منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين Empty
مُساهمةموضوع: تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين   تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين Emptyالثلاثاء 14 مايو 2019, 11:37 pm

تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين
حوار مع د. عمرو رياض

عمرو رياض:

أستاذ مشارك في جامعة أوتريخت الهولندية، بمعهد البحوث للدراسات الفلسفية والدينية (OFR)، قسم الفلسفة والدراسات الدينية، تخصُّص الإسلام واللغة العربية، تركِّز أبحاث "د. رياض" الحالية على التاريخ الفكري الإسلامي المعاصر، وديناميات الشبكات الإصلاحية الإسلامية وحركات عموم الإسلاميين، وجدل المسلمين في المسيحية، وتاريخ البعثات المسيحية في العالم الإسلامي المعاصر، والإسلام العابر للحدود في أوروبا فيما بين الحربين العالميتين.

س: أولًا وقبل كل شيء، أعلم بأنك متخصِّص في الدراسات الإسلامية، أتساءل: ما الذي جعلك تركِّز على دراسة تاريخ المسلمين في أوروبا بين الحربين العالميتين؟

د. عمرو رياض: يرجع تاريخ فكرة المشروع إلى عام 2005، خلال بحثي عن أوراق شخصية في أرشيف عائلة الشيخ محمد رشيد رضا في القاهرة، لفت انتباهي أن هناك ثلاث عشرة رسالة وجِّهت إليه من برلين تعود تواريخُها إلى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي 1920 و1930، في هذه المرحلة لم تتوفر معلومات لي عمن أرسل هذه الرسائل، إلا أن اسمه الدكتور زكي حشمت بك كرام، وعنوانه 10 Karlstrasse في برلين، على الرغم من أن المصادر الثانوية القائمة لا تقول الكثير عنه، إلا أن الخطابات تكشف لنا عن شخص له دور يُذكَر في العلاقات بين الغرب والشرق، والتي تمَّ دفنها تقريبًا في التاريخ، ومرة أخرى وأنا في ليدن، بدأت للتحقق من دليل الهواتف لألمانيا المتاح على الإنترنت (Dastelefonbuch)، ولأن اسمه ليس شائعًا في اللغة العربية، وبحثتُ لأعثر على أي شخص من عائلته ربما يكون منهم مَن لا يَزال يعيش هناك، وكم كانت دهشتي كبيرة حين وجدت اثنين من الأشخاص ما زالوا يَحملون هذا الاسم العائلي في البلد كله، وبعد إجراء مكالمة هاتفية مع أحدهما، وهو الدكتور هارون الرشيد كرام (ت: 2015) يقطن في Kornwestheim (قرية قريبة من شتوتغارت)، حدثني بأنه ابنه الذي ولد في عام 1923 في نفس العنوان الذي كان ذكر في رسالة كرام لرشيد رضا، وابن كرام في ألمانيا لا يزال يُحافظ على أوراق والده الشخصية التي تحتوي على الآلاف من اليوميات والرسائل والصور، ومن خلال فحص ودراسة هذه الأوراق نكتشف أن كرام كان قائدًا عثمانيًّا سوريًّا خلال الحرب العالمية الأولى، أُصيب خلال الحرب، وتمَّ نقله إلى ألمانيا في عام 1917 لتلقي العلاج الطبي في برلين، وانضم إلى الشبكة الإسلامية الهائلة من الناشطين الذين يَعيشون في أوروبا فيما بين الحربين العالميتين، والذين حافظوا على اتصالات بين الشرق والغرب سليمة، كان كرام في اتصال مع الأمير شكيب أرسلان، والإمام يحيى من اليمن، والأمير فيصل بن عبدالعزيز (لاحقًا الملك)، والكثير من الشخصيات العربية البارزة الأخرى في وقته.


س: نحن نعلم أنك الباحث الرئيسي لفريق يزخر بأعضاء منهم: مهدي ساجد، صوفي إسباني، أندريه تيرتان، ومدة هذا المشروع خمس سنوات: 2014 - 2019، أيمكنُكَ أن تتوسَّع حول المشروع، من فضلك؟

د. عمرو رياض: يركز المشروع على وجود المسلمين في أوروبا خلال فترة ما بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، التي تمَّ تناولها في الغالب كجزء من منطقة الشرق الأوسط وتاريخ آسيا والدراسات الاستعمارية لفترة وجيزة، وعلاقتها بتاريخ الهجرة الأوروبية، وكانت الدراسات السابقة إما تضمنهم على اعتبار أنهم ضمن حسابات المسافرين والمقيمين العرب / المسلمين في أوروبا في القرن التاسع عشر أو في وقت لاحق من هجرة العمالة المسلمين بعد الحرب العالمية الثانية، هذا النهج بلا شك له مبرِّراته، ومع ذلك فإنه يَميل إلى التغاضي عن تأثير المهاجرين القومي والفكري الإسلامي؛ باعتباره في التاريخ قضايا متشابكة (تاريخًا متشابكًا) مع السياق الاجتماعي والسياسي والثقافي عبر أوروبا نفسها.

 
والمؤرِّخون - بشكل عام - كانوا متردِّدين في إلقاء نظرة نقدية في المصادر الأساسية لفهم الواقع وتقييم معنى وجود هذه الجهات الإسلامية إلى معرفتنا للوضع التاريخي للإسلام في أوروبا، والمصادر الأولية والأبحاث التي أجريت تكشف حتى الآن رواية بديلة، وقد تمَّ اختيار الفترة الزمنية 1919-1945 بدقة وعناية؛ ليتمَّ اختيار الحرب العالمية الأولى كنقطة انطلاق، كما لو كانت حافزًا في تشجيع هجرة المسلمين إلى أوروبا بسبب مطالب الحرب، وهذه الشبكات والأنشطة الإسلامية توقفت في نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم ظهرت من جديد مع وصول العمالة الوافدة في أوائل 1960.
 

في دراسة الشبكات الإسلامية في أوروبا ما بين الحربين العالميتين يجب أن نسلِّط الضوء على الطبقات المتعددة من تحديد البُعد السياسي والعمل؛ لأنه غالبًا ما يتم الجمع بين التوجه الديني والطموحات السياسية والوضع الاجتماعي والعادات، هذا التحقيق الشامل في تفاصيل غير معروفة من جيل من المسلمين يَعرض دينامية الذين تحدثوا عن الإسلام في أوروبا، ومكانهم في تاريخ العالم.
 

س: لا شك أنك تدرس تاريخ المسلمين في أوروبا ما بين الحربين العالميتين، كيف يمكننا أن ننظر لهذا التاريخ؟

د. عمرو رياض: تمثِّل فترة ما بين الحربين العالميتين أيضًا فترة كبيرة من الإمبريالية، بالإضافة إلى ذلك، عصر نفسه يُشكِّل مصاير المُجتمعات الأوروبية ذات الأغلبية المسلمة المُعاصِرة، وفي تلك الفترة أصبحت أوروبا واجهةً جذابة للطلاب العرب والمسلمين، والثوَّار والناشطين القوميين، والمنفيِّين السياسيين والمثقفين، تستخدم أوروبا هنا ليس فقط باعتبارها كيانًا جغرافيًّا، ولكن بوصفِها الفضاء الفكري المتجانس للجهات المسلمة الفاعِلة، ومِن أجل إعادة بناء تاريخ المسلمين في أوروبا فيما بين الحربين العالميتَين، يتمُّ تناول المسائل الرئيسية التالية:

• كيف كان المسلمون في أوروبا بين الحربين العالميتين، وكيف كان العمل والتفاعل بين بعضهم البعض، ومع الساسة الغربيين والدبلوماسيين والمستشرقين، والناشرين ووسائل الإعلام؟

• إلى أيِّ درجة أنهم لم يَنجحوا في خَلق هُويَّة مميزة كـ "الإسلام الأوروبي"، يَجمع بين سحر الحضارة الغربية مع الحفاظ على الكيان الديني والسياسي الإسلامي؟

• كيف أثَّر المسلمون في أوروبا بين الحربين العالميتَين على أفكار الغرب في العالم الإسلامي؟

• إلى أيِّ مدى كان لكتاباتهم وأنشطتهم التي مارَسوها، أو هل تلقَّت أي تأثير في السياق الأوروبي؟

 
يُمكن تقسيم الشبكات الإسلامية في أوروبا ما بين الحربين العالميتين إلى الشبكات الاجتماعية والسياسيَّة من ناحية، ومنها الدينيَّة من جهة أخرى، وهذا الانقسام لا يَعني أن المنطقتين فُصلتا تمامًا، وعلى العكس من ذلك، كانت مُتداخلة ومتشابكة في كثير من الحالات، ويرجع ذلك إلى تأثير الروابط الدينيَّة وزيادة المعلومات، وانتشرت العديد من الأفكار السياسية والدينية المُختلفة بين الناشطين المسلمين بين المُستعمرات والدول الأوروبية، وبما فيه الكفاية، ولا سيما بين هذه الشبكات في اتصال المسلمين الموالين للإمبراطورية الاستعمارية الأوروبية بالمسلحين وعموم الإسلاميين الآخرين الذين قاتَلوا ضد التبعية الاستعمارية.
 

بشكل عام، كانت الفكرة من الاتفاقيات الدولية الوحيدة الظاهرة الأكثر لفتًا التي تربط عموم الإسلاميين في عصرِ ما بين الحربين العالميتين، وكانت المؤتَمرات في مكة المكرمة في (1924) وفي (1926)، والقاهرة (1926)، والقدس (1931)، والمؤتمرات التابعة لها في أوروبا، وبالمثل كان إنشاء الجمعيات والسفر والمراسلات الدينية والسياسية، وقبل كل شيء نشَرت الصحُفُ الأدوات الرئيسية لبناء هذه الشبكات، ومِن الأمثلة على هذه الجمعيات: "المجتمع من أجل تقدُّم الإسلام"، "التحالف الإسلامي الدولي"، "المعهد المركزي للإسلام Zentralinstitut"، "الجماعة الإسلامية في برلين GEMEINDE" و "جمعية الشعائر الإسلامية في Gottesverehrung" (برلين)؛ "رابطة علماء المسلمين oulémas musulmans الجزائريين" (باريس)؛ "Orientbund" و "رابطة الثقافة  الشرقية والإسلامية  Kulturbund" (فيينا)؛ والمؤتمر الأوروبي الإسلامي الأول عام 1935 تحت قيادة الأمير شكيب أرسلان، وكان الشخصية الأكثر أهمية في أوروبا فيما بين الحربين العالميتين الأمير اللبناني شكيب أرسلان، الذي كان على اتصال مباشر مع الزعماء السياسيين الأوروبيين، والمستشرقين وصانعي السياسات.

 
صورة المؤتمر الأوروبي الإسلامي الأول في جنيف (1935)، وجد عمرو رياض هذه الصورة الفريدة في أرشيف عائلة هولندية اعتنقت الإسلام، وتَسمَّى رب هذه الأسرة باسم محمد علي فان بيتم Beetem (ت: 1938)، الذي كان على اتصال وثيق مع شبكة شكيب أرسلان الإسلامية العابرة للحدود الوطنية.
 

س: ماذا عن التحديات المنهجية التي تُواجِهُكم وفريقكم؟

د. عمرو رياض: فرضية العمل الرئيسية لهذا المشروع هو أن فريق البحث تعامل مع المسلمين في أوروبا بين الحربين العالميتين على أنهم لم يكونوا مجرَّد زوار ولا ضحايا الاستعمار، ولكنهم شكلوا مجموعة من اللاعبين الفاعلين في الفضاء الأوروبي والدولي، وبما في هذه الجهات الإسلامية العاملة في أوروبا، بعد اتصالات مكثفة مع نظرائهم عبر الخطوط الاستعمارية، والتركيز على الأنشطة وشبكاتها يتحدى افتراضات كتابة تاريخ زمن طويل ظلت تتجاهل أهميته بالنسبة لتاريخ أوروبا.

 
إذا ثبَت هذا المُنطلق الصحيح، فالمسلمون في أوروبا بين الحربين العالميتين لا يُمكن أن يُختزلوا في غرباء سلبيين بعيدين عن السياسة المحليَّة الأوروبية الداخلية والمُناقشات العامة، فإن مفهوم كسب التعقيد الديناميكي يعبِّر عن المصالح السياسية والدينية والفكرية للمسلمين خارج حدودِهم الأصلية، وتقوم الدراسة على فحص الفاعلين المسلمين في أوروبا بين الحربين العالميتين، وبالتالي عمل (خط واعد للتحقيق لكتابة تاريخ أوروبي) جديد.
 

س: لقد أمضى فريقكم عامين تقريبًا، هل اكتشف أي نتائج بحثية مثيرة؟

د. عمرو رياض: يُرجى مراجعة موقعنا على الإنترنت لمعرفة الاكتشافات:

www.muslims-in-interwar-europe.com

www.uu.nl/medewerkers/URyad/0

 
س: هل تعتقد أن ينظر إلى المسلمين باعتبارهم تهديدات ثقافية في أوروبا، ولماذا؟

د. عمرو رياض: أعتقد أن هذا السؤال خطابي، ويُحاول مشروعنا القول بعكس ذلك، أنشأنا أداة تاريخيَّة لفهم جذور التيارات الإسلامية الحديثة الحالية في مجالات التاريخ الأوروبي، الإسلام في أوروبا، ودراسات الشرق الأوسط تدفَع لمزيد من البحوث التي ستولد "المعرفة" في دراسة تاريخيَّة قبل الهجرة وقبل دمج الخبراء المسلمين في أوروبا، ويُمكن تعزيز فهمنا للاتجاهات الحالية في أوروبا والإسلام الدولي من خلال دراسة التطوُّرات الاجتماعية والثقافية للأنشطة الإسلامية في أوروبا في تلك الحقبة التكوينية، وتنظر الدراسة من جديد في الجدل الدائر حاليًّا حول أوروبا والعالم الإسلامي والمشهد المعاصر دون اللجوء إلى فرضية مصمَّمة بدقة أو مُبالَغ فيها قبل التعرف على النشطاء الإسلاميين الأوائل، الذين وضعوا الأساس للنشاط الإسلامي المستمر في أوروبا في فترة ما بعد عام 1945.
 

في أوائل القرن العشرين، والشبكات العابرة للحدود الوطنية الإسلامية، استمرَّ تولي رشيد رضا ورفاقه موقعًا مركزيًّا، كانوا على خط النار في التطورات اللاحِقة في الفكر الإسلامي المعاصر، ووصف رضا كشخص وسيط مثالي بين الخطاب الكلاسيكي والعامي، وبين الحكام والجماهير العلمانية التي يتمُّ اتباعها مع ظهور التكنولوجيا الرقميَّة.

 
اليوم النمط الثقافي والصحفي بعد الحرب العالمية الثانية وضَعَ ورثة التراث الفكري الديني ونشاط هذه الشبكة على التنوع في الإسلام: إصلاحيين وسلفيين ومُنفتحين للنُّفوذ، وراديكاليين، وجامدين ومنغلقين، استمرت كل الأنواع في استقطاب الجاليات المسلمة في الغرب.


عبدالرحمن أبو المجد: شكرًا جزيلًا لك على المشاركة معنا حول مشروعكم الخاص بالمسلمين في أوروبا بين الحربين العالميتين، حقًّا إنه تاريخ لا يُمكن اختزاله باعتبارهم غرباء سلبيين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين   تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين Emptyالثلاثاء 14 مايو 2019, 11:38 pm

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ البَحَّارة المسلمين المَغارِبة في سواحل جنوب أوروبا
 في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري
 

دور البَحَّارة المَغارِبة في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري:

مَرَّت على الأساطيل البحرية لأهل جَنَوَة، وغيرهم من أمم أوروبا النصرانية في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري فترة من الضعف والوَهَن، أتاحت الفرصة لبعض البَحَّارة المُغامِرين من أهل المغرب في تجديد ما انْدَرَس من غَزْو سواحل جنوب أوروبا، وكانت تلك الجهود الشَّعْبِيَّة تَتِمُّ تحت سَمْع وبَصَر الحُكومات الإسلامية القائمة في المَغْرب، دونما نَكير منها، وفي الوقت نفسه من غير رِعاية حُكومِيَّة لها، تَسْتَثْمِر طاقات أهلها، وتُحْسِن تَوْظيفها.



قال ابن خلدون رحمه الله تعالى[1]: كانت أمة الفِرَنْج وراء البحر الرُّوْمِي[2] في الشمال قد صار لهم تَغَلُّب ودولة بعد انقراض دولة الروم، فمَلَكوا جَزائِرَه[3]: سَرْدانِيَة، ومَيُوْرْقة[4]، وصِقِلِّيَّة، ومَلأت أَساطيلَهم فَضاءَه، وتَخَطَّوا إلى سواحل الشام وبيت المَقْدِس، فمَلَكوها، وعادت لهم سَوْرَة[5] الغَلَب في هذا البحر، بعد أن كانت سَوْرَة المسلمين فيه لا تُقاوَم إلى آخر دولة المُوَحِّدِين، بكثرة أَساطِيله ومَراكبه، فغَلَبَهم الفِرنج، وعادَت السَّوْرَة لهم، وزاحتهم[6] أَساطِيْل المَغْرب أيامًا، ثم فَشَل رِيْح الفِرَنْجَة، واخْتَلَّ مَرْكَز دَوْلَتهم بإفرنسة، وافترقت طوائف في أهل برشلونة، وجَنَوَة، والبَنادِقة[7]، وغيرهم من أمم الفِرَنْجَة النَّصْرانية، وأصبحوا دُولًا مُتَعَدِّدة.



فتَمَّت عَزائِم كثير من المسلمين بسَواحِل إفريقية لغَزْو بلادهم، وشَرَع في ذلك أهلُ بِجايَة[8] منذ ثلاثين سنة، فيجتمع النَّفِير والطائفة من غُزاة البحر، ويَصْطَنِعون الأُسْطول، ويَتَخَيَّرون له أبطال الرجال، ثم يركبونه إلى سواحل الفِرَنْجَة، وجَزائرهم على حين غَفْلة، فيَتَخَطَّفُون منها ما قَدروا عليه، ويُصادِمون ما يَلْقَون من أساطيل الكفرة، فيَظْفَرون بها غَلَبًا، ويعودون بالغَنائِم، والسَّبْي، والأَسْرى، حتى امتلأت سواحل الثُّغُور الغَرْبِيَّة من بِجاية بأَسْراهم، تَضِجُّ طُرُق البلاد بضَجَّة السَّلاسلِ والأَغْلال عندما ينتشرون في حاجاتهم، ويُغالُون في فِدائهم بما يتَعَذَّرُ منه، أو يكاد، فشَقَّ ذلك على أُمَم الفِرَنْجَة، ومَلأ قلوبَهم ذُلًّا وحَسْرة، وعَجَزوا عن الثارة به، وصَرخوا على البُعْد بالشكوى إلى السلطان بإفريقية[9]، فصَمَّ عن سَماعِها، وتَطارَحوا سَهْمَهم، ونُكْلَهم[10] فيما بينهم، وتَداعَوا لنُزول المسلمين، والأخذ بالثأر منهم، وبَلغَ خَبَر استعدادهم إلى السلطان، فسَرَّحَ ابنه الأمير أبا فارس[11]، يَسْتَنْفِر أهلَ النَّواحِى، ويكون رَصْدًا للأسطول هنالك، واجتمعت أَساطِيل جَنَوَة، وبَرْشلونة، ومَنْ وراءهم، ويُجاوِرهم من أُمم النَّصْرانية، وأَقْلَعوا من جَنَوَة، فحَطُّوا بمَرْسَى المَهْدِيَّة منتصف ثنتين وتسعين - أي وسبعمائة - وطَرَقُوها على حِين غَفْلة.



ثم ذكر ابن خلدون رحمه الله تعالى ما دار من وقائع، آلت إلى فرار العدو إلى بلاده خائبًا حَسِيْرًا.



ومع كون ابن خلدون لم يَنُصَّ على نُزول غُزاة البحر المذكورين بشمال غرب إيطاليا، إلا أنه نَصَّ على قَصْد أولئك الغُزاة سَواحلَ الفِرَنْجَة بغَزواتهم، وتَلاصُق المنطقة الساحلية لشمال غرب إيطاليا بسواحل مَمْلَكة الفِرَنْجَة لا يَخْفَى، بل كان الشمال الإيطالي كله - لاسيما الشمال الغَرْبي - تابعًا لمملكة الفِرَنْجَة مُدَّة ليست بالقصيرة، كما أن تلك المنطقة كانت من أكثر المناطق عُرْضَةً للغَزْو الإسلامي، إبَّان الصراع الإسلامي النصراني على حَوْض البحر المتوسط، بالإضافة إلى كون المَغانِم كانت الهدف الأساس لأمثال تلك الغزوات البحرية الخاطفة، مما يجعل أصحابها يَتَقَصَّدون أكثر المواضع من حيث تَوَفُّر الموارد المالية والبَشَرِيَّة، ومن المعلوم أن جمهورية جَنَوَة كانت من أَغْنَى المواضع الساحلية الأوروبية على المتوسط؛ من جَرَّاء أنشطتها البحرية، العَسكرية منها، والتجارية، كما أن ابن خلدون قد نَصَّ على مُشارَكة جَنَوَة في الحِلْف النَّصْراني الأوروبي المُهاجِم للمَهْدِيَّة بتونس، وهذا داخِلٌ فيما سَبَقَت الإشارة إليه من كون جَنَوَة مَثَّلَت لاعِبًا رئيسًا في أغلب الحروب الصليبية على المسلمين، لاسيما عقب نهضتها البحرية التي جعلتها، وجمهورية البُنْدُقية - مُنافِستها الأوروبية الأولى على الصَّدارَة البحرية - في مُقَدِّمة الدول الأوروبية زمنًا طويلًا.

 

[1] تاريخ ابن خلدون (6/400،399).

[2] يقصد به البحر المتوسط، وكان يُطْلَق عليه عدة أسماء، منها: البحر الرومي؛ لطول سيطرة الرومان عليه، وعلى البلاد الواقعة على سواحله فترة من الزمن.

[3] الجَزائِر: حميع جَزيرة.

[4] هكذا ضبطها ياقوت في معجم البلدان، وهي جزيرة في شرقي الأندلس، ويقع بالقرب منها جزيرة يُقال لها: منورقة بالنون، وأخرى صغيرة يُقال لها: يابسة، ويطلق على هذه الجزر الثلاث اسم جزر البليار، وكانت ميورقة قاعدة ملك مجاهد العامري رحمه الله تعالى. انظر: معجم البلدان (5/247،246).

[5] السَّوْرَة: هي حِدَّة الشيء، وارتفاعه، وشِدَّته، وسَطْوَته. انظر: تاج العروس (12/100،99).

[6] لعل الصواب (زاحمتهم)، وإن كان السياق لا يُفيد أيًّا من المَعْنَيين؛ فإنه يتحدث عن استئثار نصارى أوروبا بالغَلَبة في البحر المتوسط في تلك الفترة المذكورة.

[7] هم أهل البندقية، وكانت لها جمهورية بحرية تجارية كبرى في العصور الوسطى، وكان بينها وبين جنوة تنافس كبير في السيطرة البحرية، وما يتبعها من النشاط التجاري البحري.

[8] مدينة على ساحل البحر، تطل على خليج يعرف باسمها، وتحيط بها الجبال من جهة البر، والبحر منها في ثلاث جهات، وقد بناها بعض الصنهاجيين في القرن الخامس الهجري، وكانت قبل ذلك ميناء فقط، وتقع في شرقي الجزائر حاليًا، وكانت بها دار صناعة؛ لإنشاء الأساطيل؛ لأن الخشب في أوديتها وجبالها كثير. انظر: معجم البلدان (1/339)، والروض المعطار للحميري (ص81،80).

[9] هو السلطان أحمد بن محمد بن أبي بكر، الحَفْصِي، الهنتاتي، المتوفى سنة 796 هـ.

[10] أي النكال الذي نزل بهم من جراء تلك الغزوات. انظر: تاج العروس (31/33).

[11] هو أبو فارس، عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن أبي بكر، الحَفْصِي الهنتاتي، المعروف بعزوز الحَفْصِي، من كبار ملوك الحَفْصِيِّين بتونس، وما حولها، وُلِد سنة 761 هـ، وبويع بعد وفاة أبيه سنة 796 هـ ، فحسنت سيرته وكان موفقًا حازمًا، فيه بأس، ورفق، وديانة وجود، وله آثار في تونس، ولم تخل أيامه من فتن، وُفِّق إلى قمعها، وضم إلى بلاده مدينتي تلمسان، وفاس، وغزا مالطة، فانتقضت تلمسان، فخرج لها، فتوفي فجأة بقرب جبل ونشريس من أعمال تلمسان سنة 837 هـ، وكانت ولايته 40 سنة، و 4 أشهر، وأياما. قال المقريزي: وكان خير ملوك زمانه، صيانة، وديانة وجودًا، وإفضالًا، وعزمًا، وحزمًا، وحسن سياسة، وجميل طريقة، وأطال ترجمته جدًا، وختمها بقوله: ومناقبه كثيرة، وفضائله شهيرة، ولقد فُجع الإسلام وأهله بموته، والله يرحمه، ويتجاوز عنه، وكذلك أطال السخاوي الثناء عليه، وأسهب في عد مناقبه. انظر: الضوء اللامع للسخاوي (4/214)، والأعلام للزركلي (4/14).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين   تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين Emptyالثلاثاء 14 مايو 2019, 11:38 pm

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في روما والأَمْلاك البابَوِيَّة (1)


ما أكثر صفحات العِزِّ المَجْهولة في تاريخ الأمة الإسلامية، وما أَحْوَج الأمة الإسلامية إلى إزالة الغُبار عن تلك الصفحات، وإبرازها من خُدورها؛ رَفْعًا للهِمَم، واسْتِلْهامًا لمعاني العِزَّة والشُّمُوخ.

 

وقد ثبت عن النبي - صل الله عليه وسلم - أن فَتْح القُسْطنطينية سيسبق فَتْح روما[1]، وتَلَقَّف كثيرٌ من الخُلفاء، والأمراء، والمُلوك خَبَر التَّبْشِير بفَتْح المدينتين بنَفْسٍ تَتُوق إلى الفوز بشَرَف وقوع البُشْرى على أيديهم.

 

وقد تَوالَت مُحاولات فَتْح القسطنطينية في عصر بني أمية، وبني العباس، ثم أَلَحَّ العُثمانيون - لقُرب ديارهم منها - على فَتْحها، وراحوا وغَدَوا في غَزْوها، وحِصارها، وفَتْح ما يُحِيط بها من مدن، وحُصون، إلى أن حاز السُّلْطان محمد الثاني، ابن مُراد الثاني رحمه الله تعالى ذلك الشَّرَف، حتى صار يُعْرَف به دون غيره، وأَضْحَى لَقَبُ الفاتح له قرينًا، وأَمْسَتْ صِفَة الفَتْح به لَصِيقة[2].

 

ولكن محاولات فتح روما لا يَحْظى بمعرفتها الكثيرُ من مُطالِعي التاريخ الإسلامي، وتَخْفى أخبارُها عن بعض حُذَّاق الباحثين، فَضْلًا عمَّن دونهم في العلم من عُموم المسلمين.

 

وسوف نُدْلِي في هذه الحلقة من سلسلة صفحات مَنْسِيَّة في تاريخ الإسلام في إيطالية بدَلْونا في تعريف المسلمين بتلك الصفحة من صفحات العِزِّ، رَجاءَ أن تكون سببًا في إيقاظ هِمَمٍ، وشَدِّ عَزائِم، ومُداواة ما حَلَّ بالنُّفُوس من هَزائِم.

 

روما والأملاك البابوية:

لقد قام الأغالبة بحَمْلَة على روما، ودخلوها في صفر سنة 232 هـ-، الموافق لأغسطس 846 م، وكان ذلك في أيام الأمير أبي العباس محمد بن أبي عقال الأَغْلَب السَّعْدِي، رابع أُمراء الأَغالِبة، والذي حكم من سنة 226 إلى سنة 242 هـ-[3].

 

وأسرع البابا بطلب عون بحري من مدن كمبانيا المتحالفة، وكانت هذه فيما يظهر على استعداد للاستجابة لدعوته، فأرسلت أسطولا لحماية الشواطئ البابوية، غير أن عاصفة حطمت السفن الإسلامية قرب أوسيتا، فلم تعد لتلك المساعدة أية ضرورة.



وذكر المسيو رينو[4] أن المسلمين لما غزوا روما في تلك السنة - أي 846 م -  صعدوا في نهر الطيبر[5]، ونَهَبوا[6] كنائس القِدِّيسَيْن: بُطْرُس، وبُولُس[7]، وغزوا أيضًا جنوة في تلك السنة، وعَطَّلُوا سُدود نَهْرِها، فنَفَر الأهالي، وقاتلوهم، وحَمَل الرُّهْبان، والقِسِّيْسُون السِّلاح.[8]

 

وذكر هنري بيرين[9] أن المسلمين قد حاصروا قلعة القديس آنج في غزاتهم المذكورة على روما.

 

وأضاف ديفز[10] أن المسلمين - الذين أَسْماهم بالقَراصِنة العرب - قد أنزلوا التَّخْريب في نفس العام بميناء أوستيا، وظاهر كلامه أن قريب من المدينة البابوية بروما؛ لأنه قَرَن غزوهما معًا.

 

وكان المسلمون قد غَزَوا سواحل سيفيتة فكشيا بقرب روما قبل ذلك التاريخ بمدة؛ فقد ذكر المسيو رينو[11] أن المسلمين لما غزوا كورسيكة في سنة 813 م، وأسروا، وغنموا، أَكْمَن لهم كونت أمبورياس قوة بحرية بقرب مدينة برينيان في طريق عودتهم، فغَنِمَت منهم ثمانية مراكب، كان فيها أكثر من خمسمائة أسير مسلم، فانتقم المسلمون عن ذلك باجتياح سواحل نيس، وبروفنس، وسيفيتة فكشيا بقرب روما.

 

والظاهر من كلام رينو أن غَزْو المسلمين لسواحل المدن المذكورة كان بعد التاريخ الذي ذكره - وهو 813 م - بفترة قليلة؛ لأنه رَتَّب الأحداث على بعضها، وفقًا لرُدود الفِعْل المُتَتابِعة من قبل المسلمين والنصارى.

 

ولكن أرشيبالد لويس قد ذكر مسارًا آخر للأحداث، ربط فيه بين الهجوم على المدن الساحلية المذكورة وبين الهجوم على روما في عام 846 م، فقال: لما حِيْل بين المسلمين وبين ما يَبْتَغون في تلك المنطقة[12]، تَحَوَّلوا إلى أراضي البابوية؛ ففي عام 846 م، أنزل المسلمون على السواحل قوات هزمت الحامِيات الموجودة في شيفيتا فكيا، ونوفا أوستيا، وأغارت قواتهم هذه على ضواحي روما ذاتها.[13]


[1] سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي المدينتين تُفتح أولًا: قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: "مدينة هرقل تُفْتَح أولًا" يعني قسطنطينية. أخرجه أحمد في مسنده (2/176)، وصَحَّحَه الحاكم، والذهبي، والألباني. انظر: السلسلة الصحيحة (ح4).

[2] سنذكر في هذه الحلقة من السلسلة إن شاء الله تعالى ما كان من عزمه - رحمه الله تعالى - على فتح روما بعد فتح القسطنطينية، وما اتخذه لذلك من تدابير.

[3] انظر: أطلس تاريخ الإسلام لحسين مؤنس (ص180).

[4] انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان (ص152- ص155). وقد ذكر أمير البيان في حاشية (ص155) أن مسيو رينو قد نقل ذلك عن مجموعة البولنديين، وتاريخ مدينة نيس للمسيو لويس دورنت، وفي مخطوط لمؤلف اسمه أغيو فريدو محفوظ في مكتبة تورينو.

[5] وقع في الأصل (الطير)، ونهر التيبر، أو التيفر: هو ثاني أطول نهر في إيطاليا، ويبدأ من سلسلة جبال توسكان ويتدفق جنوبًا لمسافة 405 كم، وفي نهايته يعبر بمدينة روما، قبل أن يصب في البحر الأبيض المتوسط في منطقة أوستيا، وكان يعد وسيلة تجارة مهمة في العهود الرومانية.

[6] الأولى عند ترجمة العبارات المنقولة عن المستشرقين أن يراعى اختيار الألفاظ الغير قادحة، فالوصف الصحيح لأخذ الأموال، والتحف، وغيرها في مثل تلك الغزوات هو وصف الغنيمة، وهو وصف شرعي لما يغنمه المسلمون في غزوهم لديار الكفار، أما وصف النَّهْب، فيتَعَمَّد المستشرقون استخدامه لغَمْز المسلمين الغُزاة، وتصويرهم على كونهم مجموعة من اللصوص، وقُطَّاع الطرق، مع كونهم يُعَبِّرون عن نهبهم لثروات المسلمين بلفظ الاستعمار - وهو طلب عُمْران الأرض وإصلاحها - وهو في حقيقته استخراب، ولا زالوا يدلسون على الناس بوصف نهبهم البغيض لديار الإسلام بألفاظ معسولة، مثل: إعادة الإعمار، ونحوها.  

[7] وقد ذكر ديفز في كتابه أوروبا في العصور الوسطى ذلك أيضًا (ص71).

[8] لا شك في أن تعويل المستشرقين على المصادر الأوروربية القديمة، ذات الطابع الكنسي، له دور كبير في محاولة إضْفاء صفة اللُّصُوصِيَّة على الغزاة المسلمين، والبطولة المزعومة على قساوسة النصارى ورهبانهم.

[9] تاريخ أوروبا في العصور الوسطى الحياة الاقتصادية والاجتماعية (ص12).

[10] أوروبا في العصور الوسطى (ص71).

[11] انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان (ص141،140).

[12] يقصد بذلك الإشارة إلى هزيمة المسلمين البحرية أمام تحالف مدن: نابولي، وأمالفي، وجايتا، وسرنتو في  البحر الأدرياتيكي، والذي أفقدهم السيادة البحرية فيه لفترة من الزمن.

[13] انظر: تاريخ القوى البحرية والتجارية (ص216).





صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في روما والأَمْلاك البابَوِيَّة (2)
صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (21)


قال أميرُ البَيان شكيب أرسلان تعليقًا على خَبَر غزو المسلمين لسواحل نيس، وبروفنس، وسيفيتة فكشيا بقرب روما الذي نقله عن المسيو رينو بقوله[1]: الذي عَرَفْتُه في رومة من روايات بعض أُدَباء الطّليان، والمُطَّلِعِيْن منهم على التواريخ، أنه يوجد على مسافة أربعين كيلو متر من رومة قرية، يُقال لها: سراسينشكو، أصل أهلها من المسلمين، كان سَلَفُهم غُزاة، وَقَعوا إلى تلك الأرض، وأحاط بهم الأهالي، فقتلوا جانبًا، واسْتَسْلَم لهم الباقون، وتَنَصَّروا[2]، وعَمَروا تلك القرية، ويُقال: إن سَحَنَهم[3] لا تزال تدل على أصلهم العربي، وأن مآكلهم، ومشاربهم، وصَنْعَة الغِناء عندهم تدل على عُروبتهم، وحتى هذا اليوم تَراني أَتَرَقَّب الفُرصة؛ لمُشاهدة تلك القرية، والتَنْقيب عن صِحَّة ما سمعته، انتهى[4].

 

وقد عانَت الأَمْلاك البابَوِيَّة الأَمَرَّيْن حين ازداد ضَغْط المسلمين على الشاطئ الغَرْبِي لإيطاليا - المُطِلِّ على البَحْر التيراني - بفِعْل غارات إسلامية حدثت خلال عامي 868، 872 م على مدينتي جايتا، وسالرنو، فأرسل البابا حنا الثامن إلى مَلِك الفِرَنْجة شارل الثاني، وإلى الإمبراطورية البيزنطية، وإلى مدن: أمالفي، وجايتا، ونابولي، يَلْتَمِس لنفسه، ولأَمْلاكه الحِماية، ولكنه لم يَظْفَر إلا بنجاح ضَئيل؛ لأن القسطنطينية لم تطمئن إلى تَقَرُّب البابا من الفرنجة الكارولنجيين، ولأنها كانت مَشْغولة بأَمْر صِقِلِّيَّة، وبشؤون مُمْتلكاتها في بلاد الشَّرْق، وأما الملك شارل الفرنجي؛ فلم يكن لديه أُسْطول يبعث به[5]، وأما حِلْف مُدن كمبانيا؛ فلم يرغب في مُعاداة المسلمين أصدقائه حينئذ.

 

وقد ترتب على تَخَلِّي هؤلاء جميعًا عن بابا روما أن مُمْتَلَكات الكَنِيسة في وسط إيطاليا لم تَحْظَ بشيء من السَّكِيْنة، إلا بعد أن قام البابا بدَفْع جِزْيَة للمُسْلِمين، قَدْرُها خمس وعشرون ألف (25000) قطعة فِضِّيَّة[6].

 

محاولة العثمانيين فتح روما:

بعد أن فتح الجيش العثماني في عهد السلطان محمد الفاتح رحمه الله تعالى مدينة أوترانت الإيطالية عَنْوَة في شهر أغسطس من سنة 1480 م - وقد مَرَّ ذكر هذا عند الحديث عن تاريخ الإسلام في ولاية بوليا - كان السلطان محمد رحمه الله تعالى ينوى إكمال فتح جميع إيطاليا، ويُقال: إنه أقسم بأن يَرْبِط حِصانه في كنيسة القِدِّيْس بُطرس بمدينة روما، ولكن السلطان محمد رحمه الله تعالى توفي في شهر مايو من العام الذي يليه[7].


[1] انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان حاشية (ص141).

[2] لا يشك عاقل أن ذلك التَنَصُّر - لو صح وقوعه بهذه الصورة - كان تحت وقع الإكراه أخذًا بالرُّخْصة، ولا يُعْقَل أن مجاهدًا مسلمًا يقع في أسر أعدائه، يكون مستعدًا للتخلي عن دينه بمجرد الوقوع في الأسر، إلا على سبيل التقية، والمداراة، ولا ننسى ما كان يفعله النصارى في مُسْلِمي الأندلس؛ لإجبارهم الدخول في النصرانية الكاثوليكية، ولا شك أيضًا أن بقاء الأجيال تلو الأجيال تحت حكم الكفار - مع العجز عن الهجرة إلى ديار الإسلام - يؤول إلى نُشوء أجيال تتأقلم مع الأوضاع القائمة في البلاد التي نشأت فيها، ويتلاشى مع مرور الوقت استحضار حالة الإكراه، واستصحاب نية الهجرة إلى دار الإسلام، فيصير النسل نصرانيًا قُحًّا مع تعاقب الأزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

[3] السَّحْنَةُ، والسَّحْناءُ، بسُكُون الحاء، وتَحْرِيكها في كليهما: لينُ البَشَرَةِ، والنَّعْمَةُ، والهَيْئَةُ، واللَّوْنُ. انظر: تاج العروس (35/173).

[4] وقال في مجلة المنار، عدد شهر المحرم، من عام 1342هـ بعد أن وصف دخول المسلمين لروما بالاجتياح: ورد في التواريخ: أن العرب صعدوا إلى رومة من مصب نهر التيبر، واجتاحوا البلدة، وأخذوا من كنيسة مار بطرس تابوتًا من فضة، ولكنهم لم يستقروا برومة، ثم إن العرب كانوا يختلفون إلى ضواحي رومة، ويَشُنُّون الغارات فيها، وفي إحدى المرار اجتمع عليهم الأهالي، فهزموهم، فخَلُص منهم فئة إلى البحر، وفئة استؤصلت بالسيف، وفئة من بقايا السيوف لاذت بمكان منيع هناك، وناضلت عن نفسها، وبقيت تحمي نفسها، إلى أن وقع الصلح بينها وبين أهل البلاد، ولأسباب مجهولة عندنا تفاصيلها، تركوا تَوَطُّن تلك الأرض، فالآن على مسافة 40 كيلو متر من رومة، قرية اسمها (سارازينسكو) Sarrasinesco، من اسمها يعرف أن أهلها أصلًا مسلمون؛ لأن (سارازينو) معناه مسلم كما لا يخفى، وليس الدليل على كون أهل هذه القرية عربًا هو الاسم فقط، بل حدثني الكونت كولالتو صاحب جريدة رومة الإيطالية التي تصدر بالقاهرة - وهو من جِلَّة أُدباء الطليان وفُحول الكتاب - أن أهالي قرية سارازينسكو هم إلى يومنا هذا حافظون عاداتهم العربية، ومآكلهم العربية، ولا يزالون يعزفون بآلات الطرب العربية، مما لا يوجد عند قوم سواهم في إيطالية، وإن سحناتهم إلى هذا اليوم سحنات العرب، لا يتمارى في ذلك من رآهم، انتهى.

[5] تَقَدَّم معنا عند الحديث عن جهود ملوك أوروبا لمواجهة الزحف الإسلامي في إيطاليا ما ذكره المسيو رينو من أن الملك شارل الثاني الفرنجي قد نوى أن يذهب بجيش إلى إيطاليا بعد استيلاء الأغالبة على جنوبها، وتَعَرُّض الباباوية في روما للخطر من جَرَّاء ذلك، ولكنه توفي في سنة 876 م، ولم يُعَلِّل رينو عدم ذهابه هناك بعدم وجود أسطول لديه.

[6] انظر: تاريخ القوى البحرية والتجارية (ص219). وقد تم التصرف في بعض العبارات التي لا تخلو من النزعة الصليبية في عبارات المؤلف المذكور.

[7] انظر: تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص176،175).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين   تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين Emptyالثلاثاء 14 مايو 2019, 11:39 pm

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (29)

 

البُنْدُقِيَّة[1]:

تقع مدينة البُنْدُقِيَّة - المُسَمَّاة بفينسيا - في شمال شرق إيطاليا، وتُطِلُّ على الخليج المسمى باسمها، والمفتوح بدَوْره على البحر الأدرياتي[2]، وتتكون من عدد كبير من الجزر الصغيرة المتجاورة، يتم التنقل بينها بالزَّوارِق[3]، وهي عاصمة إقليم فينيتو الإيطالي حاليًا، وهو أحد أقاليم إيطاليا العشرين.

 

وكانت البُنْدُقِيَّة من قَبْل جمهورية مُسْتَقِلَّة ذات مَكانة كبرى في العصور الوسطى في أوروبا[4]، وسَيْطَرَت لمُدَّة ومنية طويلة على أجزاء واسعة من سَواحل البَلْقان على البحر الأدرياتي، وكذا على كثير من جُزُره، كما سَيْطَرَت على العديد من جُزُر بحر إيجة، وامْتَدَّت سَيْطَرتها لتشمل جزيرتي قُبرص، وكريت في بعض الأحيان، وسَيْطَرَت على أوترانتو التي تُعَدُّ مَدْخل البحر الأدرياتي من الجهة الإيطالية.

 

وكان لنشاطها البحري التجاري[5] دور كبير في تلك السيطرة العسكرية التي حَوَّلَتْها إلى إمبراطورية بحرية كبرى[6]، حتى سَحَب العثمانيون بتوسعاتهم في البَلْقان البِساط من تحت أقدام البَنادِقة، وازداد دَورهم اضْمِحلالًا عقب توسع النشاط البحري الإسباني، والبرتغالي، وما تَبِعه من اكتشافات جغرافية، وتَحَوُّل في طرق التجارة البحرية، التي كانت عَصَب إمبراطورية البُنْدُقِيَّة البحرية.[7]

 

الصِّراع الإسلامي البُنْدقِي:

لما بدأ المسلمون يتجهون لغزو إيطاليا عقب سيطرة الأغالبة على جزيرة صقلية، وسيطرة الرَّبَضِيِّين الأندلسيين على جزيرة كريت[8]، اصْطَدَم المسلمون بالبَنادِقة غير مرة في مياه البحرين: الأدرياتي، والأيوني، وتمكنوا من هزيمتهم، واستطاعوا تأسيس حكومة إسلامية في باري، واستولى مُسْلِموا جزيرة كريت على طارنت - تارانتو - في وقت مقارب لقيام الإمارة الإسلامية في باري، فكان من نتائج تلك الأحداث أن تَعَرَّض البحر الأدرياتي لغارات الأساطيل الإسلامية.[9]

 

ولكن البُنْدقِيَّة انتقمت للهزيمة التي حَلَّت بها في البحر الأدرياتي بعد نحو سبع وعشرين عامًا، حينما انتصر التحالف البيزنطي البُنْدقي البحري، المؤيِّد للحصار البَرِّي الذي ضَرَبه لويس الثاني الكارولنجي تجاه طارنت - تارانتو - في عام 867م، فبدأت بذلك الأحوال في ذلك البحر بالتَّغَيُّر لصالح نصارى أوروبا من البيزنطيين، وحُلَفائهم القُدامى من البُنْدقيين، واستعادت قواتهم أوترانتو في عام 873م، وباري عام 876م، في حين بقيت طارنت - تارانتو - وحدها في أيدي المسلمين.[10]

 

غَزْو البُنْدقِيَّة في عُقْر دارها:

أغار أسطول إسلامي على شمال البحر الأدرياتي في عام 842م، وهزم أسطولًا بحريًا للبندقية في مياه خليج كوارنيرو.[11]

 

وأَغار أُسْطول إسلامي على البُنْدُقِيَّة في عام 875م، وأَحْرَق ميناء كوماتشو، الواقع على مَصَبِّ نهر البو، ويُعْتَقد أن ذلك الأُسطول قد أَبْحَر غالبًا من طارنت - تارانتوا - ومن الجَدير بالذِّكْر أن هذه الغَزْوَة تُعتبر آخر الغارات الإسلامية في شمال البحر الأدرياتي.[12]

 

https://www.alukah.net/userfiles/pdf/map.jpg

الخريطة عن كتاب أطلس تاريخ الإسلام لحسين مؤنس (ص284)


[1] ضبطها صاحب حماة في تقويم البلدان بضم الباء الموحدة، وسكون النون، ثم دال مهملة، وقاف، ومثناة تحتية، وهاء في الآخر. انظر: صبح الأعشى للقلقشندي (5/382).

 
وقال ابن الوردي في خريدة العجائب (ص62): أرض البنادقة: وهي إقليم عظيم، ومدينتهم العُظمى تسمى بندقية، وهي على خليج يخرج من بحر الروم، ويمتد نحو سبعمائة ميل في جهة الشمال، وهي قريبة من جنوة، بينها وبين جنوة في البر ثمانية أيام، وأما في البحر فبينهما أمدًا بعيدًا، أكثر من شهرين، والبُنْدُقِيَّة مقر خليفتهم واسمه البابا - كذا قال - وهي شمال الأندلس - كذا وصفها - ومدنهم كلها على جانبي الخليج البندقي، وهي مدن، وقرى عامرة، ورساتيق،انتهى.

[2] وصف القلقشندي في صبح الأعشى (3/245) البحر الأدرياتي بقوله: جون البنادقة: وهو خليج يخرج من بحر الروم هذا - يعني البحر المتوسط - ويمتد غربًا بشمال، حتى يصير طرفه غربي رومية - كذا قال - وعلى طرفه مدينة البُنْدُقِيَّة، ومن فمه إلى منتهاه نحو سبعمائة ميل، ثم يجاور فم الخور المذكور إلى مملكة بولية، وأولها فم خور البنادقة من الجانب الغربي،انتهى.

[3] وصف ابن سعيد في كتاب الجغرفيا عمارة البندقية بقوله: عمارتها في البحر، وتخترق المراكب أكثرها، تتردد بين الدُّور، ومركب الإنسان على باب داره، وليس لهم مكان يتمشون فيه إلا الساباط الذي فيه سوق الصَّرْف، صنعوه لراحتهم إذا أرادوا التمشي. انظر: صبح الأعشى (5/383،382).

[4] ذكر القلقشندي في صبح الأعشى (5/382) عن مملكة البنادقة: أنهم طائفة مشهورة من الفرنج، وأن وبلادهم شرقي بلاد الأنبردية - اللمبادريين - وأن وقاعدة مملكتهم البُنْدُقِيَّة، وأن ملكهم من أنفسهم، يُقال له: الدُوْك - الدوق - بضم الدال المهملة، وسكون الواو، وكاف في الآخر. ووقع في كتاب الجغرافيا لابن سعيد بالجيم بدلًا من الكاف.

 

وقد حققت البندقية - كما حققت الجمهوريتان البحريتان الإيطاليتان الأخريان: جنوة، وبيزا - العديد من المكاسب في الأراضي الخاضعة للصليبيين في المشرق، وحصلت على العديد من المميزات، وأعفيت من كثير من الضرائب، بل امتلكت بعض المستعمرات في الشام، وكان كل ذلك مكافأة لتلك الجمهوريات البحرية على جهودها في خدمة الحملات الصليبية. انظر: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى لهنري بيرين (ص34).

[5] كان لوفرة الأخشاب، وحب الفروسية دور كبير في إنشاء تلك الجمهورية البحرية الكبرى، قال ابن سعيد في كتاب الجغرافيا وهو يتكلم عن الدوق حاكم البندقية: وفي نهر من أنهار أرضه، الذهب المائل للخضرة، وعنده الأخشاب الكثيرة العظيمة، وعلى شط بحر البُنْدُقِيَّة جبل أشكفونية، فيه الأخشاب، والسناقر، والرجال الشجعان، الذين يغلب بهم في البحر أهلَ جنوة،انتهى. وقد سبق ذكر ما كان من تنافس شديد بين جنوة والبندقية على النشاط البحري التجاري والعسكري في البحر المتوسط عند الحديث عن جنوة.

[6] قال في صبح الأعشى (5/383،382): ودنانيرهم أفضل دنانير الفرنجة، وقد تقدم في الكلام على معاملة الديار المصرية في أول هذه المقالة، أن دينارهم يُقال له: دوكات نسبة إلى الدوك الذي هو ملكهم، وإليها يُنسب الجوخ البندقي الفائق لكل نوع من الجوخ.

[7] انظر: أطلس تاريخ الإسلام (ص298،297)، وتاريخ أوروبا في العصور الوسطى لهنري بيرين (ص23-26).

[8] جزيرة كريت - المسماة في المصادر العربية بجزيرة أقريطش - هي جزيرة في شرقي البحر المتوسط بالقرب من اليونان، غزاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح في خلافة عثمان رضي الله عنه، وغزاها المسلمون في أيام بني أمية، وبني العباس عدة غزوات، ثم فتحها المسلمون الرَّبَضِيِّون الأندلسيون سنة 212 هـ (825 م)، وانتزعوها من أيدي البيزنطيين، وفيها أسسوا قاعدة لهم أحاطوها بخندق كبير، فعُرِفت باسم الخندق، وهي المسماة حاليا بكانديا - أخذا من الاسم العربي، وصارت جزيرة كريت منذ ذلك الوقت قاعدة إسلامية ضد الدولة البيزنطية، ومَصْدر رُعب لأمنها، وتجارتها. وقد حاول البيزنطيون استعادتها مرات عديدة، واستعانوا بمئات من الجنود الروس في بعض المحاولات، ولكنها فشلت بسبب المساعدات التي كانت تقدمها مصر، والشام، وأفريقية لهذه الجزيرة، إلى أن تمكن القائد البيزنطي نقفور فوكاس - والذي صار الإمبراطور فيما بعد - من استعادتها سنة 350 هـ (961م) بعد ما يزيد على القرن وربع القرن من الزمان، ثم فتحها العثمانيون في القرن السابع عشر الميلادي، وظلت في أيديهم، حتى استقلت سنة 1898م، ثم التحقت باليونان سنة 1913 م ، وينسب إليها كثير من العلماء، منهم: المُحَدِّث، محمد بن عيسى، أبو بكر، الأقريطشي رحمه الله تعالى. انظر: تاريخ الطبري (5/174)، والأنساب للسمعاني (1/200)، ومعجم البلدان (1/236)، وسير أعلام النبلاء (8/258،257)، وتاريخ الإسلام (25/235)، وتاريخ ابن خلدون (3/253)، (4/211،126،47)، والروض المعطار (ص51)، والاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (1/223)، والمغرب في حلى المغرب لابن سعيد المغربي (1/42)، ونفح الطيب (1/339)، (3/162)، (5/16،15)، وأطلس تاريخ الإسلام (ص287).

[9] انظر: تاريخ القوى البحرية والتجارية لأرشيبالد لويس (ص215).

[10] المرجع السابق (ص218).

[11] القوى البحرية والتجارية (ص216،215).

[12] انظر: المرجع السابق (ص219،218).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين   تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين Emptyالثلاثاء 14 مايو 2019, 11:40 pm

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الصِّراع العُثْماني البُنْدقِيِّ
صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (30)

 

العُثمانيون يَسْحَبون البِساط من تحت أقدام البَنادِقة:

لما تَوَسَّع بنو عثمان في تَمَلُّك أراضي أوروبا الشرقية، شَكَّلوا خطرًا كبيرًا على مُمْتلكات جمهورية البُنْدقِيَّة فيها، بل شكلوا في بعض الأحيان خطرا على عقر بلادهم بشمال شرق إيطاليا، وخَشِي البنادقة من وقوع بلادهم تحت الحكم العثماني بعد اكتساح العثمانيين المتواصل لأقاليم شرق أوروبا منذ القرن الثامن الهجري، وقد اتَّسَمَت العلاقات بين الدولتين في أغلب تاريخهما بالحُروب المُتطاحِنة كنتيجة حتمية لذلك.

 

قال القلقشندي[1] عن السلطان مراد بن أورخان بن عثمان، المعروف بمراد الأول: تَوَغَّل في بلاد النصرانية فيما وراء الخليج القسطنطيني في الجانب الغربي، وفتح بلادهم، إلى أن قَرُب من خليج البَنادِقة، وجبال جَنَوَة، وصَيَّر أكثرهم أمراء، ورعايا له، وعاث في بلاد الكفار بما لم يُعْهَد قبله من مثله، وأحاط بالقسطنطينية من كل جانب، حتى أعطاه صاحبُها الجِزْيَة، ولم يزل على ذلك، حتى قُتل في حرب الصَّقالِبة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، انتهى.

 

وفي سنة 1430 م فتح السلطان مُراد الثاني مدينة سلانيك - سالونيك - التي كان تنازل عنها ملك الروم إلى أهالي البُنْدقِيَّة بعد أن حاصرها خمسة عشر يومًا[2].

 

ثم شاركت البُنْدقِيَّة في الحِلْف الأوروبي الآسيوي الذي تَرَأَسَه البابا بيوس الثاني ضد الدولة العثمانية، وعَقَد اجتماعًا لذلك التَّحالُف في مدينة ريجنس بورغ في إبريل سنة 1454م، وعاهدته فيه ثلاثون دولة في أوروبا وآسيا على حَرْب العثمانيين، وبدأت الحرب الكبرى في 3 إبريل سنة 1463م، فهجمت أساطيل البُنْدقِيَّة، وغيرها على المواقع البحرية العثمانية، ولكنها صُدَّت، ولم تُحَقِّق انتصارًا يُذْكَر، شأنُها شأنُ حُلَفائِها الذين مُنُوا بهزائم ساحِقة على الجَبْهَتين الأوروبية، والآسيوية، ولكن الله تعالى قَدَّر هزيمة ذلك الحِلْف الكبير أمام جيوش السلطان محمد الفاتح العثماني على الجَبْهَتَيْن الأوروبية، والآسيوية.

 

وقد خاض السلطان الفاتح رحمه الله تعالى معارك عديدة ضد البُنْدقِيَّة، فقاد الغزوة الحادية والعشرين من غزواته المعروفة بالغزوات الهَمايونِيَّة في صيف سنة 1470م، فاجتاح قِلاع ومواقع البُنْدقِيَّة في بحر إيجة[3]، وفتح جزيرة آغريبوز في ذلك البحر.

 

وفي سنة 1477 أغار السلطان على بلاد البَنادِقة، ووصل إلى إقليم الفريول، بعد أن مَرَّ بكرواتيا، فخاف البَنادِقة على مدينتهم الأصلية، وأَبْرَموا الصُّلْح معه، تاركين له مدينة كرويا التي كانت عاصمة إسكندر بك الشهير، فاحتلَّها السلطان.

 

ثم غزا سنة 1478م بلاد الأرناؤوط في ألبانيا؛ لتحريرها من البَنادقة، ففتح قلعة عاصمتهم أشقودرة في عام 1479م صُلحًا بعد أن اضطر البَنادِقة لتسليمها له، والتنازل عنها، وخَضَعَوا كارهين لتوقيع معاهدة سلام جديدة مع السلطان الفاتح، في مقابل بعض امْتِيازات تُجارية حصلوا عليها، وكانت هذه أول خُطوة خَطَتْها الدولة العثمانية للتدخل في شؤون أوروبا؛ إذ كانت جمهورية البنادقة حين ذاك أهم دول أوروبا، لاسيما في التجارة البحرية، وما كان يُعادلها في ذلك إلا جمهورية جَنَوَة.

 

ورَغْبَةً في التَّخَلُّص من تَمْريغ العثمانيين لأنفها في التراب، أَعَدَّت البُنْدقِيَّة أربع عشرة مؤامرة لاغتيال السلطان الفاتح، حتى تموز سنة 1479م، إلى أن نجح الطبيب اليهودي البُندقي الأصل، المَدْعو يعقوب باشا - وكان قد تَظاهر بالإسلام وتَرَقَّى حتى صار طبيب السلطان - في دَسِّ السُّمِّ له، في الوقت الذي كان السلطان يستعد فيه للحملة السادسة والعشرين[4].

 

ثم تَوالت الحروب بين البلدين على مَدار عِدَّة قُرون، ولا تكاد الحرب بينهما تهدأ، وتُبْرَم اتفاقية مُصالحة؛ إلا وتعود مُشْتَعِلة مرة أخرى.

 

فقد فتح السلطان بايزيد الثاني مدينة ليبنته من بلاد اليونان - وكانت تابعة للبَنادِقة - بكل سهولة، عقب انتصار العِمارة البحرية العثمانية على مراكب البَنادِقة التي اعْترضَتْها عند مَدْخِل الخليج المُسَمَّى باسم هذه المدينة، وفي السنة التالية احْتَلَّ العُثمانيون ثُغور مودون، وكورون، وناورين من بلاد اليونان، وكانت من أملاك البنادقة في هذه البحار.

 

فخافت جمهورية البُنْدقِيَّة من تَقَدُّم الأتراك إلى مَرْكز حكومتها من ضياع استقلالها، واستغاثت بممالك أوروبا النصرانية، فأنجدها البابا، وملك فرنسا ببعض مراكب حربية، وساعدوها على مُحاصرة جزيرة ميدللي؛ لإشغال الدولة عن بلادها، فلم تنجح، بل فتح العثمانيون مدينة رودتسو الواقعة على بحر الأدرياتي، ولولا أن قدر الله تعالى عصيان أولاد السلطان بايزيد عليه ببلاد الأناضول - ومنهم سليم الثاني - لفُتِحَت باقي بلاد البَنادقِة، لكن اضطرت أحوال المملكة الداخلية السلطان إلى إبرام الصلح مع مُحارِبيه بأوروبا، وهم المجر، والبنادقة، فتَمَّ الصُّلْح بينه وبين جمهورية البُنْدقِيَّة سنة 1502 م، وفي السنة التالية تَمَّ الصُّلْح كذلك مع ملك المجر[5].

 

وكان البَنادِقَة يدفعون للدولة العثمانية مِقْدارًا من المال، مُقابِل سَماحِها لهم بالبقاء في جزيرة قُبْرُص، وقد جاء سَفير من قبل جُمهورية البُنْدقِيَّة عقب رجوع السلطان سَليم الأول لمدينة أَدِرْنة بعد هزيمة المماليك، وضَمِّ مصر والشام؛ ليدفع له خَراج سنتين مُتأخر الخَراج المُقَرَّر عليها، نَظِير بقائها في الجزيرة[6].

 

ولما تَحالَف السلطان سُليمان القانوني مع فرنسا؛ لقتال شارلكان إمبراطور النمسا، أَظْهَرَت جمهورية البُنْدقِيَّة العُدوان، ولم تدخل مع الدولة في الحِلْف، فأراد السلطان سليمان الانتقام من جمهورية البَنادِقة على عدم انحيازها لتَحالُفه، مع أنه راعى جوارها، ولم يَغْزُ بلادهم، فأرسل القبودان خير الدين باشا البحري - بربروسا - ومعه نحو ألف سفينة؛ لمحاصرة جزيرة كورفو فحاصرها في شهر سبتمبر سنة 1537 م، وحضر السلطان الحِصار بنفسه، ولما اشْتَدَّ دِفاع أهلها، أرسل السلطان خير الدين باشا لفتح ما بَقي من جزائر الرُّوم، ففتح أغلبها، وغزا جزيرة كريت، ثم جمع السلطان سليمان ببلاد الأرنؤوط جيشًا عظيمًا، مؤلفًا من مائة ألف مقاتل في مايو من سنة 1538 م؛ لشَنِّ الغارة على بلاد إيطاليا، ونزل خير الدين باشا بميناء أوترانو بجنوب إيطاليا؛ استعدادًا لمهاجمتها من جهة الجنوب، بينما يهاجمها السلطان سليمان من جهة الشرق، وملك فرنسا من جهة الغرب، لكن إحجام فرنسا عن التَّقَدُّم؛ إطاعَةً للرأي العام النَّصْراني ، الذي كان مُتأجِجًا على مَلكها؛ لدُخوله في حِلْف مع دولة مسلمة؛ لمحاربة دولة نصرانية، كان السبب في عدم نجاح هذا المشروع، الذي لو تَمَّ، لكانت نتيجته - والله أعلم - دخول بلاد إيطاليا بأَسْرها تحت ظِلِّ الدولة العثمانية، وانتهى الأمر بأن تَهادَن ملك فرنسا مع الإمبراطور شارلكان، وأَمْضَيا مُهادَنة نيس سنة 1538 م.

 

أما من جهة البُنْدقِيَّة، فاستمرت الحرب بينها وبين الدولة العثمانية سِجالًا، حتى انتهت بالصُّلْح في أواخر سنة 1538 م بتنازل البُنْدقِيَّة عن ملفوازي، ونابولي دي رومانيا، من بلاد موره باليونان[7].

 

وفي عهد السلطان سليم الثاني تم فتح جزيرة قبرص، التي كانت تابعة للبُندقية، فأُرْسِلَت إليها المراكب الحربية في سنة 978 ه-، 1570 م، تحمل مائة ألف جندي، وحُوصِرَت مدينة فماجوست ماغوسه مرتين، حتى تم فتح الجزيرة في 10 ربيع الأول سنة 979 ه-،2 أغسطس سنة 1571 م.

 

وغَزَت المراكب العثمانية جزيرة كريت، وظنته، وغيرها، بدون أن تفتحها، واحتلَّت مدائن دلنسنيو، وانتيباري على البحر الادرياتيكي، فلما رأت البُنْدقِيَّة تَغَلُّب العثمانيين عليها، وفتح كثير من بلادها، استعانت بإسبانيا، والبابا، وتم بينهم الاتفاق على مُحارَبة الدولة بحرًا؛ خَوْفًا من امتداد سُلْطَتها على بلاد إيطاليا، وآل ذلك إلى وقوع معركة بحرية كبرى سنة 979 ه-، 1571 م بالقرب من ليبنة، خَسِر فيها العثمانيون خَسائر فادِحة[8].

 

ولكن سرعان ما عَرَضَت البُنْدقِيَّة الصُّلْح على الدولة العثمانية في سنة 980 ه-، 1573 م، بسبب وقوع الشِّقاق بين القبودان البُنْدقِي والقبودان الإسبانيولي، فقَبِل العثمانيون، على أن تتنازل البُنْدقية للدولة عن جزيرة قُبْرُص، وأن تدفع البُنْدقية غَرامَة حَرْبِيَّة، قَدْرُها 300 ألف دوكا، وقد كان العثمانيون أَتَمُّوا استعداد 250 سفينة جديدة قبل وقوع الصلح المذكور[9].

 

وفي عهد السلطان إبراهيم الأول، ابن السلطان أحمد الأول تَمَّ فَتْح جزيرة كريت، وكانت تابعة لجمهورية البُنْدقِيَّة، حيث أمر السلطان المذكور بتجهيز عمارة بحرية قوية؛ لفتح تلك الجزيرة؛ لأهمية موقعها الجغرافي الحربي عند مدخل بحر أرخبيل اليونان، ولتوسطها في الطريق بين الآستانة وولاية الغرب، ورَسَت العِمارة الحربية العثمانية أمام مدينة خانية، أهم ثغور الجزيرة في 29 ربيع الآخر سنة 1055 ه-، 24 يونيه سنة 1645 م،وافتتحتها بدون حرب تقريبًا؛ لعدم وصول العِمارة الحربية البندقية إليها في الوقت المناسب، فانتقم البَنادِقة بحَرْق ثُغور بتراس، وكورون، ومودون من بلاد موره باليونان[10].

 

وفي أيام السلطان محمد خان الرابع: تَغَلَّبت مراكب جمهورية البُنْدقِيَّة على عِمارة الدولة العثمانية البحرية عند مدخل الدردنيل، واحتلت تنيدوس، وجزيرة لمنوس، وغيرهما، ومنعت بذلك المراكب الحاملة للقمح، واصناف المأكولات عن الوصول إلى القسطنطينية من هذا الطريق، حتى غَلَت جميع الأصناف، ولكن الوزير محمد باشا الشهير بكوبريلي، والذي تولى مَنْصِب الصُّدارَة العظمى في الدولة سنة 1067 ه-، 1656 م، أرسل المراكب في أواسط يوليه سنة 1657 م؛ لمحاربة سُفن البَنادِقة المُحاصِرة لمدخل الدردنيل، وانتصرت عليها بعد موت القائد البحري البُنْدقِي الشهير موشنجو، واستَرَدَّت منهم ما احْتَلُّوه من الثُّغُور، والجزائر[11].

 

وفي عهد السلطان مصطفى الثاني: اسْتَرَدَّ الأميرال البحري العثماني المُلَقَّب مزومورتو جزيرة ساقز بعد ان انتصر دفعتين على مراكب البُنْدقية[12].

 

وفي عهد السلطان أحمد الثالث: تَوَلَّى علي باشا داماد مَنْصِب الصُّدارَة، وكان مَيَّالًا للحرب، غَيورًا على صالح الدولة العثمانية، مَيَّالًا لاسترجاع ما ضاع من أملاكها، خُصوصًا بلاد موره، ولذلك أعلن الحرب على جمهورية البُنْدقِيَّة، واسْتَرَدَّ في قليل من الزمن المدن التي كانت باقية للبَنادِقة بجزيرة كريت، كما اسْتَرَدَّ جُزُرًا أخرى، حتى لم يَبْقَ للبَنادِقة ببلاد اليونان إلا جزيرة كورفو، فاستعانت البُنْدقِيَّة بشارل الثالث إمبراطور النمسا، فأرسل إلى السلطان بلاغًا، يطلب منه فيه إرجاع كل ما أخذه من البَنادِقة، وإلا يكون امتناعه بمثابة إعلان للحرب، فلم تقبل الدولة، وتورطت لعدم تَبَصُّر وزيرها في حرب عَوانٍ، لم تكن مُسْتَعِدَّة لها آنذاك، فانتصر النمساويون عليها في موقعة بترواردين سنة 1716 م، وقتل في المعركة الصَّدْر الأعظم علي باشا داماد نفسه، واستولت النمسا على مدينة تمسوار، وبلغراد، ثم وقعت الدولة العثمانية معهم صلحًا سنة 1718 م، تنازلت فيه للنمسا عن ولاية تمسوار، ومدينة بلغراد، مع جزء عظيم من بلاد الصرب، وآخر من بلاد الفلاخ - وهي رومانيا - وسمحت لجمهورية البُنْدقِيَّة أن تظل محتفظة بما احْتَلَّتْه من  ثغور شاطئ دلماسيا - بكرواتيا - أما بلاد موره، فترجع إلى الدولة، وسُمِّيَت هذه المعاهدة بمعاهدة بساروفتس.[13]

[1] صبح الأعشى (5/349).

[2] انظر: تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص155).

[3] يقع بحر إيجة بين شبه الجزيرة اليونانية والأناضول، ويتصل بالبحر الأسود وبحر مرمرة عن طريق مضيقي البوسفور، والدردنيل، وتطل عليه تركيا، واليونان، وللسيطرة عليه دور كبير في إحكام القبضة على شمال شرق البحر المتوسط، ومدخل البحر الأدرياتي.

[4] انظر: تاريخ الدولة العلية العثمانية لفريد بك المحامي (ص174-176)، وبحث بعنوان الواحة العثمانية الخامسة للدكتور محمود السيد الدغيم، وقد نشرت هذه الواحة في الصفحة 19 من ملحق التراث في جريدة الحياة بلندن، يوم السبت 27 ربيع الأول سنة 1426 ه-، 4 حزيران 2005م.

[5] انظر: تاريخ الدولة العلية العثمانية لفريد بك المحامي (ص185).

[6] انظر: المرجع السابق (ص197). وقد كان السلطان سَليم في هذه المدة مُشْتَغِلًا بتجهيز عمارة بحرية؛ لمُعاودة الكَرَّة على جزيرة رودس بحرًا.

[7] انظر: المرجع السابق (ص235،234).

[8] انظر: المرجع السابق (ص255-257).

[9] انظر: المرجع السابق (ص258).

[10] انظر: المرجع السابق (ص287،286).

[11] انظر: المرجع السابق (ص291،290).

[12] انظر: المرجع السابق (ص309،310).

[13] انظر: المرجع السابق (ص316،315).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين   تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين Emptyالثلاثاء 14 مايو 2019, 11:41 pm

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (22)


جَنَوَة:

تقع مدينة جَنَوَة[1] بشمال غرب إيطاليا، وهي عاصمة إقليم ليغوريا الإيطالي، وتُطِلُّ على الخَليج المُسَمَّى باسمها، والمَفْتُوح بدَوْرِه على البَحْر التِّيْراني[2].

 

تاريخ غزوات المسلمين وفتوحاتهم لمدينة جَنَوَة:

لقد كان اصطدام المسلمين بأهل جَنَوَة في البحر مبكرًا جدًا؛ فقد ذكر المسيو رينو[3] أن المسلمين لما اكتسحوا جزيرة كورسيكة في سنة 806 م، كان بيبين بن شارلمان مَلِكًا على إيطاليا حينئذ، فأرسل أُسطولًا لمُطارَدَتهم[4]، فلما شَعَر المسلمون بدُنُوِّ أُسْطُول النَّصارى، انسحبوا إلى الوراء، فطَمِع فيهم آدمر، كونت جَنَوَة، وتَعَقَّبَهم بأُسْطول، فرجعوا إليه، وقتلوه، وهزموا أُسْطُوله، وأَسَروا ستين راهبًا، وباعوهم في الأندلس، وبلغ ذلك شارلمان، ففَكَّهُم من الأَسْر بفِدْيَة أدَّاها عنهم.

 

وواضح من هذه الرواية أن الغُزاة المسلمين في تلك الأحداث كانوا من أهل الأندلس، الذين كانت علاقتهم بمملكة الفِرَنْجَة في ذلك الوقت علاقة عَسْكَرِيَّة مَحْضَة، يتبادل الطرفان فيها الهجوم والدفاع، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يُشْتَرَط أن يكون المُهاجِمون المذكورون جيشًا نِظاميًا.

 

ونقل رينو عن تاريخ كورسيكا لمؤلفه جاكوبي: أن المسلمين غَزَوا كورسيكا سنة 813 م مرة أخرى، فأَسَروا، وغَنموا، وبينما هم راجعون، أَكْمَن لهم كونت أمبورياس، بقرب مدينة برينيان قوة بحرية، غَنِمَت منهم ثمانية مراكب، كان فيها أكثر من خمسمائة أسير، فانتقم المسلمون عن ذلك باجتياح سواحل نيس، وبروفنس، وسيفيتة فكشيا بقرب رومة[5].

 

وبالرغم من كون مدينة نيس تقع اليوم في أقصى جنوب شرق فرنسا، بالقرب من حدود إيطاليا، بين مارسيليا وجنوة، ويقع إقليم البروفنس - وبه مدينة مارسيليا - في جنوب فرنسا، إلا أن هاتان المنطقتان المتلاصقتان: الشمالية الغربية من إيطاليا، والجنوبية الشرقية من فرنسا، كانتا متشابكتان جدًا، جُغرافيًا، وسياسيًا، وسكانيًا لفترات تاريخية طويلة، وكانتا جميعًا في ذلك الوقت تابعتين لمملكة شارلمان الفِرَنْجِي، وأبنائه من ملوك الكارولنجيين[6].

 

وقد كان للقَراصِنة - إن سَلَّمْنا بوصفهم بذلك الوَصْف - نَصِيب في الهجوم على تلك المدن السَّاحلية في الربع الأول من القرن التاسع؛ فقد ذكر رينو[7] أن قَراصِنة إفريقية، والأندلس كانوا يَغْدُون، ويَرُوْحون في سواحل فرنسا، وإيطاليا، في الوقت الذي كان قَراصِنة النُّورمان - وهم الفايكنجز - يَعِيثون في سواحل فرنسا، وألمانيا، وإنكلترا، وإسبانية.

 

بل زعم مُؤرِّخوا النصارى أن قَراصِنة المسلمين - كما يُسَمُّونهم - قد تحالفوا مع قَراصِنة النورمان؛ لغَزْو سواحل جنوب أوروبا.

 

وقد أرسل بونيفاس أمير جزيرة كورسيكة - وهي مُقابِلَة لجَنَوَة - مراكب إلى إفريقية، فاجْتاحت ساحل قرطاجنة؛ للأَخْذ بالثأر من الهجوم المُتَكرر على بلاده[8].

 

ومن الجدير بالذكر: أن الوصف بالقرصنة لا يلزم منه كونهم مجموعة من قُطَّاع الطرق كما هو متبادر إلى الذهن؛ فإن المصادر الأوروبية قد دَأَبَت على إطلاق ذلك الوصف على من يقوم بعمليات الهجوم على السواحل، والمدن الأوروبية، وحيازة المغانم منها، إن لم يكن مرسلًا للغزو من قبل حاكم على قطر إسلامي، بل كان يصفون الأخير بالقرصنة أيضًا أحيانًا.

 

وليس ذلك على إطلاقه؛ لكون بعض المسلمين كانوا يقومون بما يعتقدونه غزوًا في سبيل الله بصورة فَرْدِيَّة، طالما لم يكن البلد المَغْزو له عهد وأمان مع المسلمين، لا أنهم قد احترفوا قَطْع الطريق، والسَّلْب والنَّهْب، حتى يوصفوا بما اصْطُلِح على تسميته بالقَرْصَنة. وقد اعتبر أرشيبالد لويس[9] أن الدافع الرئيس لاحتراف مدينتي بيزا وجنوة المغامرة البحرية، كان مغانم القرصنة، لا التجارة، فلذلك الغرض احترفتا - أي بيزا وجنوة - القرصنة، ونهب التجارة الإسلامية، ومدن المسلمين الساحلية على حد تعبيره.


[1] هكذا ضبطها الزبيدي في تاج العروس (37/381)، ولكنه أخطأ في تحديد موضعها، فذكر أنها مدينة بالأندلس. وقال القلقشندي في صبح الأعشى (5/383،382): مَمْلَكة الجَنَوِيِّين، وهم طائفة من الفرنج مشهورة أيضًا، وقاعدة مَمْلَكَتِهم مدينة جَنَوَة، قال في تقويم البلدان: بفتح الجيم، والنون، والواو، ثم هاء في الآخر، وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة، ثم نقل عن ابن سعيد وصفه لها، ومنه قوله: وهي على غربي جون عظيم من البحر الرومي، والبحر فيما بينها وبين الأندلس يدخل في الشمال، وهي غربي بلاد البيازنة - الظاهر أنه يقصد بيزا - ثم نقل قول الإدريسي: وبها جنات وأودية، وبها مَرْسَى جيد مأمون، ومَدْخله من الغرب، ثم نقل عن تقويم البلدان قوله: وعن بعض أهلها: أنها في ذيل جبل عظيم، وهي على حافَّة البحر، وميناها عليها سور، وأنها مدينة كبيرة إلى الغاية، وفيها أنواع الفواكه، ودُوْر أهلها عظيمة، كل دار بمنزلة قلعة؛ ولذلك اغْتَنَوا عن عمل سور عليها، ولها عيون ماء، منها شُرْبُهم، وشُرْبُبساتينهم، ثم نقل قول المؤيد صاحب حماة في تاريخه: ولها بلاد كثيرة،انتهى. وما نقله عن الإدريسي، وابن سعيد في هذا لا يوجد في المتوفر من نسخ الكتابين.

[2] قال الإدريسي في نزهة المشتاق: مدينة جَنَوَة: قديمة، أَزَلِيَّة البناء، حَسَنة الجهات والأفناء، بنيانها شاهق السُّمو، وهي وافرة الثمر، كثيرة المزارع والقرى والعمارات، وهي على قرب نهر صغير، وأهلها تجار أملئاء مياسير، يسافرون برًا وبحرًا، ويقتحمون سهلًا ووعرًا، ولهم أسطول مخيف، ولهم معرفة بالحيل الحربية، والآلات السلطانية، ولهم بين الروم عِزَّة أنفس. وعنه الحميري في الروض المعطار (ص173).

وقال ابن الوردي في خريدة العجائب (ص62): أرض الجَنَوِيَّة: وهي أرض واسعة، وبها مدن، وبلادهم غربي قسطنطينية، على بحر الروم - أي البحر المتوسط - ومن مدنهم المشهورة: جَنَوَة، وهي مدينة حَصينة، ذات أسوار، وأبواب حديد، وبها أمم عظيمة لا تُحْصَى. وانظر كذلك: تاريخ ابن الوردي (1/80).

[3] نقله عنه شكيب أرسلان في تاريخ غزوات العرب (ص140).

[4] كان الشَّمال الإيطالي بأسره تابعًا لمملكة شارلمان، وكانت جزر الحوض الغربي للبحر المتوسط: سردانية، وكورسيكا، وجزر البليار قد وضعت نفسها تحت حماية شارلمان؛ لكثرة تعرضها للغزو الإسلامي. انظر: تاريخ غزوات العرب (ص139).

[5] انظر: الموضع السابق من المرجع السابق.

[6] لقد تكونت في بروفانس provence فيما بعد مملكة مستقلة، لها ملوك، ثم أكناد- جمع كوند أو كونت وهو لقب لبعض حكام مقاطعات أوروبا في العصور الوسطى وكانوا دون الملوك في مجال سيطرتهم - ثم استلحقها الفرنسيون في زمان شارل الثامن، وهي الآن تشتمل على بلد الألب السفلى، ومصاب نهر الرون، ومقاطعة الفار، وفوكلوز.

[7] نفس المصدر (ص149)، ولم يحدد أعوامًا بعينها، وإنما كان قد ذكر حوادث وقعت في سنة 826 م، ثم ذكر أكثر من حادث بدون تحديد تاريخ، وإنما كان يحيل على نفس الوقت، أو الفترة الزمنية فحسب.

[8] انظر: الموضع السابق.

[9] انظر: (ص323) من كتابه القوى البحرية والتجارية؛ فإنها تنبئ عن كون هذا الوصف لا يلزم منه عند المؤرخين الأوروبيين ذَّم، وقَدْح.






صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (23)
صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في جَنَوَة وشمال غرب إيطالية في القرن الثالث الهجري (2)

كان الإمبراطور شارلمان الفرنجي يشعر بخطر شديد من غزوات المسلمين على سواحله البحرية، ويحاول أن يبذل جهده لوقفها، أو الحَدِّ منها.




يقول المسيو رينو: رأى الإمبراطور شارلمان أن الخطر قد ازداد على بلاده، وأن لا بد له من تدابير بالغة في الشدة؛ لرَدِّ غارات المسلمين البحرية، وقد كانت إمارة الأغالبة في إفريقية تابعة للخلافة العباسية في بغداد، فكان أمير القيروان مدة خلافة هارون الرشيد يتحامى سواحل مملكة شارلمان؛ حُرمةً للعهد الذي كان بين هارون والإمبراطور[1].



ولكن عندما مات الرشيد سنة 809، ووقعت الحرب بين ولديه الأمين والمأمون، تَفَصَّى الأمير الأغلبي من ذلك العهد، وصارت مراسي تونس، وسوسة بؤرة قُرصان، تنبث منها الغارات البحرية.




وقيل: إن أمير صِقِلِّيَّة كان يشكو إلى رسول قادم من عند الأغالبة عَيْث القرصان في سواحله، فأجابه الرسول: نعم، منذ مات أمير المؤمنين، صار الذين كانوا عبيدًا يريدون أن يكونوا أحرارًا، والذين كانوا أحرارًا ولكنهم فقراء، يريدون أن يكونوا أحرارًا أغنياء.




وكان القرصان أكثر ما يتعرضون للسفن التي تتردد بالبضائع بين فرنسة وإيطالية من جهة، ومصر والشام وآسيا الصغرى من أخرى، وكان قد انضم إلى قرصان المسلمين قرصان النورمانديين، وأخذوا جميعًا يَعِيثون في السواحل الجنوبية، فأمر شارلمان ببناء الأبراج والحصون في السواحل، وعند مَصابِّ الأنهار، وأنشأ الأساطيل لدفع عَوادي القرصان، وجميع هذه الروايات جاءت في مجموعة الدون بوكه.




ولما طالت هذه المُساجَلات البحرية، وتعب منها الفريقان، داخل بعضهم بعضًا في عقد معاهدة سلم، تأمن بها السفن البحرية غَوائل مُتَلَصِّصة البحر؛ ففي سنة 810 انعقدت أول مُتارَكة - أي معاهدة مسالمة - ثم تجددت بعد سنتين، وجاء رسول من الأندلس - يرجح أنه يحيى بن حكم أمير الماء في الأندلس - قاصدًا اكسلاشابل، وعقد معاهدة مع شارلمان لثلاث سنوات، ولكن المسلمين نقضوها هذه المرة - وهذا تعبير رينو اعتمادًا على المصادر الأوروبية - لأنهم سنة 813 نزلوا في جزيرة كورسيكة، وتقدم عبد الرحمن بن أمير قرطبة إلى حدود فرنسا بجيشه.




ثم ذكر رينو وفاة شارلمان سنة 814، قال: وخَلَفَه ابنه لويس الحليم، وسار على أَثَره في السياسة، ولكن في أيامه اسْتَفْحَلَت غزوات المسلمين البحرية، انتهى.




غَزْو الأَغالِبة لجَنَوَة:

قال عبد العزيز الثَّعالبي رحمه الله تعالى: قَلَّد أبو الغَرانيق، محمد الثاني ابن أحمد بن محمد بن الأغلب خفاجةَ[2] الولاية على إيطاليا، وأخرجه في سنة إحدى وخمسين ومائتين لفتح جَنَوَة، ففتحها، وتَقَّدم إلى جبال الألب، واستمر فاتحًا إلى نهاية السنة التالية لها.




ثم سَيَّرت بيزنطة في سنة ثلاث وخمسين ومائتين أُسطولًا ضخمًا؛ لمحاربة المسلمين في شُطوط أوروبا الجنوبية، ومَنْع جَحافلهم من التَّقَدُّم في فرنسا، فواقَعَه خفاجة على شواطئ جَنَوَة، وسركوسة، وألحق بهم خسارة عظيمة.[3]



وقال الثَّعالبي رحمه الله تعالى: وفي عهد إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب، قَلَّد الحسنَ بن رباح ولاية جنوبي أوروبا، ونَهَدَه إلى الغزو فيما يليها، فتقدم إلى مرسيلية، وفتح البروفانس، فاستنجدت فرنسا بالدولة البيزنطية، فسَيَّرَت لها أسطولاً مؤلَفًا من 140 مركبًا، فتَلَقَّاه الأُسطول الإفريقي في عَرْض البحر الرُّومي، فدارت بينهما معركة مَهولة، كان الفوز فيها للبيزنطيين، بعد أن تَحَطَّمت شَوانيهم، والتجأت بقايا الأسطول الإفريقي إلى بليرم، لكن الجيوش الإسلامية كانت تتوَغَّل في فرنسا، واستمرت على ذلك من سنة 266إلى سنة 272، فمَلَكَت بعض شواطئ الرون، واحتلت كولونيا، غير أن عَيْن البيزنطيين لم تَنَم عن هذه الفواجع، فأعادوا كَرَّة حَمْلَتهم البحرية، وحاولوا في هذه المرة قطع خطوط الاتصال بين جنوبي أوروبا وشمالي إفريقية، فاحْتَلَّ أسطولهم مدينة سبرية، فقاومهم المسلمون مقاومة عنيفة، مَنَعَتْهُم من التَّقَدُّم.




وفي سنة 275جهزت إفريقيا أسطولًا عظيمًا؛ لتَعَقُّب أسطول البيزنطيين، وشَلِّ حركتهم عن التقدم في الشُّطُوط، ولم يلبث أن اشتبك بالعدو، وضربه الضربة الحاسمة، ومَكَّن سيادة المسلمين في إيطاليا، وجانب من فرنسا.[4]




وقد ذكر المسيو رينو - نقلًا عن المصادر التاريخية الأوروبية في العصور الوسطى- وقوع غَزْوٍ إسلاميٍ لجَنَوَة، يبدو من تأريخه له بالتاريخ الميلادي، أنه سابق على ما ذكره الثعالبي رحمه الله تعالى من غَزْوها على يد خفاجة بن سفيان؛ فقد نقل[5] عن مجموعة البولنديين، وتاريخ مدينة نيس للمسيو لويس دورنت، ومخطوط لمؤلف اسمه أغيو فريدو، محفوظ في مكتبة تورينو: أن المسلمين لما غَزَوا روما في سنة 846 م[6]، قاموا أيضًا بغزو جَنَوَة ـ والظاهر من كلامه أنه يقصد أن غزوها كان في نفس العام - وعَطَّلُوا سُدود نَهْرِها[7]، فنَفَر الأهالي، وقاتلوهم، وحَمَل الرُّهْبان، والقِسِّيْسُون السِّلاح.




ولا شك في أن تعويل المستشرقين على المصادر الأوروربية القديمة، ذات الطابع الكنسي، له دور كبير في محاولة إضْفاء صفة اللُّصُوصِيَّة على الغُزاة المسلمين، والبطولة المزعومة على قساوسة النصارى ورهبانهم، وقد سبق أن ذكرنا ذلك فيما مضى، وأعدناه هنا للأهمية البالغة.




ثم نقل رينو عن مجموعة الدون بوكة[8]: أن المسلمين عادوا في سنة 848 م، فغَزَوا مرسيلية، وجميع الساحل إلى جَنَوَة، وكان الملك بيبين شابًا في ذلك الوقت[9]، وكان في حَرْب مع عَمِّه شارل الثاني المُلَقَّب بالأَصْلع، فطلب الملك بيبين مساعدة المسلمين له.

 

[1] ما ذكره رينو من علاقات ودية بين هارون وشارلمان محل نظر؛ فقد تعقب هو نفسه الأخبار التي نقلها عن مجموعة الدون بوكة بخصوص تلك العلاقات المزعومة بقوله: إن مؤرخي العرب لم يذكروا شيئًا من أخبار هذه العلاقات بين هارون الرشيد وشارلمان، وإنما ذكروا تبادل رسائل بين بيبين القصير - وهو والد شارلمان - والمنصور العباسي، وبين الملك لويس الحليم وبين المأمون،انتهى. قال شكيب أرسلان تعليقًا: وأما المسيو بوكفيل؛ فقد ذهب إلى كون هذه الأخبار كلها غير صحيحة. انظر: تاريخ غزوات العرب هامش (ص133).

ومن ثم؛ فإن ما نقله شكيب أرسلان في المصدر نفسه من قول رينو (ص116) عند حديثه عن غارات العرب على فرنسا: وكان الخلفاء العباسيون يعاملون الدولة الإفرنسية أحسن معاملة، ويتبادلون وإياها التحف والألطاف، وإن كان قد وجد من عمالهم في إفريقية من يشن الغارات على سواحلنا في الأحايين، فما ذاك إلا لتباعد المسافات بين أولئك العمال وبين مركز الخلافة العباسية،انتهى. لا يستقيم إطلاقه، والله أعلم.

[2] هو خفاجة بن سفيان، ولاه أبو الغَرانيق الأغلبي إمرة صقلية سنة ثمان وأربعين ومائتين، وكانت له غزوات كثيرة، ذكرها ابن الأثير في الكامل (6/143ـ145)، وابن خلدون (4/203،202) إلى أن قُتِل في سنة خمس وخمسين ومائتين، اغتاله رجل من عَسْكَره، وحُمِل خفاجة إلى بلرم، فدُفِن بها، ووَلَّى الناس عليهم بعده ابنه محمدًا، وكتبوا بذلك إلى الأمير محمد بن أحمد الأغلبي أمير إفريقية، فأَقَرَّه على الولاية، وسَيَّر له العهد والخِلَع. وانظر كذلك: تاريخ ابن الوردي (1/220)

ومن الجدير بالذكر أن المصادر المذكورة ليس فيها ذكر لغزو خفاجة لجَنَوَة، وإنما ذكروا غزواته في جزيرة صقلية، وقد أوردنا الكلام المذكور نقلًا عن الثعالبي، والعُهْدة عليه، والله أعلم بصحة مصادره في ذلك، ولم يتعقبه شكيب أرسلان في شيء مما نقله عنه، بل أثنى (ص296) على بحثه عن مغازي العرب في أوروبا وجزر البحر المتوسط في الجملة، ولعل ما ذكره المسيو رينو مما نقلناه بعده  يُعَضِّد كلامه، وإن كان ثم فارق في التاريخ ستأتي الإشارة إليه إن شاء لله تعالى.

[3] انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان (ص298).

[4] انظر: المرجع السابق (ص299،298).

[5] انظر: المرجع السابق (ص152ـ ص155).

[6] وقد مر ذكر هذا عند الحديث عن غزو المسلمين لروما والأملاك البابوية.

[7] عَبَّر عن ذلك هنري بيرين بالإغارة على نهر جنوة في كتابه تاريخ أوروبا في العصور الوسطى الحياة الاقتصادية والاجتماعية (ص11).

[8] انظر: تاريخ غزوات العرب لشكيب أرسلان (ص156).

[9] الظاهر أنه يقصد به بيبين الثالث؛ فإن بيبين الثاني كان حاكمًا على إيطاليا في أيام أبيه شارلمان، وقد تقدم نقلًا عن رينو نفسه أنه كان حاكمًا عليها سنة 806 م، أي قبل التاريخ الذي المذكور أعلاه باثنين وأربعين عامًا، فلا يمكن أن يكون شابًا بعد مضي أكثر من اثنين وأربعين عامًا من حكمه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين
» مذبحة بلاط الشهداء استشهاد عبدالرحمن الغافقي منع المسلمين من السيطرة علي أوروبا بأكملها
»  في استعراض تاريخ المسلمين . 
» تاريخ العلوم الكونية عند المسلمين
» تاريخ المسلمين في البرازيل .. الجذور التاريخية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: التاريخ الاسلامي-
انتقل الى: