيه بالقيام بأعمال كثيرة فوق طاقته إرضاء لمن يطلب مساعدته أو رغبة منه في تحقيق أكبر عدد من الأهداف في أقل زمن ممكن ، ومن أسباب السعادة تنويع الأهداف فيحسن للفرد أن ينوع من أهدافه وغاياته ولا يجعل له هدفاً واحداً ، لأنه قد يفشل في تحقيق هذا الهدف. فإذا نوع من أهدافه في أقل زمن ممكن. ومن أسباب السعادة تنويع الأهداف فيحسن للفرد أن ينوع من أهدافه وغاياته ولا يجعل له هدفاً واحداً ، لأنه قد يفشل في تحقيق هذا الهدف. فإذا نوع من أهدافه وحدث أن فشل في واحد منها فإنه قد ينجح في تحقيق هدف آخر ، فإن في ذلك سلوى عظيمة له "علماً بأن الأهداف الأساسية قد لا تتغير".
ومن أهم أسباب السعادة تكيف الفرد مع الظروف والمجتمع الذي يعيش فيه ، وهذا التكيف بالنسبة للمسلم محكوم بقواعد الإسلام السمحة ، فليس للمسلم أن يتكيف مع أي مجتمع وبأي شكل من الأشكال ، وليس على حساب المبادئ والقيم والمثل الإسلامية.
إن من أهم أسباب السعادة كذلك مقدرة الفرد على التوفيق بين رغباته وأهدافه. ويمكن أن يتم هذا التوفيق بأن يكون له نظام لدرء التعارض بين رغباته وأهدافه وواجباته. وهذا قد يكون بالتخلي عن بعضها أو بوضعها في ترتيب بحسب أوليتها ، أو أن يجمع بينها بطريقة من الطرق. فالفرد قد يرى من الواجب عليه إرضاء أسرته وخدمتها وصرف جل وقته في ذلك ، وقد تكون له رغبة في الوقت نفسه في تحقيق طموحاته الشخصية ، وقد يرى أنه من الواجب عليه خدمة مجتمعه ، أو تحقيق مبادئ وأهداف معينة في الحياة وقد تتعارض هذه الواجبات والرغبات والأهداف مع بعضها.
إن أفضل طريقة لدرء التعارض بين الرغبات والواجبات هي الاحتكام لقوانين الشريعة الإسلامية، وإلى داعي العقل فيما لم يرد فيه نص شرعي؛ فإذا عجز عقله استشار أهل الرأي والاختصاص والحكمة ، فإذا صعب اتخاذ قرار معين يقرأ دعاء صلاة الاستخارة.)34( فيقدم على ما يجد نفسه تميل إليه متوكلاً على الله سبحانه وتعالى.فالإنسان قد لا يستطيع أن يهتدي 4في كثير من الأمور بعقله وتجاربه إلى أختيار بديل من بين البدائل المختلفة لقلة المعلومات ، أو لصعوبة تقييم الموقف ، أو لشعور قوى في نفسه يدعوه إلى فعل أمرين متناقضين ، أو لغيرها من الأسباب؛ إما إذا كانت هنالك جهة يثق في حكمتها وجميل اختيارها فإنه سيلجأ إليها وهو راض. وهذا اللجوء يزيل القلق ويخفف من الصراع الناتج من اتخاذ القرار.
أما إذا كان النزاع بين رغبات النفس وواجبات الدين؛ فإن الإنسان يحتاج للتغلب على النزاع الناشئ في نفسه إلى مجاهداتها؛ وقد يعاني الفرد في البداية الطريق ، ولكن النفس تسكن وتسعد بطاعة ربها وتوكلها واعتمادها عليه ورضاها بما أوجب وحكم (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(الأحزاب: من الآية36).
لا شك أن معرفة حكم الله قد تحتاج في بعض الحالات إلى جهد كبير وقد يقع الامر المراد معرفة حكم الله فيه تحت نصوص قد يبدو أنها متعارضة؛ فيحتاج المجتهد إلى التوفيق بينهما ، ولكن سلواه قول الرسول صل الله عليه وسلم:""إذا حكم الحاكم فاجتهد فاصاب فله أجران وإذا حكم واجتهد ثم أخطأ فله أجر.)35(
تجدر الإشارة هنا إلى أنه كلما كانت النفس مستقرة على فعل الخير ولا صراع في داخلها كان ذلك أفضل ، ولكن من ناحية أخرى فإن الذي تنازعه نفسه لفعل الشر ويختار الخير أفضل سعيد؛ باعتبار ما سيؤول إليه حاله في الآخرة ، وباعتبار أنه إذا تجاوز هذه الحالة واستقرت نفسه على فعل الخير سعيد سعادة حقيقة ، إن التخلص من صراع النفس بالاستجابة لدواعي الشهوة والرغبة الحرام "والمدمرة في حقيقة الأمر"أو إزالة الصراع بغرض التكيف مع المجتمع الذي يمارس الحرام ، قد يحدث راحة ، ولكنها تكون راحة زائفة وكاذبة وفي مستوى أدنى الحياة الروحية والخلقية التي يقاوم الإنسان فيها دواعي الشهوة والهوى. إن رفض دواعي الشهوة رفضاً كاملاً حلالاً كانت أم حراماً ورفض التكيف مع المجتمع مهما كان كان والتنطع في التعامل معه أمر غير طبيعي وغير سليم.
فإن المؤمن يجب أن تستقر نفسه في امر إشباع رغباته وعلاقاته بأفراد مجتمعه على ما تسمح به الشريعة الإسلامية وما تتطلبه ، إن من أهم أسباب الصراع النفسي عند كثير من شباب المسلمين وشيبهم جهلهم بأحكام الشرع وعدم معرفتهم بما هو مشروع وحلال من شهوات النفس ورغباتها وماهو حرام ، علاج هذا هو التفقه في الدين ومعرفة أحكام الشرع.
ومن أسباب السعادة أن ينظر الإنسان إلى محاسن الآخرين ويغض النظر عن مساوئهم قال رسول الله: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضى منها آخر" لأنه إذا تتبع عوراتهم ونقائضهم لم تنم بينه وبينهم محبة وتصعب عليه معايشتهم ، هذا لا يعني عدم إسداء النصح لهم ولا يعني ترك أمرهم بالمعرف ونهيهم عن النكر.
ومن أسباب السعادة: أن ينظر الفرد إلى من دونه وليس لمن فوقه، وإلى ما حقق وليس إلى ما لم يحقق، وتذوق نعم الله التي لا تحصى، وشكر الله على تلك النعم (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)(ابراهيم: من الآية7). وعلى الفرد ألا يؤخر عمل اليوم لغد ، وأن يفرغ من واجباته أولاً بأول فالإنسان عادة إذا واجهه عمل صعب أو غير محبب أخره لغد ، لأن النفس عادة تخلد إلى الراحة ، ولكن تأخير ما لابد منه يزيد من مشكلاته ومصاعبه خاصة إذا ظهرت له أعمال أخرى تحتاج إلى وقت وجهد كبير ، فعليه بالصبر والمجاهدة حتى ينجز ما ينبغي عليه عمله. ومن أسباب السعادة تعود النظام والحفاظ على الصحة وصدق الالتزام والشجاعة والمرونة والتفاؤل والثقة بالنفس ووضوح الهدف وقوة الدوافع الداخلية والتحكم في السلوك والشعور بالمسئولية. وعلى الرغم من أننا ذكرنا عدداً لا بأس به من العوامل المساعدة على تحقيق السعادة ، ولكن كان ذلك دون استقصاء لكل العوامل والأسباب
اما السعادة التى تختص بالانسان دون غيره من الحيوانات هى أن تصدر أفعاله عنه بحسب الروية والتمييز وعلى ما يقتضيه العقل الذى امتاز به عن الحيوانات ، والسعادة بهذا المعنى موجودة متحققة لكل فرد من أفراد الإنسان فلا يختص بها أحد دون آخر غير أنها تختلف فى الافراد مرتبة ودرجة بحسب اختلاف درجاتهم فى الانسانية اى بحسب شعورهم بالحسن والقبيح ومقدرتهم على تحصل الفضائل ومزاولتها ولهذا قيل قلان أكثر إنسانية من فلان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية   مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Emptyالأحد 30 ديسمبر 2018, 3:16 pm

الخير ومفهومه


الخير بنظرة فلسفية
الخير هو شيء أو حالة مرغوبة، ممتعة، أو ما يُعتبر من الناحية الأخلاقية أفضل من شيء آخر أو من حالة أخرى. والخير هو نقيض الشر أيضا. يُعرف الشيء الخيّر أو حالة الخير دائما بشكل نسبي لأشياء أو لحالات أخرى، وتعريفه هو دائما شخصي ذاتي متعلق بسياق الزمان والمكان والعلاقات بين البشر. مثلا: هناك من الناس من يعرّف الزواج على أنه خير، لكن هؤلاء الناس أنفسهم يعرّفون الزواج على أنه شر إذا كانت أعمار المتزوجين أقل من عُمر معين، أو إذا كان أحد المتزوجين متزوجا من شخص آخر أثناء الزواج، أو إذا لم يُعقد حفل الزواج بالطريقة المفضلة بالنسبة لهم
"الخير" في الديانات
يؤمن معتنقو الديانات المختلفة أنه عندما يكون الإنسان منتميا إلى إطار ديني معين يمكن تعريف أشياء أو حالات معينة على أنها خير بشكل مطلق، وليس بشكل شخصي وموضوعي. هذا الادعاء بشأن الخير المطلق يستمد قوته من الادعاء بأن هناك كيانا أعلى يرسم محورا أخلاقيا مطلقا يعرف ما هو موجود على جانبي المحور على أنهما "خير" أو "شر". هناك ادعاء مصاحب لهذا الادعاء وهو الادعاء بأن الدليل على أن مدى الخير والشر هو من الناحية الدينية مطلق، وهناك نظام جزاء ربّاني لمن يعمل الخير أو لمن يعمل الشر. تعتمد المعرفة بتحقق نظام الجزاء هذا على ادعاءات بتوقعات موالية، وادعاءات صوفية مطلقة مختلفة. بمعنى أن الأدلة القائمة على النجاح أو الفشل في العمل، أو الادعاءات بالجزاء الذي سيأتي في مكان غير قابل للفحص (وجود "جنة عدن" أو "جهنم").
الخير" كشيء ممتع
هناك تعريف آخر للخير تجده عند الأبيقوريين وينص على أن الخير هو ما يثير الإحساس بالمتعة أو بالرضا لدى البشر، أو انه مرغوب لدى الكثيرين بسبب الاعتقاد بأنه قد يثير مثل هذه الأحاسيس. وبموجب هذا التعريف فإن الخير هو الممتع. وهنا أيضا تعتمد محاولة تحديد نقطة مطلقة للخير (ولنقيضه، الشر) على الفرضية بأن تعريفات الممتع أو المُرضي مشتركة بين بني البشر وأنها تكون مطلقة في ظروف معينة.
المشكلة الأساسية في هذا التعريف هي أنه من الصعب تعريف الممتع أو المُرضي بشكل مطلق، لأن أي تعريف من هذا النوع يظل مرتبطا بالظروف دائما. هكذا مثلا تجد ان مقولة ان الطعام خير لأن تناوله يمتع غالبية البشر ليست صحيحة بالنسبة لتلك الشريحة من البشرية التي أنهت للتو تناول وجبة طعامها، وبالنسبة لأولئك الذين يخضعون لبرنامج تنحيف، أو بالنسبة لجميع الذين لا يتفقون مع ما يُعرّف على أنه "طعام جيد" في نظر الذين عرفوه بهذا الشكل أصلا. بالإضافة إلى ذلك لا يشتمل تعريف الخير على أنه ممتع على نظام تفسير ما يوضح لماذا يكون الممتع خيرا، باستثناء تفسير دائري على غرار: الممتع هو خير لأن ما هو خير يكون ممتعا
الخير" كمُجدٍ
هناك تعريف ثالث للخير يقوم على الجدوى: يُعرف الخير بأنه يعود بالفائدة. وكان جيرمي بنتهام قد عرّف المجدي على أنه ما يعود بالسعادة الكبيرة للعدد الأكبر" من الناس. ورأى بنتهام أنه يمكن بناء معادلة حسابية تحدد ما هو مدى السعادة التي يحققها كل عمل، وبناء عليه يمكن تحديد مدى الخير الأخلاقي (أو الفائدة) الكامن فيه.
يقوم هذا التعريف للخير على عدة فرضيات. الأولى هي أن المعرفة ما هو الشيء الذي يعود بالسعادة الأكبر على أكبر عدد من الناس تكمن لدى شخص ما بشكل غير ذاتي. أي أن هذه المعرفة ليست المعرفة الذاتية، والجزئية الخاصة بشخص معين، بل هي معرفة موضوعية فوق بشرية. هذا الادعاء مساو في قيمته للادعاء القائل إن لدى بعض الناس القدرة على اكتساب المعرفة الإلهية، وأنهم يحققون هذه القدرة. وكما بالنسبة للادعاء الديني، هنا أيضا، بالنسبة لمن لا يعترف بأن لدى بعض الناس قدرة على كسب المعرفة الإلهية، لا تجد للتعريف أي معنى.
هناك فرضية مرافقة للفرضية الأولى وهي أنه ليس فقط أن لدى بعض الناس طريقة لكسب المعرفة الإلهية، بل إنهم مزودون بقدرة إلهية على تحقيق هذه المعرفة بحيث يؤدي تعريفهم للخير والشر إلى تحقيق كمية السعادة الأكبر بالنسبة للعدد الأكبر من الناس. الشهادات التي أوجدها دعاة الجدوى لمسار التحقيق هذا لا تزال قليلة
الخير" كخيار شخصي في مجتمع ديمقراطي
هناك تعريف آخر لمدى الخير، وهو ليس تعريفا مطلقا متسامياً، يعتمد إلى حد ما على تعريف الجدوى والأبيقورية ويرى أن الخير هو ما يختاره غالبية الناس في الواقع باعتباره "خيرا" أو، على الأقل، باعتباره الأقل شرا. وبموجب دعاة هذا التعريف فإن بني البشر يختارون في التصويت الديمقراطي، ولا سيما في التصويت المباشر، إمكانية معينة تبدو لهم أفضل من غيرها، أو يختارون ممثلا يمثل الخير أفضل مما يمثله ممثلون محتملون آخرون مطروحون للاختيار.
يقوم هذا المفهوم للخير، إلى حد ما، على تعريف "الموافقة العامة" لروسو. ويقول روسو إنه في الوضع الطبيعي تجسد "الرغبة العامة" لجميع بني البشر الذين يربط بينهم "ميثاق اجتماعي" مدى الخير المثالي والمطلق، إذ إن خيارهم سيجسد ما هو مرغوب جدا لدى جميع بني البشر. ينطوي هذا المفهوم على مشكلة مركزية وهي أن هذا الوضع الطبيعي لم ينتج وهناك صعوبة ملحوظة في صياغة تعريف حالة قد ينشأ فيها أو حالة قد تقود إليه. وكما بين المؤرخ يعقوب طلمون، ومن بعده مفكرون آخرون، فإن الفرضية أن هناك "رغبة عامة" مشتركة بين جميع بني البشر تقود عادة إلى إنشاء "ديمقراطية شمولية" وهو نظام ديكتاتوري تسعى فيه أقلية حاكمة إلى السيطرة على المعرفة المطلقة بشأن ما هي "الرغبة العامة الحقيقية". إذا رفضنا التعريف المطلق لروسو فإن فكرة الخير تصبح نتاجا لخيار أضعف كمرشد للتدريج الأخلاقي وتنتج عن ذلك عدة مشاكل. الأولى هي أن هذا التعريف للخير يصنف احتمالات معطاة حسب ترتيب أولويات معين متبع لدى غالبية بني البشر، ولكنه لا يشتمل على أي بعد أخلاقي. مثلا: إذا صوت سكان قرية ما في انتخابات ديمقراطية مباشرة على بناء أو عدم بناء حانة في ضواحي القرية فإن حسمهم يعكس ميزان مجمل الاعتبارات والمصالح ومشاعر أبناء القرية حول الموضوع ولكنه لا يحدد هل الحانة هي شيء جيد أم شيء سيء بشكل مطلق. هناك ثمة صعوبة أخرى في هذا التعريف وتكمن في أن تفضيل الأغلبية يعكس المفاهيم وسلم الأولويات لدى جزء من المجتمع في مكان وزمان معينين. وهو لا ينطبق خارج هذا الإطار، وقيمة الخيار هي توقعية وليست أخلاقية، بمعنى أنه يمكن الاستنتاج منه فيما يتعلق بتفضيل الأغلبية، وليس فيما يتعلق بالخير والشر المطلقين.
هناك قضية أخرى مرتبطة بهذا التعريف وهي حقيقة أن الخيار بين الإمكانيات المتاحة، والتي يكون عددها وجوهرها محدودا، يجعل الخيار ليس خيار الخير الشخصي الأقصى بل خيار الشر الشخصي الأدنى. ليس الخيار خيار الإمكانية المفضلة بل هو خيار الإمكانية الأقل ضررا في نظر الناخبين
الخير فى الإسلام
من الألفاظ المركزية في القرآن لفظ (الخير)، حيث ورد هذا اللفظ ما يقرب من مئة وثمانين مرة، جاء في معظمها (اسماً)، كقوله تعالى: {ذلكم خير لكم} (البقرة:45)، وجاء في سبعة مواضع فقط (فعلاً)، منها قوله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار} (القصص:66).

ولفظ (الخير) في الأصل اللغوي يدل على العطف والميل، وعليه قالوا: (الخير) ضد الشر؛ لأن كل أحد يميل إليه، ويعطف على صاحبه؛ وعليه أيضاً قالوا: (الاستخارة) وهي الاستعطاف، لأن المستخير يسأل خير الأمرين، ويُقدِم عليه؛ و(الخِيَرة): الاختيار؛ لأن المختار لأمر إنما هو مائل إليه، ومنعطف عليه دون غيره.

ثم توسعوا في هذا الأصل اللغوي، فقالوا: رجل خيِّر، أي: فاضل؛ وقوم خيار وأخيار، أي: من أفاضل الناس. و(الخير) من أسماء المال، والعرب تسمِّى الخيل: الخير؛ لما فيها من الخير.

ثم إن (الخير) في التعريف الاصطلاحي: ما يرغب فيه كل الناس، كالعقل، والعدل، والفضل، والشيء النافع، وضده: الشر .

و(الخير) يطلق على نوعين: أحدهما: خير مطلق، وهو أن يكون مرغوباً فيه بكل حال، كطلب الجنة. وثانيهما: خير نسبيٌّ، ويكون مقابلاً للشر، كالمال يكون خيراً للبعض، ويكون شراً لآخرين.

ولفظ (الخير) في القرآن على وجهين: أحدهما: أن يكون (اسماً)، كقوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} (آل عمران:104). ثانيهما: أن يكون (وصفاً)، على تقدير صيغة (أفعل)، كقوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} (البقرة:184)، أي: الصيام للمسافر أفضل من الفطر، ونحو ذلك قوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة:197)، أي: أفضل ما يتزود به قاصد البيت الحرام تقوى الله.

وورد لفظ (الخير) مقابلاً لـ (الشر) مرة، وورد مقابلاً لـ (الضُرِّ) مرة أخرى، فمن أمثلة مقابلته لـ (الشر)، قوله سبحانه: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} (الزلزلة:7-Cool، ومن أمثلة مقابلته لـ (الضر) قوله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} (الأنعام:17).

أما من حيث المعنى، فإن لفظ (الخير) في القرآن أطلق على معان، منها:

الأول: المال، كقوله تعالى: {إن ترك خيراً} (البقرة:180)، فـ (الخير) هنا - كما قال القرطبي - المال من غير خلاف. وعلى هذا المعنى جاء أكثر استعمال القرآن للفظ (الخير).

الثاني: الطعام، كقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} (القصص:24)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: سار موسى من مصر إلى مدين ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر، وكان حافياً، فما وصل إلى مدين حتى سقطت نعل قدميه، وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وإنه لمحتاج إلى شق تمرة.

الثالث: القوة، كقوله سبحانه في حق مشركي العرب: {أهم خير أم قوم تبع} (الدخان:37)، قال البغوي : يعني: أقوى، وأشد، وأكثر من قوم تُبَّع، وقال ابن عاشور: "المراد بالخيرية: التفضيل في القوة والمَنَعَة". وعلى هذا المعنى قوله تعالى: {أكفاركم خير من أولئكم} (القمر:43).   

الرابع: العبادة والطاعة، كقوله سبحانه: {وأوحينا إليهم فعل الخيرات} (الأنبياء:73)، قال القرطبي: "أي: أن يفعلوا الطاعات".

الخامس: حُسْن الحالة، كقوله تعالى حاكياً قصة شعيب عليه السلام مع قومه: {إني أراكم بخير} (هود:48)، قال الطبري : "يدخل في خير الدنيا: المال، وزينة الحياة الدنيا، ورخص السعر، ولا دلالة على أنه عنى بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض، فذلك على كل معاني خيرات الدنيا"، وقال ابن عاشور: "الخير: حسن الحالة".

السادس: التفضيل، من ذلك قوله تعالى: {أولئك هم خير البرية} (البينة:7)، أي: المؤمنون بالله حق الإيمان أفضل الخلق أجمعين. 

السابع: القرآن، وذلك في قوله تعالى: {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا} (النحل:30)، قال القرطبي: "المراد: القرآن".  

وعلى ضوء هذه المعاني للفظ (الخير)، نسلط الضوء على بعض الآيات التي هي على صلة وثيقة بهذا اللفظ، لننظر ماذا تفيد من معنى.

فقوله تعالى: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} (الأعراف:188)، المراد بـ (الخير) في هذه الآية الكريمة: المال - على ما رجحه الشنقيطي وغيره - ويدل على ذلك كثرة ورود الخير بمعنى (المال) في القران، كقوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديد} (العاديات:Cool، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، في معنى الآية، قال: {لاستكثرت من الخير}، أي: من المال.

وقوله سبحانه: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} (فصلت:49)، قال الطبري: "الخير في هذا الموضع: المال وصحة الجسم"، وقال القرطبي: "والخير هنا: المال، والصحة، والسلطان، والعز"، ويقوي هذا المعنى قراءة ابن مسعود رضي الله عنه لهذه الآية: (لا يسأم الإنسان من دعاء المال).

وقوله تعالى: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير} (الحج:36)، قال الطبري: {لكم فيها خير}: الأجر في الآخرة بنحرها والصدقة بها، وفي الدنيا: الركوب إذا احتاج إلى ركوبها. ونحو هذا قال البغوي. 

وقوله سبحانه: {أشحة على الخير} (الأحزاب:19)، قال بعض المفسرين: الخير هنا: الغنيمة التي يصيبها المسلمون في المعركة. وقال آخرون: الخير هنا: المال المنفق في سبيل الله. وقال فريق ثالث: الخير هنا: المودة بالمسلمين، والشفقة عليهم. ويكون معنى الآية عموماً: أن المنافقين لا يروق لهم أن تكون الغنائم للمسلمين، بل يريدونها خاصة لهم من دون المؤمنين. وأيضاً، فإن المنافقين يقبضون أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله، حرصاً على ما في أيديهم من المال. وهم فوق هذا وذاك لا يوادون المسلمين، ولا يشفقون بهم حال اشتداد القتال.

وقريب من هذه الآية قوله تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} (البقرة:105)، فالمراد بـ (الخير) هنا: شرعة الإسلام، قال ابن كثير: "ينبه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد صل الله عليه وسلم".  

وقوله تعالى: {إني أحببت حب الخير} (ص:32)، قال ابن العربي: "يعني: الخيل، وسماها (خيراً)؛ لأنها من جملة المال الذي هو خير بتسمية الشارع له بذلك". وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: (إني أحببت حب الخيل).  

وقوله تعالى: {فيهن خيرات حسان} (الرحمن:70)، فـ (الخيرات) في الآية: حور العين، وصفن بذلك: إما لأنهن خيِّرات الأخلاق. وإما لأنهن مختارات، اختارهن الله، فأبدع خلقهن باختياره.

ختاماً، فإن لفظ (الخير) كغيره من ألفاظ القرآن، لا يُفهم المراد منه تماماً إلا من خلال معرفة السياق الذي ورد فيه، فعلى الرغم من أنه قد ورد في كثير من الآيات القرآنية بمعنى (المال)، إلا أنه قد ورد في آيات غير قليلة على غير هذا المعنى، مما يحتم ضرورة معرفة السياق الذي ورد فيه هذا اللفظ أو ذاك
يقول ابن ماسكويه : الخير هو ما يبلغ به الكائن المريد غاية وجوده أو كمال وجوده 
فالغرض المقصود من وجود الانسان اذا توجه اليه بكل اعماله وجعله الهدف الذى تصوب اليه أفعاله الإرادية هو الذى يجب أن يسمى به الإنسان خيّرا أو سعيدا ، أما من عاقه عن الوصول إلى ذلك الغرض عوائق أخرى فهو الشرير الشقى وإذن
 الخيرات هى :
الأمور التى تحصل للإنسان بإرادته وسعيه فى الأمور التى لها أوجد الإنسان ومن أجلها خلق
والشرور هى :
 الأمور التى تعوقه عن هذه الخيرات بإرادته وسعيه أو كسله وانصرافه
هذا هو خير الانسان ولكن قد يسمى ما به كمال أى صناعة من الصناعات خيرا ، وكذلك الحال فى الطبيعة من غي الانسان ، بل قد يسمى كل ما ينفع فى الوصول إلى هذه الغاية الانسانية خيرا
إلا أنه ليس مقصودا لذاته وانما للتوصل به إلى الخير الأعظم أو الأكمل ، وهو غاية الغايات ، فهو خير بالاضافة الى ما به كان كماله وتمامه
أما الخير الذى يقصده الناس كافة فهو المقصود لذاته لا لشئ آخر به يتحقق وهو الخير المطلق
أقسام الخير
قسم ابن مسكويه الخير كما قسمها ارسطو الى اربعة اقسام
1 - خيرات شريفة ، وهى التى شرفها من ذاتها وتجعل من اقتناها شريفا وهى الحكمة
2 - خيرات ممدوحة ، وهى مثل الفضائل والأفعال الجميلة الإرادية
3 - خيرات بالقوة ، مثل التهيؤ والاستعداد لنيل الاشياء التى تقدمت
4 - خيرات نافعة : وهى جميع الاشياء التى تطلب لا لذاتها بل ليتوصل بها الى الخيرات
الخيرات منها ما هى غايات ومنها ما ليس بفايات والغايات منها ما هى تامة ومنها ما هى غير تامة ، فالتى هى تامة كالسعادة ، وذلك اننا إذا وصلنا إليها لم نحتج أن نستزيد إليها شيئا آخر
والتى هى غير تامة فكالصحة واليسار من قبل انا اذا وصلنا اليها احتجنا أن نستزيد فتقتنى اشياء أخر
وأما التى ليست بغاية البتة فكالعلاج والتعلم والرياضة
ويرى ابن مسكويه ن الخيرات متحققة فى جميع لمقولات فمنها ما هو فى الجوهر (ما ليس بعرض) كالله تبارك وتعالى ، فهو الخير الأول من حيث أن جميع الاشياء تتحرك وتسعى اليه بالشوق ، ومن حيث ان مآل الخيرات الالهية من البقاء والسرمدية والتمام منه وحده
وأما فى الكمية فكالعدد المعتدل والمقدار المعتدل
واما فى الكيفية فكاللذات والاضافة كالصدقات والرياسات والاين والمتى كالمكان المعتدل والزمان الانيق البهيج ، والوضع كالقعود والاضطجاع والاتكاء الموافق والملك كالاموال والمنافع ، والانفعال كالسماع الطيب وسائر المحسوسات المؤثرة والفعل كنفاذ الأمر ورواج الفعل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية   مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Emptyالأحد 30 ديسمبر 2018, 3:17 pm

الفطرة




الفطرة ‏هي إيجاد الله للخلق ابتداء، وهي مجموع الاستعدادات والميول والغرائز التي تولد مع الإنسان. وهي الخِلْقة، صفة يتَّصف بها المخلوق أول خلقه؛ صفة الإنسان الطبيعيّة. بالفِطرة: مُتَّصف بصفة أو موهبة معيَّنة منذ الولادة. جمع: فِطَرٌ. [فِ طَ رْ].ما يَزَالُ عَلَى الْفِطْرَةِ" : الصِّفَةُ الأُولَى الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا الإِنْسَانُ فِي أَوَّلِ حَيَاتِهِ، أَيْ خِلْقَتُهُ الطَّبِيعِيَّةُ.
الفطرة
هي كلمة عربية وهي الخِلقة التي خُـلِقَ عليها المولود وهو في بطن أمه لقوله تعالى (الذي فطرني فإنه سيهدين),وتأتي أيضاً صفة الإنسان الطبيعية (مثلا ً: شعوب تعيش على الفطرة؛ أي تعيش على الصفات الطبيعية
الفطرة بالمفهوم الاسلامي
قال تعالى: فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا الروم آية  30ي إلزموها وهي دين الاسلام. 
عن ابي هريرة : قال رسول الله صل الله عليه وسلم(كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ.)- صحيح البخاري, الجزء 2, كتاب 23, رقم 441
و حسب الديانة الإسلامية, ان الإنسان يولد مع معرفة فطرية عن التوحيد، هذا وإضافةً إلى الذكاء, الاحسان وكل الصفات التي تكون معنى الإنسانية, هي جزء من الفطرة. لهذا السبب يفضل بعض المسلمون ان ينعتوا من يعتنقوا الدين الإسلامي بالعائدون عوضاً عن المهتديون, إذ يعتقد انهم يرجعون إلى الحالة الصافية.
والإشارة إلى الولادة على الفطرة يعم جميع الناس، وحديث عياض صريح في ذلك، أن اللَّـه سبحانه خلقهم على الحنيفية، وأن الشياطين اجتالتهم بعد ذلك. قال المفسر ابن عطية: «الفطرة هي الهيئة التي في نفس الإنسان، التي هي ُمعدة ليستدل بها على ربه»، أي أنها السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة.
وفي تفسير قوله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة اللَّـه التي فطر الناس عليها) قال العلامة ابن عاشور: «أي فأقم وجهك للدين الحنيف الفطرة، فالفطرة هنا جملة الدين، وما فُطر وخُلق عليه الإنسان ظاهرًا وباطنًا، أي جسدًا وعقلاً، فسير الإنسان على رجليه فطرة جسدية، ومحاولة مشيه على اليدين خلاف الفطرة، واستنتاج المسببات من أسبابها والنتائج من مقدماتها فطرة عقلية، ومحاولة استنتاج الشيء من غير سببه خلاف الفطرة، ومعنى وصف الإسلام بأنه الفطرة أن الأصول التي في الإسلام هي من الفطرة، أو أن الفطرة تهتدي إلى أصوله وشرائعه» 
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه على حديث «كل مولود يولد على الفطرة»: «ونحن إذا قلنا أنه ولد على فطرة الإسلام أو خلق حنيفًا، فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين، فإن اللَّـه أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، ولكن فطرته مقتضية موجبة لدين الإسلام، ولمعرفته ومحبته، ومن ظن أن (البشر) خلقوا خالين من المعرفة والإنكار، من غير أن تكون الفطرة تقتضي واحدًا منهما، بل يكون القلب كاللوح الذي يقبل كتابة الإيمان وكتابة الكفر، فهذا القول فاسد؛ لأنه حينئذ لا فرق بالنسبة إلى الفطرة بين المعرفة والإنكار، والتهويد والتنصير، فكان ينبغي أن يقال: يُسلّمانه ويهودانه..»[7] وابن تيمية هنا يرد على الذين ينكرون هذه الفطرة المركوزة في الإنسان، والتي تدعوه للإقرار بوجود اللَّـه، وأن أصل العلم الإلهي فطري ضروري، والإنسان ليس بحاجة إلى مقدمات علم الكلام وآراء المعتزلة ليؤمن باللَّـه.
النبيان إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) ومحمد (عليه الصلاة والسلام) جسدا الفطرة الصافية الكاملة. ولهذا كان الأخذ بسنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام من تمام السعادة في الدنيا والاخرة لأن سنته عليه الصلاة والسلام تبين الطريق الصحيح للفطرة التي خلقنا الله عليها
تعريف الفطرة في اللغة:
مادة فطر تأتي على جمله من المعاني منها:
- بمعنى الشق قال في القاموس: الفَطْرُ: الشَّقُّ وتجمع على: فُطُورٌ.
وفي لسان العرب: فطَرَ الشيءَ يَفْطُرُه فَطْراً فانْفَطَر وفطَّرَه شقه وتَفَطَّرَ الشيءُ تشقق.
وفي التنزيل العزيزSmile هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ( [ الملك:3].وأَصل الفَطْر الشق، ومنه قوله تعالىSmile إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ( [ الانفطار:1], أَي انشقت، وفي الحديث قام رسول الله صل الله عليه وسلم: "حتى تَفَطَّرَتْ قدماه"(4) أَي انشقتا.
-        بمعنى الابتداء والاختراع قال في اللسان: وفَطَرَ الله الخلق يَفْطُرُهم خلقهم وبدأَهم، والفِطْرةُ الابتداء والاختراع وفي التنزيل العزيزSmile الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ([ فاطر:1], ومنه ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ما كنت أَدري ما فاطِرُ السموات والأَرض حتى أَتاني أَعرابيّان يختصمان في بئر فقال أَحدهما أَنا فَطَرْتُها أَي أَنا ابتدأْت حَفْرها(5).
والفِطْرةُ بالكسر الخِلْقة أَنشد ثعلب هَوِّنْ عليكََ فقد نال الغِنَى رجلٌ في فِطْرةِ الكَلْب لا بالدِّينِ والحَسَب والفِطْرةُ ما فَطَرَ الله عليه الخلقَ من المعرفة به.(6)
- وبمعنى السنة ومنه قوله صل الله عليه وسلم:" خمس من الفطرة."(7)
وتأتي بمعنى: الإيجاد من العدم، وبمعنى القبول، وحديث العهد.
الفطرة في الاصطلاح:
أختلف أهل العلم في معنى الفطرة فقيل:هي بمعنى الإقرار بمعرفة الله تعالى، وقيل: بمعنى الإسلام والدين والملة, وليس هذا مجال بحثنا فالكلام فيه يطول، وإن كان المعنى الأول هو المراد في هذا البحث(Cool.    
فالمقصود في دليل الفطرة: هو أن معرفة الله تعالى فطرية وضرورية مستقرة في نفوس جميع الخلق، يشعر بها كل إنسان، فكل مخلوق مقر ومعترف به سبحانه تعالى.
وما وقع من الإنكار والكفر بالصانع يرجع إلى فساد فطر أولئك المنكرين بما طرأ عليها من مفسدات الفطرة سواء كانت من الشهوات أو الشبهات.
ولهذا كانت الفطرة دليلاً من الأدلة على وجود الخالق سبحانه وتعالى، بل هي من أقوى الأدلة على ذلك، وهي أقوى من دلالة العلوم العقلية، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في عدة مواضع كما سيأتي في هذا البحث إن شاء الله عز وجل.
(وقد ذكر القرآن الكريم في كثير من الآيات هذا الشعور الموجود في كيان كل إنسان، وبين أن هذا الشعور بوجود الله يتحول أحيانا إلى نداء مسموع ترتفع فيه الأيدي، وتخضع له الأنفس، وتنكس الرؤوس لعظمة الله عز وجل)(9)، وهو شعور مشترك بين جميع الناس، بل كل الكائنات.
دلالة الفطرة على وجود الحق تبارك وتعالى:
لما كان الإقرار بالخالق سبحانه وتعالى فطريا وضرورياً تجده كل النفوس السليمة حتى صار هذا الإقرار أرسخ المعارف، واثبت العلوم الدالة على وجود الحق تبارك وتعالى، فقد قرار هذا القرآن الكريم في مواطن كثيرة، وبين أن من جملة الأدلة الدالة عليه سبحانه وتعالى هذه الفطرة التي فطر الناس عليها.  
أولاً: دلالة الفطرة على وجود الحق تبارك وتعالى في القرآن الكريم:
- قوله تعالىSmile وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ*أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ( [ الأعراف: 172-173].
وهذه الآية أختلف فيها أهل العلم: أعني في معنى الأشهاد والأخذ, فقيل معنى الأخذ والأشهاد هو ما ورد في السنة من أن الله تعالى مسح على ظهر آدم فاستخرج منه ذريته فأشهدهم على أنفسهم بربوبيته فأقروا له بذلك, وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين، وهذا التي تميل النفس إليه لورود الأحاديث والآثار في ذلك(10).
يقول ابن جرير الطبري: يقول تعالى ذكرى لنبيه محمد صل الله عليه وسلم: واذكر يا محمد ربك إذا استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم فقررهم بتوحيده، وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك وإقرارهم به ثم ذكر رحمه الله تعالى الأحاديث والآثار الواردة في ذلك(11)
وقيل: أن الله سبحانه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد، وأنه جعل فيها من المعرفة ما فهمت من خطابه سبحانه،وحكي هذه عن محمد بن كعب القرظى(12) لكن هذا لا دليل عليه من الآية, والله أعلم.
وقيل: المعنى المراد بالأخذ والأشهاد خلقهم على الفطرة المتضمنة الإقرار بالخالق، والشهادة له بالربوبية وهذا قول جماعة من المفسرين, وفي هذا يقول الإمام الشوكاني: وقد ذهب إلى هذا جماعة من المفسرين قالوا: ومعنى )وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ(  دلهم بخلقه على أنه خالقهم فقامت هذه الدلالة مقام الإشهاد فتكون هذه الآية من باب التمثيل(13), وبهذا قال الزمخشري: في الكشاف(14).
ونصر هذا القول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الروح، وأطال رحمه الله في الاستدلال له من الآية وغيرها(15).  
وعلى هذا القول تكون هذه الآية من الآيات الدالة على وجوده سبحانه وتعالى، والتي ذكرها الله عز وجل في الدلالة عليه مع الآيات الأخرى الحسية والأفقية.
يقول ابن القيم رحمه الله: (وهذه الآيات التي فصلها هي التي بينها في كتابه من أنواع مخلوقاته، وهي آيات أفقية وحسية، آيات في نفوسهم وذواتهم وخلقهم، وآيات في الأقطار والنواحي مما يحدثه الرب تبارك وتعالى مما يدل على وجوده، ووحدانيته، وصدق رسله، وعلى المعاد والقيامة، ومن أبينها ما أشهد به كل واحد على نفسه من أنه ربه، وخالقه ومبدعه، وأنه مربوب مخلوق مصنوع حادث بعد أن لم يكن، ومحال أن يكون حدث بلا محدث، أو يكون هو المحدث لنفسه فلا بد له من موجد ،وهذا الإقرار والمشاهدة فطرة فطروا عليها ليست بمكتسبة...)(16).
يقول ابن عثيمين: فهذه الآية تدل على أن الإنسان مجبول بفطرته على شهادته بوجود الله وربوبيته سواء أقلنا: إن الله استخرجهم من ظهر ادم واستشهدهم، أو قلنا: إن هذا ما فطرهم عليه من الإقرار به، فالآية تدل على أن الإنسان يعرف ربه بفطرته(17), وهذا هو المقصود فالفطرة دليل على وجود الخالق سبحانه وتعالى.
ويؤيد هذه الآية ما ورد عن النبي صل الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة", وسيأتي الحديث عنه إن شاء الله عز وجل.
- ومن الأدلة قوله تعالى: )فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ([الروم:30].
يقول ابن عطية: والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلِقة، والهيئة في نفس الطفل التي هي معدة مهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه ويؤمن به(18).
ويقول الواحديSmile فِطْرَةَ اللَّهِ ( أي: اتبع فطرة الله، أي: خِلقة الله التي خلق الناس عليها، وذلك أن كل مولود يولد على ما فطره الله عليه من أنه لا رب له غيره(19), وقد نصبت هنا فطرة على الإغراء بمعنى: الزموا فطرة الله.
وهناك من حمل معنى الفطرة هنا بمعنى الإسلام والملة [ بمعنى التوحيد فلا تعارض]، ومنهم من حملها على المعني اللغوي وهو الابتداء والاختراع(20), لكن الحمل على المعني الشرعي أولى.
فالناس جميعهم مفطورون على معرفة خالقهم لولا ما يعرض لهم من العوارض التي تفسد هذه الفطر من الشبهات والشهوات التي يلقيها شياطين الإنس والجن.
- ومن الأدلة قوله تعالى: حكاية عن الكفار) وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ( [ إبراهيم:9].  وجواب الرسل عليهم )قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ( [ إبراهيم:10].
في هذه الآية يخبر تعالى عما دار بين الكفار وبين رسلهم من المجادلة والمحاورة فعندما شكك الكفار في الحق سبحانه وتعالى،قالت لهم الرسلSmileأَفِي اللّهِ شَكٌّ(, قال ابن كثير: هذا يحتمل شيئين ( أحدهما ) أفي وجوده شك فإن الفطر شاهدة بوجوده ومجبولة على الإقرار به فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه ) فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ( الذي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق...
والمعنى الثاني في قولهم: ) أَفِي اللّهِ شَكٌّ ( أي أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك وهو الخالق لجميع الموجودات، ولا يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له(21).
والظاهر والله أعلم أن حمل اللفظ على العموم أولى فيكون الشك في وجوده وتوحيده.
والشاهد أن الرسل استدلوا بالفطرة على وجود الله عز وجل فالاستفهام للنفي أي أن الله فوق الشك, (وهو استفهام تقريري يتضمن تقرير الأمم على ما هم مقرون به من أنه ليس في الله شك)(22).
ويقول أبو السعود: (أأنتم في شك مريب من الله تعالى مبالغة في تنزيه الحق تبارك وتعالى عن شائبة الشك، وتسجيلا عليهم بسخافة العقول أي أفي شأنه سبحانه من وجوده ووحدته ووجوب الإيمان به وحده شك ما، وهو أظهر من كل ظاهر وأجلى من كل جلي، حتى تكونوا من قبله في شك مريب)(23).
فالفطرة من الأدلة والحجج التي استدل بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعاً على أممهم في معرفة الخالق عز وجل، وأن هذا أمر يجدوه في نفوسهم لا مجال فيه للتشكيك أو الشك.
- ومن الأدلة مظاهر صفاء الفطرة عند المصائب والشدائد: فنجد الفطرة ترجع إلى ربها وتلهث له بالدعاء، فالمصائب تُصفي جوهر الفطرة. 
فعندما يصاب الإنسان بمصاب اليم، أو يقع في مأزق، لا يجد فيه من البشر عوناً، ويفقد أسباب النجاة يعود الإنسان بفطرته إلى خالقه فكم من ملحد عرف ربه، ورجع إليه عند الشدائد، وكم من مشرك أخلص دينه لله لضر نزل به قال الله تعالى: )وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ( [يونس:12].
وقوله تعالى Smile وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ* ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ( [النحل: 53 -54].
وإذا ركب الفلك وأحاط الموت به من كل جانب عادت هذه الفطر إلى من يفرج الكروب والهموم، ويكشف عنها الغموم قال تعالى: )وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ( [ لقمان:32].
وقال سبحانه وتعالىSmile فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ( [ العنكبوت:65].
وتغيب عنه كل اله كان يعبدها من دون الله لتعود هذه الفطرة إلى المعبود الحق سبحانه )وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً([ الإسراء:67].
فقد ذكر القران الكريم في كثير من الآيات هذا الشعور الموجود في كيان كل إنسان، وبين أن هذا الشعور بوجود الله يتحول احياناً إلى نداء مسموع ترتفع فيه الأيدي، وتخضع له الأنفس، وتنكس الرؤوس لعظمة الله عز وجل(24).
فهذا الصفاء التي تعيشه النفوس، وأشار إليه القرآن في كثير من الآيات هو من أظهر الأدلة على وجوده سبحانه وتعالى ووحدانيته.
[ltr]ومن الأدلة إيضاً: إثبات الربوبية بالاستفهام التقريري:   [/ltr]
كقوله تعالى: )قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ([ يونس:31].
 وقوله سبحانهSmile أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ* أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ* أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ* أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ( [ النمل:60-64].          
 وقوله تعالى: )وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ([ الزخرف:87].
وقولهSmileوَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ( [ لقمان:25].
فهذه الآيات تتضمن تقريراً للناس بأمر تعرفه فطرهم، وهو ما غرسه الله فيها من معرفته(25).
فالفطرة السليمة الإنسانية شهدت بضرورة فطرتها وبديهة فكرتها بصانع عليم قادر حكيم فجاء القرآن الكريم يقرر الإنسان بهذا الذي تعرفه الفطر وتقر به.
ثانياً: دلالة الفطرة على وجود الحق تبارك وتعالى في السنة النبوية:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال النبي صل الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصراه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة(26) هل ترى فيها جدعاء"(27).
ثم يقول أبو هريرة واقرؤا إن شئتم: ) فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ([ الروم : 30].
والمعنى أن كل أحد لو ترك من وقت ولادته وما يؤديه إليه نظره لأداه إلى الدين الحق وهو التوحيد وقد دل على ذلك ما ذكرناه سابقاً من الآيات(28).
والخلاف في معنى الفطرة هنا هو نفس ما سبق الحديث عنه في الآية.
والشاهد في الحديث أن كل مولود يولد على الفطرة، وان هذه الفطرة تدل على خالقها.  
- ومن الأدلة ما رواه مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاحتالتهم(29) عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ..."(30).
فالحديث يشير إلى أن العباد يخلقون على ما فطرهم الله عز وجل من التوحيد، وأن ما نشاهده من الانحراف عن هذه الفطرة، هو شيء طرأ عليها من خلال مؤثرات خارجية من شياطين الإنس والجن  أو الأبوين كما سبق في الحديث الماضي.
ومن الأدلة كذلك وجود هذه الفطرة في كل كائن حي خلقه الله عز وجل، فتجدها تشهد بالوحدانية للذي خلقها، ناطقة بالفطرة التي جلبت عليها (فقصة النملة التي رويت عن سليمان عليه السلام عندما خرج يستسقي فوجد نمله مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها نحو السماء تقول: اللهم ! أنا خلق من خلقك ، فلا تمنع عنا سقياك فقال:ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم)(31)
تدل هذه القصة على أن كل مخلوق مفطور على معرفة ربه، مقر به، يلجأ إليه عند الشدائد، ويستمد منه العون والتوفيق.
وقد نقل الإمام ابن القيم- رحمه الله تعالى- اتفاق السلف رحمهم الله تعالى على دلالة الفطرة على خالقها – عز وجل- وأن الخلق مفطورون على دين الله الذي هو معرفته والإقرار به ومحبته والخضوع له، وإن ذلك موجب فطرتهم ومقتضاها.(32) 
وعلماء الكلام رغم تعويلهم التام على النظر العقلي في إثبات الربوبية لم يستطيعوا تجاهل شهادة الفطرة في إثبات الربوبية فلم يجدوا بُداً من الاعتراف بها وتقرير حجيتها مع مخالفة ذلك لموقفهم العام منها فهذا الراغب الاصفهاني: (يقول معرفة الله العامية – الإجمالية- مركوزة في النفس وهي معرفة كل احد أنه مفعول، وأن له فاعلاً فعله، ونقله من الأحول المختلفة)(33) .
وهذا الشهرستاني يصرح بشهادة الفطرة على وجود الله- سبحانه وتعالى- حيث يقول: (ما شهد به الحدوث أو دل عليه الإمكان بعد تقديم المقدمات دون ما شهدت به الفطرة الإنسانية من احتياج في ذاته إلى مدبر، هو منتهى الحاجات فيرغب إليه ولا يرغب عنه، ويستغني به ولا يستغني عنه ويتوجه إليه ولا يعرض عنه، ويفزع إليه في الشدائد والمهمات...)(34) .
ثم يذكر رحمه الله تعالى أن من منهاج القرآن الكريم تقرير ذلك كما في قوله تعالىSmile أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ( [ النمل:62]. ) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ([ النمل:63]. ) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ( [ النمل:64]. وعن هذا قال النبي صل الله عليه وسلم عن ربه: "وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ..."(35).
وكذلك الفخر الرازي يذكر دلالة الفطرة على وجود الله– سبحانه وتعالى- ويذكر مثال لذلك "لطمة الصبي" بأنها تدل على وجود الصانع، لأن الصبي يصيح سائلاً عمًا ضربه فدل على أنه مفطور على أن كل حادث له محدث ، فإذا شهدت الفطرة بهذا فشهادتها بافتقار جميع الحوادث إلى الفاعل أولى(36).
[ltr]وكذلك ابن رشد والقزويني وغيرهم كثير من علماء الكلام(37).[/ltr]
والحاصل أن علماء الكلام رغم الاهتمام والتركيز على الدليل العقلي في إثبات وجود الخالق عز وجل إلا أنهم لم يستطيعوا تجاهل دليل الفطرة التي يجدها كل إنسان في نفسه, فهي أمر ضروري لا محيد عنه، وهي أقرب إلى الخلق، وأقوى من دلالة الإمكان والحدوث التي أكثروا من الحديث فيه، وأردوا جعله أساس الأدلة، فلم يجدوا بداً من الاعتراف بالفطرة وتقرير حجيتها, والله أعلم.
فمن خلال ما سبق تبين لنا دلالة الكتاب والسنة والآثار واتفاق السلف على أن الخلق مفطورون على دين الله الذي هو معرفته والإقرار به ومحبته والخضوع له سبحانه وتعالى, وهذا الإقرار والخضوع هو موجب هذه الفطرة ومقتضاها فيجب حصوله فيها إن لم يحصل ما يعارضه من مفسدات الفطرة كما ذكرنا سابقاً(38).
فلا تجد إنسان إلا وهو يقر بأن له صانع ومدبر وإن سماه بغير اسمه، ووصفه بغير صفته وذلك بسبب ما يطرأ على الفطرة من تغير وتبديل سواء كان ذلك من قبل الوالدين فيحصل التهويد أو التنصير أو غير ذلك، أو من قبل الشياطين.
يقول ابن قتيبة الدينوري: (فلا تجد شخص إلا وهو مقر بأن له صانعاً ومدبراً وإن سماه بغير اسمه أو عبد شيئا دونه ليقربه منه عند نفسه، أو وصفه بغير صفته، أو أضاف إليه ما تعالى عنه علواً كبيراً قال الله تعالىSmile وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ([ الزخرف:87]. فكل مولود في العالم على ذلك العهد والإقرار وهي الحنيفية التي وقعت في أول الخلق وجرت في فطر العقول
فالإقرار بالخالق أمر فطري وبدهي وضروري يجده كل مخلوق من المخلوقات في نفسه بذلك نطق الكتاب،وتكلمت السنة، وشهدت به العقول السليمة، واتفق عليه سلف الأمة وخلفها
في اصطلاح الفلاسفة
الفطرة السليمة عند الفلاسفة هي استعداد لإصابة الحكم والتمييز بين الحق والباطل
سنن الفطرة
للفطرة مركبان, الجسدي والروحاني. فطرة الجسد هي الجمال والكمال كما خلقها الله. رغم أن الله خلقها بصورة كاملة, مسموح للبشر ان يقوموا بتحسينها بواسطة طرق حللها الله, مثل الملابس, الاستحمام والعطور. هذه تغيرات سطحية وليست الفطرة الجوهرية.
ولكن, تغييرات جذرية للجسد لتلائم الذوق الشخصي أو اساليب الموضة الاجتماعية تُندد بأنها تغييرات محرمة وغير شرعية للفطرة. عمليات لتغيير تشوهات سببها مرض ما أو حادث تعتبر ترميم وترجيع للفطرة, وليست تغييراً لها, ولذلك محللة.
و سنن الفطره حرفيا ً: مجموعة من العادات الصحية والتجميلية التي وصى بها الرسول محمد (صل الله عليه وسلم) بأنها منسجمة مع الفطرة ولا تعارضها. ومنها :

  • الختان:‏‏ الختان هو قطع جلد الحشفة أعلى الذكر، وهو واجب في حق الرجال، ومكرمة في حق النساء وليس واجباً عليهن.‏


  • الاستحداد:‏‏ هو حلق العانة، وهو مستحب لأنه من سنن الفطرة، وبأي شيء مباح أزاله جاز.‏



  • نتف الإبط:‏‏ وهو سنة، ويستحب أن تكون إزالته بالنتف، لكن لو حلقه أو أزاله بالمواد المزيلة جاز.‏



  • تقليم الأظافر:‏‏ وهو من السنة، لأن الأظافر إذا طالت صارت مخبأ للنجاسات والوسخ.‏



  • ‏قص الشارب :‏‏ودليل ما سبق قوله صل الله عليه وسلم: (الفطرة خمس: الختان والاستحداد :وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط) متفق عليه.‏



  • إعفاء اللحية وعدم حلقها: وهو واجب، لقوله صل الله عليه وسلمSadخالفوا المشركين. أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى) متفق عليه.‏


عن عائشة (ا): محمد قال: عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، يعني الاستنجاء" قال الراوي: ونسيت العاشرة إلى أن تكون المضمضة. رواه مسلم. (ًصحيح مسلم, ) 

الفطرة في الأصل تعني ما يميل الإنسان إليه بطبعه وذوقه السليم 
والإسلام كله يكون بهذا دين الفطرة، وتعاليمه كلها هي سنن الفطرة . 
لكن رسول الله صل الله عليه وسلم قد خص فيها مجموعة من السنن والتعاليم سماها " سنن الفطرة " لارتباطها ببدن الإنسان ووظائفه الحياتية. 
فمن هذه السنن ما رواه أبو هريرة رضي الله قال : سمعت النبي صل الله عليه وسلم يقول : " خمس من الفطرة ـ وفي رواية ـ الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم ونتف الإبط " رواه البخاري ومسلم . 
وما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صل الله عليه وسلم قال : " عشر من الفطرة ، قص الشارب واستنشاق الماء والسواك وإعفاء اللحية ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء وقص الأظافر وغسل البرامج قال الراوي ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة " وانتقاص الماء يعني الاستنجاء رواه مسلم وابن خزيمة في صحيحه . وقال القاضي عياض : لعل العاشرة الختان لأنه مذكور في حديث (الفطرة خمس ) . 
وكما ورد في حديث الإسراء والمعراج " عندما خير جبريل عليه السلام النبي صل الله عليه وسلم ، تاركاً الخمر وشارباً اللبن ، فقال جبريل : الحمد لله الذي هداك للفطرة " رواه البخاري ومسلم . 
قال ابن الأثير : " الإنسان يولد على نوع من الجبلة والطبع المهيء لقبول الدين، فلو ترك الأمر عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها ، وإنما يعدل من يعدل لآفة من البشر والتقليد " . 
وقد أخرج عبد الرزاق في مصنفة (3) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى : ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) . 
قال : " أبتلاه بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد . في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس . وفي الجسد تقليم الأظافر وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء" . 
قال أبو شامة (4) : " الفطرة في الخلقة المبتدئة ، أي أن هذه الأشياء إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها . والاستحداد استعمال الموسى في حلق الشعر ، والبراجم مفاصل الأصابع أو العقد التي على ظهرها ، والمراد بها المواضع التي تتجمع فيها الأوساخ من البدن" . 
وقد فسر كثير من العلماء " الفطرة " التي ورد ذكرها في الأحاديث النبوية بأنها " السنة " أي الطريقة التي جاء بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وقد أمر الله سبحانه نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بهم في قوله تعالى : (فبهداهم اقتده ) . 
يقول الإمام النووي (5) : " جزم الماوردي وأبو اسحاق بأن المراد بالفطرة في هذا الحديث : الدين . وقال البيضاوي : الفطرة المرادة هنا هي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع وكأنها أمر جبلي فطروا عليه"
القرآن الكريم لغة الحياة ، وما يقوله القرآن عن البشر يتجسد واقعا فى حياة الناس ولا تملك إلا أن تقول ، صدق الله العظيم"
يولد الإنسان على الفطرة التى فطره الله عليها وهى الإيمان بالله وحده وذلك هو الدين الإسلامي الحنيف القيم ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها " الروم 30 .
ولكن العوامل الاجتماعية تغطى هذه الفطرة النقية بالاعتقاد فى آلهة أخرى مع الله قد يسميهم أولياء وقد يكونون بشرا أو حجرا وهنا تتحول الفطرة إلى شرك وتتحول الألوهية فى عقيدة الإنسان إلى شركة يقدس فيها الإنسان آلهة أخرى مع الله وهذا الشرك الذي يغطى الفطرة النقية هو "الكفر" لأن " كفر" فى معناها اللغوي هى غطى .
ويظل الإنسان سائرا فى غفلته واتخاذه الأولياء والشركاء مع الله تعالى يطلب منهم المدد كما يطلب من الله ويستغيث بهم كما يستغيث بالله فإذا دخل فى أزمة حقيقية تهدد جسمه بالفناء تذكر فى لحظة الكرب فطرته القديمة عندها يصرخ طالبا العون من الله ومخلصا لله تعالى دينه وعقيدته فإذا أنجاه الله من المحنة عاد إلى الأضرحة والأوثان والأولياء والشركاء يحتفل بهم ويطلب منهم المدد .
والقرآن الكريم يصور إخلاص الإنسان فى الدعاء لربه حين الأزمة ثم وقوعه فى الشرك بعدها، يقول تعالى " وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل . وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله . قل تمتع بكفرك قليلا انك من أصحاب النار " "الزمر 8 "
وفرعون وصل به كفره إلى ادعاء الألوهية والربوبية العليا وتنكر لفطرته واستخدم كل ما أنعم الله به عليه فى حرب الله ورسوله إلى أن لقي حتفه وهوي يطارد أثنين من أنبياء الله .. وحين أدركه الغرق استيقظت داخله الفطرة التى تنكر لها فهتف وهو يصارع الموج يعلن إسلامه ولكن هيهات لأن الأجل حان ولأنه استنفذ كل فرص الهداية .
يقول تعالى : " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا . حتى إذا أدركه الغرق قال أمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين . آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " يونس 90




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) - صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها 4/1830، برقم:4557، ومسلم:4/2172 برقم:2820.
(5) - أنظر مسند الشافعي ص:242، وشعب الإيمان :2/257، برقم:1682.
(6)- أنظر في معاني الفطرة: القاموس المحيط 1/587 ، ومختار الصحاح 1/517 ، وتاج العروس 1/3347 .
ولسان العرب: 5/55.
(7) - صحيح البخاري:5/2209، برقم:5550، ومسلم: 1/221،  برقم: 257.
(Cool - أنظر شفاء العليل 2/ 775 وما بعدها, شمس الدين بن قيم الجوزية, مكتبة العبيكان, ط1/ 1420هـ.
(9) - تبسيط العقائد ص 37.
(10) - من هذه الحديث ما روي عن ابن عباس عن النبي صل الله عليه وسلم قال: أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعنى عرفة فاخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قالSmile أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا( الآية  الحديث, رواه أحمد في المسند 1/272, برقم: 2455، وقال شعيب الأرنؤوط: رجاله ثقات رجال الشيخين غير كلثوم بن جبر من رجال مسلم, وثقه أحمد وابن معين, وذكره ابن حبان في الثقات, وقال النسائي ليس بالقوي، ورجح ابن كثير وقفه على ابن عباس، ورواه الحاكم في المستدرك 1/80, برقم :75، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال الألباني: صحيح أنظر، صحيح الجامع الصغيرة 1/259, برقم:2581.
(11) - تفسير ابن جرير: 6/110.
(12) - الروح ابن القيم : 1/159.
(13) فتح القدير: 2/382.
(14) - الكشاف1/435.
(15) - أنظر كتاب الروح ابن القيم :1/164 وما بعدها.
(16) -  الروح ابن القيم 1/168.
(17) -  شرح العقيدة الواسطية ابن عثيمين 1/58.
(18) - المحرر الوجيز5/251، أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن ابن تمام بن عطية المحاربي.
(19) - الوجيز في تفسير الكتاب العزيز : 1/842, علي بن أحمد الواحدي أبو الحسن.
(20)- فتح القدير 4/318.
(21) - تفسير ابن كثير: 2/691.
(22) - مجموع الفتاوى: 16/339.
(23) - تفسير أبي السعود: 5/36.
(24) - تبسيط العقائد ص 37.
(25) - الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد ص 203.
(26) - قال المازري: ومعناه كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء أي مجتمعة الأعضاء سليمة من نقص لا توجد فيها جدعاء وهي مقطوعة الأذن أو غيرها من الأعضاء، ومعناه أن البهيمة تلد بهيمة كاملة الأعضاء لا نقص فيها وإنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد ولادته. أنظر صحيح مسلم: 4/2047.
(27) - سبق تخريجه ص1 .
(28) -  فتح الباري شرح صحيح البخاري 10/339، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار المعرفة - بيروت ، 1379, ت : أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي.
(29) - قال النووي في شرح صحيح مسلم: فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه وجالوا معهم في الباطل. شرح صحيح مسلم 17/197.
(30) - صحيح مسلم:4/2197 برقم :2865.
(31) - شرح العقيدة الواسطية ابن عثيمين1/58 ، وانظر القصة في تفسير ابن كثير 3/476، وحلية الأولياء 3/101.
(32) - أنظر شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل 1/302 ، أبن القيم.
(33) - بواسطة الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد ص 206.
(34) - نهاية الإقدام في علم الكلام 1/42، الشهرستاني.
(35) - سبق تخريجه قريباً.
(36) - الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد ص 207.
(37) - نفس المصدر السابق.
(38) - بتصرف من شفاء العليل 1/302.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية   مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Emptyالأحد 30 ديسمبر 2018, 3:18 pm

الفضيلة


لغة: الدرجة الرفيعة فى الفضل، والفضل ضد النقص، والفضيلة صفة يوصف بها السلوك الخيّر، وهى آتية بمعنى الزيادة فى الخير أو الإحسان، وكانت تعنى قديما أن فضيلة الشىء هى قوته التى يكون بهاامتيازه أو كماله الخاص، كما يقال فضيلة السيف: إحكامه القطع.
وهذا معنى قديم يربط بين فضيلة الشىء وخاصيته.
واصطلاحاً: استعداد ثابت لممارسة الخير، أو أنها استعداد خاص للقيام بواجب معين أو عمل صالح معين.
وتستخدم الفضيلة فى المجال الأخلاقى إذا قصد بها صفات الكمال، وتعنى عادة فعل الخير، وتدخل ضمن موضوعات علم الأخلاق، والفاضل من غلبت فضائله رذائله، والخلق ينقسم إلى فضيلة هى مبدأ لما هو كمال، ورذيلة هى مبدأ لما هو نقصان، وقد يطلق على الفضيلة اسم القيمة الإيجابية، وعلى الرذيلة اسم القيمة السلبية، والقيمة بوجه عام تتجه نحو تحقيقها حسب قواعد معينة دقيقة، ومن هنا قيل إن علم الأخلاق من العلوم المعيارية.
وعلامة الفضيلة عند العرب، شأنها شأن كل فكر أخلاقى آخر، هىاستحقاق المدح، مثلما نستدل على الرذيلة بما تثيره من لوم وذم. فالمدح فى الحقيقة هو وصف الموصوف بأخلاق يحمد صاحبها عليها، ويكون نعتا حميداً. وقد امتدح العرب فضائل الجود والسخاء والكرم والإيثار، وذمّوا الرذائل التى تقابلها.
وقد ذكر العرب الفضائل فى الآداب والأمثال والحكم والخواطر والتاريخالثقافى والاجتماعى على وجه العموم، وفى الفكر الفلسفى والدينى على وجه الخصوص، ومن أشهر المؤلفات التى وضعت لشرح الفضيلة كتاب "سلوك الملوك فى تدبير الممالك "لأحمد بن محمد بن الربيع، وضعه للخليفة المعتصم العباسى، تناول فيه فضائل الإنسان الرئيس الذى يشغل أكمل المراتب الإنسانية. وكتاب "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق "لمسكويه" أوضح  فيه الحرص الطبيعى للإنسان على الخيرات طلبا للسعادة بمختلّف أنواعها، وكتاب "ميزان العمل"  للغزالى، الذى يصف فيه الفضائل الأخلاقية، وكتاب "أدب الدنيا، والدين للماوردى" وغيرها.
والتخلق والتشبه بالأفاضل ضربان: ضرب محمود، وذلك ما كان على سبيل الارتياض والتدريب، يتحراه صاحبه سرا وجهرا على الوجه الذىينبغى، وبالمقدار الذى ينبغى، وضرب مذموم، وهو ما يفعله على سبيل الرياء، لا يستهدف صاحبه من ورائه إلا التصنع والرياء فقط.
وقد تتشابه الفضائل مع السجايا والشيم، إلا أن بعض علماء الطب زعموا أن السجايا تابعة لمزاج البدن، فزعموا أن الغضب يكثر بكثرة المرة الصفراء، ويضعف بقلَّتها، وتكثر الحرارة والشجاعة مع وفور الدم وتقل لقلته، وإذا اعتدل مزاج الإنسان اعتدلت أخلاقه، فكانت فضائل، إذا تجاوزت الاعتدال إلى زيادة أو نقصان خرجت عن الفضائل إلى الرذائل.
والفضائل توسط محمود بين رذيلتين مذمومتين، من نقصان فيكون تقصيراً، أو زيادة تكون إسرافاً، فيكون فساد كل فضيلة من طرفيها، فالعقل واسطة بين الدهاء والغباء، والسخاء واسطة بين التقتير والتبذير، والشجاعة واسطة بين الجبن والتهور، والحياء واسطة بين الخلاعة والحصر، والسكينة واسطة بين السخط وضعف الغضب، والحلم واسطة بين إفراط الغضب ومهانة النفس، والعفة واسطة بين الشَّرَه وضعف الشهوة، والتواضع واسطة بين الكبر ودناءة النفس.
ومن هنا ارتبطت الفضيلة بالعدل، لأن العدل نتيجة الفضائل، وهى مقدرةبه، وفضيلة الشىء هو اعتداله، ومتى كانت النفس معتدلة كان شوقها نحو تحصيل الفضائل. وسعادة النفس فى كمالها، وتكميلها يكون باكتساب الفضائل كلها وهى وإن كانت كثيرة إلا أنها تجمعها فضائل أساسية. وهناك من رأى أن الفضائل نوعان: مكتسب وفطرى.
الأول: يحتاج إلى زمان وتدرب، وممارسة ويتقوى فيه الإنسان درجة درجة، ويختلف البشر حسب قدرتهم على الأكتساب بحسب اختلاف الطبائع والذكاء والبلادة.
والثانى: فطرى يحصل بفضل إلهى كأن يولد إنسان فيصير من غير تعليم البشر فاضلاً، مثل الأنبياء الذين حصلت لهم المعارف من غير ممارسة أو اكتساب. والفضيلة  المكتسبة تأتى بالتدرب والتعود، أما من كان فاضلاً بالفطرة فهو كامل الفضيلة. والعلم ضرورى لاكتساب الفضائل حتى يعلم الإنسان حسنها ويفعلها، ويعلم قبح الرذائل و يجتنبها.
وبعد معرفة أصول الفضائل وحقيقتها وجزاء العمل بها، لابد أن يتعّود الإنسان على فعلها، وتكرار الفعل، حتى تصير هذه الأفعال عادة تصدر عنه بلا روية وتفكير، أى تصير ملكة تصدر عن الإنسان دون تكلف. هنا يسمى المتمتع بها إنساناً  فاضلاً لأنه فعل الفضيلة بما يقارب الفطرة. وهناك من رأى أن المقصود بالفضيلة هى الفضيلة الجسمية، وأن يكون المرء صحيح البدن، إلا أن البدن بمثابة الآلة للصانع، والسفينة للربَّان؛ لا تصلح بغير فضائل النفس.
أ. د/ منى أبو زيد


المراجع
1- كتاب الأخلاق والسير لابن حزم تحقيق ندى توميس، اللجنة الدولية لترجمة الروائع، بيروت 1961 م.
2- الذريعة إلى مكارم الشريعة- الراغب الأصفهانى، دار الكتب العلمية، بيروت 0 140 هـ/1980 م.
3- التنبيه على سبيل السعادة- الفارابى، تحقيق د. جعفر آل ياسين، دار المناهل، بيروت 1401 هـ/1985 م.
4- تسهيل النظر وتعجبل الظفر- الماوردى، تحقيق محمد هلال السرحان، دار النهضة العربية، بيروت 1401،1981م .
5- تهذيب الأخلاق ابن مسكويه، تحقيق قسطنطين زريق، الجامعة الأمريكية بيروت 1996 م.
6- الهوامل والشوامل ابن مسكويه مع أبى حيان التوحيدى ، تحقيق احمد أمين، والسيد احمد صقر، لجنة التأليف والترجمه والنشر 1370هـ، 1951 م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75822
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية   مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية Emptyالأحد 30 ديسمبر 2018, 3:19 pm

النفس


[rtl]لغة: النَّفْس هى الذات والحقيقة، وهى عين الشيء أيضا.[/rtl]
[rtl]واصطلاحا: لها عدة معان، فقد تطلق على الروح فيقال: خرجت نفسه، أى: روحه، كما تطلق على"العند"، ومنه قوله تعالى ] تعلم ما فى نفَسى ولا أعلم  ما فى نفسك[  (المائد ة 116) ، ومعناه: تعلم ماعندى ولا أعلم ما عندك، كما تقال على العظمة وعلى الغيب أيضا، وقد يُمثل له بقوله تعالى      ] ويحذركم اللّه نفسه[  ( آل عمران 28)، وبعضهم يجوز إطلاقها- بمعنى الذات والحقيقة على الله تعالى، مستشهدا على هذا الإطلاق بالآية الكريمة السابقة.. وقد شاع استعمال النفس فى الإنسان خاصة، حيث تطلق ويراد منها: هذا المركب، أو الجملة المشتملة على الجسم والروح، والفقهاء قد يستعملونها في معنى "الدم "، وهو المقصود من قولهم "ماله نفْس سائلة"، أى: دم سائل-وقد وردت كلمة "النفس " فى القرآن الكريم 72 مرة، مفردة ومضافة ومعرفة ومنكرة، إضافة إلى مواضع ثلاثة وردت فيها النفس موصوفة بأوصاف معينة، يفهم منها مراتب أو درجات للنفس، هى النفس الأمّارة بالسوء، والنفس اللوّامة، والنفس المطمئنة. ولأن النفس من عجائب صنع الله تعالى: أقسم بها فقال:  ]ونفس وما سواها[ (الشمس 7).[/rtl]
[rtl]وتخصص موسوعات الفلسفة الإسلامية- كالشفاء لابن سينا وغيره- مقالات مطولة لدراسة " النفس " دراسة مفصلة، من حيث تعريفها وتقسيمها إلى نفس: نباتية وحيوانية وناطقة، ومن حيث قواها الظاهرة والباطنة، ووحدتها وكثرتها وقدمها وحدوثها إلى آخر هذه الأبحاث التى تأثروا فيها بفلسفة أرسطو أو أفلاطون تأثرا واضحا. وربما انفرد الفلاسفة المسلمون باستعمال خاص فى قولهم بوجود "نفس " للنبات، فلم يعهد فى الاستعمال العربى إطلاق "النفس "، بمعنى القوى المحركة على النبات أو الجماد. وقد ذهب هؤلاء- ومعهم الإمام: الغزالى وبعض الأشاعرة- إلى أن النفس ليست جسما ولا عرضا حالا فى جسم، وإنما هى جوهر مجرد قائم بذاته غير متحيز، وتعلقه بالبدن تعلق تحريك وتدبير فقط.[/rtl]
[rtl]وكذلك أفرد المتكلمون فى مطوّلاتهم- كالمواقف وشرحه- مراصد ومقاصد لموضع النفس، وتميزت أبحاثهم فيها بنظرة نقدية لمذاهب الفلاسفة المسلمين، فأنكروا دعواهم فى إثبات نفوس للأفلاك تؤثر فى عالمنا هذا كونا وفسادا وسعودا ونحوسا، كما أنكروا مذهبهم فى القول بتجرد النفوس من الجسم والجسمانية، وقد ذهب بعض من المتكلمين إلى أن النفس "جسم لطيف " يسرى فى البدن سريان الماء فى العود الأخضر، ويرى الإمام النووى أن هذا المذهب هو الأصح عند علماء الحديث.وذهب البعض الآخر إلى أن النفس تحل فى البدن كما يحل العرض فى الجوهر. ويذهب أبو البقاء فى كلياته (ص 898)، إلى أن القول بتجرد النفوس لا يتنافى مع شيء من قواعد الإسلام.ويرى ابن القيم (فى كتابه: الروح: 266) أن المذهب الصحيح هو أن النفس جسم علوى نورانى، مخالف بالذات للأجسام المحسوسة، ينفذ فى الأعضاء ويسرى فيها سريان الماء فى الورد، وقد استشهد على صحة هذا المذهب بآيات وأحاديث كثيرة. وعنده أن النفس تطلق فى القرآن على جملة الذات، وتسمى روحا أيضا، والفرق بينهما فرق بالصفات لا بالذات.وبعض العلماء يثبت للحيوانات نفسا مدركة، مستدلين بما جاء فى القرآن عن الطير والهدهد والنمل، والمتأخر ون من النّظّار يفسرون ذلك بنوع من الإدراك مناسب لهذه الحيوانات، وينكرون تفسيره بالنفس أو العلم. وللنفس عند الصوفية إطلاق خاص بهم، فهى تقال على "ما كان معلولا من أوصاف العبد ومذموما من أفعاله وأخلاقه "، ويعدونها مبدأ الصفات الرديئة والأحوال السيئة فى الإنسان، فهى عدوه الأول، بل أعدى أعدائه، ومن ثم كان جهادها هو "الجهاد الأكبر" ويُقسّم الصوفية أوصاف النفس المذمومة إلى قسمين: قسم كسبى، يمثلون له بالمعاصى والمخالفات، وعلاج هذا النوع بالالتزام الدقيق بأحكام الشرع أمرا ونهيًا، وقسم طبيعى جِبِلى يتمثل فى أمراض القلوب وعللها، وعلاج هذا النوع بالمجاهدات والرياضات، فالكبر يجاهد بالتواضع، والحرص بالقناعة، والحسد بالرحمة والشفقة، والشهوة بالعفة والجوع، والغضب بالحلم، والبخل بالسخاء.. الخ وينبه شيوخ التربية الصوفية إلى أن أشد أمراض النفس استعصاء على المجاهدة: رؤية النفس والإعجاب بها، ويعدون هذا ا لنوع شركا خفيا، ولذلك يقدمون مجاهدته على المجاهدات الأخرى، ومن ثم كان كسر النفس عندهم أتم وأنفع من مكابدة الجوع والعطش والسهر. ويتردد كثيرا فى أدبيات التصوف التقسيم القرآنى للنفس إلى: نفس أمَّارة ولوامة ومطمئنة فالأمّارة هى التى، تأمر بفعل السيئات، واللوامة تلوم نفسها كلما اقترفت ذنبا أو اكتسبت خطيئة، ولومها راجع إلى أنها تعرف الصواب، وتعلم أن ما فعلته لم يكن صوابا، بخلاف الأمارة فإنها ترى أن الصواب فيما تفعله لا فيما تتركه. أما النفس المطمئنة فهى التى اطمأنت بالتزام الطاعات والمثابرة عليها "بحيث لا تجد ميلا إلى تركها ولا طلبا لشىء من المعاصى"وبعضهم يضيف مرتبة مستقلة قبل النفس المطمئنة، يسمونها: النفس الملهمة، وهى مرتبة  "خواص الأولياء" ويجعلون النفس المطمئنة مرتبة رابعة"لأخص "الاولياء والأنبياء". والنفس روح للبدن، والقلب روح للنفس تحيا به، وروح الإنسان روح للقلب يحيا بها.[/rtl]
[rtl]وهل الأمّارة واللوامة والمطمئنة نفوس ثلاثة، أو نفس واحدة فى درجات ثلاث؟ والتحقيق فيما يقول ابن القيم- إنها نفس واحدة وأن هذه الأسماء اعتبارات وتحققات تحصل للنفس بالمجاهدة.هذا وقد درس شيوخ التصوف فى تراثهم موضوع النفس دراسة معمقة، وبأنظار تحليلية بالغة الدقة: واستطاعوا أن يغوصوا فى أعمق أعماق البحوث النفسية بكل أ بعادها: ا لسيكولوجية، والحسية، والميتافيزيقية، والعرفانية، واستخرجوا فروقا - لا توجد عند غيرهم- بين النفس وبين قوى باطنية أخرى، مثل: الصدر والقلب والفؤاد واللُّب والعقل. ورصدوا خفايا غريبة عن آفات النفس وحظوظها ورعوناتها ،ورياضاتها، وحبسها وتزكيتها وصفائها وفنائها، إلى أبحاث أخرى عديدة لازالت مطمورة فى خبايا هذا التراث.[/rtl]
[rtl]أ. د/ أحمد الطيب[/rtl]


[rtl]المراجع[/rtl]
[rtl]1-الرسالة القشيرية ط. مصطفى الحلبى، القاهرة 1359 هـ- 1940 م.[/rtl]
[rtl]2- بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب للحكيم الترمذى- تحقيق نقولا هر، ط. عيسى الحلبى، القاهرة 1958 م.[/rtl]
[rtl]3- منازل السائرين (شرح القاشانى) لعبد الله الأنصارى الهروى ومواضع أخرى عديدة، (راجع فهرس المصطلحات بذيل الكتاب) تحقيق محسن بيدار فر. ط. قم 1413 هـ.[/rtl]
[rtl]4-كتاب الروح لابن القيم. ط. صبيح، القاهرة 1369 هـ- 0 5 19 م.[/rtl]
[rtl]5- النجاة لابن سينا (ا لطبيعيات، المقالة السادسة) ط. طهران 1364 هـ.[/rtl]
[rtl]6- المواقف فى علم الكلام للإيجى (بشرح السيد الجرجانى) مطبعة السعادة، مصر 1325 هـ- 07 19 م.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
مقدمات عامة فى علم الأخلاق الإسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  مقدمات وأسس دراسة علم الأخلاق الإسلامية
» موسوعة الأخلاق الإسلامية
» وسائل اكتساب الأخلاق الإسلامية
» الأخلاق المذمومة
» البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلامية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة العلوم والمعارف :: الموسوعة الإسلامية الشاملة :: موسوعة الأخلاق الإسلامية-
انتقل الى: