من القدس إلى الرباط.. مع التحية
صورة لجانب من مدينة سلا، على المحيط الأطلسي، كما تبدو من فندق فرح بتاريخ 07/12/2017المقدمة والتقديم
المملكة المغربية؛ هي ذلك القطر الذي نطق بالعربية وشهد بالإسلام منذ أوائل القرن الثامن الميلادي، فبعد سنة (711م) أصبح المغرب من الوجهة القانونية ولاية تابعة لدولة الخلافة، وهناك من يعيد نجاح العرب في فتح المغرب إلى التعاطف بين البدو العرب وبدو الأمازيغ، إذ تجمع بينهم طريقة العيش والمشاعر العميقة، وكان هذا التعاطف أقوى من الاختلاف في اللغة([1])، وفي نهاية القرن الثامن الميلادي اعتنق المغرب الإسلام بصفة نهائية([2]).
يقع المغرب على أقصى غرب شمال أفريقيا؛ وفي أقصى نقطة من الوطن العربي الممتد بين المحيط الأطلسي والخليج العربي. أي أنه الحارس الأمين على البوابة الغربية لوطننا الذي نعتز به وننتمي إليه. وأنه لا بد لمن يدخل الوطن العربي من المرور من هذه البوابة، فكان أول انكشاف أمريكي على منطقة الشرق الأوسط بتوقيع أول اتفاقية مع المملكة المغربية باعتبارها تقع على مدخل البحر الأبيض لضمان حرية الملاحة لسفنها التجارية في البحر الأبيض المتوسط([3]).
نظام الحكم في المغرب، الذي نال استقلاله عن فرنسا في العام 1956، ملكي دستوري ديمقراطي برلماني واجتماعي، يقوم على أساس فصل السلطات وتوازنها وتعاونها. دين الدولة الإسلام، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شعائره الدينية. وأما اللغة الرسمية فهي اللغة العربية، وكذلك اللغة الأمازيغية باعتبارها رصيدًا مشتركًا لجميع المغاربة بدون استثناء. وجاء في خطاب الملك محمد السادس في العام 2011، الذي اتكأ على تسعة محاور، التركيز على بناء دولة الحق والمؤسسات الديمقراطية، وترسيخ مبادئ وآليات الحكامة الجيدة، وتوفير المواطنة الكريمة، والعدالة الاجتماعية([4]).
تبلغ مساحة المغرب نحو (711) ألف كيلومتر مربع، وتضم (12) جهة؛ والجهة تضم بين (2-9) أقاليم([5]). يبلغ عدد السكان في المغرب نحو (34) مليون نسمة([6])، بلغت نسبة التعليم بينهم (90%)([7]).يحد المغرب من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب المحيط الأطلسي، ويحده من الشرق دولة الجزائر ومن الجنوب دولة موريتانيا، وفيه أكبر المدن التي تحتوي على معالم سياحية جذابة وخلابة، ويضم أغنى موارد طبيعية في العالم مثل الفوسفات والحديد[8]. ويتشاطأ على المحيط الأطلسي، وعلى البحر الأبيض المتوسط. ومن أشهر جهاته على المحيط الأطلسي: الرباط (العاصمة السياسية) والدار البيضاء (العاصمة الاقتصادية) وأكادير، ومن أشهرها على البحر الأبيض المتوسط: مليلية وتطوان والناظور.
تولي المغرب اهتمامًا بالغًا بالعلاقات مع الأقطار العربية. ففي الآونة الأخيرة، وبالتحديد في 28 و29/11/2017، احتضت مدينة الدار البيضاء الملتقى العربي لصياغة رؤى للتعاون الثقافي العربي، وقد قدّر لي المشاركة في هذا الملتقى، الأمر الذي وفّر فرصة زيارة هذا البلد العربي الأـصيل.
التزامًا بأدب الرحلات؛ وما يعنيه من ضرورات توثيق الأحداث ورسم الانطباعات في العقل والوجدان، ولضرورات التثاقف بين أبناء الأمة الواحدة، فإنني أرى لزامًا عليّ توثيق ما أمكنني مما رأيت ولمست على أرض المغرب، ومن أبنائها الطيبين.
أولًا: المغاربة مرتبطون بفلسطين، ولذكرها نكهة خاصة عندهم
فور أن يستمع المغربي إلى لهجتك ويميزك بأنك فلسطيني، تلمح على محياه التغير، من خلال عبارات الترحيب الخاصة والمتميزة التي تحظى بها، ثم تبدأ الأسئلة والتساؤلات تتتابع حول فلسطين وأهلها، ومسجدها الأقصى الذين يتمنون رؤيته ويتلهفون إلى الصلاة فيه، كالعطشان في صحراء قاحلة يبحث عن قطرة ماء. ولا أذكر أن مغربيًا قابلته، وعرف عن فلسطينيتي، إلا وفرّغ نفسه للحديث بما يعرف عن فلسطين، وعن قضيتها، والإصغاء جيدًا لآخر أخبارها وهمومها وقضاياها. لم يكن هذا الأمر على المستوى الشعبي وحسب، وإنما تلمسه على المستوى الرسمي والمؤسساتي في المغرب الشقيق؛ الذي يرى في فلسطين قبلة الأمة وموئل كرامتها وكبريائها.
وقد صادف أن أعلن ترامب عن قراره نقل سفارة بلده إلى القدس، بتاريخ 06/12/2017، وأنا بين أبناء المغرب وعلى ثراها الطهور، فقرأت في عيونهم شزرًا وغضبًا وحنقًا وضيقًا، لا يقل كثيرًا عن مشاعر الفلسطينيين أنفسهم؛ وفي ذلك مثال حيّ على وحدة المشاعر لدى أبناء الأمة، من المحيط إلى الخليج. ولكن يبقى للأنظمة حساباتها غير المستجيبة لرغبات مواطنيها واحتياجاتهم. فكان هناك العديد من الفعاليات الشعبية والرسمية التي تدين هذا القرار وترفضه، مؤكدة على عروبة القدس وإسلاميتها.
ثانيًا: المؤسسات المغربية تفتح أبوابها للفلسطينيين: المستشفى العسكري في الرباط أنموذجًا
قيل قديمًا: المصائب محك الرجال. وإذا ما خرجنا من المعنى المحدد للمثل إلى المعنى الأوسع والأرحب، فإنه يمكننا القول بأن هذا المثل ينطبق على الدولة ومؤسساتها كما ينطبق على الرجل-الفرد. فعندما هممت بالعودة إلى أرض الوطن، بعد إنهاء برنامج الملتقى المذكور في الدار البيضاء، تعرضت لوعكة صحية أقعدتني عن السفر، وأنا برفقة الصديق مراد العلمي الذي أولى عناية واهتمامًا لا يمكنني نسيانه مهما علا ضجيج الحياة، ومهما باعدتنا الأيام والسنين. فتمّ التواصل مع معالي د. محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال، الذي كلّف الشاب رشيد مسطفى الموظف في الوزارة بالمتابعة الحثيثة، وكلّف الشاب "محمد الوافي" بالمتابعة مع المستشفى العسكري في الرباط.
سبعة أيام بأكملها أمضيتها في المستشفى العسكري بالرباط، يمكنني القول معها، بأنني مدين بما تبقى من عمري، والأعمار بيده جلّ شأنه، لقسميّ المستعجلات والقلب والشرايين في هذا المستشفى الذي وضعني كضيف على المملكة في خانة العناية القصوى في كل مراحل العلاج. ولا يمكنني القفز عما سمعته من طبيب القلب والشرايين في بلدي من مديح وثناء، عندما اطّلع على تسجيل العملية التي قام فيها الأطباء من المغرب الشقيق، بقيادة الطبيب البارع د. زهير الأكحل، ووصفه لما شاهده بأنه يشاهد عملية تتميز بالحرص الشديد على المريض، وبذل جهود فوق العادة، وأضعاف ما يمكن فعله في بلدان أخرى في مثل هذه العمليات.
هذا هو المستشفى العسكري في الرباط الذي يشكّل مفخرة لشعب المغرب الشقيق، ولأبناء الأمة، من المحيط إلى الخليج، الذي وردني عنه أن جلالة الملك محمد السادس قد أمر بفتح أبواب هذا المستشفى للفلسطينيين الذين تحولهم السفارة الفلسطينية في المغرب، وذلك كمكرمة ملكية لفلسطين وأهلها القابضين على وطنهم وقضيتهم كالقابض على الجمر.
وفي رسالة شكر وتقدير وثناء وجهتُها إلى سيادة الجنرال مفتش الصحة العسكرية في المملكة المغربية الشقيقة، قلت: لقد تركت رحلة العلاج والتطبيب والنقاهة، من الأثر ما يجعلني أثقف به كل من يصله صوتي من أبناء الشعب الفلسطيني، بخاصة في مدينة القدس، التي أديرُ الشأن الثقافي فيها على أكثر من صعيد. في الوقت الذي أعجز عن إيفائكم حقكم من عبارات الشكر والعرفان والامتنان.
ثالثًا: تركت في المغرب أحبّة يسكنون حدقة العين: العلمي ومسطفى والوافي والشاعر
ثلاثة أيام، كنت فيها ضيفًا ممثلًا لفلسطين في الملتقى المذكور، لم يبرحنا فيها الصديق "د. مراد الريفي العلمي"؛ منسق الملتقى، والصديق رشيد مسطفى، والرجل الطيب نور الدين نعينيعة. وأما الأيام العشرة الإضافية التي أمضيتها في هذا البلد الغالي، جعلتني أعيش على ثراه وبين أبنائه الذين غمروني بطيب الخلق، وحسن المعاملة، وصدق التعامل مع فلسطين وأهلها، بخاصة عندما يتعلق الأمر بالقدس التي تشكل قبلة هذا الشعب الطيب. فكان إلى جانبي، على مدار الساعة أخوة أعزاء، هم: رشيد مسطفى الذي احتضنني منذ لحظات الوجع الأولى، و"محمد الوافي"؛ الذي كلفه معالي وزير الثقافة والاتصال بترتيب دخولي إلى المستشفى العسكري، و"محمد الشاعر"؛ الذي هو الحارس الأمين على الشئون المالية والإدارية في وزارة الثقافة والاتصال، والمنسق الدائم لشئون ضيوفها واحتياجاتهم من الراحة والطمأنينة.
لم أرَ في "رشيد مسطفى" سوى الإبن البار بوالده، أو الشقيق الوفيّ لشقيقه. ففيه أنموذج البر والوفاء والقيم والرجولة والشهامة وحسن الخلق. لقد كان يقسم وقته بين عمله لوزارته ورفعة وطنه، ورعايتي والاهتمام بي للحد الذي جعل الأطباء والممرضين يعتقدون بصلة قربى بيننا، فضحك "رشيد" وقال لهم: إنها صلة المحبة والوفاء بين أبناء الأمّة. ولا يمكن هنا الإغفال عن دور زوجته الوفيّة التي تنازلت عن حق الأسرة في وقته لصالح ذلك الضيف الذي انقطعت فيه السبل عن أهله وذويه. ما أعظمها "أم أيمن"!
لم يتوقف الأمر عند ذلك، وإنما خصص "رشيد مسطفى" سيارته الخاصة للتجوال بي والتنقل من مكانٍ إلى آخر في مدينة الرباط الجميلة الأخّاذة، ثم زوّدني بما لديه من كتب تعريفيّة بالمغرب وتراثه وحضارته. بهذا، لا يتوقف الأمر عند "رشيد-الإنسان"، وإنما يتجلى الوجه الآخر له وهو "رشيد مسطفى" خير سفير بلده؛ يعرّف به ويسلط الضوء على معالمه العمرانية والحضارية وتراثياته المتراكمة عبر الأزمنة والعصور. لله درّك يا "رشيد مسطفى".. ما أروعك!
أما "محمد الوافي"؛ فهو ذلك الشاب الطموح الذي يرى بأن رسالته في الحياة أن يخدم بلده، وهو أنموذج على ما يبذله الشباب المغربي من أعمال تطوعية لصالح الفئات الفقيرة والمهمّشة من أبناء المجتمع المغربي. فهو مدير العلاقات العامة للجمعية المغربية لطب المستعجلات في المغرب الشقيق. يتمتع الوافي بشبكة علاقات واسعة للغاية في المغرب, وهذا ما لمسته من خلال إقامتي في المستشفى العسكري بالرباط، إذ كان للوافي الدور الرئيس في التنسيق ما بين السفارة الفلسطينية وإدارة المستشفى العسكري محمد الخامس بالرباط؛ بصفته مدير العلاقات العامة للجمعية المذكورة، كما تابعني، يوما بيوم ولحظة بلحظة، حتى غادرت المستشفى سالماً غانماً بحمد الله.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد, وإنما اتسع دوره التطوعي والتعاوني هذا لحد أنه ممثل لمجموعة استثمارية هندية في المغرب والدول الأفريقية. التي حضرت رئيستها "الأميرة سانيوجيس آفرى", واتفقت مع جامعتي الأخوين والقاضي عياض لفتح قنوات تبادل وتطوير آفاق للبحث العلمي بين الجانبين, كما أنها اتفقت مع والي جهة مراكش على بناء مشروع إسكان بحجم ثلاثة آلاف شقة لسكن اجتماعي, بالإضافة إلى فتح فرص عمل للطلبة المغربيين المتخصصين في فنون الطبخ والفندقة والسياحة.
ويبقى بيننا عهد المصحف الشريف الذي أهداني إياه "محمد الوافي" في لحظات الوداع الأخيرة، عصر السبت (09/12/2017م).
.
وأما "محمد الشاعر"، الحارس الأمين، والمدير الحريص على ما يقع تحت مسؤوليته من مهمات، فهو مفوّض بمتابعة شئون ضيوف وزارة الثقافة والاتصال. وقد وجدته نعم المضياف، ويسعى دومًا إلى أن يجمع بين ضبط المصروفات والتكاليف، وتوفير أفضل سبل الراحة للضيف. ولا أذكر أن يومًا مرّ دون أن أتلقى منه مكالمة، على الأقل، يطمئن فيها على سير الأمور، ويُتبعها بمكالمة أخرى مع إدارة الفندق؛ مطالبًا إياهم بمضاعفة الاهتمام بالضيف "الفلسطيني"، الذي هو بحاجة إلى رعاية خاصة؛ بسبب مغادرته للمستشفى للتو. ولعل أجمل هديّة قدّمها لي أنه كلّف الرجل الطيب "نور الدين نعينيعة"؛ الذي وجدت فيه المغربيّ الأصيل، الذي يعكس أجمل صورة عن بلده العظيم بقيادته وبأهله الكرام الطيبين.
بذلك؛ نكون أمام ظاهرة مغربية تجمع بين الرسمي والشعبي، بشكل متناغم، وبادوار متكاملة، ينتهي أمرها إلى خدمة من طوّح به الزمن لمرض أو فقر أو حاجة أو عَوَز.
ثالثًا: التراث الثقافي المغربي:
كما ذكرنا سابقًا، يشكل المغرب البوابة الغربية للوطن العربي، وهو بذلك يقابل العراق الذي يشكل البوابة الشرقية لهذا الوطن الكبير، الذي نرى في وحدة أرضه وترابه وثرواته ومكنوناته الحضارية والتراثية الأمل في عزة الأمة وكبريائها وحضورها بين أمم الأرض قاطبة.
أما على المستوى التراثي والحضاري، فقد حظيت بهديّة –لا تقدر بثمن- من الصديق الوفيّ "رشيد مسطفى" وهو مجلد يسبر غور "مواقع المغرب المسجّلة على قائمة التراث العالمي لليونيسكو". وهذا المجلّد من إصدار وزارة الثقافة المغربية بشراكة مع دار النشر "ملتقى الطرق"، ويتألف من (325) صفحة من القطع الكبير، تضم صورًا لمواقع أثريّة مغربيّة –غاية في الدقّة والوضوح-، ويصاحبها سرديّات جاءت بلغة جميلة، مكثّفة ومركّزة تُعَرِّف بتلك الصور وتصفها وتشرح عنها. قدّم له معالي السيد محمد الأمين الصبيحي/ وزير الثقافة المغربي في حينه. ولعله من دواعي غبطتي وسروري أن أتعرف على من قام بالتصميم الفني؛ الأستاذة فاطمة الزهراء عبقاري. بالاتكاء على البيانات والبيّنات الواردة في هذا المجلّد، نستطيع الاطلاع على مساحة واسعة من ملامح الواقع التراثي والحضاري في المملكة المغربية، منها:
1) هناك تسعة مواقع مغربية للتراث المادي متوّجة باعتراف منظمة اليونسكو، وستة عناصر من التراث غير المادي مسجلة بصفتها تراثًا ثقافيًا لا ماديًا للإنسانية. والمواقع التسعة هي: المدينة العتيقة لفاس، والمدينة العتيقة لمراكش، وقصر آيت بن حدو، والمدينة التاريخية لمكناس، والموقع الأثري لوليلي، والمدينة العتيقة لتطوان، والمدينة العتيقة للصويرة، والحي البرتغالي مازغان بالجديدة، ومدينة الرباط, الحاضرة التاريخية والعاصمة الحديثة. ولعل هذا ما أهل المغرب ليكون عضوًا في لجنة التراث العالمي المؤلفة من (21) دولة، وترأس لجنة التراث العالمي في العام 1999، التي كانت قد عقدت دورتها الثالثة والعشرين في مدينة مراكش.
2) الدولة المغربية، من جانبها، جعلت المحافظة على التراث الثقافي الوطني في صلب السياسات العمومية بهدف جعله رافعة للتنمية المستدامة.
3) لأن الغالبية العظمى للمواقع التراثية تتكون من الأنسجة الحضرية، ومن المدن التي تشكل مجموعات مركبة يتساكن فيها الماضي مع الحداثة، فإن الدولة التفتت إلى إشراك ساكني تلك المدن في كل عمليات الحماية والتثمين.
بمثابة وداع،
في مثل تلك اللحظات التي عشتها في المملكة المغربية، في مدينتيّ الدار البيضاء والرباط، بين زائرٍ وسائحٍ ومريضٍ ومتشافٍ من المرض، لا يمكنني أن أضبط إيقاع مشاعري التي تفلت مني؛ وتصبح خارج السيطرة، وأنا ألمس الواقع الطبّي المتقدم، والذي أشاد به الأطبّاء الفلسطينيين، الذين قرأت في عيونهم الإعجاب الشديد بما قام به أطباء المستشفى العسكري في الرباط من جهود على المستويات كافّة.
كما أنّه لا يمكنني مغادرة هذا المقال قبل أن أستذكر عشرات الكيلومترات التي ذرعتها بين الدار البيضاء والرباط، وأنا أراقب -على جانبي الطريق- مظاهر لحفظ كرامة الإنسان المغربي؛ بتوفير المساكن لمتوسطي الدخل، وما يتصل بها من الخدمات المختلفة، كالساحات والحدائق والملاعب. وما يحيط بهم من بيئة جميلة ونظيفة، خالية من الملوّثات. تلك الأجواء التي يمكننا أن نسقط عليها مقولة إنها "ترد الروح"!
وأما داخل هاتين المدينتين، فتجد حالة نهوض متسارعة نحو توفير كل متطلبات العيش الكريم للإنسان المغربي، في أجواء من اللحاق بالحضارة المعاصرة ومواكبة روح العصر. ويتكامل مع ذلك توفير سبل الوصول إلى المعرفة، عبر المكتبات الكبرى: العامة والخاصة، والتواصل مع العالم العربي والعالم الخارجي؛ من خلال السينما والمسارح والندوات والمؤتمرات التي تحيل المدن المغربية المختلفة إلى خلايا نحل، تعمل بلا كلل أو ملل. ويأتي هذا كله تحت ظلال حرّيّة العبادة، وتوفير أماكنها، وما مسجد المغفور له بإذن الله "الحسن الثاني" إلا أنموذجًا على ما تتميز به المملكة المغربية من حسن الاهتمام بالمساجد التي توفّر في البلد أجواء عبادة وتعبّد صافية، تريح البال وتشرح الفؤاد.
وتبقى الصورة الأجمل للمغرب، كما شاهدتها، وهي ذلك الأمن والأمان الذي يحظى به هذا البلد، دون غيره من بلدان المنطقة، والذي ما كان ليكون لولا حكمة القيادة، وعلى رأسها جلالة الملك محمد السادس، ووعي الشعب المغربي المعروف بعلمائه وفلاسفته ومفكريه الذين يشهد لهم القاصي والداني من العرب والعجم.
ستبقى تلك الصور الجميلة تتلألأ بين ناظريّ كل من يزور المغرب..
وأختم ببرقية من القدس عاصمة فلسطين وواسطة عقد الأمة.. إلى الرباط الرابضة على البوّابة الغربية لوطننا الغالي: بالغ التحية والتقدير.. وإلى لقاء يا مغرب العزة والكرامة.
[1] العروي، عبد الله (1996). مجمل تاريخ المغرب -1-. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء. المغرب. الطبعة الخامسة. ص: 124-129.
[2] العروي، عبد الله (1996). مجمل تاريخ المغرب -1-. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء. المغرب. الطبعة الخامسة. ص: 150.
[3] الخطيب، عماد (2017). السياسة الخارجية الأمريكية وتغليب المصالح الإستراتيجية وتأثير جماعات الضغط على القيم الإنسانية. صحيفة القدس، بتاريخ: 19/12/2017، ص: 13.
[4] دستور المملكة المغربية -2011-. إصدارات مركز الدراسات وأبحاث السياسة الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو. سلسلة نصوص قانونية - شتنبر 2011 ، العدد (19).
الرئيسية 
البوابة 
