عذراً شامبليون .. لست أول من فك رموز الهيروغليفية المصرية
- بدايةً .. يمكننا القول انه لا يوجد في الحقيقة , أي نظام كتابة قديم إستحوذ على عقل أي شخص صادفه كما فعلت الهيروغليفية المصرية القديمة لقرون عديدة , فقد وقف الأباطرة , والعلماء , والرحالة , ولصوص القبور , والكثيرون غيرهم أمام جدران أسوار مصر القديمة محاولين فهم تلك الرموز والصور الغامضة المحفورة على الأحجار والجدران , ,راغبين معرفة ما تعنيه , ولكن دون جدوى , واستمر الامر كذلك حتى العشرينيات من القرن التاسع عشر , بعد أن قام العالم الفرنسي " جان فرانسو شامبليون " أخيراً بفك رموز الهيروغيليفة من خلال فك رموز حجر رشيد , وفتح بذلك الباب أمام العالم لدراسة و إكتشاف التاريخ القديم لمصر بعد أن كان الأمر مستحيلاً في السابق .
أول من فك رموز الهيروغيليفية
- ولكن هل حقاً كان شامبليون هو أول شخص ينجح في فك رموز الكتابة الهيروغليفية المصرية ؟! هو بالطبع يستحق التقدير لإنجازه في علم المصريات , ولكن في الواقع , كانت عملية فك رموز الكتابة الهيروغليفية جارية منذ ما يقرب من ألف عام قبل أن يولد شامبليون أصلاً !
في نهاية القرن التاسع , تمكن الخيميائي ( عالم في الكيمياء القديمة ) " أبو بكر بن الوحشية " من فك نصف رموز الكتابة الهيروغليفية المصرية , وبالنظر إلى أن عدد الرموز الهيروغليفية كانت حوالي من 700 ألى 800 رمز , فإن هذا كان إنجازاً يستحق التقدير .
- تم تسليط الضوء لأول مرة على مساهمة " إبن وحشيه " في فك رموز الكتابة الهيروغليفية , من قِبل عالم المصريات المقيم في لندن الدكتور "عكاشة الدالي " - وهو أستاذ في معهد الآثار بجامعة لندن . وقد أجرى الدالي أبحاثاً موسعة حول دراسة التاريخ المصري القديم خلال العصر الإسلامي في القرون الوسطى , وأوضح أن المسلمين لم يعربوا عن إهتمامهم العميق بدراسة الحضارات القديمة فحسب , بل إستطاعوا أيضاً أن يفهموا الكتابة الهيروغليفية بشكلٍ صحيح .
من هو أبو بكر بن وحشيه ؟
- من كان أبو بكر بن وحشيه ؟ .. ولماذا كان يحاول فك رموز الهيروغليفية المصرية في المقام الأول ؟
حسناً .. إن المعلومات عن " إبن وحشيه " قليلة في الواقع , ولكن يمكننا القول - وفقاً للمعلومات المتوفرة - أنه كان من عائلة عربية مسيحية مثقفة إعتنقت الإسلام , وقد عاش في الكوفة بالعراق خلال بداية فترة الخلافة العباسية , وذلك عندما كانت الحركة العلمية في بيت الحكمة الشهير في بغداد على قدم وساق , كما أنه كان خيميائياً , وربما أراد إكتشاف أسرار المصريين القدماء عن الخيمياء , لذا حاول فك رموز كتاباتهم الغامضة .
- الحقيقة أن " إبن وحشيه " لم يبحث فقط في فك رموز الهيروغليفية المصرية , ولكنه فك رموز شفرات أبجديات أخرى وصلت إل 93 ابجدية , بما في ذلك الحروف الأبجدية المستخدمة من قبل الحضارات البابلية والمصرية والسامية والحديثة والهندية القديمة , وقام بنشر النتائج التي توصل إليها في كتاب بعنوان " شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام " , والذي كتب فيه قائمة بالرموز الهيروغليفية , وأوضح معناها ( إما كأوصوات أو كلمات ) , ومرادفاتها باللغة العربية .
وقد قارن الدالي الإستنتاجات التي توصل إليها " إبن وحشيه " حول الهيروغليفية المصرية , مع فهم علماء المصريات المعاصرين لها , ووجدها دقيقة .
- إن إكتشاف مساهمة إبن الوحشية في فك رموز الكتابة الهيروغليفية , قد فتح باب النقاش حول دور المفكرين المسلمين القدماء في مجال علم المصريات , والذي تم تجاهله لقرون , ويرجع ذلك جزئياً إلى التركيز على الدور الأوروبي في علم الآثار دون غيره طوال التاريخ , وأيضاً لأن المخطوطات التي توفر تلك المعلومات كانت مبعثرة وغير مُعتبرة , ولكن بعد بضع سنوات فقط من كشف " الدالي " عن مساهمة أبن وحشية , بدأ المؤرخون بالإعتراف بأن أبو بكر بن وحشية كان أول عالم مصريات حقيقي في التاريخ .
- وأكد الدالي أن بسبب تحيّز العلماء الغربيين ضد الإسلام , فإنهم كانوا غير عادلين مع علماء المصريات المسلمين , وذلك لإن الغرب يعتقد أن فكرة دراسة الحضارات التي كانت موجودة قبل نزول القرآن لهو أمر مرفوض في ديننا , ولكن ليس هذا هو الحال بالطبع , فعلماء المسلمين عرفوا أن مصر كانت أرضاً للعلم والحكمة منذ الأزل وعلى هذا النحو كانوا يريدون تعلم لغة المصريين القدماء , للوصول إلى مثل هذه المعرفة الواسعة .
- كما أوضح الدالي , أن البحث في علم المصريات الذي قام به المسلمين لهو أكثر موثوقية من بحث معاصريهم في أوروبا , فالمسلمون - على عكس الغرب - لم يقوموا بكتابة التاريخ بما يتلاءم مع أفكارهم الدينية في ذلك الوقت , مما جعل حساباتهم أكثر موثوقية .
- لم يكن إبن وحشيه وحده من فتنته تلك الكتابات الغامضة , بل كان جابر بن حيان أيضاً مفتوناً بها , وبالأسرار التي تحملها فيما يتعلق بمجال أبحاثه في علم الكيمياء .
كما أن " ذو النون المصري " في القرن التاسع عشر كان مهتماً بشدة بالهيروغليفية المصرية , وقد وصفه المؤرخ القديم " المسعودي " بإنه أحد أولئك الذين يشرحون تاريخ هذه الأطلال المصرية" , وقد تجول بينها وفحص كمية كبيرة من الأرقام والنقوش , ويقال أنه فك شفرة بعض تلك الرموز الهيروغليفية .
- وأخيراً .. يمكننا القول أنه يمكن أن يكون هناك العديد من الأمثلة الأخرى كإبن وحشية , من الممكن أن يكون هناك مسلماً آخر قد كسر شفرة الهيروغليفية بالكامل , ولكن وفقاً للمصادر المتاحة لدينا .. يمكننا القول أن إبن وحشيه , هو أول عالم مصريات حقيقي , قدم أكبر مساهمة في فك رموز الكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة قبل شامبليون بألف عام تقريباً .