نهب اموال النفط بالحروب وطبولها
انطلق المشروع الإمبراطوري الأميركي لإخضاع العالم من حربين كبيرتين في العراق وأفغانستان مطلع القرن الجديد وقد أشعلت الإدارات الأميركية المتعاقبة حتى اليوم حروبا عديدة مباشرة وبالواسطة بعد توصل مجموعة التخطيط في المؤسسة الحاكمة التي سميت بيكر هاملتون وكانت مكونة من كبار صانعي السياسات وممثلي الاحتكارات الكبرى المهيمنة ومن الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى خلاصات وتوصيات تقضي بالتفاوض مع روسيا والصين وبالبحث عن التسويات الممكنة في الساحات المشتعلة لأن لا طاقة للاقتصاد الأميركي ولا للمؤسسة العسكرية على تحمل أعباء وتداعيات حروب جديدة.
بدا مع الانتخابات الرئاسية الأخيرة ان حزب الحرب قد لقي هزيمة مدوية عندما خسرت مرشحته هيلاري كلينتون أمام دونالد ترامب القادم من عالم الأعمال ومن خارج المؤسسة التقليدية للحزب الجمهوري لكن هذا الرئيس ما لبث ان وقع في قبضة حزب الحرب وزمرة المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني عندما تكشفت معالم قضية "روسيا غيت" وها هو اليوم بين يدي أعتى رموز حزب الحرب مايك بومبيو وجون بولتون وإليوت آبرامز وغيرهم من تلامذة ليوشتراوس وفريق مكتب نائب الرئيس السابق ديك تشيني.
حتى اليوم تضع الولايات المتحدة يدها على حصة هائلة من النفط العراقي الذي يعتبر الأدنى كلفة في العالم مما يضاعف تلك الحصة مقابل ما تطالب به من أموال ويظهر من هذه المفارقة ان الأرقام المنتفخة لكلفة غزو العراق كانت جزءا من عملية تضخيم الفواتير الأميركية لتبرير مواصلة نهب العراق ونفطه لأجل طويل وليس فحسب لضمان عمولات جارية لتشيني وشركاه من عصابة المحافظين علما ان غزو العراق كان عملية عسكرية ممولة من حكومات الخليج الدائرة في الفلك الأميركي التي سبق لها في اواخر القرن الماضي ان ساهمت بطلب أميركي في دفع حصة كبيرة من تمويل الحرب العراقية ضد إيران ثم من تمويل الحرب الأميركية ضد العراق التي اعقبت غزو الكويت ويقينا إن جميع الغزوات والحروب المباشرة وبالواسطة التي تشنها الولايات المتحدة منذ اواخر القرن العشرين مولت بأرصدة النفط العربي وبلغت أرقاما قياسية ، والتريليونات التي يتحدث الأميركيون عنها دفعتها حكومات الخليج وهي تدفع حتى اليوم ما تأخر منها عدا عما فرض عليها إبرامه من صفقات خيالية لشراء السلاح والخدمات الاستخباراتية واللوجستية بذريعة الاستعداد لحرب قادمة ومحتملة مع إيران.
في العدوان على سورية كان تدفق المليارات السعودية والقطرية إلى الولايات المتحدة وتركيا والأردن ولبنان عملية منظمة لتمويل حرب بالوكالة تم فيها حشد عشرات الحكومات وجيوش الإرهاب التكفيري متعددة الجنسيات ونقلت شحنات السلاح والعتاد الحربي والمتفجرات برحلات جوية وبحرية سعودية وقطرية بلغت المئات وحطت طائراتها في عمان واسطنبول وفي بيروت ورست بواخرها في ميناء طرابلس اللبناني وكان بانتظارها دائما طابور جواسيس ومقاولين مولتهم حكومتا السعودية وقطر ونظمتهم بمعونة مرتزقة محليين من شبكة القاعدة وتنظيم الأخوان وقوى سياسية أخرى مستأجرة.
إن نموذج النهب الأميركي لتبديد اموال النفط العربي الأشد فجاجة هو حلب الأموال على طريقة دونالد ترامب كما تجسد في حرب اليمن التي انطلقت خلال ولاية باراك اوباما بالشراكة مع الكيان الصهيوني وكل من حكومات السعودية والإمارات وقطر.
اليوم تقرع طبول الحرب مع إيران لسحب المزيد ولوضع اليد على النفط وامواله بعدما ثارت الخشية من جفاف الضروع في زمن ركود عالمي كاسح فماذا يعني نشر مئة وعشرين ألفا من جنود الإمبراطورية في منطقة الخليج كما اقترح وزير الحرب الأميركي بالوكالة وفقا للصحف الأميركية وكم هي المبالغ التي سيحلبها ترامب بصيحة "نحن نحميكم " التي يكررها على مسامع طابور من الحكام الذي يسبحون بالرضا الأميركي في كل شاردة وواردة.
ثمة تريليونات جديدة يتلهف إليها تجار الحروب الأميركيون ولن يتراجعوا عن شبق السطو عليها وهم يقدمون في السياق عروض قوة وترهيب تستهدف جميع المقاومين والمتمردين على الهيمنة الأميركية فالأصل هو نشر القوات والوحدات على نحو يمكن اعتباره من اليوم احتلالا أميركيا شاملا للخليج بذريعة الحماية بحيث يضمن الأميركيون هيمنة محكمة ويصادرون جميع هوامش التحرك التجاري او السياسي الخليجي مع جبهة المنافسين والمناهضين للهيمنة فلم تكن واشنطن تتلقى بارتياح أبدا أي تطور في العلاقة السعودية أو الخليجية مع روسيا أوالصين او إيران سواء في المجال الاقتصادي او العسكري وهي خاطبت دولة صغيرة كلبنان ليست لها إمكانات السعودية او قطر او الإمارات بلغة الزجر احتجاجا على خطوات صغيرة اولية لا تمثل شيئا مع روسيا والصين في حساب المصالح الإمبريالية الضخمة.
إنها "أميركا المرتزقة" على حد تعبير الكاتب ألان جوكس وهي تستخدم قوتها العسكرية العالمية لجباية الأموال من الحكومات التابعة والخانعة ولسد الطرق امام أي توسع تجاري لمنافسيها الكبار في العالم ومهما استشعرت عجزها عن خوض حروب جديدة نتيجة معادلات الردع فهي لن تتوانى عن الاستفزاز والتصعيد لتحصد جزءا من العائد المالي والاقتصادي بجعل الحروب خطرا وشيكا يستدعي طلب الحماية من عملائها والخاضعين لهيمنتها وترامب مستعد أبدا لقبض الثمن.