حوار مع صديقي المدمن
في الصيف الماضي اجريت حواراً مع احد اصدقائي المقربين عن ادمانه للمخدرات، وكان صديقي متفتحاً ويعرف ان هدفي من وراء ذلك الحوار هو تحليل السلوك الادماني للوصول الي نقاط الضعف الانسانية التي تجعل الانسان يقع في شرك الادمان، فأراد ان يساعدني وكشف لي عن الكثير من الاشياء التي لم يكشفها ابداً لاحد. وكتبت عن هذا الحوار الذي دار بيننا بعد موافقته طبعاً.
لم اذكر اسمه ولكنني ذكرت فقط انه محامي، لكنه حذرني من ان يستغل احد المحامين هذا الحوار بعد نشره لمقاضاتي بتهمة الاساءة لمهنة المحاماة، وقال انه يتمنى ان يحدث هذا لكي يتدخل وقتئذ لينقذني ولأصبح انا فأر تجارب في مجال عمله كما اصبح هو فأر تجارب في مقالاتي.
قلت له ان هناك افلام ومسلسلات كثيرة ظهر فيها المحامي مدمناً للمخدرات، وانه ليس المحامي الاول الذي يظهر بهذا الشكل في الاعمال الادبية. بل ان السينما لم تترك الاطباء النفسيين انفسهم واظهرتهم في بعض الاعمال مدمنين للخمور. وعلي اي حال فإن هدفي ليس التركيز علي شخصه هو بل علي موضوع الادمان وتعقيداته.
انقطع التواصل بيننا لفترة بسبب سفري وانشغالي بأمور اخري، لكن في هذه الفترة لم ابتعد عن دراسة موضوع الادمان ولا عن المدمنين. ففي احدى الجمعيات الخيرية الشهيرة والتي كنت اعمل معها متطوعاً، كان هناك قسم خاص بتقديم الدعم المالي والنفسي للمدمنين الذين اتوا الي الجمعية برغبة منهم في العلاج من الادمان، اشتركت في هذا القسم، واجريت العديد من اللقاءات مع مدمنين، حيث كان يجب ان نتأكد من صدق رغبتهم في العلاج، والتزامهم بخطة العلاج والتي كان من ضمنها الانقطاع عن العالم طوال فترة العلاج والاقامة في المشفى الخاص بعلاج الادمان.
اجريت مقابلات مع عدد من المدمنين، وسمعت قصة كل واحد فيهم. قصص مليئة بالبؤس والشقاء والمشكلات الكبيرة، وادركت خطورة الادمان المدمر لحياة الانسان، لا من الكتب او القراءة، بل من المدمنين انفسهم، ومن زوجاتهم وابنائهم وآبائهم.
قبل حواري مع صديقي المدمن وقبل عملي في الجمعية الخيرية بقسم علاج الادمان كنت اكتب مقالات عن الادمان ويتم نشرها على افضل مستشفى متخصصة في علاج الادمان وهي مستشفى دار الشفاء للصحة النفسية وإعادة التأهيل، وألزمني هذا الامر بالقراءة والتعمق في كتب الادمان والمناهج العلاجية المتنوعة، وساعدتني خلفيتي الثقافية في البحث والكتابة في هذا المجال واظن انني قمت فيه بالتركيز علي نقاط لم يسبق لاحد التطرق اليها في ادبيات هذا المجال، لكنني كنت بحاجة الي الخبرة العملية الواقعية، كنت بحاجة الي خوض التجربة من خلال هؤلاء المدمنين انفسهم، وتمنيت ان يفتحوا لي قلوبهم ليقصوا لي ادق التفاصيل في تجاربهم، فلا شيء يغني عن التجربة.
وبعد ان عايشت تجارب العديد من المدمنين في مراحل سنية مختلفة، منهم من كان لديه الحس الادبي فكتب مذكرات ويوميات وشذرات تعبر عن معاناته، ومنهم من كان لديه الحس التحليلي لتحليل مشكلته واسباب تورطه فيها، وتكشفت لي أمور لم تكن متوقعة. اكتشفت روابط وعلاقات بين انواع الادمان المختلفة، وبين البيئة والمدمنين، وبين الشخص المدمن والشخص العادي الذي اصبح في نظري لاحقاً مدمناً من نوع آخر، واكتشفت العلاقة القوية والمباشرة بين موضوع الادمان وموضوعات الفشل والنجاح.
وعندما يتعلق الأمر بالنجاح والفشل، يصبح للموضوع اهميته التي لا يمكن بأي حال من الاحوال الاستهانة بها، فأسباب النجاح والفشل كثيرة ومتعددة ومختلفة باختلاف شخصية وظروف كل انسان، ولكن هناك اسباب رئيسية لكل من النجاح والفشل تؤثر تأثيرا قويا علي حياة كل واحد فينا بشكل عام.
ومن التجارب التي عايشتها للمدمنين والخبرات التي تكونت لدي عن موضوع الادمان اكتشفت ان الاسباب الرئيسية للفشل وأيضاً الأسباب الرئيسية للنجاح مرتبطة ارتباطا قويا بالإدمان. مما جعل اهتمامي بالإدمان يتزايد حيث اصبح موضوع مهم مرتبط بمصيري وبمصير كل انسان، وكتبت عنه الكثير من المقالات تحت عناوين مختلفة، منها فلسفة الادمان، ومخاسر الادمان، والادمان الاسباب الدافعة والمانعة، وما الادمان؟ ومن المدمن؟، وتشخيص الادمان، وأنواع الادمان، والمفهوم الأوسع للإدمان والمخدرات، والادمان دوافع وأبعاد… وغيرها من المقالات التي تناولت فيها الادمان من زوايا مختلفة.
وهكذا اصبح موضوع الادمان بالنسبة لي موضوعاً فلسفياً بحتاً. ولأنه اصبح موضوع فلسفي معقد تتشابك فيه الموضوعات وتتداخل وجدت انه من الضروري ان استعين بالصورة وبالحكاية التي تشبك التفاصيل بعضها ببعض بدون ان ينسى القارئ تفاصيل مهمة، ولذلك رجعت إلى صديقي المبتلى ببلاء الإدمان لأكمل حواري معه، لعل الحوار معه يساعد القارئ علي فهم تفاصيل كثيرة مهمة عن الادمان، ولعل الحوار معه يساعدنا علي التحاور مع نفوسنا وأرواحنا.