الظهار والتبني
كما نظم الإسلام الأسرة تنظيمًا دقيقًا في العلاقات الزوجية والرضاعة وحقوق كل أفرادها؛ فقد جعل من التبني قضية جوهرية نظمت أيضًا تنظيمًا دقيقًا
منعًا لاختلاط الأنساب تقوم تجاهها حقوق وواجبات ينبغي الالتزام بها كما جعل أيضًا مظاهرة الزوج لزوجته باطلًا.
وقد كان الرجل قبل الإسلام إذا أراد أن يعاقب زوجته وغضب عليها يقول لها أنت عليَّ (كظهر أمي) أي أنها تعامل منه معاملته لأمه، لا معاملته
لزوجة ليس لها حقوق تجاهه أي حقوق الزوجية. لذلك أبطل الإسلام هذا العقاب الصارم كان الرجل لا يطلق امرأته بل يمسكها، ولكنه يعاملها معاملة
الابن لأمه لذلك أمر الله تعالى بكفارة لمن يفعل ذلك صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وذلك قبل أن يعود لعلاقته مع زوجته.
يقول الله تعالى في سورة المجادلة: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ
مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 1 - 4] [1].
وقد جعل الله تعالى مثلا لذلك خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت كذلك قال تعالى في سورة الأحزاب [2] ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي
جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ
لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 4، 5].
لذلك لا يمكن أن تصبح الزوجة المظاهر منها زوجها أما له ولا الولد المتبنى ابنا لأن الأم الحقيقية هي التي ولدته، والابن الحقيقي هو الذي جاء من
صلب الرجل. ثم أمر الله تعالى أن ينسب هؤلاء إلى آبائهم، لأنه أعدل وأقسط عند الله تعالى. فإن لم تعرفوا – أيها المؤمنون – آباءهم فهم إخوانكم
في الدين وأولياؤكم فيه [3].
وهذا لا يمنع أن يحتضن الانسان أي يتيم وينفق عليه ولكنه ينسبه إلى أبيه وأمه لما في ذلك من حقوق وميراث وواجبات تجاه الولد وأهله من صلبهم،
كذلك تحريم الزواج والطلاق لمن ادعى بنوته بغير حق وأيضا ظهوره على محارم غيره على أنه ذو محرم لهن.
وفي هذا الاحتضان تكافل اجتماعي مرغوب في الإسلام ومجازى عليه بالتواب والحسنات من الله رب العالمين.
فإذا كان الإسلام قد منع التبني فإن شجع على التكافل الاجتماعي بين جميع المسلمين، بل وبين البشر أجمعين، حتى روي عن النبي صل الله عليه
وسلم أنه قال: ((أنا وكافل اليتيم كهاتين، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى))[4]
[1] المجادلة / 1-4.
[2] المجادلة / 4-5.
[3] انظر: تفسير ابن كثير عند هذه الآية، وأيضاً تفسير الطبري، كذلك من روائع البيان في تفسير آيات الأحكام لمحمد علي الصابوني في تفسيره
لهذه الآيات.
[4] هذا التكافل الاجتماعي سبق به الإسلام الشرائع والقوانين الوضعية كلها، نادى به الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان وجعل النبي
صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم في منزلته صل الله عليه وسلم يوم القيامة.
رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/sharia/0/108229/#ixzz4spflZY9w