لهذا يتوقع مؤرخ إسرائيلي بارز مستقبلا أسود لإسرائيل
يؤكد أبرز المؤرخين الإسرائيليين الجدد، بروفيسور بيني موريس، أن إسرائيل مكان ستغرب شمسه وسيشهد انحلالا أو غوصا بالوحل ويتحول اليهود فيها لأقلية ملاحقة وسيهرب من يستطيع إلى الولايات المتحدة.
جاءت أقوال موريس الذي يتوقع مستقبلا سوداويا لإسرائيل في حديث واسع مع ملحق صحيفة “هآرتس” أمس بمناسبة صدور دراسة تاريخية جديدة عن الفترة العثمانية.
بيني موريس الذي خرج للتقاعد من العمل في جامعة “بن غوريون في بئر السبع” لبلوغه السبعين يؤكد في دراسته الجديدة مع المستشرق البروفيسور درور زئيفي أن الدولة العثمانية وتركيا لاحقا ارتكبت مذبحة استمرت ثلاثة عقود (1894–1924) بحق المسيحيين من اليونانيين والأرمن والأشوريين.
ويدعيان أن المذابح لم تقتصر على الأرمن فقط خلال الحرب العالمية الأولى وأنها أوقعت بين 1.5 ملبون إلى 2.5 مليون نسمة، وشارك فيها أكراد وشركس وعرب وشيشانيون. زاعمين أن المجازر العثمانية جاءت على شكل مسلسل طويل بهدف تطهير الدولة العثمانية من النصارى الذين تراجعت نسبتهم من 20% إلى 2%.
وردا على سؤال “هآرتس” لماذا يتم الكشف عن المذابح بعد قرن وعلى يد مؤرخين إسرائيليين قال إن الجميع ركزوا بالمذبحة الأرمنية فقط. وتشمل الدراسة الجديدة هذه التي سترى النور في أبريل/ نيسان القادم ضن منشورات جامعة هارفارد شهادات قاسية حول مجازر العثمانيين بحق المسيحيين طيلة عقود بالاستناد لمستندات تركية، أمريكية، بريطانية وألمانية ثمرة أقلام حجاج وضباط ورحالة ورجال أعمال ممن تجولوا في الشرق ونقلوا تقارير حول مشاهداتهم.
ومن هؤلاء الدبلوماسي البريطاني جرالد بيتسموريس الذي زار مدينة “أورفا” في جنوب تركيا في 1896 بعد شهور من قتل 7000 من سكانها الأرمن. وعن ذلك يقول “بدت أورفا مدينة منكوبة تعرضت لما هو أشد من حرب أو حصار.. الحوانيت أبوابها ونوافذها محطمة وفارغة أو مهجورة.. وتكاد لا ترى رجالا.. وفقط ترى نساء وأطفالا نظراتهم تقطر خوفا ويبحثون عن كسرة خبز”.
وحسب تقارير أخرى حول المذبحة إياها يصف كتاب موريس الجديد جنودا أتراكا يرافقهم جمهور عدد كبير من المسلمين المحرضّين وهم يهاجمون كنيسة أرمنية في المدينة ويطلقون النار نحو المصلين وسط هتاف “الآن يستطيع المسيح أن يثبت أنه نبي أعظم من النبي محمد” وما لبثوا أن أشعلوا النار بالكنيسة”.
ويقول موريس في كتابه الجديد إن مصطفى كمال أتاتورك واصل ارتكاب المجازر هو الآخر مستخدما الإسلام الذي ناهضه من أجل تصفية بقايا المسيحيين في تركيا واستكمال التطهير العرقي فيها ويحّمله مسؤولية قتل مئات آلاف البشر. منوها إلى أن المستندات التركية المرتبطة بأفعال أتاتورك موجودة في أرشيفات عسكرية في أنقرة مغلقة أمام الباحثين لكن موريس يدعي أنه يستند لشهادات دبلوماسيين وحجاج مسيحيين سمعوا أتاتورك يقول على مسامعهم إنه يريد تركيا “نظيفة من المسيحيين” وأنه أمر بارتكاب مذابح أو تهجير.
صحافي صار مؤرخا
يشار إلى أن موريس ابن لعائلة مهاجرين بريطانية الأصل عمل صحافيا في بداية طريقه ورفض الخدمة العسكرية خلال الانتفاضة الأولى ودخل خلف القضبان عدة أسابيع لكنه لم يرفضها خلال الانتفاضة الثانية زاعما أنها بخلاف الأولى لم تهدف لتحرير الفلسطينيين في الضفة وغزة من الاحتلال بل لتدمير إسرائيل من خلال “حرب إرهابية”.
ويوضح أنه انتقل من الصحافة للتأريخ نتيجة ميوله للتاريخ، وأن تغيير رؤيته لأحداث 48 بدأ عندما اكتشف في الأرشيفات الصهيونية وثائق حول عملية تهجير مدينتي اللد والرملة بأوامر عسكرية من اسحق رابين. وعن ذلك يقول: “أدركت أن هذه الوثائق مثيرة وقادرة على قلب عملية التأريخ الصهيوني بشكل أساسي وتغيير الصورة السائدة (أخيار مقابل أشرار) وفهمت أن الطرفين قاما بأمور غير سليمة وغير جميلة”. وهكذا ولد كتابه الأول قبل 30 سنة “ولادة قضية اللاجئين الفلسطينيين” وما لبث أن ظهر مصطلح “المؤرخون الجدد” الذي ابتدعه بنفسه للتعريف بالمؤرخين الإسرائيليين ممن اقترحوا قراءة مغايرة للصراع وتنظر بنظرة مختلفة على 1948 وفيها يتم تناول “صفحات مظلمة” بتاريخ الصهيونية وتستخدم مصطلحات جديدة مثل “مجزرة” و”تهجير”.
من دير ياسين إلى كامب ديفيد
يشار إلى أن موريس أصدر في العالم المنصرم كتابا بعنوان “من دير ياسين إلى كامب ديفيد” وهو عبارة عن مجموعات مقالات شخصية، سياسية وتاريخية كتبها عن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وهي نوع من تلخيص له حول هذا الصراع وفيها أكد أن كثيرا من الفلسطينيين لم يهاجروا بل تم تهجيرهم على يد الجنود الإسرائيليين وتعرض بعضهم للاغتصاب والقتل، مما عرضه لهجمات متتالية من قبل اليمين الإسرائيلي.
لكن موريس ما لبث أن غير رؤيته وحمّل الفلسطينيين مسؤولية تدهور الصراع، ومع ذلك وردا على سؤال حول من يشكك بنزاهته المهنية يقول إنه لم يتحول من مؤرخ إلى سياسي. ويتابع: “التغير الوحيد الذي حصل عندي مرتبط بموضوع واحد فقط: تسوية الدولتين. بعد الانتفاضة الثانية أدركت أن الفلسطينيين لن يوافقوا على التنازل عن مطلبهم الأصلي بالحصول على كل “أرض إسرائيل” وجعلها بملكيتهم وتحت سيادتهم”. ويعتقد موريس أنه لن تكون هناك تسوية للصراع ولن يكون سلام على أساس تقاسم البلاد بالأساس لأن الفلسطينيين متشبثون بإرادتهم بالاستيلاء على كل “أرض إسرائيل” وهزيمة الصهيونية “.
البروفيسور موريس يكرر رؤيته: إبقاء الفلسطينيين في أي البلاد عام 48 غلطة كبيرة
كل فلسطين
ويرفض موريس ما يؤكده مؤرخون إسرائيليون آخرون بأن رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك قد عرض في كامب ديفيد عام 2000 تسوية لا يستطيع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قبولها لأنها تقسم الضفة الغربية إلى كانتونات ويحاول التدليل على رؤيته بالإشارة لكتاب دينيس روس الذي ينفي اتهامات المؤرخين المذكورين.
ويتهم موريس القيادة الفلسطينية برفض عرض إسرائيلي بتسليم 96% من الضفة الغربية علاوة على غزة مع إبقائهما منفصلتين عن بعضهما البعض ويتابع موريس في مزاعمه “القضية هنا أن الفلسطينيين راغبون بـ100% من البلاد وهم يتظاهرون بالمفاوضات وبالرغبة بالتسوية وقد سبق للصهيونية التي سبق وقبلت بتسوية في 1937،1947،1977 و2008 على أساس الدولتين لشعبين. صحيح أن هناك حكومة في إسرائيل اليوم غير مستعدة للتسوية. من يزعم أن رابين لو نجا من الاغتيال لتم إحراز تسوية مع الفلسطينيين. هذا هراء لأن الحركة الوطنية الفلسطينية كانت وما زالت تبحث عن تدمير إسرائيل”.
ويقول موريس لـ”هآرتس” إن فهمه هذا قاده للتقرب من اليمين الصهيوني والانتقال للتشاؤم رغم أنه ما زال يعتقد بأن الحل العادل هو تقاسم البلاد لدولتين وهذا للأسف غير واقعي ولن يتحقق يوما”.
وردا على سؤال حول بقية المؤرخين الإسرائيليين الجدد أمثال إيلان بابه وتوم سيغف، يدعي موريس أنه يفهم أكثر مكامن النفس لدى الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني وأنه محق أكثر منهم. ويضيف: “خذ مثالا على ذلك، توم سيغف يتهم إسرائيل بشن حرب 1967 بدافع الجشع والتوسع بدلا من قول الحقيقة: هذه الشهية بالتوسع ولدت في إسرائيل عقب الحرب لا قبلها”.
علينا التظاهر كطلاب للسلام
ويعتقد أنه لا يوجد بديل في إسرائيل اليوم لبنيامين نتنياهو في رئاسة حكومتها رغم “أنني أعارضه في عدة قضايا كالفساد وتدخل زوجته في السياسة وتعامله غير الديموقراطي مع المواطنين العرب وتوسيع المستوطنات وإدارة الظهر لليهود في الولايات المتحدة والغلو القومي”.
ومع ذلك يقول إن نتنياهو لا يقترح ما يجتذب الفلسطينيين للعودة لمائدة المفاوضات. لكنك تقول بنفسك إنه لا يوجد شريك فلسطيني للمفاوضات فلماذا تنتقد نتنياهو إذن؟ حول هذا السؤال أجاب موريس “حتى لو كانت التسوية الجغرافية مع الفلسطينيين غير واقعية في جيلنا هذا كما في الأجيال السابقة فعليك أن تلعب اللعبة الدبلوماسية حتى عندما تعرف أنها لن تفضي لأي مكان – وذلك من أجل المحافظة على تأييد الغرب. أنت ملزم بالظهور كطالب للسلام حتى لو لتكن كذلك”.
ويتوقع انهيار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزواله من الواجهة وربما قبل انتخابات 2020 وهذا سيدفع بالضرورة لتراجع العلاقات الخاصة بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة وربما زعزعتها نتيجة تماثل نتنياهو المطلق معه ناهيك عن المساس بالعلاقات مع اليهود الأمريكيين”.
بالمقابل يبدي موريس إعجابه بنتنياهو لوقوفه القوي في وجه إيران ومشروعها النووي معتبرا أن أكبر غلطة ارتكبها نتنياهو باستنكافه عن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية عسكريا”.
موريس يبدي إعجابه بنتنياهو لوقوفه القوي في وجه إيران ومشروعها النووي معتبرا أن أكبر غلطة ارتكبها نتنياهو باستنكافه عن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية عسكريا
تطهير البلاد من الفلسطينيين
لو كان بالإمكان إعادة العجلة للخلف ماذا كنت تعدل كوزير للتاريخ؟ عن هذا السؤال يقول موريس مجددا إنه كان يجعل الدولة اليهودية نظيفة من الفلسطينيين ضمن فصل تام بين اليهود وبين الفلسطينيين – عرب البلاد شرقي نهر الأردن واليهود غربها وعندئذ سيكون الشرق الأوسط أقل خطورة وانفجارا ومعاناة الشعبين ستكون أقل في العقود السبعة الأخيرة وعندها سيكون الفلسطينيون راضين مع دولة خاصة بهم رغم أن هذا ليس كل ما أرادوه ونحن كنا نحصل على كل أرض إسرائيل”.
وهذا يعني أنك كنت تقترح تطهيرا عرقيا لكل الفلسطينيين في البلاد؟
يجيب: “لا أستطيع أن أدخل لنفسية القيادات وقتها لمعرفة تفكيرهم. دافيد بن غوريون رغب بأقل عدد ممكن من الفلسطينيين في نطاق الدولة اليهودية واهتم بالتلميح لضباطه حول إرادته هذه لكنه كان يعلم أن إصدار تعليمات بالطرد عند تأسيس الدولة ليس أمرا صحيحا ولذا فقد تحرك بين الطرفين. في اللد والرملة صادق على التهجير وفي الناصرة منعه وهكذا بقي في نهاية الحرب 160 ألف عربي في إسرائيل”.
وهل تبدي أسفا على ذلك؟
“هناك من يؤسفه ذلك ولكن أقلية عربية كبيرة داخل دولة يهودية، تتماثل مع الرواية والرغبة الفلسطينية بالتخلص من إسرائيل كما يفعل بعض منتخبي الجمهور فيها فهذه مشكلة. يحظى العرب في إسرائيل بامتيازات أكثر من العرب في الدول العربية لكنهم ينجرون فوريا للدعاية المعادية للصهيونية التي قادها ياسر عرفات بالأمس وحماس اليوم وقد شاهدنا هبة القدس والأقصى في 2000 كيف ألقوا الحجارة وأغلقوا الشوارع ونشكر الله أنها لم تتحول لحالة عصيان وتمرد ولذا فليفعل كل منا حساباته حول صحة أو عدم صحة ما جرى عام 1948 واعتقد شخصيا أن مصلحة الطرفين كانت تقتضي الفصل وقتها واليوم ينبغي تشجيع دمج العرب في المجتمع الإسرائيلي وتشجيع ولائهم لإسرائيل، وهم بأنفسهم لا ينتقدون أقوالها وأفعالها بل ينتقدون اليهود دون نقد ذاتي”.
وردا على سؤال حول انشغاله بمجازر العثمانيين متجاهلا ما حدث في فلسطين، يكرر موريس مزاعم سابقة عقب تغيير رؤيته بالقول إن ما جرى في 1948 هو جرائم قليلة جدا هنا وهناك وفي نطاق حرب بين حركتين وطنيتين مما تسبب بقتل عدد منهم زاعما أن هذا ليس إبادة شعب ولا بد من توخي الدقة وحرب 48 بالمجمل كانت نظيفة ولم يقتل فيها سوى 800 مدني أو أسير وهي حرب بادروا هم لها وارتكبوا مذابح بحق اليهود فيها”.
تفاقم العنف
كما يقلل من خطورة المد القومي العنصري في إسرائيل لكنه يبدي تحفظه من تدينها وبنفس الوقت لا يبدي أسفا على مقابلة أجرتها “هآرتس” معه في 2003 وفيها برر التطهير العرقي لأنه أخف من إبادة شعب كما دعا فيه لوضع الفلسطينيين داخل قفص بسبب وجود متوحشين لديهم ويتابع: “كنت أعدل وأخفف بعض المصطلحات لكنني احتفظ بذات المضمون”.
وحول مستقبل إسرائيل كدولة يهودية يعرب موريس عن توقعات متشائمة ويشير للميزان الديموغرافي ويقول إن البلاد تتجه لتكون دولة واحدة مع أغلبية عربية ويضيف: “تدعو ذاتها دولة يهودية لكن الحالة القائمة التي نسيطر على شعب محتل دون حقوق لا يمكن أن تدوم في القرن الـ21 وفي اللحظة التي سيصبح لديهم حقوق لن تبقى إسرائيل دولة يهودية وهي ستغطس وتغرب شمسها كدولة شرق أوسطية مع أغلبية عربية. العنف بين الفئات السكانية سيزداد تباعا وسيطالب العرب بعودة اللاجئين ويبقى اليهود أقلية صغيرة وسط بحر فلسطيني تلاحق أو تتعرض للذبح كما كان عندما عاشوا في دول عربية. من يستطيع الهرب من اليهود للغرب سيفعل”.
متى سيتم ذلك حسب تقديرك ؟
” ينظر الفلسطينيون على كل شيء برؤية شاملة وطويلة الأمد تاريخية وهم يرون الآن سبعة ملايين يهودي محاطين بمئات ملايين العرب فلا يجدون سببا للتنازل لأن هذه حالة لن تطول وهم ملزمون بالانتصار. بعد 30 أو 50 عاما سيتغلبون علينا بكل الأحوال”.