نوازل الشركات المساهمة
د. عبد الباري مشعل
تخضع القرارات في الجمعية العمومية للمساهمين لقرار من يملك أغلب رأس المال، وقد يمثل الأغلبية ثلة قليلة من كبار المساهمين، ويسيطر هؤلاء على قرارات مجلس الإدارة وربما على الإدارة المباشرة على مستوى الرئيس التنفيذي أو المدير العام، والمدراء العامين المساعدين، وهؤلاء جميعًا يكونون ملاكًا أي مساهمين أو شركاء، وفي الوقت نفسه يكونون موظفين، وهناك حالة ثالثة وهي أنه يكون لهؤلاء الأطراف تعاملات من خلال اشخاصهم أو من خلال شركات ذات مسؤولية محدودة مع الشركة المساهمة؛ فما ضوابط هذه التعاملات وأحكامها، سأتناول في هذه العجالة عدة نوازل لصيقة بهذا التركيب:
1- براءة الذمة المالية: يتضمن جدول أعمال الجمعية بندًا نمطيًا بشأن "براءة ذمة أعضاء مجلس الإدارة عن أعمال السنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر"، والرأي الشرعي في هذا الأمر أنه في ظل احتكار قرار الجمعية من قبل الأغلبية المسيطرة على الإدارة وإهمال رأي الأقلية غير الموافقة على براءة الذمة فإنه لا تبرأ ذمة الإدارة من الناحية الشرعية. وخاصة في الحالات الظاهرة التي تتضمن تضخيم في المصروفات والمكافآت وإعدام الديون ومحاباة في التعاقدات مع الأقارب والأصدقاء.
2. الجمع بين ملكية الأسهم والعمل بأجر في الإدارة تقرر في الاجتهاد المعاصر جواز أن يعمل المساهم أيا كانت ملكيته في الشركة المساهمة مديرًا أو موظفًا، ويعامل كأجنبي، وفي هذه الحال يجب التنبه بأن الجواز الشرعي مشروط بأن يكون الأجر حينئذ بمقدار أجر المثل، وأي محاباة فيها شبهة ضمان الربح لبعض المساهمين دون مساهمين آخرين. فالأجر الزائد بمثابة ربح مقدم لمثل هؤلاء.
3. تعامل الإدارة مع النفس أو ما في حكمه في العديد من الحالات يقوم بعض أعضاء مجلس الإدارة أو المدراء العامين ببيع عقار للشركة المساهمة، أو إجارته كمقر للشركة المساهمة، أو الشراء من الشركة المساهمة، وهذه الحالات من مواطن الشبهات التي يجب تجنبها إما بالمنع منها مطلقًا دفعًا للتهمة، أو حوكمتها بأن تكون بطريقة المناقصة والمزادات العلنية والسرية التي تتمتع بالشفافية والانضباط، وإلا فإن أي محاباة بالزيادة أو النقص تكون من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، وضمان الربح لصالح هذه الشريحة من المساهمين على حساب مساهمين آخرين ولا تبرأ الذمم شرعًا من هذا العمل بقرارات الجمعية العمومية التي يتحكم فيها من تصرفاتهم نفسها محل التهمة.
4. إعدام الديون: إعدام الديون من فنون المحاسبة غير الأخلاقية في بعض الحالات، فعندما تتراكم الديون على شركات يملكها أطراف ذات صلة، أي كأعضاء مجلس الإدارة، أو المدراء العامين، وهذه الشركات ذات مسؤولية محدودة، وحصلت على تمويل أو استثمار من قبل الشركة المساهمة، ولكنها تصرفت فيه في غير الغرض الخاص به وعلى وجه التحديد تم تسريبه خارج الشركة بطريقة غير سليمة لاستخدامه لأغراض خاصة بالأطراف ذات الصلة، وهذا أدى إلى تعثر الشركة وعسرها، فهنا ينظر الشروط المحاسبية لتطبيق إعدام الديون عليها وينتهي الأمر إلى جيوب الأطراف ذات الصلة. هذا الفعل لا يبرئ الذمة شرعًا، بل تحايل يوجب الضمان شرعًا على الأطراف ذات الصلة بأشخاصهم. وقد تبدأ رحلة التحايل لإعدام الدين بشكل مختلف، فقد يقوم بعض الأطراف ذات الصلة بسحب كاش من الشركة المساهمة، ثم يظهرونه في شكل تمويل لشركات ورقية لعدد من السنين ثم يتم إعدامه.
5. تفريغ الشركة من الكاش والأصول ذات القيمة: في بعض التعاملات التي تقوم الأطراف ذات الصلة خاصة في حالات الاستحواذ على الشركات بنسبة تحقق السيطرة، وانتزاع القرار الإداري من المساهمين الاخرين، يعمد هؤلاء الأطراف إلى تفريغ الشركة المستحوذ عليها من الكاش بأساليب وحيل شيطانية، من خلال استخدام أصول عينية خاصة مبالغ في قيمتها أو بيعها أسهم مما يملكونه في شركات أخرى ورقية أو قريبة من الورقية، ونفس الحيل تستخدم في تفريغ الشركة من الأصول ذات القيمة بإخراجها من الشركة مقابل أسهم أو أصول ليست ذات قيمة، وهذا من التحايل الذي لا يخفى على المحاسبين الحاذقين، لكنه قد لا يُكتشف من قبل الجهات الإشرافية الي لا تهتم بالدخول في التحقيقات ما لم تُرفع الدعاوى المدعمة بالوثائق والمستندات، ولكن في كل الأحوال هي حيل غير مشروعة توجب الضمان والتعويض على من يقوم بها من الأطراف ذات الصلة.
والله الهادي إلى سواء السبيل