بعض من اسرار حركة 14 تموز 1958
يجزم العقيد محسن الرفيعي في مذكراته المعنونة (انا والزعيم ),حيث كان يشغل منصب مدير الاستخبارات العسكرية في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم ,بان الزعيم عبد الكريم قاسم لم يكن ينتمي الى اي حزب سياسي .وكان شخصا مسلما ملتزما يؤدي فروضه الدينية من صوم وصلاة ويؤدي الزكاة ويكثر من قراءة القران الكريم ويساعد الفقراء .
وقد روجت اذاعة صوت العرب من القاهرة زمن الزعيم عبد الناصر لاكذوبة شيوعية الزعيم عبد الكريم قاسم واعطته اسما حركيا هو ( مطر ).وقد استدعى عبد الكريم قاسم مدير الامن العام عبد المجيد جليل ومدير الاستخبارات العسكرية العقيد محسن الرفيعي وقال لهما :
( يامحسن وانت ياعبد المجيد انتبها جيدا لما ساقوله لكما ,كان الشيوعيون في العهد الملكي يعملون وهم في السراديب ,وقد اتيحت لهم الفرصة بعد الثورة للعمل العلني ,فقد اخرجتهم انا من تلك السراديب ,وهم الان معروفون لاجهزتكم ,وانني امركم بان تقوم اجهزتكم بمكافحتهم ).
في اوائل العام 1963 وبينما كان محسن الرفيعي في غرفة الحاكم العسكري اللواء احمد صالح العبدي , دخل الزعيم عبد الكريم قاسم فوجه كلامه مباشرة الى العقيد محسن الرفيعي :
( يامحسن , الم اطلب منك نقل محمد حسين المهداوي من مديرية الاستخبارات العسكرية ؟) فاجابه الرفيعي قائلا :
(سيدي الزعيم انت تعرف انني قومي العقيدة وكنت منتظما قبل ثورة 14 تموز 1958 في صف القوميين , ثم اوقفت نشاطي بعد الثورة مباشرة , ولا يزال الحس القومي يجري في عروقي وسابقى كذلك , ولهذا السبب لاتطاوعني نفسي وانا اقولها بكل صراحة ان اسخر الجهاز الذي اراسه لمحاربة القوميين , في حين ان الشيوعيين من الضباط لايزالون في مناصبهم كالزعيم جلال الاوقاتي قائد القوة الجوية والعقيد طه الشيخ احمد مدير الخطط العسكرية والعقيد فاضل المهداوي رئيس المحكمة العسكرية الخاصة والعقيد ماجد محمد امين المدعي العام والعقيد وصفي طاهر المرافق الاقدم لسيادتكم وغيرهم الكثير ).
وطلب الزعيم عبد الكريم قاسم من العقيد محسن الرفيعي ان يقدم مقترحاته , فاقترح على عبد الكريم قاسم ان يقوم بجمع هؤلاء الضباط كما فعل جمال عبد الناصر وتبليغهم ان مصلحة العراق تقتضي بان يكون الجيش بعيدا عن السياسة وان الحقبة الانتقالية ستنتهي قريبا ,والشروع بانتخاب اعضاء المجلس الوطني سيكون قريبا , بل وقريبا جدا .
لذا فعلى من يرغب بممارسة السياسة ان يترك الجيش ,وهو حر في ان يمضي في الطريق الذي اختاره .اما من يفضل البقاء في المؤسسة العسكرية فعليه الابتعادعن السياسة ,واذا ثبت استمراره بالعمل السياسي فستتم ملاحقته قانونيا .فوافق الزعيم على مقترحه وطلب منه قائمة باسماء الضباط وقدعلم الرفيعي فيما بعد انه تم عرض مقترحه على قائد القوة الجوية جلال الاوقاتي فرفض ذلك المقترح .وقد قام محسن الرفيعي باعداد قائمة بالاسماء المطلوبة وسلمها الى الحاكم العسكري العام الذي احتفظ بها حتى يوم الانقلاب العسكري في الثامن من شباط 1963 , وعثر عليها في حيازته عند القاء القبض عليه .
عندما كان الرفيعي معتقلا في السجن رقم (1 )بعد الانقلاب العسكري في 8 شباط 1963 طلب منه الحضور الى الهيئة التحقيقية المنعقدة في مقر اللواء التاسع عشر في معسكر الرشيد في بغداد . وقد كانت القاعة مكتظة باركان حكومة عبد الكريم قاسم , ومن بينهم مدير الامن العام ووزير المعارف اسماعيل العارف وحامد قاسم شقيق الزعيم عبد الكريم قاسم .
وعند دخول الرفيعي غرفة الهيئة التحقيقية وجد فيها ثلاثة اشخاص , كان احدهم اللواء احمد صالح العبدي الحاكم العسكري العام ,اما الشخصان الاخران فاتضح له فيما بعد ان احدهما هو رئيس الهيئة التحقيقية والثاني عضو الهيئة . وقد اجلس رئيس الهيئة التحقيقية الرفيعي امامه وقدم له سيجارة . وبعد برهة من الزمن عرض على الرفيعي قائمة باسماء الضباط هي نفسها التي اعدتها مديرية الاستخبارات العسكرية وقدمها الرفيعي في حينه الى الحاكم العسكري العام .
وقد عرف رئيس الهيئة التحقيقية بنفسه للرفيعي بانه علي صالح السعدي امين سر حزب البعث العربي الاشتراكي ونائب رئيس الوزراء , والشخص الاخر هو حازم جواد وزير الاعلام .بعد ذلك اجاب الرفيعي عن سؤال صالح السعدي بخصوص قائمة الضباط .بعدها خرج علي صالح السعدي مصطحبا محسن الرفيعي ونادى على الضابط الذي اقتاد الرفيعي ابتداء من السجن وبصوت جهوري قائلا له ( بلغ مدير السجن باسمي بان يعتني بشؤون العقيد محسن , اذ سيطلق سراحه بعد ايام معدودة ).
وهذا ماحصل فعلا .وكان يتردد على الرفيعي في السجن العميد الطيار حردان التكريتي .
قضية كاظم العزاوي
القت اجهزة الامن العامة القبض على شخص يدعى كاظم العزاوي بعد مراقبته بدقة ,بتهمة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم , وبترتيب من مدحت الحاج سري . وتمت احالته على المحكمة العسكرية الخاصة . وبعد عدة جلسات من المرافعة نودي عليه , وقدمه رئيس المحكمة المهداوي قائلا :
( ان المتهم قد استيقظ ضميره, وسيدلي باعترافات جديدة ). وبدا المتهم كلامه ( ان مدحت الحاج سري المشرف الذي يقف وراء عملية الاغتيال اخبره بان كلا من رئيس مجلس السيادة والحاكم العسكري العام ومدير الشرطة العام ومدير الاستخبارات العسكرية متفقون معه ومشاركون في مؤامرة الاغتيال ,وان مدحت فاتح الشيخ حبيب الخيزران رئيس عشائر العزة بالاشتراك في العملية, الا ان الاخير رفض ذلك بدعوى ان الزعيم رجل وطني وانه لايوافق على اغتياله).وكان الاجراء القانوني في مثل هذه الحالات القاء القبض على كل الاشخاص الذين وردت اسمائهم في هذه الافادة .
وحتى لاترتبك عائلة الرفيعي فقد قرر ترك الدائرة والذهاب الى منزله , حيث وجد الكثير من اقاربه في الدار وهم في حالة ارتباك . وفي اليوم التالي ظهرت الصحف الشيوعية بعناوين بارزة وباللون الاحمر تعلن ان الاسماء المذكورة اسمائهم متامرون وضالعون مع مدحت الحاج سري والعزاوي في عملية اغتيال الزعيم .
وعند ذهاب الرفيعي الى مديرية الاستخبارات العسكرية رن الهاتف السري , وكان المتكلم مدير الامن , وهو في حالة عصبية جدا لما حدث يوم امس .فترجاه الرفيعي الحضور الى مديرية الاستخبارات العسكرية .واعقبه بعد ذلك مدير الشرطة العام للغرض نفسه .وعند حضورهما توجه الجميع الى مكتب الحاكم العسكري العام , وتوجه الجميع بصحبة الحاكم العسكري العام لمواجهة الزعيم عبد الكريم قاسم الذي استقبلهم بابتسامة ساخرة , وصادف ان كان المهداوي في غرفة المرافق الاقدم وصفي طاهر , فطلب الزعيم حضوره , وحال دخوله بادره الزعيم عبد الكريم قاسم قائلا :
( انت تبقى زمال ؟ ماذا تفوهت بالمحكمة مساء امس , تؤيد اقوال كاظم العزاوي عندما يفتري على المخلصين وتصف ذلك باستيقاظ الضمير ؟عليك اليوم ان تعقد جلسة وتصحح ماتفوهت به بالامس ).والتفت الينا قائلا :
(ان ماقيل عنكم في المحكمة يوم امس قد ينفعكم في المستقبل ). وهو ماحصل فعلا .
ختاما يقول الرفيعي في مذكراته ان كاظم العزاوي قد تم اجباره على تقديم شهادة زور بالاكراه من قبل المدعي العام العقيد الركن ماجد محمد امين .. ص 56
بعض الخفايا عن حركة 14تموز 1958
( ان القوة المسلحة والنقود هما من ادوات الدولة وليس السوق )
(فوظيفة الخطاب الايديولوجي المبتذل هي بالتحديد اخفاء الحقيقة )
المفكر الماركسي سمير امين
المقال ماخوذ جزء كبير منه من مذكرات العقيد محسن الرفيعي مدير الاستخبارات العسكرية في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم – اعداد وتحرير :الدكتور ستار جبار الجابري – ط 1 – 2010
في احدى الليالي في نادي القوة الجوية في الحبانية جلس العقيد محسن الرفيعي مع مقدم الجو الركن عارف عبد الرزاق وانضم احد الضباط البريطانيين والذي كان يعمل كمدرب لمنتسبي القاعدة الجوية . وبعد تبادل الانخاب قال هذا الضابط وبدون مقدمات :
(ان نوري السعيد قد تقدم به العمر , وهو غير محبوب من قبل الشعب العراقي , فهل لكما راي فيمن يقوم مقامه لو مات او تم تغييره؟) فقال له الضباط بانهم ضباط في الجيش العراقي ولا يحق لهم العمل بالسياسة , حينئذ قال لهما : مارايكما بان يحل محله اللواء غازي الداغستاني قائد الفرقة الثالثة ؟ , فاعادوا عليه الراي السابق .
واخبر فيما بعد عارف عبد الرزاق العميد محسن الرفيعي بان ضابط طيار بريطاني اخر اعاد عليه نفس السؤال في مطار الحبانية وانه اجابه الاجابة نفسها .وقد سبق ان كتب الطبيب صالح البصام جار نوري السعيد والذي قام بتهريبه الى دار الاستربادي في الكاظمية بعدحركة 14 تموز 1958 بانه ,اي البصام ,قد اقام سهرة على شرف السفير البريطاني في العراق يوم الرابع من تموز 1958 حيث تحدثت زوجة السفير البريطاني عن ضرورة تبديل طاقم الحكم في العراق , كما تحدث مسؤول اخر في السفارة البريطانية على منضدة اخرى على ضرورة تبديل حكام العراق الملكي .
هذا الامر يشير الى رغبة بريطانيا في تبديل رجالات العهد الملكي او اسقاط النظام , ولا يشترط في ذلك الاتفاق مع الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم , بل يكفي تسهيل مرور قطعات الانقلابيين بارادة بريطانية وهو ماحصل بالضبط .
يشيرالعقيد محسن الرفيعي الى ان قاسم وعبد السلام عارف اخفيا يوم تنفيذ الحركة عن اكثرية الضباط الاحرار واستحوذ الاثنان على كل المناصب المهمة , وهذا ديدن كل العسكريين .يؤكد العقيد محسن الرفيعي انه تقرر تنفيذ الحركة العسكرية في اكثر من مرة , وتم تاجيل التنفيذ في اللحظات الاخيرة دونما مسوغ .
وكاد هذا الامر ان يعرض التنظيم للخطر ,لولا اللغز الكبير ,وهو لغز عدم محاسبة حكام ماقبل الثورة لتنظيم الضباط الاحرار .والامر تكرر مع الزعيم عبد الكريم قاسم عندما تم ابلاغه من قبل العقيد محسن الرفيعي بموعد الانقلاب البعثي في الاول من شباط 1963 , لكن الانقلاب العسكري تاجل تنفيذه لاسباب مجهولة الى يوم الثامن من شباط 1963 . ولم يقم عبد الكريم قاسم بالتصرف ومحاسبة الضباط المتامرين .
في احدى المرات قرر العقيد عبد الوهاب الشواف تنفيذحركة انقلابية بالتعاون مع قطعات اللواء الخامس عشر والذي كان يقود احد افواجه العقيد عبد الغني الراوي , وابلغ الكثير من الضباط الاحرار بذلك على الرغم من معارضة اكثرية ضباط الهيئة العليا للتنفيذ ,الا ان الشواف اصر على التنفيذ . وتم جمع اكثر من (100)ضابط في معسكر ابو غريب لهذا الغرض . وقد تصرف الكثير منهم على عكس راي منظميهم الذين طلبوا منهم عدم المشاركة .
وهذا يعني عدم سيطرة الرؤوساء . وفي اللحظات الاخيرة اخبر الراوي الشواف عدم استعداده للتنفيذ وبحجج واهية :
(فتصور ايها القاريء الكريم كيف تجمع اكثر من مائة ضابط في المعسكر , ومن ثم تفرقوا دون ان تشعر بهم اجهزة الامن او الاستخبارات العسكرية , او ضباط خفر المعسكر لكافة وحداته ,وهذا الحدث يرجعنا الى اللغز الكبير ,لغز حكام العهد الملكي , وعدم محاسبة قادة الضباط الاحرار ) .
تشبث الضباط بالكراسي .
لقد قطعت حركة 14تموز 1958 العهد في بيانها الاول بانهاء الحقبة الانتقالية واجراء انتخابات عامة وحرة لاعضاء المجلس الوطني ,لكن مرت السنوات ولم تف القيادة بوعدها وقد رجا محسن الرفيعي الزعيم عبد الكريم قاسم ان ينهي الفترة الانتقالية , ووعده قاسم على ذلك لكنه لن يبر بوعده. وتكررت نفس الحالة ايام حكم الاخوين عارف .
خلاصات هامة :
لقد كانت الفوضى تضرب اطنابها فيما يتعلق باتصال الكثير من اعضاء الهيئة العليا للضباط الاحرار باشخاص يعتقد بانهم وطنيون من المنتمين الى الاحزاب الوطنية التي كانت تعمل في الساحة السياسية وتزويدهم بالمعلومات كافة عن العملية العسكرية . ووصل الامر الى موعد التنفيذ ,ضاربين بعرض الحائط الانتماءات لبعض هؤلاء لاجهزة الامن او علاقاتهم مع المخابرات البريطانية , او للوصي ونوري السعيدومن هم في خدمة النظام الملكي .
وقد ثبت ان ادق المعلومات قد وصلت عن الحركة العسكرية الى زعماء النظام الملكي قبل التنفيذ , وكذلك المخابرات البريطانية .يؤكدالعقيد محسن الرفيعي في مذكراته بان لديه معلومات دقيقة على ان البريطانيين كانوا على علم مسبق ب (الثورة ),ولديهم رغبة اكيدة في التغيير .