بيعتا العقبة الأولى والثانية
بدء إسلام الأنصار
اجتماعه صل الله عليه وسلم بوفد من الخزرج عند العقبة
قال ابن إسحاق : فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه ، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإنجاز موعده له ، خرج رسول الله صل الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار ، فعرض نفسه على قبائل العرب ، كما كان يصنع في كل موسم . فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا .
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أشياخ من قومه ، قالوا : لما لقيهم رسول الله صل الله عليه وسلم ، قال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج ، قال : أمن موالي يهود ؟ قالوا : نعم ؛ قال : أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا : بلى .
فجلسوا معه ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن . قال : وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام ، أن يهود كانوا معهم في بلادهم ، وكانوا أهل كتاب وعلم ، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان ، وكانوا قد غزوهم ببلادهم ، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم : إن نبيا مبعوث الآن ، قد أظل زمانه ، نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم .
فلما كلم رسول الله صل الله عليه وسلم أولئك النفر ، ودعاهم إلى الله ، قال بعضهم لبعض : يا قوم ، تعلموا والله إنه للنبي توعدكم به يهود ، فلا تسبقنكم إليه . فأجابوه فيما دعاهم إليه ، بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام ، وقالوا : إنا قد تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم ، فعسى أن يجمعهم الله بك ، فسنقدم عليهم ، فندعوهم إلى أمرك ، وتعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك .
ثم انصرفوا عن رسول الله صل الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم ، وقد آمنوا وصدقوا .
أسماء من التقوا به صل الله عليه وسلم من الخزرج عند العقبة
قال ابن إسحاق : وهم - فيما ذكر لي - : ستة نفر من الخزرج ، منهم من بني النجار - وهو تيم الله - ثم من بني مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن عمرو بن عامر : أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو أبو أمامة ؛ وعوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو ابن عفراء .
قال ابن هشام : وعفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار .
قال ابن إسحاق : ومن بني زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج : رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق .
قال ابن هشام : ويقال : عامر بن الأزرق .
قال ابن إسحاق : ومن بني سَلِمة بن سعد بن علي بن ساردة بن تزيد ابن جشم بن الخزرج ، ثم من بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة : قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم بن سواد .
قال ابن هشام : عمرو بن سواد ، وليس لسواد ابن يقال له : غنم .
قال ابن إسحاق : ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة : عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام .
ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة : جابر بن عبدالله ابن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد .
فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صل الله عليه وسلم .
بيعة العقبة الأولى ، و مصعب بن عمير
حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا ، فلقوه بالعقبة . قال : وهي العقبة الأولى ، فبايعوا رسول الله صل الله عليه وسلم على بيعة النساء ، وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب .
رجال البيعة الأولى من بني النجار
منهم من بني النجار ، ثم من بني مالك بن النجار : أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو أبو أمامة ؛ وعوف ، ومعاذ ، ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار ، وهما ابنا عفراء .
رجال العقبة الأولى من بني زريق
ومن بني زريق بن عامر : رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق ؛ وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد ابن عامر بن زريق .
قال ابن هشام : ذكوان ، مهاجري أنصاري .
جال العقبة الأولى من بني عوف
ومن بني عوف بن الخزرج ، ثم من بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ، وهم القواقل : عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم ؛ وأبو عبدالرحمن ، وهو يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة ، من بني غُصينة ، من بلي ، حليف لهم .
مقالة ابن هشام في اسم القواقل
قال ابن هشام : وإنما قيل لهم القواقل ، لأنهم كانوا إذا استجار بهم الرجل دفعوا له سهما ، وقالوا له : قوقل به بيثرب حيث شئت .
قال ابن هشام : القوقلة : ضرب من المشي .
رجال العقبة من بني سالم
قال ابن إسحاق : ومن بني سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج ، ثم من بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم : العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان .
رجال العقبة من بني سَلِمة ، بلام مكسورة
ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن سلمة : عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام .
رجال العقبة من بني سواد
ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة : قطبة بن عامر بن حديدة ابن عمرو بن غنم بن سواد .
رجال العقبة من الأوس
وشهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، ثم من بني عبدالأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : أبو الهيثم بن التَّيَّهان ، واسمه مالك .
قال ابن هشام : التَّيهان : يخفف ويثقل ، كقوله مَيْت وميِّت .
رجال العقبة من بني عمرو
ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس : عويم بن ساعدة .
عهد رسول الله على مبايعي العقبة ، و نص البيعة
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرثد بن عبدالله اليزني ، عن عبدالرحمن بن عسيلة الصنابحي ، عن عبادة بن الصامت ، قال : كنت فيمن حضر العقبة الأولى ، وكنا اثنى عشر رجلا ، فبايعنا رسول الله صل الله عليه وسلم على بيعة النساء ، وذلك قبل أن تفترض الحرب ، على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف . فإن وفَّيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر .
قال ابن إسحاق : وذكر ابن شهاب الزهري ، عن عائذ الله بن عبدالله الخولاني أبي إدريس أن عبادة بن الصامت حدثه أنه قال : بايعنا رسول الله صل الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ؛ فإن وفيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأُخذتم بحده في الدنيا ، فهو كفارة له ، وإن سُترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله عز وجل ، إن شاء عذب ، وإن شاء غفر .
إرسال الرسول مصعب بن عمير مع وفد العقبة
قال ابن إسحاق : فلما انصرف عنه القوم ، بعث رسول الله صل الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي ، وأمره أن يُقرئهم القرآن ، ويعلمهم الإسلام ، ويفقههم في الدين ، فكان يُسمَّى المقرِىء بالمدينة : مصعب . وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس ، أبي أمامة .
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أنه كان يصلي بهم ، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضُهم أن يؤمه بعض .
أمر العقبة الثانية
مصعب بن عمير و العقبة الثانية
قال ابن إسحاق : ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة ، وخرج من خرج الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك ، حتى قدموا مكة ، فواعدوا رسول الله صل الله عليه وسلم العقبة ، من أوسط أيام التشريق ، حين أراد الله بهم ما أراد من كرامته ، والنصر لنبيه ، وإعزاز الإسلام وأهله ، وإذلال الشرك وأهله .
البراء بن معرور يصلي إلى الكعبة
قال ابن إسحاق : حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين ، أخو بني سلمة ، أن أخاه عبدالله بن كعب ، وكان من أعلم الأنصار ، حدثه أن أباه كعبا حدثه ، وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صل الله عليه وسلم بها ، قال : خرجنا في حجاج قومنا من المشركين ، وقد صلينا وفقهنا ، ومعنا البراء بن معرور ، سيدنا وكبيرنا .
فلما وجهنا لسفرنا ، وخرجنا من المدينة ، قال البراء لنا : يا هؤلاء ، إني قد رأيت رأيا ، فوالله ما أدري ، أتوافقونني عليه ، أم لا ؟ قال : قلنا : وما ذاك ؟ قال : قد رأيت أن لا أدع هذه البَنيِّة مني بظهر ، يعني الكعبة ، وأن أصلي إليها . قال : فقلنا : والله ما بلغنا أن نبينا صل الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام ، وما نريد أن نخالفه . قال : فقال : إني لمصل إليها . قال : فقلنا له : لكنا لا نفعل .
قال : فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام ، وصلى إلى الكعبة ، حتى قدمنا مكة . قال : وقد كنا عبنا عليه ما صنع ، وأبى إلا الإقامة على ذلك . فلما قدمنا مكة قال لي : يا ابن أخي ، انطلق بنا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ، حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا ، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء ، لما رأيت من خلافكم إياي فيه .
قال : فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنا لا نعرفه ، ولم نره قبل ذلك ، فلقينا رجلا من أهل مكة ، فسألناه عن رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقال : هل تعرفانه ؟ فقلنا : لا ؛ قال : فهل تعرفان العباس بن عبدالمطلب عمه ؟ قال : قلنا : نعم - قال : و قد كنا نعرف العباس ، وكان لا يزال يقدم علينا تاجرا - قال : فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس .
قال : فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه ، فسلمنا ثم جلسنا إليه . فقال رسول الله صل الله عليه وسلم للعباس : هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ؟ قال : نعم ، هذا البراء بن معرور ، سيد قومه ؛ وهذا كعب بن مالك .
قال : فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشاعر ؟ قال : نعم . قال : فقال له البراء بن معرور : يا نبي الله ، إني خرجت في سفري هذا ، وقد هداني الله للإسلام ، فرأيت أن لا أجعل هذه البَنِيَّة مني بظهر ، فصليت إليها ، وقد خالفني أصحابي في ذلك ، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء ، فماذا ترى يا رسول الله ؟ قال : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها . قال : فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صل الله عليه وسلم ، وصلى معنا إلى الشام . قال : وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات ، وليس ذلك كما قالوا ، نحن أعلم به منهم .
قال ابن هشام : وقال عون بن أيوب الأنصاري :
ومنا المُصلي أول الناس مُقبلا * على كعبة الرحمن بين المشاعر
يعني البراء بن معرور . وهذا البيت في قصيدة له .
إسلام عبدالله بن عمرو بن حرام
قال ابن إسحاق : حدثني معبد بن كعب ، أن أخاه عبدالله بن كعب حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه ، قال كعب : ثم خرجنا إلى الحج ، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق . قال : فلما فرغنا من الحج ، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، ومعنا عبدالله بن عمرو بن حرام أبو جابر ، سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، أخذناه معنا ، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا ، فكلمناه وقلنا له : يا أبا جابر ، إنك سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ؛ ثم دعوناه إلى الإسلام ، وأخبرناه بميعاد رسول الله صل الله عليه وسلم إيانا العقبة . قال : فأسلم وشهد معنا العقبة ، وكان نقيبا .
امرأتان في البيعة
قال : فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول الله صل الله عليه وسلم ، نتسلل تسلل القطا مستخفين ، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ، ومعنا امرأتان من نسائنا : نُسيبة بنت كعب ، أم عمارة ، إحدى نساء بني مازن بن النجار ؛ وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي ، إحدى نساء بني سلمة ، وهي أم منيع .
العباس يستوثق من الأنصار
قال : فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صل الله عليه وسلم ، حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبدالمطلب ، وهو يومئذ على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له . فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبدالمطلب ، فقال : يا معشر الخزرج - قال : وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار : الخزرج ، خزرجها وأوسها - : إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ، ممن هو على مثل رأينا فيه ، فهو في عز من قومه ومنعة في بلده ، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم ، واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، ومانعوه ممن خالفه ، فأنتم وما تحملتم من ذلك ؛ وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم ، فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده . قال : فقلنا له : قد سمعنا ما قلت ، فتكلم يا رسول الله ، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت .
عهد الرسول عليه الصلاة والسلام على الأنصار
قال : فتكلم رسول الله صل الله عليه وسلم ، فتلا القرآن ، ودعا إلى الله ، ورغب في الإسلام ، ثم قال : أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم . قال : فأخذ البراء بن معرور بيده ، ثم قال : نعم ، والذي بعثك بالحق نبيا ، لنمنعنك مما نمنع منه أُزُرنا ، فبايِعْنا يا رسول الله ، فنحن والله أبناء الحروب ، وأهل الحلقة ، ورثناها كابرا عن كابر .
قال : فاعترض القول ، والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو الهيثم بن التيهان ، فقال : يا رسول الله ، إن بيننا وبين الرجال حبالا ، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ قال : فتبسم رسول الله صل الله عليه وسلم ، ثم قال : بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنا منكم وأنتم مني ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم .
قال ابن هشام : ويقال : الهدم الهدم : يعني الحرمة . أي ذمتي ذمتكم ، وحرمتي حرمتكم .
قال كعب بن مالك : وقد كان قال رسول الله صل الله عليه وسلم : أخرجوا إلي منكم اثنى عشر نقيبا ، ليكونوا على قومهم بما فيهم . فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا ، تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس
أسماء النقباء الاثني عشر و تمام خبر العقبة
نقباء الخزرج
قال ابن هشام : من الخزرج - فيما حدثنا زياد ابن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي - : أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عُدَس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ؛ وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج ؛ وعبدالله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج ؛ ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ؛ والبراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة ابن تزيد بن جشم بن الخزرج ؛ وعبدالله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة ابن حرام بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ؛ وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج .
قال ابن هشام : هو غنم بن عوف ، أخو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج .
قال ابن إسحاق : وسعد بن عبادة بن دُليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج ؛ والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج - قال ابن هشام : ويقال : ابن خنيس - .
نقباء الأوس
ومن الأوس : أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبدالأشهل ؛ وسعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك ابن كعب بن النحَّاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس ؛ ورفاعة بن عبدالمنذر بن زبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس .
شعر كعب بن مالك في حصر النقباء
قال ابن هشام : وأهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان ، ولا يعدون رفاعة . وقال كعب بن مالك يذكرهم ، فيما أنشدني أبو زيد الأنصاري :
أبلغ أُبيا أنه فال رأيه * وحان غداة الشعب والحين واقعُ
أبى الله ما منتك نفسك إنه * بمرصاد أمر الناس راءٍ وسامع
وأبلغ أبا سفيان أن قد بدا لنا * بأحمد نور من هدى الله ساطع
فلا ترغبنْ في حشد أمر تريده * وألِّب وجمِّع كل ما أنت جامع
ودونك فاعلم أن نقض عهودنا * أباه عليك الرهط حين تبايعوا
أباه البراء وابن عمرو كلاهما * وأسعد يأباه عليك ورافع
وسعد أباه الساعدي ومنذر * لأنفك إن حاولت ذلك جادع
وما ابن ربيع إن تناولت عهده * بمسلمه لا يطمعنْ ثم طامع
وأيضا فلا يُعطيكه ابن رواحة * وإخفاره من دونه السم ناقع
وفاء به والقوقلي بن صامت * بمندوحة عما تحاول يافع
أبو هيثم أيضا وفيّ بمثلها * وفاء بما أعطى من العهد خانع
وما ابن حضير إن أردت بمطمع * فهل أنت عن أُحموقة الغي نازع
وسعد أخو عمرو بن عوف فإنه * ضَروح لما حاولت مِـْلأمر مانع
أولاك نجوم لا يغبك منهمُ * عليك بنحس في دجى الليل طالع
فذكر كعب فيهم ( أبا الهيثم بن التيهان ) ولم يذكر ( رفاعة ) .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال للنقباء : أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ، ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم ، وأنا كفيل على قومي - يعني المسلمين - قالوا : نعم .
ما قاله العباس بن عبادة للخزرج قبل المبايعة
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صل الله عليه وسلم ، قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري ، أخو بني سالم بن عوف : يا معشر الخزرج ، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ قالوا : نعم ؛ قال : إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس ، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة ، وأشرافكم قتلا أسلمتموه ، فمن الآن ، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة ، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأمول ، وقتل الأشراف ، فخذوه ، فهو والله خير الدنيا والآخرة ؛ قالوا : فإنا نأخذه على مصيبة الأموال ، وقتل الأشراف ؛ فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفَّينا بذلك ؟ قال : الجنة . قالوا : ابسط يدك ؛ فبسط يده فبايعوه .
وأما عاصم بن عمر بن قتادة فقال : والله ما قال ذلك العباس إلا ليشد لعقد لرسول الله صل الله عليه وسلم في أعناقهم .
وأما عبدالله بن أبي بكر فقال : ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك الليلة ، رجاء أن يحضرها عبدالله بن أبي ابن سلول ، فيكون أقوى لأمر القوم . فالله أعلم أي ذلك كان .
نسب سلول
قال ابن هشام : سلول : امرأة من خزاعة ، وهي أم أبيّ بن مالك بن الحارث .
أول من ضرب على يد الرسول في بيعة العقبة الثانية
قال ابن إسحاق : فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة ، أسعد بن زرارة ، كان أول من ضرب على يده ؛ وبنو عبدالأشهل يقولون : بل أبو الهيثم بن التيهان .
قال ابن إسحاق : فأما معبد بن كعب بن مالك فحدثني في حديثه ، عن أخيه عبدالله بن كعب ، عن أبيه كعب بن مالك ، قال : كان أول من ضرب على يد رسول الله صل الله عليه وسلم البراء بن معرور ، ثم بايع بعدُ القوم .
الشيطان يصرخ بعد بيعة العقبة الثانية
فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط : يا أهل الجباجب - والجباجب : المنازل - هل لكم في مذمَّم والصُّباة معه ، قد اجتمعوا على حربكم . قال : فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : هذا أزبّ العقبة ، هذا ابن أزيب - قال ابن هشام : ويقال ابن أُزيب - أتسمع أي عدو الله ، أما والله لأفرغنّ لك .
الأنصار تستعجل الإذن بالحرب
قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارفضُّوا إلى رحالكم . قال : فقال له العباس بن عبادة بن نضلة : والله الذي بعثك بالحق : إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا ؟ قال : فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : لم نؤمر بذلك ، ولكن ارجعوا إلى رحالكم . قال : فرجعنا إلى مضاجعنا ، فنمنا عليها حتى أصبحنا .
قريش تجادل الأنصار في شأن البيعة
قال : فلما أصبحنا غدت علينا جِلَّة قريش ، حتى جاءونا في منازلنا ، فقالوا : يا معشر الخزرج ، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا ، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا ، أن تنشب الحرب بيننا وبينهم ، منكم .
قال : فانبعث مَنْ هناك مِنْ مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء ، وما علمناه . قال : وقد صدقوا ، لم يعلموه . قال : وبعضنا ينظر إلى بعض . قال : ثم قام القوم ، وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي ، وعليه نعلان له جديدان . قال : فقلت له كلمة - كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا - : يا أبا جابر ، أما تستيطع أن تتخذ ، وأنت سيد من ساداتنا ، مثل نعلَيْ هذا الفتى من قريش ؟ قال : فسمعها الحارث ، فخلعهما من رجليه ثم رمي بهما إلي ، وقال : والله لتنتعلنَّهما . قال : يقول أبو جابر : مه ، أحفظت والله الفتى ، فاردد إليه نعليه . قال : قلت : والله لا أردهما ، فأل والله صالح ، لئن صدق الفأل لأسلُبنَّه .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر : أنهم أتوا عبدالله بن أبي ابن سلول ، فقالوا له مثل ما قال كعب من القول ؛ فقال لهم : و الله إن هذا الأمر جسيم ، ما كان قومي ليتفوَّتوا علي بمثل هذا ، وما علمته كان . قال : فانصرفوا عنه .
قريش تأسر سعد بن عبادة
قال : ونفر الناس من منى ، فتنطَّس القوم الخبر ، فوجوده قد كان ، وخرجوا في طلب القوم ، فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر ، والمنذر بن عمرو ، أخا بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ، وكلاهما كان نقيبا . فأما المنذر فأعجز القوم ؛ وأما سعد فأخذوه ، فربطوا يديه إلى عنقه بِنِسْع رحله ، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ، ويجذبونه بجُمَّته ، وكان ذا شعر كثير .
خلاص سعد بن عبادة من أسر قريش
قال سعد : فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش ، فيهم رجل وضيء أبيض ، شعشاع ، حلو من الرجال .
قال ابن هشام : الشعشاع : الطويل الحسن . قال رؤبة :
يمطوه من شعشاع غير مودن *
يعني عنق البعير غير قصير . يقول : مودن اليد : أي ناقص اليد .
قال : فقلت في نفسي : إن يك عند أحد من القوم خير ، فعند هذا ؛ قال : فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة . قال : فقلت في نفسي : لا والله ما عندهم بعد هذا من خير . قال : فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى لي رجل ممن كان معهم ، فقال : ويحك ! أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ؟ قال : قلت : بلى والله ، لقد كنت أُجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجارة ، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي ، وللحارث بن حرب ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ؛ قال : ويحك ! فاهتف باسم الرجلين ، واذكر ما بينك وبينهما . قال : ففعلت ، وخرج ذلك الرجل إليهما ، فوجدهما في المسجد عند الكعبة ، فقال لهما : إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويهتف بكما ، ويذكر أن بينه وبينكما جوارا ؛ قالا : ومن هو ؟ قال : سعد بن عبادة ؛ قالا : صدق والله ، إن كان ليجير لنا تجارنا ، ويمنعهم أن يُظلموا ببلده . قال : فجاءا فخلَّصا سعدا من أيديهم ، فانطلق . وكان الذي لكم سعدا ، سهيل بن عمرو ، أخو بني عامر بن لؤي .
قال ابن هشام : وكان الرجل الذي أوى إليه ، أبا البختري بن هشام .
أول ما قيل في الهجرة من الشعر
قال ابن إسحاق : وكان أول شعر قيل في الهجرة بيتين ، قالهما ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر فقال :
تداركتَ سعدا عنوة فأخذته * وكان شفاء لو تداركت منذرا
لو نلتُه طُلَّت هناك جراحه * وكانت حريَّا أن يُهان ويُهدرا
قال ابن هشام : ويروى :
وكان حقيقا أن يهان ويهدرا
قال ابن إسحاق : فأجابه حسان بن ثابت فيهما فقال :
لست إلى سعد ولا المرء منذر * إذا ما مطايا القوم أصبحن ضُمَّرا
فلولا أبو وهب لمرت قصائد * على شرف البرقاء يهوين حُسَّرا
أتفخر بالكتان لما لبسته * وقد تلبس الأنباط ريطا مقصرا
فلا تك كالوسنان يحلم أنه * بقرية كسرى أو بقرية قيصرا
ولاتك كالثكلى وكانت بمعزل * عن الثكل لو كان الفؤاد تفكرا
ولا تك كالشاة التي كان حتفها * بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا
ولا تك كالعاوي فأقبل نحره * ولم يخشه ، سهما من النبل مضمرا
فإنا ومن يُهدي القصائد نحونا * كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا
قصة صنم عمرو بن الجموح
عدوان قوم عمرو على صنمه
فلما قدموا المدينة أظهروا الإسلام بها ، وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك ، منهم عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ، وكان ابنه معاذ بن عمرو شهد العقبة ، وبايع رسول الله صل الله عليه وسلم بها ، وكان عمرو بن الجموح سيدا من سادات بني سلمة ، وشريفا من أشرافهم ، وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب ، يقال له : مناة ، كما كانت الأشراف يصنعون ، تتخذه إلها تعظمه وتطهره ، فلما أسلم فتيان بني سلمة : معاذ بن جبل ، وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح ، في فتيان منهم ممن أسلم وشهد العقبة ، كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك ، فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة ، وفيها عِذَر الناس ، مُنكَّسا على رأسه ؛ فإذا أصبح عمرو ، قال : ويلكم ! من عدا على آلهتنا هذه الليلة ؟ قال : ثم يغدو يلتمسه ، حتى إذا وجده غسله وطهره وطيبه ، ثم قال : أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأُخزينَّه . فإذا أمسى ونام عمرو ، عدوا عليه ، ففعلوا به مثل ذلك ؛ فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى ، فيغسله ويطهره ويطيبه ؛ ثم يعدون عليه إذا أمسى ، فيفعلون به مثل ذلك .
فلما أكثروا عليه ، استخرجه من حيث ألقوه يوما ، فغسله وطهره وطيبه ، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ، ثم قال : إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى ، فإن كان فيك خير فامتنع ، فهذا السيف معك . فلما أمسى ونام عمرو ، عدوا عليه ، فأخذوا السيف من عنقه ، ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة ، فيها عذر من عذر الناس ، ثم غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به .
إسلام عمرو ، وما قاله من الشعر
فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت ، فلما رآه وأبصر شأنه ، وكلمه من أسلم من رجال قومه ، فأسلم برحمة الله ، وحسن إسلامه . فقال حين أسلم وعرف من الله ما عرف ، وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره ، ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة :
والله لو كنتَ إلها لم تكن * أنت وكلب وسط بئر في قَرَنْ
أُفٍّ لملقاك إلها مستدن * الآن فتشناك عن سوء الغبن
الحمد لله العلي ذي المنن * الواهب الرزاق ديان الدين
هو الذي أنقذني من قبل أن * أكون في ظلمة قبر مرتهن
بأحمد المهدي النبي المرتهن *
.... يتبع