“إسرائيل”
جاء في التوراة* (سفر التكوين 28:32) أن “الله ظهر ليعقوب* وقال له: لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب، بل يكون اسمك إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت”.
وكلمة “إسرائيل” من أصل كنعاني مؤلفة من “إسر” و”أيل”، ومعناها: عبد أو جندي الإله “أيل”.
بالاستناد إلى رواية التوراة أطلق اليهود من ذرية يعقوب على أنفسهم اسم “بني إسرائيل” لأول مرة في الشواهد التاريخية على المسلة التي نصبها فرعون مصر “مرنبتاح” بعد غارته على فلسطين حوالي سنة 1225 ق.م. إذ يقول: “لقد نسفت عسقلان واكتسحت جزر ودمرت إسرائيل واقتلعت جذورها فأصبحت فلسطين أرملة لمصر”.
إن “إسرائيل” هنا قد تعني مدينة أو قبيلة. ولا سبيل إلى الربط مباشرة بين هذه الكلمة وبين يعقوب وذريته الذين هاجروا من حران وتنقلوا بين فلسطين ومصر قبل خمسة قرون على أقل تقدير من عهد مرنبتاح.
وقد أطلق اسم “إسرائيل” أيضاً في التوراة على المملكة التي قامت في فلسطين وحكمها شاؤل وداود وسليمان من حوالي سنة 1020 ق.م. حتى 922 ق.م. ثم خص هذا الاسم بعد انقسام المملكة بالجزء الشمالي الذي شمل عشرة أسباط، وكانت عاصمته السامرة. وقد قضى الأشوريون على هذه المملكة في سنة 722 ق.م. ونقلوا سكانها إلى نواحي حران والخابور وكردستان وفارس، وأحلوا مكانهم جماعات من الآراميين*، فلم يبق بعد ذلك أثر للأسباط العشرة من “بني إسرائيل”.
أما القسم الجنوبي الذي ضم سبطي يهوذا وبنيامين، والذي كانت عاصمته “أورشليم” فقد عرف باسم “مملكة يهوذا” التي ظلت تتأرجح بين رحمة المصريين والأشوريين حتى اكتسحها الملك الكلداني نبوخذ نصر (بختنصر) في سنة 586 ق.م. فدمر مدينة أورشليم، وحرق الهيكل، واستولى على خزائن الملك، وسبى السكان وساقهم إلى الأسر في بابل (رَ: السبي البابلي). ولما أعاد الملك الفارسي قورش هؤلاء الأسرى إلى بلادهم في سنة 539 ق.م.، وسمح لهم بإعادة بناء الهيكل، عرفوا منذ ذلك الوقت باسم “اليهود”، فشاع هذا الاسم عوضاً عن “إسرائيل”.
عاش اليهود في العصور التالية تحت حكم الفرس، ثم البطالمة*، والسلوقيين*، والرومان، وقاموا بعدة ثورات محاولين الاستقلال، ولكنهم فشلوا، واضطر القائد الروماني تيتوس في سنة 70م إلى تدمير “أورشليم” وحرق الهيكل وإزالته من الوجود، كما قتل عدداً كبيراً من اليهود وحكم على الباقين بالعبودية. وكانت آخر ثورة قام بها اليهود على الرومان تلك التي قادها سمعان باركوخبا الذي ادعى أنه المسيح. وقد استمرت الثورة ثلاث سنوات (132 – 135م) حتى استطاع الامبراطور هادريان إخمادها، وحوّل مدينة أورشليم إلى مستعمرة رومانية سماها “إيليا كابتولينا” وحرم على اليهود دخولها. وبذلك قضي نهائياً على الكيان اليهودي.
وقد عاش اليهود منذ ذلك العهد طائفة دينية لها حرية العبادة. ولكنها كانت تتعرض للاضطهاد بسبب تعصبها، وتطرفها العنصري، ومعارضتها لتقاليد البلاد التي تسكنها، ومخالفتها لسياسة الحكومات ومصالحها الوطنية. وكانت التسمية الشائعة للطائفة هي “اليهودية” أو “الموسوية” ، كما كان يطلق على أفرادها اسم “الإسرائيليين” و”العبرانيين” أيضاً. وإذا كانت كلمات يهودي (أو موسوي) وإسرائيلي وعبراني أصبحت تفيد المعنى نفسه فإنه ظهر في القرون الأخيرة اتجاه إلى تخصيص اصطلاح “اليهودية” بالناحية الدينية، و”العبرانية” بالناحية اللغوية”، و”الإسرائيلية” بالناحية السياسية – القومية. وتبعاً لذلك فإن الكيان الصهيوني الذي اختلقته المؤامرات الاستعمارية في فلسطين قد أطلق عليه اسم (دولة إسرائيل).