سبب نزول آية إن شانئك هو الأبتر
: أ.د. راغب السرجاني
ملخص المقال
سبب نزول آية {إن شانئك هو الأبتر} ردا على شماتة كفار قريش بوفاة القاسم ابن رسول الله صل الله عليه وسلم, فمن هو ذلك الأبتر؟ سبب نزول آية إن شانئك هو الأبتر
أهم مقتطفات المقال
سبب نزول آية إن شانئك هو الأبتر لقد كان من ذلك أن بعضهم سَخِر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات ابنه القاسم، وأعلن سعادته لمصابه؛ وذلك طمعًا في أن لا لن يكون له ذِكْرٌ بعد انقضاء حياته؛ بل أُطلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم \"الأبتر\"، أي المقطوع الذي ليس له عقب، فأنزل الله عز وجل تسلية لرسول الله صل الله عليه وسلم قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]
من علامات غياب المروءة عند الكفار وانعدام المستوى الأخلاقي لديهم، أنهم كانوا يتحيَّنون الفرص للشماتة في المسلمين إذا أصابهم مكروه، أو تعرَّضُوا لأزمة، مع أنَّ كرام النفوس يقفون إلى جوار المكروبين بشكل عامٍّ في أزماتهم ومصائبهم ..
سبب نزول آية إن شانئك هو الأبتر
ولقد كان من ذلك أن بعضهم سَخِر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات ابنه القاسم، وأعلن سعادته لمصابه؛ وذلك طمعًا في أن لا لن يكون له ذِكْرٌ بعد انقضاء حياته؛ بل أُطلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم "الأبتر"، أي المقطوع الذي ليس له عقب، فأنزل الله عز وجل تسلية لرسول الله صل الله عليه وسلم قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] [1].
وتعدَّدت الروايات التي تُحَدِّد اسم هذا الرجل المتعدِّي على رسول الله صل الله عليه وسلم [2].
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة: نزلت في العاص بن وائل. إذا ذكر رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: دعوه، فإنه رجل أبتر، لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذِكْرُهُ. فأنزل الله تعالى هذه السورة؛ أي سورة الكوثر. وقال شمر بن عطية: نزلت في عقبة بن أبي معيط. وقال ابن عباس وعكرمة: نزلت في كعب بن الأشرف، وجماعة من كفار قريش [3].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَمَّا قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ، قَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: أَنْتَ خَيْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسَيِّدُهُمْ. قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا الصَّنْبَرِ [4] الْمُنْبَتِرِ مِنْ قَوْمِهِ، يَزْعُمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنَّا، وَنَحْنُ أَهْلُ الْحَجِيجِ، وَأَهْلُ السِّدَانَةِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ. فنزلت: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] [5].
وعن عطاء قال: نزلت في أبي لهب؛ وذلك حين مات ابن لرسول الله صل الله عليه وسلم، فذهب أبو لهب إلى المشركين، فقال: بُتِرَ محمد الليلة. فأنزل الله في ذلك: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] [6]. وعن ابن عباس: نزلت في أبي جهل [7].
ولا يمنع أن كل هؤلاء كانوا يَصِفون رسول الله صل الله عليه وسلم بهذا الوصف، وأن الآية نزلت في جميع القائلين بذلك.
وهناك اختلاف بين العلماء في توقيت نزول سورة الكوثر، وهل هي مكية أم مدنية [8]، والذي أراه أن سورة الكوثر نزلت في المدينة؛ حيث قال أنس رضي الله عنه: "بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ". فَقَرَأَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: 1 - 3]" [9].
وهذا يحتمل في رأيي أمورًا؛ منها: أن تكون آية {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} نزلت بمكة، ثم نزلت بقية السورة في المدينة، ومنها: أن ألم هذه الكلمة ظلَّ عالقًا في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّ هذه المدَّة، فأراد الله أن يُسَرِّي عنه بهذه السورة، ومنها: أن تكون الأحزان قد تجدَّدت في قلب رسول الله صل الله عليه وسلم بعد وفاة ابنه إبراهيم رضي الله عنه، فتذكَّر ما كان يقوله الكفار في مكة، ومنها أمور أخرى، والله أعلم.