منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  الأزمة الأخيرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  الأزمة الأخيرة Empty
مُساهمةموضوع: الأزمة الأخيرة     الأزمة الأخيرة Emptyالجمعة 22 مارس 2019, 7:04 pm

  الأزمة الأخيرة Page-5-main-pic-copy




الأزمة الأخيرة

بعد عامين من الكتابة تقريباً، وأشهر من الجولات على دور النشر، وجد كتابنا الأوّل طريقه إلى النشر عبر “الدار العربية للعلوم – ناشرون“، وهو بعنوان “الأزمة الأخيرة: معضلة الطاقة والسقوط البطيء للحضارة الصناعية”، وهو في الأساس كان رسالتنا لنيل الماستر في العلوم السياسيّة في الجامعة اللبنانية.

سيكون هناك حفل توقيع في بيروت قريباً في موعد يتم تحديده لاحقاً. سيكون من الجميل أن أراكم هناك، جميع الأصدقاء الأعزّاء والقرّاء الذي شاركوني هذه الصفحات المتواضعة هنا وساعدوا من دون أن يدروا في عمليّة الكتابة، سأكون على الأرجح جالساً في زاويتي المفضّلة في المقهى خلف ركوة القهوة أو صحون الحمّص أشتم الوضع السياسي وزحمة السير بلهجة زحلاوية فيما احتار أكثر في عمليّة انتقاء عبارات “قاتلة” لكتابتها خلال تواقيع الكتب

الأزمة الأخيرة: المستقبل قد لا يكون كما نتخيّله

بانتظار استلامنا كتاب “الأزمة الأخيرة” خلال الأسبوع المقبل، وهو مؤلفنا الأول الذي يرى طريقه للنشر الورقي، أحببت ان أشارك مع القرّاء لمحة عن موضوع الكتاب نقلا عن موقعه:

(الكتاب سيتوافر قريباً في المكتبات، ويمكن طلب نسخة ورقية عبر النيل والفرات من هناأو عبر موقعسوق العرب من هنا)


عن الكتاب:

هل تنتظرنا العصور المظلمة عند المنعطف التالي؟

في الوقت الذي تُقرأ فيه هذه السطور يستمرّ العالم غافلاً عن أسوأ أزمة صامتة عرفتها الحضارة المعاصرة، أزمة ماكرة لا يزيد خطورتها سوى أننا قد لا ندرك آثارها وضرورة مواجهتها إلا بعد فوات الأوان. إنها أزمة الطاقة التي يُطلق عليها البعض لقب “الأزمة الأخيرة”. واللقب لا يهدف للإشارة إلى أن الأرض ستتحوّل من بعدها إلى جنّة خالية من المشاكل بل لأن الحضارة التي نعرفها اليوم قد تنتهي على وقعها.

هذه ليست تنبؤات فلكية أو فيلم هوليوودي عن “النهاية” بل هي معالجة دقيقة وشجاعة للمعطيات العلميّة حول الطاقة وخلاصة أبحاث وإحصاءات رسمية ووقائع اقتصادية وجيولوجية معروفة، تتزامن اليوم بشكل غير مسبوق لتخلق أسوأ أزمة عرفها العالم منذ الثورة الصناعية.

رغم الأزمة “التحذيريّة” في العام 2008 التي تضاعف خلالها سعر النفط عشر مرّات خلال أشهر معدودة وما تبع ذلك من انهيار اقتصادي شامل في أنحاء مختلفة من العالم، بقيت هذه الأزمة أبرز غائب على الإطلاق عن الإعلام والنقاش العام. نتيجة ذلك تستمرّ الأعمال كالمعتاد بالنسبة لمعظم سكّان الكوكب الذي تُركوا من دون أي معطيات حول ما يحدث على أرض الواقع، من دون أي دليل حول حقيقة الأزمة وارتباطها بأسوأ انهيار مالي – اقتصادي في عصر العولمة، ومن دون أي معرفة حول تأثيرها المستقبلي على حياتهم أو حول ما يجب عليهم وعلى حكوماتهم فعله لمواجهتها. يبدو أن العالم يمشي نائماً إلى هاوية سحيقة من دون أن يُترك لسكّانه إشارة تحذير على الأقلّ. هذا ما تنوي هذه الدراسة القيام به.


على متن هذا الكتاب ستتعرّف على:

• الأزمة الخفيّة للطاقة التي تقف خلف العديد من التحوّلات والأزمات العالمية وأسبابها الحقيقية بعيداً عن إعلام الشركات الدولية وتطمينات الحكومات المحليّة.

• لماذا لا يمكن للنفط أن يستمرّ كمصدر للطاقة لأكثر من عقود معدودة.

• لماذا لا يمكن لأي نوع من أنواع الطاقة البديلة أن يحلّ مكان النفط.

• كيف يؤدّي ذلك إلى الانهيار البطيء للحضارة الصناعية وقلب العالم الذي نعرفه رأساً على عقب بدءاً من انهيار الزراعة الحديثة وأزمة الغذاء مروراً بتداعي أنظمة النقل، البنوك والنظم المعلوماتية، تراجع الطبّ الحديث والتصنيع والتجارة…ألخ.

• كيف سيؤثر ذلك على لبنان وكيف ستبدو الحياة فيه في ظلّ الأزمة.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 22 مارس 2019, 11:37 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  الأزمة الأخيرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأزمة الأخيرة     الأزمة الأخيرة Emptyالجمعة 22 مارس 2019, 10:55 pm

يوميات الأزمة الأخيرة: الخبر السيء والخبر الجيّد

  الأزمة الأخيرة Backdrop-altenergy


مضى أكثر من عام بقليل على نشر كتابنا الأوّل “الأزمة الأخيرة” الذي يتحدّث عن الانهيار البطيء والصامت لحضارتنا الصناعية نتيجة أزمة الطاقة، وعن كيف أن الطاقة البديلة، التي تشكّل مصدراً للكثير من الحماس في الوقت الحالي، لا تستطيع تأمين استمرارية هذه الحضارة لأسباب جيولوجية وفيزيائية عديدة.
إشكاليّة الأزمة الأخيرة شرحتها في أكثر من مقال سابقاً، لذلك أريد أن أتحدّث اليوم عن جانب آخر من المسألة: عن المهمّة الأصعب التي واجهتني حتى الآن في تقديم الكتاب والإجابة عن الأسئلة المتعلقة به. الجزء الأصعب لم يكن شرح الأرقام المنهكة والعمليات التقنية المعقّدة والوقائع الجيولوجية والفيزيائية التي لا تنتهي والتي قادتني إلى استنتاج الخلاصة المذكورة، لأن الغالبية الساحقة من الناس التي تتمتّع بحدّ أدنى من المنطق قادرة على الوصول لنفس الاستنتاجات حين تدرس المادّة التي يقدّمها الكتاب.
المهمة الأصعب في الواقع كانت ولا تزال هي إخبار الناس الخبر السيء: أن الحضارة التي نعرفها هي في حالة انحدار وانهيار وأن المستقبل القادم لن يكون “أسرع، أكبر وأكثر تطوراً” بل العكس تماماً. المستقبل سيكون أكثر شبهاً بالماضي، لا بالمستقبل الذي تصوّره لنا الأفلام والشركات والحكومات. الحديث عن نهاية الحضارة يلامس الخيال العلمي وأفلام هولييود، وغالباً ما يستقبله المستمعون على أنه كذلك. نادراً ما يتعامل أحد مع هذا الخبر على أنه تحليل علمي رصين. البعض لا يزال يعتقد أنه بعد عدّة سنوات من الآن سنكون نسبح في بحر من التقدّم التكنولوجي والوفرة والازدهار. الكمبيوترات ستكون أسرع، السيارات ستكون أفضل، كل شيء سيكون أكثر تقدماً. والبعض يذهب حتى إلى الإيمان بحتمية خروج الإنسان إلى الفضاء البعيد لاستكشاف كواكب أخرى وربّما العيش عليها.
وحتى في صفوف القلّة التي تؤمن بخطورة أزمة الطاقة، الغالبية تعتقد أن التكنولوجيا ستأتي لإنقاذنا في الوقت المناسب وأن الابداع البشري سيحلّ المشكلة وستستمرّ الحضارة بالتقدّم والتقدّم والتقدّم إلى ما لا نهاية. مجتمعنا في الواقع، يؤمن بالتكنولوجيا بنفس الطريقة التي يؤمن بها بالمجيء الثاني للمسيح أو بظهور المهدي.
لكن ما يعجز عن إدراكه كل هؤلاء الناس، وهم الغالبية الساحقة، أن انهيار الحضارات ليس أمراً استثنائياً في التاريخ، وأن كل حضارة تتجاوز قدرة البيئة الطبيعية على إعالتها تنهار وتسقط. وهذه هي حالة حضارتنا اليوم. ما يعجز هؤلاء الناس عن إدراكه أيضاً هو أنه لا يوجد حضارة في التاريخ أدركت أنها على شفير الانهيار؛ كان هنالك دائماً قلّة قليلة تحذّر من الآتي من دون أن يصغي لها أحد (تماماً كما يحصل الآن).
المشكلة الأساسية التي لم يستوعبها بعد اللذين يؤمنون بالاستمرار اللانهائي للحضارة الحالية، هي أن حضارتنا ليست نتيجة تقدّم حتمي وطبيعي، بل هي نتيجة صدفة جيولوجية استثنائية: لقد اكتشفنا فجأة، في القرن الثامن عشر، أننا نجلس على خزّان من الوقود، ثم بدأنا باستخراج الوقود واستخدامه لبناء الحضارة التي نعيش في ظلّها اليوم. النفط اليوم يغذّي الزراعة والصناعة والتجارة والبناء وضخّ المياه وصناعة الأدوية وتجهيز المستشفيات والمدارس والبيوت والبنوك وأنظمة المعلومات وكل شيء آخر. ليست مفاجأة إذاً أن يبدأ كل شيء بالانهيار حين يصبح النفط في أزمة.
لكن المشكلة الحقيقية ليست الذروة النفطية، بل هي أنه لا يوجد أي بديل عن النفط، لا في الطاقة الهوائية ولا الشمسية ولا الجوفية ولا المائية ولا الهيدروجين ولا الإيثانول. معظم الكلام عن الطاقة البديلة الذي نقرأه في الصحف هو هراء. في أفضل الأحوال، يمكن للطاقة البديلة أن تساهم بـ 50 في المئة من الاستهلاك البشري، مع أن هذه الإمكانية أيضاً تصبح أكثر صعوبة يوماً بعد يوم (كان يجب أن نبدأ بالتحوّل الشامل منذ 20 عام على الأقل).
والتكنولوجيا لن تنقذنا. لا اليوم ولا غداً، لأن التكنولوجيا ليست مصدراً للطاقة بل مستهلك له. أي حلّ يرتكز على التكنولوجيا لا يستحقّ أن نعيره أي اعتبار. فضلاً عن أن مشكلتنا ليست في نقص التكنولوجيا بل في نقص مصادر الطاقة. بعض الحلول “التكنولوجية” التي ينادي بها البعض أغبى من أن تمرّ على طفل في الصفوف المدرسية الأولى؛ لكنها للأسف تجد شعبية كبيرة بين الناضجين في مجتمعنا. “السيارات الكهربائية” هي واحدة من هذه الحلول. وإن كنت، عزيزي أو عزيزتي القارىء(ة)، من المؤمنين سابقاً بهذا الطرح، اسأل نفسك من أين يفترض، بحق الآلهة، أن نأتي بالكميّات الضخمة الإضافية من الكهرباء لتغذّية السيارات؟ من المعامل الكهربائية التي تعمل على النفط. يجب أن نعرف أيضاً أن السيارة الكهربائية تستخدم طاقة خلال عملية تصنيعها أكثر بخمس مرّات مما توفّره من طاقة خلال حياتها كلها. ويجب أن نعرف أيضاً أن البنية التحتية التي يتطلبها تشغيل السيارات الكهربائية تستدعي صرف بلايين براميل النفط وبلايين الدولارات لبنائها. يجب أن نعرف الكثير من الأمور لنفهم أزمة الطاقة والهاوية التي تتسارع حضارتنا إليها، لكن الإعلام يحرص على أن نبقى في الظلام.
لكن كل هذه الحقائق قد لا تنفع. فالإنسان المعاصر على ما يبدو، غارق في ديانة “النمو والتقدّم” حتى إذنيه لدرجة أنه غير قادر على رؤية الحقائق. الجميع يريد أن يؤمن، بعمق، أن الحياة ستستمرّ كما هي، أن الأعمال ستكمل كالمعتاد، وأن كل شيء سيكون أفضل وأكثر تطوراً. لكن ذلك لن يحصل.
السؤال الذي غالباً ما أسمعه حين اتحدّث عن أطروحة الكتاب هو “هل يوجد هناك حل؟”. ويكون جوابي على شكل سؤال أيضاً: “هذا يرتبط بتعريفكم لماهيّة الحلّ”. إن كنتم تعتقدون أنه هنالك حلّ قادر على الحفاظ على الحضارة الحالية من الانحدار، فكلا لا يوجد حلّ. لكن إن كان مقصدنا من الحلّ هو استمرار الحياة والإنسان والسعادة البشرية، فنعم بالتأكيد هنالك حلول كثيرة. اعتقد أننا سنكون بشكل عام أكثر سعادة في المستقبل مما نحن عليه الآن، لأننا سنستعيد صلاتنا مع أنفسنا ومع بعضنا البعض ومع الأرض. حضارتنا الحالية تجعل من اللابتوب الشيء الأقرب لنا، وهذه نهاية حزينة لإنسانيتنا.
في جميع الأحوال، لا أحد يحبّ سماع الأخبار السيئة. وللأسف، نشر كتاب “الأزمة الأخيرة” جعل من هذه المهمّة كأنها مهمّتي الخاصة في هذا الجزء من العالم؛ أن اضطلع بمهمّة إخبار الناس، لا أخبار سيئة فحسب، بل أكثرها سوءاً!
لكن وصف نهاية الحضارة الصناعية بالخبر السيء هو أيضاً مغلوط في رأيي المتواضع. بالنسبة لي، هو خبر جيّد وربّما أفضل الأخبار بالنسبة للإنسانية والكوكب وللمخلوقات الأخرى التي تعيش عليه. حين نتأمّل حضارتنا، نجد الكثير من الأمور الجميلة، لكن معظم ما نجده حين ننظر جيداً هو فقر وجوع ومعاناة وتدمير شامل ومنظّم للإنسان، للحيوانات وللأنظمة الإيكولوجية. الحضارة الحالية تخنق الكوكب وتخنقنا معها. الإنسانية الحالية إنسانية مكتئبة، غاضبة، عنيفة، مفكّكة، وحيدة، عقيمة، خائفة لا تعرف الاستماع لنفسها ولأرضها ولا تعرف حتى التعبير عن نفسها (فنّ ما بعد الحداثة هو أقرب للتقيؤ منه للفنّ). نهاية هذه الإنسانية وبزوغ إنسانية جديدة منها هو خبر جيّد لا خبر سيّء.
أن تُقدّم لنا الفرصة على أن نبدأ من جديد بعد تعلّم دروس الماضي القاسي هو أيضاً خبر جيّد لا خبر سيء. الجانب الإيجابي من رسالة “الأزمة الأخيرة” تعبّر عنه جملة وردت في مقدّمة الكتاب، تقول أننا ربّما، فقط ربّما، في الأيام الصعبة التي تنتظرنا، قد نسترجع الكنز الأهم الذي حرقناه مع أوّل برميل نفط: إنسانيّتنا…
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  الأزمة الأخيرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأزمة الأخيرة     الأزمة الأخيرة Emptyالجمعة 22 مارس 2019, 10:56 pm

  الأزمة الأخيرة Week13_020




الأزمة الأخيرة: أهمّية الاستعداد الفردي لعالم ما بعد النفط

اكتشاف الحقيقة حول أزمة الطاقة والسقوط البطيء لحضارتنا الصناعيّة ليس بالأمر السهل على أيّ منّا؛ عقولنا قد ترفض الحقائق للمرحلة الأولى، والنوم قد يهرب من عيوننا فيما نقلق ليلاً حول مصيرنا ومصير عائلتنا وربّما العالم بأكمله على وقع الحقيقة الجديدة.

صحيح أن بعض اللذين يطّلعون على الأطروحة يرفضونها، أو يعتبرونها مجرّد كلام في الهواء، ويكملون حياتهم بشكل اعتيادي كأن شيئاً لم يكن. نفس الأشخاص قد نراهم فيما بعد يتذمّرون عن ارتفاع أسعار الوقود والغذاء والأزمات السياسية ويتحدّثون بطلاقة عن المؤامرات العالميّة والمنعطفات التاريخية من دون أن ينتبهوا أن كل ذلك يعود إلى أزمة واحدة. فالاعتراف، حقاً، بأن العالم هو على وشك أن يتغيّر إلى الأبد، يتطلّب شجاعة حقيقيّة. لكن اللذين يملكون ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بخطورة أزمة الطاقة، تنتظرهم غالباً أيام صعبة فيها قليل من النوم وكثير من التفكير.

على الصعيد الشخصي مثلاً، اكتشاف الوقائع حول أزمة الطاقة كان تدريجياً؛ في البدء كانت مجرّد بحث جامعي في صفّ دبلوم العلوم السياسيّة في الجامعة اللبنانية. لكن مع التعمّق أكثر في البحث والتواصل مع باحثين من كافة أنحاء العالم في هذا المجال، اتضّح لي يوماً بعد يوم أن الأزمة هي أخطر ما تواجهه البشرية في الوقت الحالي، إلى جانب معضلة الانهيار الإيكولوجي. خمس سنوات من البحث المكثّف حول الموضوع تمثّلت نتيجتها بنشر كتاب “الأزمة الأخيرة”، وبتحوّل شخصي وفكري هائل. التحدّيات الفكرية التي وضعتها أمامي الحقيقة الجديدة كانت كبيرة: ماذا يحصل لليسار واليمين؟ كيف يؤثر ذلك على القضايا السياسية وآليات التغيير؟ كيف سيكون المستقبل؟ ما هو نظام الحكم المناسب في ظلّ ندرة الطاقة؟ ماذا سيحصل لحقوق الإنسان؟ كيف ستنظّم المجتمعات نفسها؟

لكن الأسئلة الشخصية لم تقلّ صعوبة كذلك، واعتقد أن كل من اقتنع حقاً بخطورة أزمة الطاقة واجه الأسئلة نفسها: ما الذي سيحلّ بمهنتي؟ باختصاصي الجامعي؟ هل اشتري سيارة؟ أي يجب أن أسكن؟ ماذا سيحصل لعائلتي؟ ما الذي يجب أن أفعله لتجنّب الأسوأ؟

 *

هذا النوع من الأسئلة مؤرق فعلاً، والأجوبة ليست سهلة. أزمة الطاقة هي حقيقة يمكن لها أن تغيّر حياتنا بشكل جذري؛ هنالك العديد من الأفراد في الخارج قاموا بتغيير مهنتهم ومكان سكنهم بناءَ على هذه الوقائع. بعد خمسة أعوام من البحث عن أجوبة لهذه الأسئلة، لم أجد الجواب الذي أتوقعه، لكنني وجدت جواباً، يقنعني على الصعيد الشخصي على الأقل.

الجواب كان ببساطة الاعتراف بأننا لا نستطيع أن نتنبأ بالمستقبل لأنه مرتبط بملايين الخيارات الفردية والجماعية التي لا نعلم عنها شيئاً في هذه اللحظة. نحن لا نعلم ما إذا كانت الطاقة البديلة ستساعدنا بشكل كبير في المستقبل مثلاً أم لا، لا نعلم إن كانت المجتمعات ستنهار أو ستتكاتف على وقع الأزمة، لا نعلم إن كانت العودة إلى المحليات ستكون سريعة أو بطيئة، لا نعلم كيف ستتطوّر الامور خلال الأزمة (هل سيمكننا الاحتفاظ بتقنيّات الاتصال المتطوّرة فيما تتراجع المواصلات بشكل ملحوظ كما يحصل الآن؟)… هناك كمّ هائل من الأسئلة حول المستقبل التي لا نعلم أجوبتها.

لذلك ما يمكننا أن نقوم به هو ثلاثة أمور، أوّلها هو الكفّ عن القلق بشأن المستقبل، فنحن كأفراد لا نتحكّم به ولا يوجد أي حكمة في القلق حول أمر لا نملك عليه أي سلطة. ثاني هذه الأمور هو التحضير للمستقبل الذي نريده على الأرض؛ إذ إن المستقبل هو حصيلة خياراتنا التي نأخذها اليوم كما سبق وقلنا، ويمكننا منذ اليوم أن نبدأ برسم معالم هذا المستقبل عبر الانخراط في الحلول المطروحة حالياً أو التأسيس لحلول جديدة. وثالث هذه الأمور هو الحدّ الأدنى من الاستعداد الشخصي لعالم ما بعد النفط.

بما أننا تحدّثنا عن الحلول الجماعية المطروحة في مقال سابق بعنوان “ما العمل؟”، يمكننا هنا أن نذكر بعض الاستعدادات الشخصيّة المهمّة للعالم الجديد:

– الاستعداد النفسي لعالم ما بعد النفط: الثقافة السائدة تقنعنا منذ نعومة أظافرنا بأن “التقدّم” هو أمر حتمي وأنه من طبيعة الحياة نفسها، لكنّه ليس كذلك. الاستعداد نفسياً لعالم مأزوم وغامض وربّما غير مستقرّ هو أمر ضروري؛ عالم الغد قد يكون أجمل وقد يكون أقبح، علينا في الحالتان ان نتقبّل كونه سيتغيّر إلى الأبد.

– الخروج من السوق المالي: كل ما هو مرتبط بالبورصة والأسهم والتجارة الافتراضية والأسواق المالية سيكون غير مستقر خلال السنوات المقبلة، سيناريو عام 2008 قد يتكرّر في أكثر من منطقة وأكثر من مرّة. الخروج من السوق المالي في هذه المرحلة مهم.

– الخروج من الدَيْن: الخروج من حلقة الاستدانة ضروري من الآن لعدّة أسباب؛ منها أن الأموال يمكن استعمالها بطرق أخرى، منها لأن أسواق العمل والمال غير مستقرّة والانهيار يمكن أن يحصل في أي شهر، والانهيار المالي قد يؤدي إلى خسارتنا لعملنا أو مدخولنا ويؤدي إلى عدم قدرتنا على الاستمرار بدفع الديون مع ما يعنيه ذلك من خسارة منزلنا، سيّارتنا، أو مدّخراتنا للدائنين. السبب الثالث للخروج من الدين هو افتراضي محض: إن حصل انهيار سريع، لا أحد يريد أن يرى عصابات الدائنين تطرق بابه، أو تجبره على بيع مقتنياته أو تأجير ساعات عمله لسداد الدين.

– الاختيار الذكي للأمور الأساسيّة في الحياة: سواء كان سيّارة، أم منزل، لا تنسوا أخذ ارتفاع أسعار الطاقة بعين الاعتبار. شراء سيّارة ذات مصروف هائل من البنزين قد لا يكون حكيماً، كذلك شراء منزل في الطابق العاشر في مدينة مكتظّة، أو بيع منزل الوالدين في القرية.

– العودة للأرض: إن كان خيار العودة إلى القرية والعمل والعيش هناك وإعادة تأهيل أرض زراعية ما إلى جانب المنزل متوافراً لكم، فلا تتردّدوا في القيام بذلك. هنالك منذ الآن حركة عودة شبابية نشيطة من المدن إلى الأرياف في بعض الدول الأوروبية التي تشهد أزمات اقتصادية مثل البرتغال واسبانيا واليونان، وسنشهد المزيد من هذه الظاهرة خلال السنوات المقبلة. كلما أسرعنا بالعودة وباكتساب جذور في قرانا وأرضنا، كلما كان ذلك أفضل.

– حاول(ي) تعلّم بعض المهارات الضرورية: المهارات الأساسية التي نفقدها يوماً بعد يوم قد تصبح ضرورية جداً للعيش في عالم ما بعد النفط؛ هذه المهارات تشمل امور كثيرة بدءاً من الطبخ وتحضير المونة وزراعة الخضار على الشرفة، وصولاً للنجارة والحدادة وتصليح المنزل والدرّاجة والماكينات وصناعة الأدوات وما شابه من المهارات اليدوية. هنالك مهارات تقنيّة أيضاً ستكون ضرورية جداً، مثل تعلّم كيفية صنع توربين هوائي وتسخين مائي على الشمس وما شابه. اختاروا المجال الذي تحبّونه أكثر، وتعلّموا عنه قدر ما استطعتم.

– تحسين اللياقة البدنيّة (وتعلّم الفنون القتاليّة إن أمكن): القدرة البدنيّة الجيّدة ستكون ضرورية لنا في عالم ما بعد النفط، لأننا سنمشي أكثر ولأننا سنضطر للقيام بالعديد من الأمور يدوياً بعد أن كنّا نقوم بها بمساعدة الآلات (بدءاً من تحضير القهوة، وصولاً ربّما لبناء المنزل وللعمل بشكل عام). كذلك سنحتاج للياقتنا البدنيّة للدفاع عن أنفسنا بشكل أفضل، في حال انتهى عصر القانون مع عصر النفط.

– تعزيز المناعة البيئية للمنزل: هذا ينطبق علينا بشكل خاص إن كنّا نمتلك منزلاً مستقلاً؛ المنازل اليوم مهندسة لكي تحتاج لكميّات كبيرة من الكهرباء للإنارة والتبريد والتدفئة والصيانة، ويمكن إعادة هندستها من جديد لكي تحتاج لإنارة كهربائية أقلّ، ولتدفئة وتبريد وصيانة أقلّ أيضاً.

– الخروج من ثقافة الاستهلاك: الهدف من هذه النصيحة هو عمليّ بحت؛ كلما كنا منغمسين أكثر في ثقافة الاستهلاك (للسلع والالكترونيات والمنتجات والميديا…) كلما كنا أكثر قابلية للالتهاء بأمور فارغة ونسيان أزمة الطاقة وإهمال التحضير الجدّي للمستقبل وربّما الانزلاق نحو النكران والاعتقاد بأن كل شيء بخير وأنه لا يوجد أزمة على الإطلاق.

– الخروج من الصراعات السياسيّة الجانبيّة: أزمة الطاقة ستزيد من خطورة وعنف كافة الصراعات السياسيّة على الكوكب، لكن الغالبية الساحقة من هذه الصراعات لا تقدّم ولا تؤخّر على أزمة حضارتنا بشيء. قيّموا القضايا بحكمة، ولا تنخرطوا وتبدّدوا جهودكم ومواردك وطاقتكم وتعرّضوا أنفسكم للخطر إن كانت القضيّة عبثيّة وجانبيّة ولا تؤثّر على مستقبلنا بشيء.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 22 مارس 2019, 11:27 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  الأزمة الأخيرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأزمة الأخيرة     الأزمة الأخيرة Emptyالجمعة 22 مارس 2019, 11:23 pm

هذا دورك الذي يجب أن تقوم به في أوقات الأزمات الاقتصادية الطاحنة



تحت وطأة عجزنا تجاه قسوة الحياة نتيجة غياب أي منفذ للتغيير، وفي ظِلِّ هذه السيطرة للنظام الرأسمالي والتي هي نتاج قبولنا بكل قواعد المنظومة ومقاومة أي تغير أو خروج عنها حتى وإن استيقنت أنفسنا أن هذا هو الصواب؛ وجدت الأزمات الاقتصادية والنفسية طريقها إلينا، وتمكن «الوَهَن» من نفوسنا.
فصنعت قوة السلاح من الأزمات ما يضمن لها البقاء، وتمكَّنت مِن ترسيم مسار التغيير المسموح. واحتكر أصحاب الشركات الكبرى-عابرة القارات-تحديد رغباتنا، فضلًا عن تفاصيل حياتنا الخاصة تبعًا للنزعة الاستهلاكية التي يروِّجون لها. وأَخَذَ الإعلام على عاتقه مسئولية التغييب وتشكيل العقل الجمعي، وضمان تَبنِّي الآراء وفقًا للموضة الرائجة. وأضحت قوة العادات الاجتماعية «والناس ياكلوا وشنا» تُحدِّدُ مصائر حياة لم تبدأ بعد… وكلما حاولنا استراق نسمة هواء لنبقى على قيد الحياة أغرقنا السلاح والمال والإعلام مرة أخرى.

إذًا ما هو الدور المنوط بنا في ظل هذه الأزمات الاقتصادية ؟

ولما كان الانفصال الفردي عن المنظومة والتحرر من قيودها الاقتصادية هو سبيل الفكاك الذي سينبثق عن تلك الحياة الحرة الجديدة؛ أبينا أن يكون هدفنا هو التعايش وإيجاد طريقة لِنَظَلَّ بها في مأمن تحت سقف هذه المنظومة، أو إعادة تشكيل حياتنا لتناسب متطلباتها وشروط الخدمة التي تُمليها علينا، وأدركنا أن الفكاك من قيودها وتحقيق الاستقلالية ومتطلبات الحياة بدون الاعتماد عليها، هو الهدف الذي يجب أن نسعى إليه. لذا فهذه بعض المقترحات ومعالم في طريق التحرر إلى حياة العيش البسيط والخروج عن المنظومة:

تجنب القروض البنكية والرِبَا والتقسيط

في ظل الحملات الترويجية والنزعة الاستهلاكية يتجه الكثيرون إلى شراء ما يفوق قدرتهم الشرائية ودخلهم الشهري، متغافلين عن حقيقة حاجتهم لهذه السلع من عدمها، ونتيجة للظروف والأزمات الاقتصادية التي يشهدها واقعنا؛ يجد هؤلاء في الشراء بالأجل مخرجًا لهم من هذه الضائقة، ومن هنا تبدأ المشكلة إذْ يُضطرون إلى سداد قيمة السلع أضعافًا مضاعفة، فتتراكم عليهم الديون، أو تتأثر متطلباتهم الأساسية فيما بعد للوفاء بتلك التعهدات، ويُثقَلُ كاهلهم بمبالغ إضافية لم يكونوا بحاجة لها منذ البداية.
  الأزمة الأخيرة Debt-is-slavery
وعند العجز عن الوفاء بكل هذه المتطلبات يجدوا أنفسهم أمام خيارين: إما الدفع أو الحبس، وعند النظر في كثير من قضايا الغارمين يتَّضح أن أصل المبلغ لم يكن ليتعدى بضعة آلاف، ولكنها المصروفات الإضافية والأقساط والفوائد الربوية. ولسنا بحاجة للتأكيد على حرمة التعاملات الربوية.

الاستعداد لِعَالَم ما بعد الطبقة المتوسطة

لم تعد الكمات المُزخرفة المنمَّقة ذات قيمة كبرى في أتون هذه الحرب الاقتصادية التي يخوضونها، فبعض الحقائق قد تكون قاسيةً ولكن انعدامها سيكون أكثر قسوة وضراوة. إذْ أننا نشهد تآكلًا غير مسبوق في تعداد الطبقة المتوسطة والتي تراجعت لصالح الطبقة الفقيرة التي تراجعت هي الأخرى لما تحت خط الفقر.
 كما نجد كثيرًا من الأفراد عالقين بين الطبقة المتوسطة والفقيرة يحلمون لهم ولأبنائهم بحياة أفضل من التي عاشوها في كنف أُسرهم مع آبائهم، ولكن الحالة الاقتصادية تمنعهم من ذلك؛ فيكافحون للحفاظ على ما أطلقوا عليه «فقراء لابسين لبس حلو». ومن هنا تظهر أهمية الاستعداد النفسي لعالم ما بعد الطبقة المتوسطة، ويكون ذلك بتقليل بعض النفقات التي تُثقل الكاهل بدون كبير مردود لها، فليس ثمَّة داعٍ لأكون فقيرًا يرتدي «براندات»، ويستقل Smart Car.

الدراسة وتكاليفها المالية والعُمْريَّة

في زمن أصبح فيه التعليم والتعلم سلعًا رديئة تُباع لمن يدفع أكثر، كان لابد من مراجعة أنفسنا وإعادة حساباتنا فيما يخص الدراسة والمدارس. ففي مصر-والتي أصبحت خارج التصنيف العالمي لجودة التعليم-تصل مصروفات أقل مدرسة دولية إلى 38 ألف جنيه لمرحلة KG 1. ويتوازى هذا مع الشكاوى المتكررة لأولياء الأمور من زيادة مصروفات المدارس الخاصة، والتي يصحبها شكاوى مستمرة من جودة التعليم وتعديات على حق ولي الأمر في التعبير عن جودة التعليم والتهديد بطرد أبنائه من المدرسة.
  الأزمة الأخيرة %D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84
في ظل هذه الأزمة لا أدعي أن الحل الأمثل هو اللجوء إلى التعليم المنزلي، إذ أن التجربة ما زالت جديدة على المجتمع العربي وما زالت لها عيوبها التي لا يمكن التغاضي عنها، وإن كانت أقل من عيوب التعليم النظامي. ولا أزعم أن الحل في إهمال تعليم الأبناء وتركهم لمدارس خارج التصنيف العالمي لجودة التعليم، ولكن الحل في الاعتدال في تكاليف الدراسة، والاستثمار في التعلم عن بعد وال online courses حسب رغبة الطفل وميوله فهذا أكثر إفادة له، كما أنه أقل كُلفة من التعليم النظامي القائم على «الدروس الخصوصية» والمناهج منتهية الصلاحية.
فاستبدال 16 سنة ضائعٌ أكثرها في تعليم نظامي بلا فائدة، بمقترح الدراسة عن بعد والعمل الحر أو إنشاء مشروع خاص سيجعل الأمرَ يختلف كُلِّيَةً، كما يضمن للأبناء حياة منفصلة غير مرتبطة بمنظومة متآكلة، ينتظر الجميع انهيارها في أي وقت.

الاختيار الذكي للأمور الضرورية في الحياة

  الأزمة الأخيرة Shopaholic-wallpaper-800x600
ليس كل ما روَّج الإعلام إلى أنه أساسي يكون كذلك، فحياتنا الجديدة تُحتِّمُ علينا إعادة النظر في متطلباتنا والاستغناء عن الكماليات والتركيز على الضروريات، فما فائدة اقتناء جهاز كمبيوتر بأحدث مواصفات، ونحن في الأصل لا نحتاج إلى الجهاز نفسه؟ وما فائدة شراء شاشات عرض وكأنك تجلس داخل قاعة سنيما وأنت في الأصل لا تشاهد التلفاز؟

الادخار وصناعة خطتك المالية الخاصة

اقتباس :
«وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا» [الإسراء: 29]
قد يبدو الادخار في ظاهره مشابهًا للبُخل أو الشُّح، ولكن هناك فاصلًا دقيقًا بينهم، إذ أن الادخار هدفه هو تجميع المال لبناء مناعة ذاتية ضد الأزمات، أو الاستثمار في شيء مُحبَّبٍ لدينا، على عكس البخل والشُّح اللذان يدفعان للحرمان مما نحب خوفًا من فقدان المال.
فصناعة خطة مالية خاصة ليست من الرفاهيات التي ينعم بها أصحاب الشركات الكبرى والودائع البنكية، بل على العكس فهي الطريق لبناء المناعة المالية والتي يجب أن تصبح ثقافة سائدة لدى الطبقات الوسطى والفقيرة، إذْ أنهم أكثر عُرضة للتأثر بأي قرارات هوجاء صبيانية تفرضها الحكومات.
ويُعدُّ الادخار هو أساس صناعة المناعة المالية ضد الأزمات، ولا نقصد بالادخار كنز الأموال والاحتفاظ بالعملات الورقية في الخزائن، إذ أن تلك العملات هي الأخرى عُرضة لأن تفقد الكثير من قيمتها السوقية نتيجة قرار أهوج كقرار التعويم، بل المقصود هو استثمار هذا المال في مشروع خاصٍ بك، أو غيره من الأمور التي توفر مردودًا ماليًا إضافيًا ولا يفقد المال فيها قيمته، أو حتى تضمن لك شراء سلعة أساسية لا يكفي دخلك الشهري لتحملها مرة واحدة.
  الأزمة الأخيرة %D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AF%D8%AE%D8%A7%D8%B1
ربما يبدو ادخار جزء من الدخل-الذي لا يكفي-أمرًا صعبًا في أوله، ولكن عند اتباع أسلوب العيش البسيط والبُعد عن ثقافة الاستهلاك، سيتضح لك أن الأمر ليس مستحيلًا.

مثال لخطة مالية تضمن إعالتك لـ 3 أشهر بدون عمل سنويًا

اقتباس :
«فادخار 20 % فقط من الدخل الشهري لمدة عام يضمن لك تحمل 3 أشهر بدون دخل.»
وللتوضيح: إذا كان دخلك الشهري 100 دولار، واستطعت أن تكون مصروفاتك الشهرية هي 80 دولار فقط، فأنت بذلك ادَّخرت 20% من دخلك الشهري، كما استطعت المحافظة على مصروفاتك الشهرية بمعدل 80 دولارًا فقط.
فبعد مرور عام سيصبح ناتج مدَّخراتك = 20 × 12 = 240 دولارًا.
وكما اتفقنا فإنك استطعت المحافظة على مصروفاتك الشهرية بمعدل 80 دولارًا / الشهر. إذًا فهذه المدخرات (240 دولارًا) تكفي لإعالتك لثلاثة أشهر بدون عمل، أو دخل.

تعلّم بعض الحِرَف والمهارات اليدوية الضرورية

لم يَعُد تعلم بعض المهارات اليدوية الأساسية يقتصر على من لم يتحصَّلوا على شهادات جامعية كسبيل لتأمين دخل شهري، والقيام بمسئولياتهم المالية، بل أصبح عددٌ من حاملي الشهادات الجامعية يلجئون إلى تلك المِهَن كعملٍ يُدِرُّ دخلًا إضافيًا، أو على الأقل للقيام بالصيانة اللازمة لمنازلهم والاستغناء عن الفنيِّين قدر الإمكان.

التحرر من قيود العادات الاجتماعية البالِيَة

بنظرة قاصرة نذهب دائمًا باللوم إلى الفقراء الذين يتجهون إلى النزعة الاستهلاكية واقتناء ما يمكن الاستغناء عنه. فنظرًا لضيق ذات يدِّهم كان يتوجَّبُ عليهم الاستغناء عن بعض الحاجات التي تُمثِّل عبئًا عليهم، كالإسراف في اقتناء بعض الأثاث، أو الأجهزة، أو تجهيز منازل أبنائهم وبناتهم بما ليسوا بحاجة له، فقط رغبةً منهم في مسايرة العادات والتقاليد.
وفي حقيقة الأمر هؤلاء ضحايا إسراف الأغنياء، والقوالب المجتمعية، بل هم أوَّلُ من يريد التحرر من تلك العادات ولكن شبح الخوف من المعايرة بالفقر أو الشفقة يقف رادعًا لهم، فكلٌ مِنَّا لديه كرامته والتي هي فوق كل اعتبار، فَيَقْبَلُ الموت ولا يَقْبَلُ المساس بها.
  الأزمة الأخيرة %D8%B9%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A5%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%B5%D8%B1
فسبيل تحرير هؤلاء وإعطائهم مكانتهم الإنسانية هو الخروج على العادات وكسر القوالب الاجتماعية التي تفرض نظرةً خاصة للأمور وتُعطي تقييمها للأشخاص بناءً على ماركاتهم التي يرتدون والكماليات التي يقتنون، ولا تفكر أبدًا في أن الحاجة هي ما تحكم الشراء وليس الثقافة الاستهلاكية الرائجة.

اقرأ

اقتباس :
وما يبقينا في حالة وعي وانتباه وضد الصدمة هو (تاريخنا)
(ناعومي كلاين-عقيدة الصدمة)
وكما تُؤكِّد ناعومي كلاين في عقيدة الصدمة فإن فترة الأزمة-كالتي نمر بها الآن-هي الوقت المناسب جدًا للتفكير في التاريخ، للتفكير في الاستمرارية، للتفكير في الجذور. إنه الوقت المناسب لنضع أنفسنا في القصة الممتدة لصراع البشرية. فعقيدة الصدمة ليست عنَّا ببعيد، لذا ما عليك سوى البحث والقراءة لتتعلم من تجارب الدول التي وقعت في غياهب الركود الاقتصادي والأزمات الاقتصادية وكيف تدبَّر مواطنو تلك الدول أمورهم في ظل الأزمات التي مروا بها.
  الأزمة الأخيرة One-pawn-against-the-world
ويمكن قراءة بعض هذه التجارب في هذه الموضوعات:

تذكر حقيقة المعركة

وأنت في غمار هذه الظروف والكفاح لتأمين مستقبل لك ولأسرتك ولتحقيق كفايتك مما يضمن لك حياة كريمة، لا تنسَ من فعلوا بنا هذا، ومَن هم المسئولون عن وصولنا لتك الحالة، وتذكَّر أن هدفهم هو تركيعنا وإلهائنا بـ «لقمة العيش». ولا تنسَ أبدًا أنَّ ما نفعله هو سبيل للتحرر من قيود منظومتهم، وليس البقاء فيها تحت إمرتهم وشروطهم، إذْ لا حاجة لنا بالرضا بحياة الذل التي يفرضونها علينا. ولا تنسَ أنَّ كفاحنا هدفه تأمين حياة كريمة لنا ولمن نعول، وأن تلك الحياة لا يمكن تحقيقها في ظلِّ عبودية الأجر والعمل والفكر التي تفرض علينا حياة الأنعام.
  الأزمة الأخيرة 530568_10151445945456204_1058694633_n

أدُّوا حقَّ النِعَم

ومن جميل شمائل ديننا أن أمرنا بالزكاة، ودعانا إلى إخراج الصدقات وأعاننا عليها ورغَّب بها، وأثاب عليها؛ بما يضمن لنا تكافلًا وأخوة في ظل البلاءات التي نمرُّ بها، كما اتخذ من التضامن سبيلًا لقيام الجماعة المسلمة، وتحرير فقرائها من أيدي الطغاة إذ يتحكمون برقابهم بأغلال العوز والحاجة، فحقهم ألَّا نتركنَّهم للطغاة والمستعبِدِين. وأمَّا أَسْرانا فأقلُّ الواجب في حقهم رعاية من يعولون، والقيام على متطلباتهم، لِألَّا يجتمع عليهم الأَسْرُ والحاجة، وحقهم ألَّا نتركنَّ سبيلًا للحاجة ولا للطغاة على عوائلهم.

ختامًا

ليس ما نقوله من قبيل التخدير باسم الدين للفقراء ولا هو من قبيل الرضا بحياة الذل والمهانة والتعايش مع المنظومة أو الرضوخ لها ولقيودها الاقتصادية. بل على العكس تمامًا فهو سبيل الخروج عليها والتحرر من قيودها لبناء استقلالية ذاتية، فسبيل التحرر وإن كان يحتاج إلى حراك جمعي في نهاية المطاف؛ إلا أنه لا بد أن يبدأ بالاستقلالية الفردية وانفصال الأفراد عن المنظومة وبناء حياتهم الخاصة بدون الاعتماد عليها. ولكن تذكر دائمًا أن الخروج عن المنظومة سيسبب لك بعض المتاعب في البداية كونك تحاول تغيير بعض الأشياء التي أصبحت ثوابتًا اجتماعية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الأزمة الأخيرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  بعد سماء فلسطين الأخيرة
» ثغرة حماس الأخيرة
» أدعية للجمعة الأخيرة في رمضان
»  رفح الفرصة الأخيرة للعرب حتى يستيقظوا!!
» الصحف الإسرائيلية: الكلمة الأخيرة لحماس 

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث اقتصادية :: الاقتصاد-
انتقل الى: