"الأسمطة" تتصدر طقوس العيد في مصر الفاطمية
يستقبل المصريون ليلة رؤية هلال عيد الفطر المبارك باحتفالات خاصة تتفرد بها مصر عبر تاريخها الإسلامي، لكن احتفالات القاهرة بحلول ليلة الرؤية والعيد في العصر الفاطمي اتسمت بطقوس وعادات وتقاليد أكثر تفردا.
واهتم خلفاء الفاطميين اهتماما خاصا باستقبال الأعياد، من خلال تقديم الأطعمة في موائد كبيرة تتم دعوة الناس إليها من كافة الطبقات. وكان يطلق على تلك الموائد اسم "الأسمطة"..كانت تمد الموائد وتعد ألوان الطعام بكثرة، "فيأكل الناس هنيئا ويشربون مريئا".
ويقول الباحث المصري في شؤون التراث شحاته عيسى إبراهيم، في كتابه "القاهرة": "كان السماط يقام في يوم عيد الفطر مرتين بطول 300 ذراع وعرض سبعة أذرع، فكان يبدأ إعداد السماط الأول قبيل صلاة العيد بحضور وزير الخليفة، ويمد للضيوف من خاصة وعامة الشعب عقب انتهاء صلاة العيد".
وأشار الباحث إلى مد سماط آخر من فضة يطلق عليه اسم "المدورة"، وعليه أوانٍ من الفضة والذهب والصينى. ويوضع وسط السماط (المائدة) 21 طبقا كبيرا عليها 21 خروفا، و350 دجاجة، و350 حمامة، بجانب أنواع كثيرة من الحلوى، ولفت إلى أنه تقدم في السماط أطباق حلوى تشبه ما يطلق عليه اليوم اسم "التورتة"، وزن كل طبق من الحلوى 17 قنطارا، حيث تتم دعوة العامة والخاصة لتناول الطعام والحلوى بحضور الخليفة في مائدة تمتد من بعد صلاة عيد الفطر وحتى الظهر.
وكان الخلفاء الفاطميون يخرجون للاحتفال بقدوم العيد في مواكب "غاية في الأبهة والفخامة"، يحيط بهم العسكر وتحيط بهم فرق الموسيقى والخيالة .
وكما تقول الدكتورة سعاد ماهر محمد، في كتابها الموسوعي "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون"، فإن الاحتفال بعيد الفطر كان يبدأ في ختام شهر رمضان، حيث كان الخلفاء يختتمون الليلة الأخيرة من رمضان باستدعاء المقرئين للاحتفال بليلة العيد، فيبدؤون في قراءة آيات الذكر الحكيم بأحسن الأصوات، ثم يجيء بعد ذلك الخطباء؛ وأشارت إلى أن المؤذنين يكبرون ويهللون ثم ينشدون أدعية صوفية، إلى أن ينثر عليهم الخليفة من الشرفة الدنانير والدراهم، وتوزع عليهم أطباق القطائف مع الحلوى و"خلع العيد".
ولفتت ماهر إلى أن الدراهم توزع على المقرئين والمؤذنين، فإذا ما انتهى مجلس المقرئين والخطباء انتقل الخليفة إلى قاعة الذهب، فيجلس في الديوان وعلى يمينه الوزير، ثم يجلس بعده الأمراء بعد أداء التحية كل في المكان المخصص له، ويتبعهم الرسل الوافدون من جميع الأقاليم لتقديم التهنئة والهدايا، ثم يعاود المقرئون قراءة آيات من القران الكريم.
وإذا أصبح يوم العيد خرج الخليفة وحاشيته وجنده وعساكره لتأدية صلاة العيد في مصلى أقيم خصيصا لهذا الغرض. ويصف المؤرخ المقريزي (شيخ المؤرخين المصريين المعروف باسم تقي الدين المقريزي) هذا المصلى فيقول: "وكان في شرقي القصر الكبير مصلى العيد من خارج باب النصر، أحد أبواب القاهرة".
وكانت تسبق صلاة العيد استعدادات كبيرة يقوم بها كبار رجال الدولة لتهيئة المصلى وإظهاره بالمظهر اللائق بالعيد وبالخليفة. ويقول المقريزي: "فإذا أكمل رمضان وهو عندهم 30 يوما، فإذا كان اليوم الأول من شوال صار صاحب بيت المال (وزير الخزانة) إلى المصلى خارج باب النصر وفرش السجاد بمحراب المصلى، وعلق سترين يمنة ويسرة، مرقوم في الأيمن سورة الفاتحة وسورة /سبح اسم ربك الأعلى/، وفي الأيسر منقوش الفاتحة وسورة /هل أتاك حديث الغاشية/".
ووفقا للمقريزي "يتم تركيز لواءين مشدودين في جانبي المصلى على رمحين ملبسين بأنابيب من الفضة، وتوضع على ذروة المنبر طراحة من حرير دبيقي كما يفرش درج المنبر بالحرير" .
وفي يوم العيد يسير الخلفية من منزله ومعه كبار رجال الدولة، في ملابسهم الجديدة إلى باب القصر، ويركب بهيئة المواكب العظيمة مثل موكب رؤية هلال رمضان.
وتكون ملابس الخليفة في عيد الفطر بيضاء موشحة بالفضة والذهب ومظلته كذلك، إلا أن عساكره في هذا اليوم من الأمراء والأجناد والركبان والمشاة تكون أكثر، وينتظم الجند له في صفين من باب القصر (الذي كان يقع في منطقة الصاغة الحالية بالعاصمة القاهرة) .
ويدخل الخليفة إلى المصلى ويستريح فيه فترة ثم يخرج محفوفا بحاشيته قاصدا المحراب ومن خلفه الوزير والقاضي ليؤدوا صلاة العيد.