صوت برلمان "كوسوفا" على الاستقلال يوم 17 فبراير الماضي، واعترفت باستقلال دولة "كوسوفا" الوليدة 28 دولة، منها خمس دول إسلامية وهي: تركيا، وماليزيا، وألبانيا، والسنغال، وأفغانستان، والملفت للنظر أن من بين تلك الدول دولة عربية واحدة.
أما على الصعيد الدولي، فكل الدول العظمى قد اعترفت بـ"كوسوفا"، مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي.
إلا أن صربيا والأقلية الصربية في "كوسوفا" يعارضون ذلك الاستقلال بشدة، تدعمهم روسيا والصين، وبعض الدول الأخرى؛ مثل سلوفاكيا وأسبانيا.
ماذا بعد؟
يعمل برلمان "كوسوفا" بجد من أجل التعجيل بمجموعة من القوانين المطلوبة؛ لتثبيت أطر الاستقلال، من أهمها تبني دستور جديد.
ويسير الكوسوفيون وفق خطة، وضعها مبعوث الأمم المتحدة الخاص "مارتي اهتيساري" بشأن الاستقلال تحت الإشراف، وحسب تلك الخطة: هناك فترة انتقالية مدتها 120 يومًا تعقب الإعلان، ثم يصبح الاستقلال نافذًا.
وقد أرسل الاتحاد الأوروبي بعثة من ألفي مسؤول؛ لتعزيز سلطات الأمن والنظام في "كوسوفا"، التي تضم حوالي مليونين من السكان وأكثر من 90 % هم المسلمون، وستغادر الأمم المتحدة، التي أدارت إقليم "كوسوفا" لنحو عقد من الزمن، وسيدار "كوسوفا" بعدئذ من قِبَل حكومة بمساعدة الاتحاد الأوروبي.
تتكون بعثة الاتحاد الأوروبي من ضباط شرطة وقضاة ومدعين قانونيين ومسؤولي جمارك، إلا أن قوة من 16 ألفًا من جنود حلف شمال الأطلسي "ناتو" تسمى "كيفور"، ستظل مسؤولة عن أمن "كوسوفا".
كيف كان رد فعل الأسرة الدولية؟
غالبية دول الاتحاد الأوروبي مع استقلال "كوسوفا"، لكن قبرص ورومانيا وسلوفاكيا وأسبانيا واليونان ليست مع الاستقلال؛ لخشيتهم أن يشجع الاعتراف به على عمليات انفصال في بلاد أخرى.
لماذا تعارض روسيا بشدة استقلال "كوسوفا"؟
تخشى روسيا أن يؤدي الاعتراف باستقلال "كوسوفا" إلى "فتح أبواب جهنم" من دعاوى الاستقلال، وتشير إلى صراعات عالقة في الاتحاد السوفيتي السابق: قضية شيشان، والمناطق الأخرى داخل روسيا.
ويرى الكرملين أنه لا يوجد فارق كبير بين انفصال "كوسوفا"، وطموحات المناطق الموالية لروسيا؛ مثل "أبخازيا" و"أوسيتيا الجنوبية" في "جورجيا"، في الاستقلال.
وتعتبر روسيا أن صربيا تشاركها تاريخًا سلافيًّا ومسيحيًّا أرثوذكسيًّا، كما أن بعض جوانب الحكومة في بلغراد سعت للحصول على دعم موسكو في الأشهر الأخيرة، كما أن احتكار النفط في صربيا بِيع مؤخرًا لشركة غاز بروم الروسية، مقابل ما اعتبر سعرًا رخيصًا، مقابل الدعم الروسي في مجلس الأمن من قِبَل روسيا.
كما أن روسيا - الحليف التقليدي لصربيا - قلقة من توسع الاتحاد الأوروبي في البلقان، وكانت بروكسيل عرضت على بلغراد مؤخرًا اتفاقًا بشأن الاستعداد لعضوية الاتحاد الأوروبي.
من يحكم "كوسوفا"؟
لدى دولة "كوسوفا" حكومتها وبرلمانها، لكن إلى الآن تدار من قبل الأمم المتحدة منذ عام 1999م.
وتولت الأمم المتحدة المهمة بعد هجوم بقيادة "ناتو" أخرج القوات الصربية، التي اتهمت بالقتل والاغتصابات والمذابح للسكان الألبان في "كوسوفا".
مستقبل الأقلية الصربية والأقليات الأخرى في "كوسوفا":
يعيش حوالي 120 ألف صربي في "كوسوفا"، معظمهم في مناطق يغلب عليها السكان الصرب شمال نهر إيبار بمحاذاة صربيا الأم، ويعيش نصف هؤلاء السكان في حماية قوات ناتو في جيوب متناثرة جنوب نهر إيبار.
وفي المناطق التي يغلب عليها السكان من أصل صربي، هناك واقع تقسيم بدرجة ما بالفعل.
وطبقًا لخطة "اهتيساري"، ستكون للأقلية الصربية مناصب في الحكومة الإقليمية والبرلمان، وتمثيل مناسب في الشرطة والخدمات المدنية، ووضع خاص للكنيسة الأرثوذكسية الصربية.
وقد رد صرب "كوسوفا" بغضب على إعلان استقلال "كوسوفا"، وقاموا بحرق مركزين حدوديين في شمال "كوسوفا"، ونظموا مظاهرات احتجاج حاشدة، وأرسلت قوات ناتو لتأمين الحدود مع صربيا، أما الأقليات الأخرى؛ مثل الأتراك والبوشناق والغجر، فهم يؤيدون استقلال "كوسوفا"، ولديهم تمثيل واسع في جميع مؤسسات الدولة.
هل هناك مخاطر بوقوع مزيد من أعمال العنف؟
رفعت قوات ناتو حالة التأهب لديها، خاصة في المناطق المختلطة بين الصرب والألبان في "كوسوفا"، ووعد القادة باتخاذ المزيد من الإجراءات؛ مثل زيادة الجنود، وتقييد التحركات نحو الحدود مع صربيا.
والقضية الأساسية هي ما إذا كانوا يستطيعون السيطرة على النقاط الساخنة؛ مثل بلدة ميتروفيتشا شمال الإقليم، حيث يعيش الصرب شمال نهر إيبار، ويعيش الألبان شطر الجنوبي.
السيناريو الآخر هو أن يتم طرد الصرب الذين يعيشون جنوب نهر إيبار من مواطنهم، وطرد الألبان الذين يعيشون في جيوب في شمال "كوسوفا"، وفي منطقتي بريسيفو وبويانوفاتش جنوب "كوسوفا".
ويمكن أن يتسع النطاق، فهناك جماعات كبيرة من الألبان في مقدونيا والجبل الأسود المجاورين لـ"كوسوفا"، وربما يسعى بعضهم للوحدة مع "كوسوفا".
الخطة الصربية تجاه "كوسوفا":
قبل إعلان الاستقلال من قبل البرلمان الكوسوفي، أقرت الحكومة الصربية خطة في حال استقلال "كوسوفا"، وعلى الرغم من أنها خطة سرية حسب الحكومة الصربية، إلا أن المعلومات عنها تسربت، وتشمل هذه الخطة الإجراءات التالية:
- تكوين مؤسسات متوازية، وعدم الاعتراف بالمؤسسات الحكومة الكوسوفية.
- تأسيس شرطة خاصة بالصرب في المناطق التي يشكلون أغلبية سكان.
- اضطرابات على الحدود الكوسوفية الصربية.
- سيطرة على المباني الحكومية، المحاكم، البلديات، سكة الحديد، المستشفيات.
- يتم التمويل من الميزانية الحكومة الصربية.
وإلى الآن الحكومة الصربية تطبق هذه الخطة؛ وذلك بهدف واحد، هو زعزعة الاستقرار في "كوسوفا".
مستقبل مدينة ميتروويتسا:
التحدي الرئيس الذي سيواجه "كوسوفا" مستقبلاً، هو قدرتها على بسط سيطرتها في كامل أراضيها، وحسب كل التحليلات والتقديرات فإن هذه العملية ستستغرق فترة طويلة، وتكمن أهمية هذه المنطقة في كونها غنية بالثروات المعدنية أولاً، وثانيًا بسبب وجود كميات كبيرة من المياه فيها، تزود بها عدة مدن كوسوفية شمالية.
هناك عدة سيناريوهات لمستقبل هذا الجزء من "كوسوفا":
الأول: هو تقسيم هذا الجزء وضمه لصربيا، لكن هذا الخيار بشكل كبير مستبعد؛ بسبب رفضه تقريبًا من قبل جميع الأطراف، سواء الدولية أو حتى من قبل صربيا؛ خشية أن تفتح ملفات أخرى مماثلة؛ مثل البوسنة والهرسك، ومقدونيا، لكن هذا الخيار ما زال مطروحًا في بعض الأوساط الدبلوماسية الغربية.
الثاني: إعطاء حكم ذاتي لمنطقة شمال "كوسوفا"؛ لإقناع الصرب بتقبل الوضع الحالي ل"كوسوفا"، بحيث تبدأ مباحثات جديدة بشأن ذلك.
الثالث: اندماج هذا الجزء من "كوسوفا" تحت سيطرة الحكومة المركزية، لكن هذا الخيار برغم أنه أوفر حظًّا للتطبيق، إلا أن هناك عراقيل كثيرة تقف في الطريق، وهذا يتطلب وقتًا طويلاً.
المستقبل الاقتصادي:
التحديات الاقتصادية لـ"كوسوفا" هي التي ربما ستحدد مصير "كوسوفا" السياسي، ومن هذه التحديات:
البطالة: أعلى نسبة للبطالة في أوروبا هي في "كوسوفا"، وهي تقريبًا 36 %، ولكي تتجاوزها هناك حاجة ملحة للاستثمارات.
الفقر: كذلك أعلى نسبة للفقر في أوروبا هي في "كوسوفا"؛ فدعمها في مشروعات لتنمية الموارد البشرية والاقتصادية هو أكثر من الضرورة.
البنية التحتية: ليست على المستوى المطلوب، وهذا يعتبر عائقًا كبيرًا لاجتذاب المستثمرين.
المستقبل الديني:
في دستورها الجديد "كوسوفا" هي دولة علمانية، لكن كونها ذات أغلبية ساحقة من المسلمين تجعلها ذات أهمية كبيرة بالنسبة للأمة الإسلامية، ويمكن اعتبارها عمقًا استراتيجيًّا للأمة الإسلامية؛ لأنها هي الدولة الوحيدة في أوربا التي يشكل المسلمون 90 % من سكانها.
كذلك في السنوات العشر الأخيرة تشهد "كوسوفا" صحوة إسلامية، خاصة بين الشباب، أما المؤسسات الإسلامية الرسمية والأهلية فسوف تلعب دورًا مهمًا في المستقبل، ضمن الحدود التي تسمح لها إمكانياتها المادية والكوادر والتنظيم لديها.
المستقبل السياسي:
أهم تحدٍّ سيواجه "كوسوفا" مستقبلاً، هو انضمامها إلى المؤسسات الدولية؛ مثل الأمم المتحدة؛ بحيث يحق لروسيا حق نقد فيتو، لكن "كوسوفا" ستسعى أن تنضم إلى بعض المؤسسات الدولية، خاصة المالية؛ مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي.
كذلك تحدٍّ آخر سيكون قدرة "كوسوفا" لإقناع أكبر عدد ممكن من الدول للاعتراف باستقلالها مما يسهل لها فرض الأمر الواقع، والاعتراف من قبل الدول الإسلامية يعد ضروريًّا، لكن للأسف نرى ترددًا من قبل بعض الدول الإسلامية للاعتراف باستقلال "كوسوفا".
الجوانب الإيجابية:
هي غنية بالثروات المعدنية؛ خاصة الفحم، والحديد، والفضة، والزنك، كذلك هي غنية بثروات طبيعية؛ مثل الأنهار، والجبال.
وهي من البلدان القليلة ذات الزيادة السكانية، فنجد 52 % من سكانها شبابًا تحت عمر 22 عامًا.
موقعها جغرافي؛ كونها قريبة من صربيا سيجعلها ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للغرب.