قبل أن يقضي علينا.. ما بدائل البلاستيك الصالحة للاستخدام اليومي؟
قبل أن يقضي علينا.. ما بدائل البلاستيك الصالحة للاستخدام اليومي؟
بينما أنت مُنهمك في متابعة الفيلم الوثائقي "محيط بلاستيكي" (A Plastic Ocean) وبعد انقضاء 16 دقيقة من زمن العرض؛ ستُفاجئك الشاشة بظهور عدّاد يتوسع من منتصفها حتى أطرافها ويقول لك: "مُنذ بداية مُشاهدتك لهذا الفيلم -أي خلال 16 دقيقة-؛ تم إنتاج 19,068,000 رطل من البلاستيك على نطاق عالمي". هذا الاحتلال البلاستيكي الذي يُهدد كوكبنا يتمدد أكثر من كونه تلوثا بيئيا يؤثر على المحيطات والكائنات البحرية. فبمجرد أن تلتفت لكل الجهات من حولك وفي مكانك، ستجد قطعة بلاستيكية، حتى في قاع المحيط! فأينما أشحت بنظرك فسيلتقطك مُنتج بلاستيكي. البلاستيك رائع لكونه مُعمّرا، وسيئ بالمقدار نفسه لأنه معمر أيضا.
بشكل عام، المنتجات البلاستيكية هي منتجات مفضلة للأغلبية، بسبب سهولة تخزينها وتنقلها، وتكلفتها البسيطة جدا، ولأنها من المنتجات ذات الاستخدام الواحد والتي يمكنك رميها في سلة المهملات بكل سهولة! كل قطعة بلاستيك -تقريبا- صُنعت على الكوكب ما زالت موجودة بصورة أو بأخرى، وبعض هذه المنتجات تتطلب أكثر من 450 سنة حتى تتحلل! هذا المنتج البسيط ظاهريا يحتوي على مواد تمنحه هذه القوة المُعمرة، والتي بعدم تحللها تُشكل نفايات في التربة التي يُزرع بها طعامنا ويدخل سلسلة غذائنا. فهل فكّرت يوما بأن تلك المواد المُعمّرة قد تكون خطرا يُهدد حياتك باستخدامك اليومي لها؟
البلاستيك خطر يداهمنا من كل الجهات
الحقيقة أنه بفصل المكونات الأساسية الكيميائية بعضها عن بعض التي تُكوّن البلاستيك ستنجلي قائمة من الأضرار التي لا حصر لها، وبغض الطرف عن الخطر الذي يصل إلى معدتنا بتناول -على سبيل المثال- التونة، التي عاشت في المحيط الملوث، وتلوثت، ووصلتنا؛ فأكلناها ملوثة، أو بعض المحاصيل الزراعية التي نمت على تربة مُلوثة بالنفايات البلاستيكية، فإن استهلاكنا للبلاستيك في استخداماتنا اليومية كفيل بإلحاق الضرر الأكبر بنا. يتكوّن البلاستيك من عدة مركبات كيميائية اصطناعية وشبه اصطناعية من أهمها "الفثاليتات" المادة التي باستطاعتها أن تتسلل للماء والهواء وحتى البشر ويشمل ذلك الجنين في بطن أمه! تدخل هذه المادة في جزء كبير من الصناعات، ابتداء من عضاضة الأطفال التي تُستخدم لتخفيف آلام الأسنان؛ ووصولا للمركبات الفضائية.
من أهم الأضرار الصحية التي يُسببها الاستهلاك اليومي للمنتجات البلاستيكية: - اضطراب هرمونات الخصوبة: الهرمونات هي العنصر الأكثر أهمية في موضوع الخصوبة للرجال والنساء على حد سواء. يُعد البلاستيك من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى اضطراب الهرمونات، التي بدورها يُمكن أن تؤدي إلى مشاكل العُقم والإنجاب. [1] - زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي: بالرغم من تأكيد الشركات المُصنعة على أن البلاستيك مادة آمنة، فإن البحوث أثبتت أن بعض المواد الكيميائية التي تدخل في تصنيع البلاستيك ترتبط بالإصابة بالسرطان؛ خصوصا سرطان الثدي. وتُنصح السيدات اللواتي يُلاحظن أي عامل وراثي للإصابة بسرطان الثدي أن يبتعدن عن الاستخدام اليومي للمنتجات البلاستيكية. [2] [3]
- خمول الغدة الدرقية: إلى جانب اضطرابات هرمونات الخصوبة، فالبلاستيك يؤثر أيضا على وظيفة الغدة الدرقية المسؤولية عن عمل الكثير من الهرمونات في الجسم، وقد أثبتت الدراسات أن التعرض المكرر للمنتجات البلاستيكية هو سبب اضطراب وظيفة الغدة الدرقية التي تؤدي إلى: مشاكل في الإنجاب، الجهاز الهضمي، الأوعية الدموية، صحة القلب. [4] [5] [6]
- زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري: في حين أن النظام الغذائي هو أساس صحة القلب، فإن التعرض للمواد البلاستيكية بشكل مستمر يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ليس هذا فحسب، بل أُثبت أيضا أن السموم التي تدخل في بعض أنواع البلاستيك تزيد من احتمالية الإصابة بمرض السكري ومقاومة الجسم للأنسولين. [7] [8] [9]
- التراكم السُميّ: وُجدت بعض السموم البلاستيكية والمواد الأخرى في الدم والبول، وبالتالي يُمكن تعميم الأمر على كامل الجسم. تراكم هذه السموم في الجسم على مدار سنوات من استخدام المواد البلاستيكية من شأنه أن يعطل العديد من أجهزة الجسم؛ أهمها الكبد جهاز تصفية الدم، والكلى جهاز تصفية البول. [10]
- زيادة الوزن وتخزين الأنسجة الدهنية: السمنة، وباء العقود الأخيرة، التعرض المستمر للمواد البلاستيكية يرتبط بزيادة وزن الجسم. طبيعة الأستروجين الموجود في المواد البلاستيكية تؤثر بشكل مباشر على معدل تخزين الجسم للدهون، وبما في ذلك السموم أيضا! [11]
لا يوجد أعذار.. دائما هناك بدائل أكثر صحية
أن يُطلب منك أن تعيش حياة خالية من البلاستيك قد يبدو للوهلة الأولى أمرا صعبا، فكل ما يحيط بنا بلاستيكي بامتياز. أطباق وجبات العمل، أو زجاجة المياه التي نحملها بينما نمارس التمارين الرياضية، الكرة الصغيرة التي يدحرجها أطفالنا هنا وهناك، أكياس التخزين وورق التغليف، وعدد لا متناهٍ من البلاستيك الذي يحاصر يومنا. إلا أن هناك بدائل لكل بلاستيكي يُستخدم يوميا، والتي تشمل بشكل عام الاعتماد على المنتجات المصنوعة من الخزف، الستانلس ستيل، أو الزجاج. تقع مسؤولية الأمر في نهاية المطاف على المستهلك عن طريق اجتنابه لكل ما هو مصنوع من البلاستيك، هنا بعض النصائح لاختيار بدائل أكثر صحية:
- تقليل استخدام الأكياس البلاستيكية: يمكنك دوما استبدال الكيس البلاستيكي بآخر قماشي تحمله معك عند تبضعك، من غير المنطقي استخدام الكيس البلاستيكي لعدة دقائق ومن ثم رميه ليتحلل بعد مئات السنين في التربة التي تأكل من الثمار التي تنمو بها أو تستقر في بطن كائن بحري سيُوضع في طبقك! وإن كان من الصعب اقتناء كيس قماشي يتنقل معك، فيُمكنك على الأقل إعادة استخدام الأكياس البلاستيكية مرة بعد مرة عند تبضعك. [12]
- استخدم الكوب الخاص بك: في سباق يومنا بين العمل والالتزامات الأخرى لا بد من أننا ننعم ببعض الاستراحات لشرب الشاي أو القهوة، من الخطر جدا اعتماد الأكواب البلاستيكية في شرب المشروبات الحارة. يمكنك استخدام الأكواب المعزولة، أو الأكواب الورقية، أو من خلال تخصيص كوب زجاجي خاص بمكان العمل. [13]
- حافظات الطعام المتنقلة، وحافظات طعام المنزل: إن خطر انتقال السموم من البلاستيك إلى الطعام يتضاعف بحفظ الطعام به لفترة طويلة، يمكننا استبدال حافظات الطعام التي ترافقنا لمكان العمل، للمدرسة، وللرحلات، بحافظات من الستانلس ستيل. أما بالنسبة للمنزل، فمعظمنا يحتفظ بما يتبقى من طعام الغداء أو العشاء لتخزينه؛ من المهم التذكر أن تعريض الطعام للبلاستيك بشكل مباشر هو بمنزلة تهيئة لانتقال السموم من البلاستيك إلى الطعام بغض النظر عن درجة الحرارة، لذلك يُفضل تخزين الطعام بحافظات زجاجية. [14]
- استبدال سائل الصابون بقطع الصابون: التحدي الأكبر في مقاومة البلاستيك يكمن في المنظفات ومنتجات العناية بالجسم والبشرة. أغلب منتجات التنظيف تُعبّأ بحافظات بلاستيكية، ولكن هنالك بعض المنتجات التي يُمكن أن تجدها بحافظات زجاجية. يمكنك استبدال سائل الصابون المُعبأ بالعُلب البلاستيكية بقطع الصابون التقليدية؛ وبهذا تُقلل من المواد التي تُعرضها لجسمك والتي تحفظ لمدة طويلة بشكل مباشر مع البلاستيك. [15]
- ألعاب الأطفال وزجاجات الحليب: قد يبدو من الصعب تجنب البلاستيك بما يخص ألعاب الأطفال أو المنتجات التي تتعلق بالأطفال بشكل عام، ولكن هناك بدائل خشبية لأغلب الألعاب التعليمية، وهنالك أيضا دمى القماش بدلا من دمى البلاستيك. وزجاجات الحليب، الأكثر شعبية هي زجاجة الحليب البلاستيكية، بسبب وزنها الخفيف. ولكن تعريض الرضيع للبلاستيك بشكل مفرط هو أمر بالغ الخطورة. ينصح الخبراء باستبدال الزجاجة البلاستيكية بزجاجة الحليب الزجاجية.
الكثير من الحملات التوعوية تُقام مُنذ سنوات للتقليل من استخدام البلاستيك بشكل يومي، بعض البلدان افتتحت أقساما في متاجرها خالية تماما من البلاستيك مثل بريطانيا. في عام 2012 عُثر على حوت العنبر ميتا في شواطئ إسبانيا، وبعد التشريح وُجد بداخل معدته 18 كيلوغراما من البلاستيك تتنوع بين حافظات معجون الأسنان، بعض الحبال، وزجاجات مياه فارغة. وعُثر -أيضا- في أحد شواطئ إندونيسيا على حوت العنبر ميتا، وُجد في معدته 115 كوبا بلاستيكيا، حذاء بلاستيكيا، أغطية أكواب القهوة، وما يُقارب 1000 كيس بلاستيكي. [16]
أن ترمي البلاستيك بعد استخدامك ظانا أنك تخلصت منه، وأنك رميته بعيدا عنك، هو ظن خاطئ! لا يوجد "بعيد" في كل ما يتعلق بالبلاستيك. البلاستيك لا ينتهي؛ يتحلل لجزيئات أصغر وأصغر ليجد مكانه مرة أخرى في فرشاة أسنانك أو كوبك. وأحيانا يستقر في بطن الحوت، في معدة التونة، في المياه والهواء. سيجد طريقه ليتسلل إليك. الحل ليس أن ترميه بعيدا عنك، فالبعيد عنك هو قريب من أحدهم، والبعيد عن أحدهم هو قريب منك. الحل أن تُبادر بالحفاظ على صحتك وأن تحد من استهلاكك المباشر واليومي للبلاستيك واستبداله بكل ما هو آمن لصحتك.