الفطرة
الفطرة هي إيجاد الله للخلق ابتداء، وهي مجموع الاستعدادات والميول والغرائز التي تولد مع الإنسان. وهي الخِلْقة، صفة يتَّصف بها المخلوق أول خلقه؛ صفة الإنسان الطبيعيّة. بالفِطرة: مُتَّصف بصفة أو موهبة معيَّنة منذ الولادة. جمع: فِطَرٌ. [فِ طَ رْ].ما يَزَالُ عَلَى الْفِطْرَةِ" : الصِّفَةُ الأُولَى الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا الإِنْسَانُ فِي أَوَّلِ حَيَاتِهِ، أَيْ خِلْقَتُهُ الطَّبِيعِيَّةُ.
الفطرة
هي كلمة عربية وهي الخِلقة التي خُـلِقَ عليها المولود وهو في بطن أمه لقوله تعالى (الذي فطرني فإنه سيهدين),وتأتي أيضاً صفة الإنسان الطبيعية (مثلا ً: شعوب تعيش على الفطرة؛ أي تعيش على الصفات الطبيعية
الفطرة بالمفهوم الاسلامي
قال تعالى: فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا الروم آية 30ي إلزموها وهي دين الاسلام.
عن ابي هريرة : قال رسول الله صل الله عليه وسلم(كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ.)- صحيح البخاري, الجزء 2, كتاب 23, رقم 441
و حسب الديانة الإسلامية, ان الإنسان يولد مع معرفة فطرية عن التوحيد، هذا وإضافةً إلى الذكاء, الاحسان وكل الصفات التي تكون معنى الإنسانية, هي جزء من الفطرة. لهذا السبب يفضل بعض المسلمون ان ينعتوا من يعتنقوا الدين الإسلامي بالعائدون عوضاً عن المهتديون, إذ يعتقد انهم يرجعون إلى الحالة الصافية.
والإشارة إلى الولادة على الفطرة يعم جميع الناس، وحديث عياض صريح في ذلك، أن اللَّـه سبحانه خلقهم على الحنيفية، وأن الشياطين اجتالتهم بعد ذلك. قال المفسر ابن عطية: «الفطرة هي الهيئة التي في نفس الإنسان، التي هي ُمعدة ليستدل بها على ربه»، أي أنها السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة.
وفي تفسير قوله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة اللَّـه التي فطر الناس عليها) قال العلامة ابن عاشور: «أي فأقم وجهك للدين الحنيف الفطرة، فالفطرة هنا جملة الدين، وما فُطر وخُلق عليه الإنسان ظاهرًا وباطنًا، أي جسدًا وعقلاً، فسير الإنسان على رجليه فطرة جسدية، ومحاولة مشيه على اليدين خلاف الفطرة، واستنتاج المسببات من أسبابها والنتائج من مقدماتها فطرة عقلية، ومحاولة استنتاج الشيء من غير سببه خلاف الفطرة، ومعنى وصف الإسلام بأنه الفطرة أن الأصول التي في الإسلام هي من الفطرة، أو أن الفطرة تهتدي إلى أصوله وشرائعه»
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه على حديث «كل مولود يولد على الفطرة»: «ونحن إذا قلنا أنه ولد على فطرة الإسلام أو خلق حنيفًا، فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين، فإن اللَّـه أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، ولكن فطرته مقتضية موجبة لدين الإسلام، ولمعرفته ومحبته، ومن ظن أن (البشر) خلقوا خالين من المعرفة والإنكار، من غير أن تكون الفطرة تقتضي واحدًا منهما، بل يكون القلب كاللوح الذي يقبل كتابة الإيمان وكتابة الكفر، فهذا القول فاسد؛ لأنه حينئذ لا فرق بالنسبة إلى الفطرة بين المعرفة والإنكار، والتهويد والتنصير، فكان ينبغي أن يقال: يُسلّمانه ويهودانه..»[7] وابن تيمية هنا يرد على الذين ينكرون هذه الفطرة المركوزة في الإنسان، والتي تدعوه للإقرار بوجود اللَّـه، وأن أصل العلم الإلهي فطري ضروري، والإنسان ليس بحاجة إلى مقدمات علم الكلام وآراء المعتزلة ليؤمن باللَّـه.
النبيان إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) ومحمد (عليه الصلاة والسلام) جسدا الفطرة الصافية الكاملة. ولهذا كان الأخذ بسنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام من تمام السعادة في الدنيا والاخرة لأن سنته عليه الصلاة والسلام تبين الطريق الصحيح للفطرة التي خلقنا الله عليها
تعريف الفطرة في اللغة:
مادة فطر تأتي على جمله من المعاني منها:
- بمعنى الشق قال في القاموس: الفَطْرُ: الشَّقُّ وتجمع على: فُطُورٌ.
وفي لسان العرب: فطَرَ الشيءَ يَفْطُرُه فَطْراً فانْفَطَر وفطَّرَه شقه وتَفَطَّرَ الشيءُ تشقق.
وفي التنزيل العزيز هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ( [ الملك:3].وأَصل الفَطْر الشق، ومنه قوله تعالى إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ( [ الانفطار:1], أَي انشقت، وفي الحديث قام رسول الله صل الله عليه وسلم: "حتى تَفَطَّرَتْ قدماه"(4) أَي انشقتا. - بمعنى الابتداء والاختراع قال في اللسان: وفَطَرَ الله الخلق يَفْطُرُهم خلقهم وبدأَهم، والفِطْرةُ الابتداء والاختراع وفي التنزيل العزيز الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ([ فاطر:1], ومنه ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ما كنت أَدري ما فاطِرُ السموات والأَرض حتى أَتاني أَعرابيّان يختصمان في بئر فقال أَحدهما أَنا فَطَرْتُها أَي أَنا ابتدأْت حَفْرها(5). والفِطْرةُ بالكسر الخِلْقة أَنشد ثعلب هَوِّنْ عليكََ فقد نال الغِنَى رجلٌ في فِطْرةِ الكَلْب لا بالدِّينِ والحَسَب والفِطْرةُ ما فَطَرَ الله عليه الخلقَ من المعرفة به.(6) - وبمعنى السنة ومنه قوله صل الله عليه وسلم:" خمس من الفطرة."(7) وتأتي بمعنى: الإيجاد من العدم، وبمعنى القبول، وحديث العهد.
الفطرة في الاصطلاح:
أختلف أهل العلم في معنى الفطرة فقيل:هي بمعنى الإقرار بمعرفة الله تعالى، وقيل: بمعنى الإسلام والدين والملة, وليس هذا مجال بحثنا فالكلام فيه يطول، وإن كان المعنى الأول هو المراد في هذا البحث(. فالمقصود في دليل الفطرة: هو أن معرفة الله تعالى فطرية وضرورية مستقرة في نفوس جميع الخلق، يشعر بها كل إنسان، فكل مخلوق مقر ومعترف به سبحانه تعالى.
وما وقع من الإنكار والكفر بالصانع يرجع إلى فساد فطر أولئك المنكرين بما طرأ عليها من مفسدات الفطرة سواء كانت من الشهوات أو الشبهات.
ولهذا كانت الفطرة دليلاً من الأدلة على وجود الخالق سبحانه وتعالى، بل هي من أقوى الأدلة على ذلك، وهي أقوى من دلالة العلوم العقلية، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في عدة مواضع كما سيأتي في هذا البحث إن شاء الله عز وجل.
(وقد ذكر القرآن الكريم في كثير من الآيات هذا الشعور الموجود في كيان كل إنسان، وبين أن هذا الشعور بوجود الله يتحول أحيانا إلى نداء مسموع ترتفع فيه الأيدي، وتخضع له الأنفس، وتنكس الرؤوس لعظمة الله عز وجل)(9)، وهو شعور مشترك بين جميع الناس، بل كل الكائنات. دلالة الفطرة على وجود الحق تبارك وتعالى:
لما كان الإقرار بالخالق سبحانه وتعالى فطريا وضرورياً تجده كل النفوس السليمة حتى صار هذا الإقرار أرسخ المعارف، واثبت العلوم الدالة على وجود الحق تبارك وتعالى، فقد قرار هذا القرآن الكريم في مواطن كثيرة، وبين أن من جملة الأدلة الدالة عليه سبحانه وتعالى هذه الفطرة التي فطر الناس عليها.
أولاً: دلالة الفطرة على وجود الحق تبارك وتعالى في القرآن الكريم:
- قوله تعالى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ*أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ( [ الأعراف: 172-173]. وهذه الآية أختلف فيها أهل العلم: أعني في معنى الأشهاد والأخذ, فقيل معنى الأخذ والأشهاد هو ما ورد في السنة من أن الله تعالى مسح على ظهر آدم فاستخرج منه ذريته فأشهدهم على أنفسهم بربوبيته فأقروا له بذلك, وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين، وهذا التي تميل النفس إليه لورود الأحاديث والآثار في ذلك(10). يقول ابن جرير الطبري: يقول تعالى ذكرى لنبيه محمد صل الله عليه وسلم: واذكر يا محمد ربك إذا استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم فقررهم بتوحيده، وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك وإقرارهم به ثم ذكر رحمه الله تعالى الأحاديث والآثار الواردة في ذلك(11). وقيل: أن الله سبحانه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد، وأنه جعل فيها من المعرفة ما فهمت من خطابه سبحانه،وحكي هذه عن محمد بن كعب القرظى(12) لكن هذا لا دليل عليه من الآية, والله أعلم. وقيل: المعنى المراد بالأخذ والأشهاد خلقهم على الفطرة المتضمنة الإقرار بالخالق، والشهادة له بالربوبية وهذا قول جماعة من المفسرين, وفي هذا يقول الإمام الشوكاني: وقد ذهب إلى هذا جماعة من المفسرين قالوا: ومعنى )وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ( دلهم بخلقه على أنه خالقهم فقامت هذه الدلالة مقام الإشهاد فتكون هذه الآية من باب التمثيل(13), وبهذا قال الزمخشري: في الكشاف(14). ونصر هذا القول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الروح، وأطال رحمه الله في الاستدلال له من الآية وغيرها(15). وعلى هذا القول تكون هذه الآية من الآيات الدالة على وجوده سبحانه وتعالى، والتي ذكرها الله عز وجل في الدلالة عليه مع الآيات الأخرى الحسية والأفقية.
يقول ابن القيم رحمه الله: (وهذه الآيات التي فصلها هي التي بينها في كتابه من أنواع مخلوقاته، وهي آيات أفقية وحسية، آيات في نفوسهم وذواتهم وخلقهم، وآيات في الأقطار والنواحي مما يحدثه الرب تبارك وتعالى مما يدل على وجوده، ووحدانيته، وصدق رسله، وعلى المعاد والقيامة، ومن أبينها ما أشهد به كل واحد على نفسه من أنه ربه، وخالقه ومبدعه، وأنه مربوب مخلوق مصنوع حادث بعد أن لم يكن، ومحال أن يكون حدث بلا محدث، أو يكون هو المحدث لنفسه فلا بد له من موجد ،وهذا الإقرار والمشاهدة فطرة فطروا عليها ليست بمكتسبة...)(16). يقول ابن عثيمين: فهذه الآية تدل على أن الإنسان مجبول بفطرته على شهادته بوجود الله وربوبيته سواء أقلنا: إن الله استخرجهم من ظهر ادم واستشهدهم، أو قلنا: إن هذا ما فطرهم عليه من الإقرار به، فالآية تدل على أن الإنسان يعرف ربه بفطرته(17), وهذا هو المقصود فالفطرة دليل على وجود الخالق سبحانه وتعالى. ويؤيد هذه الآية ما ورد عن النبي صل الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة", وسيأتي الحديث عنه إن شاء الله عز وجل.
- ومن الأدلة قوله تعالى: )فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ([الروم:30].
يقول ابن عطية: والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلِقة، والهيئة في نفس الطفل التي هي معدة مهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه ويؤمن به(18). ويقول الواحدي فِطْرَةَ اللَّهِ ( أي: اتبع فطرة الله، أي: خِلقة الله التي خلق الناس عليها، وذلك أن كل مولود يولد على ما فطره الله عليه من أنه لا رب له غيره(19), وقد نصبت هنا فطرة على الإغراء بمعنى: الزموا فطرة الله. وهناك من حمل معنى الفطرة هنا بمعنى الإسلام والملة [ بمعنى التوحيد فلا تعارض]، ومنهم من حملها على المعني اللغوي وهو الابتداء والاختراع(20), لكن الحمل على المعني الشرعي أولى. فالناس جميعهم مفطورون على معرفة خالقهم لولا ما يعرض لهم من العوارض التي تفسد هذه الفطر من الشبهات والشهوات التي يلقيها شياطين الإنس والجن.
- ومن الأدلة قوله تعالى: حكاية عن الكفار) وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ( [ إبراهيم:9]. وجواب الرسل عليهم )قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ( [ إبراهيم:10].
في هذه الآية يخبر تعالى عما دار بين الكفار وبين رسلهم من المجادلة والمحاورة فعندما شكك الكفار في الحق سبحانه وتعالى،قالت لهم الرسلأَفِي اللّهِ شَكٌّ(, قال ابن كثير: هذا يحتمل شيئين ( أحدهما ) أفي وجوده شك فإن الفطر شاهدة بوجوده ومجبولة على الإقرار به فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه ) فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ( الذي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق... والمعنى الثاني في قولهم: ) أَفِي اللّهِ شَكٌّ ( أي أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك وهو الخالق لجميع الموجودات، ولا يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له(21). والظاهر والله أعلم أن حمل اللفظ على العموم أولى فيكون الشك في وجوده وتوحيده.
والشاهد أن الرسل استدلوا بالفطرة على وجود الله عز وجل فالاستفهام للنفي أي أن الله فوق الشك, (وهو استفهام تقريري يتضمن تقرير الأمم على ما هم مقرون به من أنه ليس في الله شك)(22). ويقول أبو السعود: (أأنتم في شك مريب من الله تعالى مبالغة في تنزيه الحق تبارك وتعالى عن شائبة الشك، وتسجيلا عليهم بسخافة العقول أي أفي شأنه سبحانه من وجوده ووحدته ووجوب الإيمان به وحده شك ما، وهو أظهر من كل ظاهر وأجلى من كل جلي، حتى تكونوا من قبله في شك مريب)(23). فالفطرة من الأدلة والحجج التي استدل بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعاً على أممهم في معرفة الخالق عز وجل، وأن هذا أمر يجدوه في نفوسهم لا مجال فيه للتشكيك أو الشك.
- ومن الأدلة مظاهر صفاء الفطرة عند المصائب والشدائد: فنجد الفطرة ترجع إلى ربها وتلهث له بالدعاء، فالمصائب تُصفي جوهر الفطرة.
فعندما يصاب الإنسان بمصاب اليم، أو يقع في مأزق، لا يجد فيه من البشر عوناً، ويفقد أسباب النجاة يعود الإنسان بفطرته إلى خالقه فكم من ملحد عرف ربه، ورجع إليه عند الشدائد، وكم من مشرك أخلص دينه لله لضر نزل به قال الله تعالى: )وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ( [يونس:12].
وقوله تعالى وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ* ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ( [النحل: 53 -54]. وإذا ركب الفلك وأحاط الموت به من كل جانب عادت هذه الفطر إلى من يفرج الكروب والهموم، ويكشف عنها الغموم قال تعالى: )وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ( [ لقمان:32].
وقال سبحانه وتعالى فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ( [ العنكبوت:65]. وتغيب عنه كل اله كان يعبدها من دون الله لتعود هذه الفطرة إلى المعبود الحق سبحانه )وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً([ الإسراء:67].
فقد ذكر القران الكريم في كثير من الآيات هذا الشعور الموجود في كيان كل إنسان، وبين أن هذا الشعور بوجود الله يتحول احياناً إلى نداء مسموع ترتفع فيه الأيدي، وتخضع له الأنفس، وتنكس الرؤوس لعظمة الله عز وجل(24). فهذا الصفاء التي تعيشه النفوس، وأشار إليه القرآن في كثير من الآيات هو من أظهر الأدلة على وجوده سبحانه وتعالى ووحدانيته.
[ltr]ومن الأدلة إيضاً: إثبات الربوبية بالاستفهام التقريري: [/ltr]
كقوله تعالى: )قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ([ يونس:31].
وقوله سبحانه أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ* أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ* أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ* أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ( [ النمل:60-64]. وقوله تعالى: )وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ([ الزخرف:87].
وقولهوَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ( [ لقمان:25]. فهذه الآيات تتضمن تقريراً للناس بأمر تعرفه فطرهم، وهو ما غرسه الله فيها من معرفته(25). فالفطرة السليمة الإنسانية شهدت بضرورة فطرتها وبديهة فكرتها بصانع عليم قادر حكيم فجاء القرآن الكريم يقرر الإنسان بهذا الذي تعرفه الفطر وتقر به.
ثانياً: دلالة الفطرة على وجود الحق تبارك وتعالى في السنة النبوية:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال النبي صل الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصراه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة(26) هل ترى فيها جدعاء"(27). ثم يقول أبو هريرة واقرؤا إن شئتم: ) فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ([ الروم : 30].
والمعنى أن كل أحد لو ترك من وقت ولادته وما يؤديه إليه نظره لأداه إلى الدين الحق وهو التوحيد وقد دل على ذلك ما ذكرناه سابقاً من الآيات(28). والخلاف في معنى الفطرة هنا هو نفس ما سبق الحديث عنه في الآية.
والشاهد في الحديث أن كل مولود يولد على الفطرة، وان هذه الفطرة تدل على خالقها.
- ومن الأدلة ما رواه مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاحتالتهم(29) عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ..."(30). فالحديث يشير إلى أن العباد يخلقون على ما فطرهم الله عز وجل من التوحيد، وأن ما نشاهده من الانحراف عن هذه الفطرة، هو شيء طرأ عليها من خلال مؤثرات خارجية من شياطين الإنس والجن أو الأبوين كما سبق في الحديث الماضي.
ومن الأدلة كذلك وجود هذه الفطرة في كل كائن حي خلقه الله عز وجل، فتجدها تشهد بالوحدانية للذي خلقها، ناطقة بالفطرة التي جلبت عليها (فقصة النملة التي رويت عن سليمان عليه السلام عندما خرج يستسقي فوجد نمله مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها نحو السماء تقول: اللهم ! أنا خلق من خلقك ، فلا تمنع عنا سقياك فقال:ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم)(31). تدل هذه القصة على أن كل مخلوق مفطور على معرفة ربه، مقر به، يلجأ إليه عند الشدائد، ويستمد منه العون والتوفيق.
وقد نقل الإمام ابن القيم- رحمه الله تعالى- اتفاق السلف رحمهم الله تعالى على دلالة الفطرة على خالقها – عز وجل- وأن الخلق مفطورون على دين الله الذي هو معرفته والإقرار به ومحبته والخضوع له، وإن ذلك موجب فطرتهم ومقتضاها.(32) وعلماء الكلام رغم تعويلهم التام على النظر العقلي في إثبات الربوبية لم يستطيعوا تجاهل شهادة الفطرة في إثبات الربوبية فلم يجدوا بُداً من الاعتراف بها وتقرير حجيتها مع مخالفة ذلك لموقفهم العام منها فهذا الراغب الاصفهاني: (يقول معرفة الله العامية – الإجمالية- مركوزة في النفس وهي معرفة كل احد أنه مفعول، وأن له فاعلاً فعله، ونقله من الأحول المختلفة)(33) . وهذا الشهرستاني يصرح بشهادة الفطرة على وجود الله- سبحانه وتعالى- حيث يقول: (ما شهد به الحدوث أو دل عليه الإمكان بعد تقديم المقدمات دون ما شهدت به الفطرة الإنسانية من احتياج في ذاته إلى مدبر، هو منتهى الحاجات فيرغب إليه ولا يرغب عنه، ويستغني به ولا يستغني عنه ويتوجه إليه ولا يعرض عنه، ويفزع إليه في الشدائد والمهمات...)(34) . ثم يذكر رحمه الله تعالى أن من منهاج القرآن الكريم تقرير ذلك كما في قوله تعالى أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ( [ النمل:62]. ) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ([ النمل:63]. ) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ( [ النمل:64]. وعن هذا قال النبي صل الله عليه وسلم عن ربه: "وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ..."(35). وكذلك الفخر الرازي يذكر دلالة الفطرة على وجود الله– سبحانه وتعالى- ويذكر مثال لذلك "لطمة الصبي" بأنها تدل على وجود الصانع، لأن الصبي يصيح سائلاً عمًا ضربه فدل على أنه مفطور على أن كل حادث له محدث ، فإذا شهدت الفطرة بهذا فشهادتها بافتقار جميع الحوادث إلى الفاعل أولى(36). [ltr]
وكذلك ابن رشد والقزويني وغيرهم كثير من علماء الكلام(37).[/ltr]
والحاصل أن علماء الكلام رغم الاهتمام والتركيز على الدليل العقلي في إثبات وجود الخالق عز وجل إلا أنهم لم يستطيعوا تجاهل دليل الفطرة التي يجدها كل إنسان في نفسه, فهي أمر ضروري لا محيد عنه، وهي أقرب إلى الخلق، وأقوى من دلالة الإمكان والحدوث التي أكثروا من الحديث فيه، وأردوا جعله أساس الأدلة، فلم يجدوا بداً من الاعتراف بالفطرة وتقرير حجيتها, والله أعلم.
فمن خلال ما سبق تبين لنا دلالة الكتاب والسنة والآثار واتفاق السلف على أن الخلق مفطورون على دين الله الذي هو معرفته والإقرار به ومحبته والخضوع له سبحانه وتعالى, وهذا الإقرار والخضوع هو موجب هذه الفطرة ومقتضاها فيجب حصوله فيها إن لم يحصل ما يعارضه من مفسدات الفطرة كما ذكرنا سابقاً(38). فلا تجد إنسان إلا وهو يقر بأن له صانع ومدبر وإن سماه بغير اسمه، ووصفه بغير صفته وذلك بسبب ما يطرأ على الفطرة من تغير وتبديل سواء كان ذلك من قبل الوالدين فيحصل التهويد أو التنصير أو غير ذلك، أو من قبل الشياطين.
يقول ابن قتيبة الدينوري: (فلا تجد شخص إلا وهو مقر بأن له صانعاً ومدبراً وإن سماه بغير اسمه أو عبد شيئا دونه ليقربه منه عند نفسه، أو وصفه بغير صفته، أو أضاف إليه ما تعالى عنه علواً كبيراً قال الله تعالى وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ([ الزخرف:87]. فكل مولود في العالم على ذلك العهد والإقرار وهي الحنيفية التي وقعت في أول الخلق وجرت في فطر العقول فالإقرار بالخالق أمر فطري وبدهي وضروري يجده كل مخلوق من المخلوقات في نفسه بذلك نطق الكتاب،وتكلمت السنة، وشهدت به العقول السليمة، واتفق عليه سلف الأمة وخلفها
في اصطلاح الفلاسفة
الفطرة السليمة عند الفلاسفة هي استعداد لإصابة الحكم والتمييز بين الحق والباطل
سنن الفطرة
للفطرة مركبان, الجسدي والروحاني. فطرة الجسد هي الجمال والكمال كما خلقها الله. رغم أن الله خلقها بصورة كاملة, مسموح للبشر ان يقوموا بتحسينها بواسطة طرق حللها الله, مثل الملابس, الاستحمام والعطور. هذه تغيرات سطحية وليست الفطرة الجوهرية.
ولكن, تغييرات جذرية للجسد لتلائم الذوق الشخصي أو اساليب الموضة الاجتماعية تُندد بأنها تغييرات محرمة وغير شرعية للفطرة. عمليات لتغيير تشوهات سببها مرض ما أو حادث تعتبر ترميم وترجيع للفطرة, وليست تغييراً لها, ولذلك محللة.
و سنن الفطره حرفيا ً: مجموعة من العادات الصحية والتجميلية التي وصى بها الرسول محمد (صل الله عليه وسلم) بأنها منسجمة مع الفطرة ولا تعارضها. ومنها :
- الختان: الختان هو قطع جلد الحشفة أعلى الذكر، وهو واجب في حق الرجال، ومكرمة في حق النساء وليس واجباً عليهن.
إعفاء اللحية وعدم حلقها: وهو واجب، لقوله صل الله عليه وسلمخالفوا المشركين. أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى) متفق عليه.
عن عائشة (ا): محمد قال: عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، يعني الاستنجاء" قال الراوي: ونسيت العاشرة إلى أن تكون المضمضة. رواه مسلم. (ًصحيح مسلم, )
الفطرة في الأصل تعني ما يميل الإنسان إليه بطبعه وذوقه السليم
والإسلام كله يكون بهذا دين الفطرة، وتعاليمه كلها هي سنن الفطرة .
لكن رسول الله صل الله عليه وسلم قد خص فيها مجموعة من السنن والتعاليم سماها " سنن الفطرة " لارتباطها ببدن الإنسان ووظائفه الحياتية.
فمن هذه السنن ما رواه أبو هريرة رضي الله قال : سمعت النبي صل الله عليه وسلم يقول : " خمس من الفطرة ـ وفي رواية ـ الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم ونتف الإبط " رواه البخاري ومسلم .
وما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صل الله عليه وسلم قال : " عشر من الفطرة ، قص الشارب واستنشاق الماء والسواك وإعفاء اللحية ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء وقص الأظافر وغسل البرامج قال الراوي ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة " وانتقاص الماء يعني الاستنجاء رواه مسلم وابن خزيمة في صحيحه . وقال القاضي عياض : لعل العاشرة الختان لأنه مذكور في حديث (الفطرة خمس ) .
وكما ورد في حديث الإسراء والمعراج " عندما خير جبريل عليه السلام النبي صل الله عليه وسلم ، تاركاً الخمر وشارباً اللبن ، فقال جبريل : الحمد لله الذي هداك للفطرة " رواه البخاري ومسلم .
قال ابن الأثير : " الإنسان يولد على نوع من الجبلة والطبع المهيء لقبول الدين، فلو ترك الأمر عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها ، وإنما يعدل من يعدل لآفة من البشر والتقليد " .
وقد أخرج عبد الرزاق في مصنفة (3) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى : ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) .
قال : " أبتلاه بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد . في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس . وفي الجسد تقليم الأظافر وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء" .
قال أبو شامة (4) : " الفطرة في الخلقة المبتدئة ، أي أن هذه الأشياء إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها . والاستحداد استعمال الموسى في حلق الشعر ، والبراجم مفاصل الأصابع أو العقد التي على ظهرها ، والمراد بها المواضع التي تتجمع فيها الأوساخ من البدن" .
وقد فسر كثير من العلماء " الفطرة " التي ورد ذكرها في الأحاديث النبوية بأنها " السنة " أي الطريقة التي جاء بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وقد أمر الله سبحانه نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بهم في قوله تعالى : (فبهداهم اقتده ) .
يقول الإمام النووي (5) : " جزم الماوردي وأبو اسحاق بأن المراد بالفطرة في هذا الحديث : الدين . وقال البيضاوي : الفطرة المرادة هنا هي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع وكأنها أمر جبلي فطروا عليه"
القرآن الكريم لغة الحياة ، وما يقوله القرآن عن البشر يتجسد واقعا فى حياة الناس ولا تملك إلا أن تقول ، صدق الله العظيم"
يولد الإنسان على الفطرة التى فطره الله عليها وهى الإيمان بالله وحده وذلك هو الدين الإسلامي الحنيف القيم ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها " الروم 30 .
ولكن العوامل الاجتماعية تغطى هذه الفطرة النقية بالاعتقاد فى آلهة أخرى مع الله قد يسميهم أولياء وقد يكونون بشرا أو حجرا وهنا تتحول الفطرة إلى شرك وتتحول الألوهية فى عقيدة الإنسان إلى شركة يقدس فيها الإنسان آلهة أخرى مع الله وهذا الشرك الذي يغطى الفطرة النقية هو "الكفر" لأن " كفر" فى معناها اللغوي هى غطى .
ويظل الإنسان سائرا فى غفلته واتخاذه الأولياء والشركاء مع الله تعالى يطلب منهم المدد كما يطلب من الله ويستغيث بهم كما يستغيث بالله فإذا دخل فى أزمة حقيقية تهدد جسمه بالفناء تذكر فى لحظة الكرب فطرته القديمة عندها يصرخ طالبا العون من الله ومخلصا لله تعالى دينه وعقيدته فإذا أنجاه الله من المحنة عاد إلى الأضرحة والأوثان والأولياء والشركاء يحتفل بهم ويطلب منهم المدد .
والقرآن الكريم يصور إخلاص الإنسان فى الدعاء لربه حين الأزمة ثم وقوعه فى الشرك بعدها، يقول تعالى " وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل . وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله . قل تمتع بكفرك قليلا انك من أصحاب النار " "الزمر 8 "
وفرعون وصل به كفره إلى ادعاء الألوهية والربوبية العليا وتنكر لفطرته واستخدم كل ما أنعم الله به عليه فى حرب الله ورسوله إلى أن لقي حتفه وهوي يطارد أثنين من أنبياء الله .. وحين أدركه الغرق استيقظت داخله الفطرة التى تنكر لها فهتف وهو يصارع الموج يعلن إسلامه ولكن هيهات لأن الأجل حان ولأنه استنفذ كل فرص الهداية .
يقول تعالى : " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا . حتى إذا أدركه الغرق قال أمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين . آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " يونس 90