رئيس زيمبابوي روبرت موغابي يوافق على التنحي من منصبه
ذكرت وكالة "رويترز" أن رئيس زيمبابوي، روبيرت موغابي، وافق على التنحي عن منصبه، وذلك بعد الضغوط التي مورست عليه من قبل جيش البلاد والحزب الحاكم فيها.
ونقلت الوكالة، عن مصدر مقرب من المفاوضات الجارية بين موغابي وجيش زيمبابوي، أن الجانبين يعملان حاليا على صياغة بيان سيعلن فيه الرئيس عن استقالته رسميا، وذلك دون الكشف عن أي تفاصيل أخرى.
وفي غضون ذلك، أفاد التلفزيون الرسمي في البلاد أن موغابي سيلقي، خلال وقت قريب، كلمة يخاطب فيها شعب زيمبابوي.
وفي وقت سابق من اليوم أعلن الحزب الحاكم في زيمبابوي، "الاتحاد الوطني الإفريقي - الجبهة الوطنية"، أنه يمنح موغابي مهلة تنتهي الساعة 12:00 من يوم الاثنين القادم لإعلان استقالته من رئاسة البلاد.
وقال الحزب، في بيان تلاه، اليوم الأحد، وزير الأمن الإلكتروني للبلاد، باتريك تشيناماسا، إنه سيبدأ اتخاذ الإجراءات الضرورية لعزل موغابي في حال رفضه الاستقالة حتى المهلة المحددة.
وأكد البيان أن الحزب سيرشح نائب موغابي، إيمرسون منانغاغوا، لانتخابات الرئاسة القادمة.
ويأتي هذا الإعلان بعد ساعات من إقالة الحزب الحاكم موغابي من رئاسة الحزب، وتعيين منانغاغوا مكانه.
وفي الوقت الراهن يوجد موغابي، البالغ 93 عاما من عمره، قيد الإقامة الجبرية في مجمعه الفاخر في هراري المعروف باسم "البيت الأزرق"، وقد رفض التنحي عن السلطة رغم خسارته تأييد حزبه والأجهزة الأمنية والشعب.
يذكر أن موغابي يمثل الرئيس الأول لزيمبابوي ويتولى زمان السلطة في البلاد منذ 37 عاما على التوالي.
رحيل موغابي: لماذا يتحول «أبطال التحرير» إلى طغاة؟
مع إعلان وفاة روبرت موغابي، الرئيس المزمن المخلوع لزيمبابوي، اختارت بعض الدول الأفريقية اللجوء لقاعدة «اذكروا محاسن موتاكم» فقامت بالتركيز على كونه، كما قال رئيس جنوب افريقيا سيريل رامابوزا، «مقاتل التحرير وبطل القضية الأفريقية ضد الاستعمار»، وكذلك فعل رئيس زامبيا اغارد لونغو الذي اعتبر الراحل «الأب المؤسس لزيمبابوي» مؤكدا «مكانته في تاريخ إفريقيا».
كان معبرا جدا، في خضم التعازي مشاركة دولتين غارقتين في انتهاكات حقوق الإنسان في حفل إعطاء الصفات الاستثنائية للدكتاتور الآفل، وهكذا قرأنا ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال فيه للرئيس الحالي إيمرسون منانغاغوا (الذي كان أحد كبار مساعدي موغابي وانقلب عليه): «تقبلوا خالص التعازي في وفاة الرئيس روبرت موغابي الذي حكم بلادكم لفترة طويلة»، معتبرا أن الراحل «قدم مساهمة شخصية كبرى من أجل الاستقلال»، فيما قالت الصين، التي زار رئيسها زيمبابوي عام 2015 ووصف موغابي حينه بـ«الزعيم الاستثنائي»، بأن الرئيس المتوفى «دافع بحزم طوال حياته عن سيادة بلاده وعارض التدخلات الأجنبية».
يمكن استيعاب اختيار الدول الأفريقية تذكّر الحقبة السحيقة من تاريخ الزعيم الذي توفي عن 95 عاماً، قضى قرابة أربعة عقود منها في السلطة، فأغلب هذه الأنظمة ظهرت في سياق الصراع ضد الاستعمار والعنصرية، وأغلب أنظمتها تستخدم سرديّة الاستعمار والنضال ضدّه للتغطية على أنظمة معطوبة تسودها أشكال الاستبداد والفساد والتحكم العسكري والأمني بالسلطة، وتعتاش هذه الأنظمة على حكاية الاستعمار الذي انتهى قبل عقود طويلة لتبرير فشلها وسوء حوكمتها ومعاداتها للديمقراطية.
فهل يستحق موغابي أوصاف «رجل الدولة المناضل من أجل الحرية»، كما قال رئيس كينيا، و«منارة للنضال من أجل تحرير إفريقيا»، مقابل تجاهل أفعاله كطاغية أفقر بلاده وجعلها مزرعة خاصة له ولزوجته وأبنائه ومناصريه؟
يتجاهل مؤبنو «بطل الحرية» أن موغابي عزل زميله في النضال جوشوا نكومو ثم شن حملة عنيفة ضد مناصريه أسفر عنها مقتل الآلاف، وحافظ على الحكم عبر عمليات عنف وتزوير انتخابي ضد معارضيه، وطرد آلاف المزارعين البيض من أراضيهم ليسلمها للمقربين من النظام ولأشخاص لا يفقهون في الزراعة مما أدى لأزمة اقتصادية كبرى لم تخرج البلاد منها حتى اليوم، وقد تورطت زوجته الثانية غريس، وهي أصغر منه بأربعين سنة، في فضائح كبيرة داخل وخارج البلاد، وفي ضوء السيطرة المطلقة بدأت الصعود لخلافته في رئاسة الدولة. لقد تحولت زيمبابوي في عهد موغابي إلى دولة فاشلة منبوذة، بل إن بطل النضال ضد العنصرية صار نموذجا للعنصرية وصدرت عقوبات دولية ضده.
رغم هذه السيرة المشينة لصاحب قول «الرب وحده يستطيع إزاحتي من الحكم» (وهي تذكر طبعا بأدبيات بعض الزعماء العرب)، والانقلاب العسكري ضده فقد حفظ «النظام» ومساعدوه المنقلبون عليه لموغابي دوره «التاريخي» وبدلا من محاكمته على ما أوصل البلاد إليه من وضع كارثيّ فقد اعتنت السلطات به وأمنت سفراته الطبية إلى سنغافورة ودبي إلى أن وافته المنيّة أمس.
عند قيام الانقلاب العسكري على موغابي العام الماضي رأى المحللون في الأمر حركة يحافظ فيها النظام على نفسه من طموحات زوجة موغابي الرئاسية، وهذا يفسّر طبعا العناية التي لقيها بعد الانقلاب، كما أن طبيعة الأنظمة الأفريقية المتشابهة، اختيار صورة «بطل التحرير»، ويفسّر ايضاً تنويه بوتين بفكرة «حكم البلاد لفترة طويلة» كونه يتحدث عن نفسه، وكذلك حديث الصين عن «الدفاع عن السيادة» التي تعني رفض انتقاد الاستبداد، ورغم هذه التفسيرات فإن أسئلة مزعجة تظل بدون جواب مثل: لماذا يتحول «أبطال التحرير» إلى طغاة؟ ولماذا يزيف كل هؤلاء كلمات الحرية والتحرر والاستقلال؟
رئيس زيمبابوي روبرت موغابي
موغابي... مثال آخر
سبع سنين تفصل روبرت موغابي عن عامه المائة، إذا قُدِر له وصول ذلك العمر، لكنه أصرّ أن يضرب مثلاً آخر على عناد أعمى يأسر صاحبه داخل صندوق يصممه لنفسه، ثم يرفض مغادرته. قاد روبرت موغابي، مع دكتور جوشوا نكومو، ثورة ضد نظام إيان سميث العنصري، اشتدت فور انشقاق سميث بحكم روديسيا الجنوبية عن التاج البريطاني (1965). التف الزيمبابويون حول ثورتهم، لم يتفرقوا فصائل متناحرة، فساندتهم الغالبية العظمى من شعوب العالم ومؤسساته الدولية، حتى تحقق لهم الانتصار، لتولد جمهورية زيمبابوي المستقلة يوم الثامن عشر من أبريل (نيسان) 1980. احتل موغابي مقعد الزعامة ثلاثة عقود وسبع سنين، يرفض أي حديث يخوض في شأن خلافته، خصوصاً بعد رحيل نكومو (1 - 7 - 1999) الذي تولى موقع نائب الرئيس منذ 1987. والذي كان في أعين مواطنيه «بابا زيمبابوي». تخيّل الفارق الهائل بين محبة هذا حجمها، وبين مئات آلاف البشر يملأون شوارع هراري يطالبون موغابي بالرحيل عن الرئاسة. لكن العناد ظل سيد الموقف عند الرئيس، حتى بعدما سحب حزبه «زانو» غطاء شرعية رئاسته باتخاذ قرار فصله من زعامة الحزب ضحى الأحد الماضي، وبدا بالكاد متماسك النطق حين ظهر مساءً ليفاجئ الجميع بالإصرار على العناد.
لماذا أوصل موغابي نفسه إلى هكذا حال؟ الجواب موجود في سيّر حكام كُثر سبقوه على الطريق ذاته، طريق التحوّل من الزعيم الثائر، المُحاط بتقدير شعبه، وشعوب عدة في محيط جواره، إلى حاكم مستبد، أغواه عسل التسلط، فراح ينهل منه ظاناً أن شخص القاهر الذي لبس دوره، وتلّبسه، ليس يُقهر أبداً، وأن حكمه دائمٌ ما دام حياً، ومستمر من بعده، عبر من يختارهم هو وحده. مِن الإنصاف للرئيس الزيمبابوي القول إن موغابي لم يخف رغبته تلك، فقد قال صراحة، منذ أعوام عدة، إنه باق في الحكم حتى «يقول الربُّ كلمته»، أي حتى موته.
اللافت في الأمر أن رفاق موغابي - والماشين قبله على طريق مشابه - بدوا راغبين في تحقيق رغبة «الرفيق»، «الزعيم»، «القائد»، أو «المُعلم»، أياً كانت التسمية، وربما تُرفق جميعها بأسماء بعضٍ منهم، ليس فقط مسايرة لنرجسية استولت على صاحبهم، وما عاد ممكناً شفاؤه منها، وإنما كذلك لأنها شرط تَحقُق رغبتهم أيضاً في ضمان استمرار تدفق مكاسب جمّة جنوها، ولم يعد ممكناً لهم تصوّر إمكانية العيش من دونها. فجأة، ينتعش فيروس إشكال بدا، في بدايات ظهور أعراضه، غير مؤذٍ للمحيطين بالزعيم المُتنافَس على خلافته - الحق أن موغابي ليس وحيداً في هذا السياق - إذ بين عشية وضحاها يشبُّ عن الطوق منافسٌ طال العنق منه، وبدأت الذراع تتحرك فتبطش، واللسان ينطق فيلسع، وأما أذن الرئيس فليست تسمع سوى همس ذلك الآتي من رحم الغيب، فهو، أو هي، الأقرب إلى القلب، والأفضل مكانة على الغير. إذ ذاك، يستشعر الآخرون الخطر، فتُقرع أجراس الحرب، ومَن أفضل من الجيش يحسم الصراع في كل مجتمع يتنفس الحرية عبر فوهة المدفع؟
في مثال موغابي، كانت «ليدي غريس»، زوجته الشابة، التي تصغره بأربعين سنة، والتي لم تقنع بنصيب النعمة في اسمها فتجلس بجانب زوجها ترعاه في شيخوخته، بل أصرت على التنافس مع المحيطين بأكبر رؤساء العالم سناً، من ساسة وعسكريين، كانت هي الخصم الذي قطع المسافة بين الحبو والمشي بأسرع مما توقع بقية المتنافسين، ولم يقرع ناقوس الخطر بينهم حتى أتت غريس، قبل ثلاثة أسابيع، على ذكر إيمرسون مانانغاوا، وهو يومها نائب الرئيس، فقالت إنه «ثعبان يجب أن يُضرب على رأسه»، وكان لها ما أرادت، فقد طار رأس منصب إيمرسون في اليوم التالي مباشرة.
مبكراً، قبل سنين عدة، قال بروفسور علي الأمين المزروعي، العالم الكيني ذو الأصل العُماني، ما مضمونه إن معظم تجارب ثوار أفريقيا في الحكم انتهت إلى فشل، وأن حال دولهم كان أفضل تحت الاستعمار الأجنبي. هل يتمنى عاقلٌ أن يُحكم من أجنبي؟ بالقطع كلا. لكن عندما تفوق شرور إفساد الثوار حدود ما أفسد أسلافهم، تُستَحضر التسرية عن النفس بتمنٍ يرفضه كل منطق. أما كان الأكرم للسيد موغابي أن يستجيب لصوت العقل مبكراً بدل أن يُكره على الاستقالة؟ بلى، لكن إنما يسمع كلُ ذي قلب حي، فيعقِل.